محمد مصطفى العمراني - بانتظار حورية البحر!

القصة التي سأرويها لكم لن يصدقها أحد ، أنا شخصيا ما زلت أشك في صحتها ، ربما هذه أغرب قصة عشتها في حياتي ، ومنذ سنوات وأنا أفكر في حقيقتها .!

قبل سنوات ذهبت برحلة استجمام إلى المكلا بساحل حضرموت ، سكنت في منزل صديق لي قرب الساحل ، ومنذ وصلت المكان واختلطت بالناس سمعت شائعات كثيرة عن رجل الأعمال حامد بامؤمن الذي يسكن بجوارنا .

هناك من يقول بأنه قد أختلس الملايين أيام عمله بشركة نفط أجنبية ، ومن يرى بأنه رجل أعمال ناجح بدأ من الصفر ، وهناك من يقول بأنه يتاجر بالمخدرات ، شائعات كثيرة يصعب حصرها .

عند باب فيلا حامد بامؤمن تتجمع عشرات النسوة كل يوم بأطفالهن وهو كنهر من الخير يتدفق بلا توقف ، في رمضان يقيم موائد الإفطار ، وله جهود خيرية كثيرة .

تجاوزت الساعة الواحد بعد منتصف الليل ولكني لم أنم ، خرجت إلى البلكونة ، الحارة ساكنة لا يقطع ليلها سوى مرور سيارة عجلى أو صوت نباح كلب من بعيد ، نظرت إلى فيلا بامؤمن وتمنيت أن يأتي يوم وأمتلك فيلا مثلها ، لم يدم نظري فقد فوجئت بحامد بامؤمن يخرج من الباب الخلفي وبيده كرسي ويذهب إلى الشاطئ ، عدت إلى فراشي وحاولت النوم ولكن دون جدوى ولا أدري كيف أنشغل ذهني بهذا الرجل الغامض ؟!

خرجت إلى البلكونة بعد ساعة فرأيته وقد رجع من البحر ، رأيته بعد ذلك يخرج كل ليلة ، يغيب لمدة ساعة ويعود .!

ذات ليلة قررت أن أتبعه إلى ساحل البحر لأرى ماذا يفعل ؟

وتبعته ..

كان يجلس على كرسيه قريبا من البحر ويرفع يده كأنه يحيي شخصا في البحر لا أراه ، اقتربت منه وسألته :

ـ هل وجدت ساعة هنا ؟

وأضفت :

ـ لقد فقدت ساعتي الغالية هنا في النهار ولم أنم من القهر .

وقبل أن يتحدث خلع ساعته الثمينة وناولني :

ـ هذه الساعة خذها هدية مني

فوجئت بما فعله فارتبكت ولم أدر ماذا أفعل وحين ظلت يده ممدودة أخذت الساعة ولبستها وأنا غير مصدق ما يحدث .

ـ أنت لم تفقد ساعتك أنت تريد معرفة سبب خروجي للبحر كل ليلة

فأجاني بمعرفته للحقيقة ، خلعت الساعة وأعدتها إليه فأقسم أنها لي ، وقبل ان أشكره قاطعني :

ـ إذا أخبرتك بالحقيقة هل ستصدقني ؟

قلت دون تردد :

ـ سأصدقك قل ..

ومضى يتحدث :

قبل 15 عاما كان علي دين كأنه جبل ثقيل فوق ظهري واقترب وقت قضاء الدين ، أظلمت الدنيا في عيني وحاولت بشتى الطرق والوسائل أن أسدد الدين ولكني عجزت ومن شدة الهم لم أستطع النوم ، تقلبت في فراشي وعندما تجاوزت الساعة الواحد منتصف الليل وجدتني أخرج من منزلي وأذهب إلى البحر ، لقد هممت ان أرمي نفسي في البحر وانتحر غرقا لكنني تراجعت في آخر لحظة وبقيت في هذا المكان أفكر واستغفر الله وأدعوه أن يفرج همي وفجأة رأيت ضوء غريب يقترب من الساحل قربي ثم يختفي ، كأنه غواص يحمل مصابيح غريبة يشعلها ثم يطفئها ثم أختفى .!

فكرت في الأمر حينها وقلت : لعله نوع غريب من الأسماك يقترب من الشاطئ ويختفي ، ثم نسيت الأمر .

في الليلة الثانية ألح علي إحساس غريب بأن أخرج إلى هذا المكان فحملت الكرسي وخرجت إلى هنا ، بعد ان جلست أنصت إلى الأمواج وأفكر وأتأمل إذا بتلك الأضواء الغريبة تعاود الظهور وتقترب أكثر ، هممت ان أقوم من مكاني وأقترب منها غير أني لم أجرؤ على القيام ثم اختفت .

في الليلة الثالثة قررت أن اقترب من الضوء وأعرف حقيقته وليكن ما يكون ، وبالفعل بعد أن جلست لمدة ربع ساعة عاودت الأضواء الظهور فقمت من مكاني واقتربت منها ، لقد صعقني ما رأيت وجعلني أتسمر في مكاني ، لقد خيل إلي أنني رأيت وجه فتاة ثم انطفئت الأضواء واختفت في الماء .!

عدت إلى مكاني وبقيت أسأل نفسي :

ـ هل رأيت وجه فتاة فعلا أم أنها خيالات ؟!

ليلتها لم أنم من التفكير ، تصور لقد نسيت الدين الذي علي والذي لم يبق لموعد سداده سوى أيام ، علي تسديد الدين أو سأذهب إلى السجن ، لقد أنشغل ذهني بما يحدث لي بالشاطئ عن كل شيء آخر ، كنت قد قرأت عن أسماك نادرة لها وجه يشبه وجه الانسان وكان هذا هو التفسير الذي أقنعت به نفسي حينها .

في الليلة التالية جئت إلى هنا وبعد أن ظهرت الأضواء واقتربت بقيت أشير لها بيدي ملوحا ، وهكذا مر أسبوع وأنا على هذا الحال ، بعد ذلك ظهرت لي حورية البحر بوجهها الفاتن ، نصف جسمها العلوي فتاة كاملة الأنوثة ونصفها السفلي سمكة ، لقد تسمرت عندما رأيتها تقترب مني ولم أستطع حتى النطق ، جف ريقي ويبست لساني ، بقيت يدي مرفوعة كأنها قد تخشبت .!

اقتربت مني ودارت حولي ثم ضحكت وعادت إلى الماء ثم اختفت وانا متسمر على الكرسي كأنني تمثال ، بعد وقت قصير من غيابها بدأت اتحرك وأتحسس نفسي لأتأكد هل ما يحدث لي حقيقة أم أنه حلم .!

في الليلة التي بعدها تشجعت وحدثتها عندما ظهرت لي قالت :

ـ لا تستغرب وجود حوريات البحر وتذكر قوله تعالى " ويخلق ما لا تعلمون " .

وحدثتني عن قصص من عالم البحر وحدثتها عن عالم البر ، وبقينا نتحدث لأيام حتى كانت تحدثني وأنا شارد الذهن مهموم بأمر الدين الذي علي فسألتني :

ـ ما لك مهموم ؟

فأخبرتها بالقصة فطلبت مني أن أنتظر وغابت وتأخرت حتى ظننت انها لن تأتي وهممت بالعودة لكني رأيت الضوء يأتي من بعيد ، ولما وصلت تقيأت في حجري مئات اللؤلؤ المدهشة ولشدة فرحتي حملت اللؤلؤ وانصرفت حتى انني نسيت أن أشكرها أو أحمل الكرسي معي .!

ذهبت باللؤلؤ إلى تاجر مجوهرات كبير في المكلا فلما رآها أندهش وسألني :

ـ أين عثرت عليها ؟!

فقلت :

ـ رزق الله ، المهم هل ستبيعه لي ؟

أخبرني أن لؤلؤ بهذه الكمية لا يمكن بيعه إلا في دبي وفعلا سافرنا إلى دبي وبعنا اللؤلؤ بمبلغ لم أكن أحلم به ، أعطيته عمولته وعدنا للمكلا ، اشتريت الفيلا وأسست لي شركة وفتح الله علي .

ومن يومها أخرج كل ليلة إلى الشاطئ انتظرها .

قاطعته :

ـ هل رأيتها بعد ذلك ؟

أجابني وهو يتنهد :

ـ رأيتها مرة بعد سنوات لكنها كانت غاضبة علي وقالت :

ـ الإنسان أول ما رأى اللؤلؤ نساني ونسى الكرسي ونسى نفسه .!

حاولت الاعتذار لكنها ضحكت بسخرية ثم عادت إلى عالمها .

في اليوم الثاني قلت لنفسي : أنني مديون وأحلم بأن أشتري فيلا وشركة وحالتي الآن تصعب على الكافر مش إلا حوريات البحر ، ولذا قررت أن أعمل مثل حامد بامؤمن .

اشتريت كرسي وبقيت أنتظر بفارغ الصبر ، فلما انتصف الليل خرجت إلى شاطئ بعيد وبقيت أنتظر ظهور الأضواء الغريبة .

بقيت أتخيل شكل الحورية التي ستظهر لي والقصص التي سأرويها لها واللؤلؤ الذي ستأتي به إلي ولسان حال :

ـ أنا ورزقي .

لم تمض ساعة حتى هجم علي جنود الشرطة ، ألقوا القبض علي واتهموني بأني تاجر مخدرات انتظر شحنة تأتي من البحر .!

حاولت أن أشرح لهم أنني أنتظر حورية البحر واللؤلؤ ولكنهم سخروا مني وضربوني حتى أغمي علي ولم يتوقفوا عن ضربي إلا بعد أن أخبرتهم أنني صديق لحامد بامؤمن الذي جاء مشكورا وأخرجني بضمانته على أن أغادر المكلا وفعلا غادرت المكلا في اليوم التالي وأنا أتألم من الضرب المبرح والكدمات التي في جسمي ولسان حالي :

ـ واحد تطلع له حورية بلؤلؤ وواحد يطلعوا له عسكر ببنادق .!

********

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى