ما الفترة الزمنية التي أنفقها محمود درويش في السجن، وكيف انعكست في أشعاره؟ وما الذي بقي منها؟ وهل شكّل السجن له ما شكله للكاتب السوري محمد الماغوط؟ سُجن الأخير لفترة قصيرة، ولكنه ظل طيلة حياته يمنح منها ويكتب للحرية، مصوراً الرعب الذي عاناه جراء تلك التجربة المحدودة. فيما اعرف انفق محمود درويش فترة من حياته، لا تكاد تتجاوز اشهرا معدودة، في السجون الإسرائيلية، ولعله لم يبق حيا من أشعاره التي كتبها فيها سوى قصيدته التي يغنيها مارسيل خليفة "أحن الى خبز أُمي"، أما بقية قصائده التي قالها في السجن فما عاد يذكرها إلا دارس ينقب في أشعار الشاعر، علماً بأن قسما منها ظل حيا لفترة طويلة، ولم يتراجع إشعاعه الا حين راجت قصائد اخرى جديدة للشاعر أخذ يقرؤها ويصر على قراءتها، متغافلا عن قراءة قصائده الأولى المبكرة. في ٧٠ ق ٢٠ كنا نحفظ قصيدة "برقية من السجن" وقصيدة "رد الفعل" عن ظهر قلب، هل نسينا يوما بيته من الأولى: من آخر السجن طارت كف أشعاري تشد أيديكم ريحا .. على نار؟ وهل نسينا قوله من الثانية: يا دامي العينين والكفين / إن الليل زائل / لا غرفة التوقيف باقية / ولا زرد السلاسل / نيرون مات / ولم تمت روما/ بعينها تقاتل؟
لا أظن اننا نسينا هذه المقاطع / على الرغم من اننا اخذنا نكرر اسطرا شاعت وانتشرت مثل: "ونحن نحب الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلا" أو "على هذه الأرض ما يستحق الحياة / أُم البدايات أُم النهايات / كانت تسمى فلسطين / صارت تسمى فلسطين".
انعكست تجربة السجن في دواوين الشاعر في الفترة التي صدرت فيها وكانت قريبة من تجربة السجن "عاشق من فلسطين" (١٩٦٦) و"آخر الليل" (١٩٦٨)، وفي هذين الديوانين كتب درويش قصائد "برقية من السجن" و"السجن" و"تحد" و"كبر الأسير" و"القتيل رقم ٤٨" و"رد الفعل" و"لا جدران للزنزانة". في "برقية من السجن" يوضح الشاعر سبب زجه في السجن: مهر الحرف. وهكذا كانت الأصفاد أساور أشعاره وإصراره. هل نال السجن من عزيمة الشاعر الشاب يومها؟ سيخاطب درويش السجان قائلاً: في حجم مجدكم نعلي، وقيد يدي في طول عمركم المجدول بالعار وسيخاطب أحباءه قائلا لهم: انه في السجن اسرى محبتهم و: في اليوم أكبر عاما في هوى وطني فعانقوني عناق الريح للنار. حقا بم يختلف السجن عن إقامته في حيفا التي فرضت عليه فيها الإقامة الجبرية؟ تغير عنوان بيته وموعد أكله ومقدار تبغه ولون ثيابه ووجهه وشكله، وحتى القمر صار عزيزا عليه، لكنه صار أحلى واكبر، كما صارت رائحة الارض عطرا وطعم الطبيعة سكرا. ولن يفت هذا من عضده ولن يضعف من عزيمته، وعلى العكس فإنه سيقولها في غرفة التحقيق وتحت السوط، تحت القيد، في عنف السلاسل: "مليون عصفور / على أغصان قلبي / يخلق اللحن المقاتل" وحين يخاطب الشاعر، وهو في السجن / النبي العربي الكريم، ويسأله الأخير: من أنت؟ يجيبه الشاعر: "سجين في بلادي / بلا ارض / بلا علم / بلا بيت"، فقد رمى العدو اهله في المنفى وجاء العدو يشتري النار من صوت الشاعر، مقابل ان يخرجه من ظلام السجن، حينها يأتيه جواب النبي العربي: "- تحد السجن والسجان / فإن حلاوة الإيمان / تذيب مرارة الحنظل". ويكبر الأسير، وسيرى ان الأمر يشمل كل بيارات أهله، وكل من بقي مقيما في فلسطين تحت الاحتلال، حتى الذي يبحث عن عمل، إن السجين في مقطع "القتيل رقم ٤٨" - وكان هذا إنساناً فقيرا - ان السجين كان طفلاً يوم قتل أخوه، وحين شب ومضى يبحث عن شغل بأسواق المدينة حبسوه، فهو لا يحمل تصريح عمل. وسيكرر درويش في غير قصيدة سبب اعتقاله هو: "الآن أغنية تدافع عن عبير البرتقال / وعن التحدي والغضب / دفنوا قرنفلة المغني في الرمال؟". وكما أن غرفة التوقيف ليست باقية نجد الشاعر في "السجين والقمر" يدرك ان السجن سيصبح ذكرى، فسيحلم بالمطر وسيحدث السمراء، عن طعم السلاسل، وسيقول: موعدنا القمر. السجن معلم وبؤرة إشعاع. انه ليس قبرا، ان ردة فعل الاعتقال مغايرة كليا لما يريده السجان ولما ينشده: ان حديد سلاسل السجين يعلمه عنف النسور ورقة المتفائل، وحين سدّوا النور عليه في زنزانة توهجت في القلب شمس مشاعل و..و.. و كتبوا على الجدران رقم بطاقتي فنما على الجدران .. مرج سنابل رسموا على الجدران صورة قاتلي فمحت ملامحها ظلال جدائل والزنزانة لا تقتل الشاعر قدر ما تنقذه من الموت ومن صدأ الفكر والاحتيال على فكرة منهكة، وعلى شغفها، سقف الزنزانة يجد الشاعر وجه حريته وبيارة البرتقال وهكذا يكرر في نهاية القصيدة "لا جدران للزنزانة" يكرر ما افتتحها به: "كعادتها / انقذتني من الموت / زنزانتي / وجدت على سقفها وجه حريتي / فشع جبينك فوق الجدار". هل انتهت كتابة الشاعر، بعد خروجه من الأرض المحتلة، عن السجن؟ في العام ١٩٨٦ سيكتب قصيدة عنوانها "أربعة عناوين شخصية" أولها: متر مربع في السجن، السجن والمقعد في القطار، وحجرة العناية الفائقة، وغرفة الفندق هي عناوينه الشخصية. هل كره درويش أبناء سجانيه؟ "أحب الطبيعة بين الخريف وبين الشتاء وأبناء سجاننا، والمجلات فوق الرصيف البعيد، وألفت عشرين أغنية في / هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيه، حريتي: أن أكون كما لا يريدون لي أن / أكون، وحريتي: أن اوسع زنزانتي، ان أواصل أغنية الباب ..". لم يقتل السجن والزنزانة فيه شبقه للكتابة، ولم يدفعاه الى العزلة، لقد وسع السجن له المجال ليواصل أغنياته. وسيستحضر الشاعر، وهو في باريس في العام ١٩٩٤، تجربة السجن ثانية، وسيتخذ هذه المرة من تجربة أبي فراس الحمداني مدخلا ليعبر عن تجربته هو، وسيرى ما رآه من قبل: الزنزانة لا تقتله ولا تجعله يرى فيها قبرا له. "وزنزانتي اتسعت شارعا شارعين، وهذا الصدى صدى، بارحا سانحا، سوف اخرج من حائطي كما يخرج الشبح الحر من نفسه سيدا وأمشي الى حلب..." في العام 2000 يكتب الشاعر "جدارية" وحين كان زار عكا بعد غياب عنها امتد ربع قرن، فإنه سيتذكر السجن، سيلتقي بابن سجانه القديم، وسيسأله عن أبيه الذي توفي من سنتين، فقد أصيب بالإحباط من سأم الحراسة، ولكنه أورث مهمته ومهنته لابنه وأوصاه بأن يحمي المدينة من نشيد الشاعر. لا شيء فعله درويش يستحق عليه السجن سوى كتابة النشيد. الفكرة نفسها التي لاحظناها في قصائده الاولى: مهر الحرف، في "جدارية" نقرأ: "قلت: منذ متى تراقبني وتسجن / في نفسك؟/ قال: منذ كتبت اولى اغنياتك قلت: لم تك قد ولدت فقال: لي زمن ولي أزلية / وأريد أن أحيا على إيقاع أمريكا / وحائط اورشليم. فقلت: كن من أنت. لكني ذهبت، / ومن تراه الآن ليس أنا، أنا شبحي / فقال: كفى؟ ألست اسم الصدى / الحجري؟ لم تذهب ولم ترجع اذا./ ما زلت داخل هذه الزنزانة الصفراء، فاتركني وشأني! قلت: هل ما زلت موجودا / هنا؟! أأنا طليق او سجين دون / أن ادري. وهذا البحر خلف السور بحري؟ قال لي: انت السجين، سجين نفسك والحنين. ومن تراه الآن / ليس أنا. أنا شبحي؟. هل تخلص درويش اذن من تجربة السجن بعد مغادرته فلسطين في العام 1970 / 1971؟ درويش لم يعد يدري أهو طليق او سجين، فالبحر بحره، وسيرى ابن السجان - وهو الذي ورث مهنة ابيه - أن درويش سجين نفسه والحنين. في العام 2006 سيزور الشاعر حيفا ليقرأ فيها شعرا، وسيكتب عن الزيارة قصيدة "أنت، منذ الآن، أنت". كأنه لا راح ولا جاء. انه هو هو: "كأني لم أذهب بعيدا. كأني عدت من زيارة قصيرة لوداع صديق مسافر". وحين يمر بالقرب من السجن يكتب: "أعبر من شارع واسع الى جدران سجني القديم، وأقول: سلاما يا معلمي الأول في فقه الحرية، كنت على حق: فلم يكن الشعر بريئاً" و"حيفا تقول لي: أنت، منذ الآن، أنت". حقاً لم يكن الشعر بريئا، والسجن كان معلم الشاعر الأول في فقه الحرية، وكم خرجت السجون من مثقفين وواعين وقياديين؟! منهم من واصل ومنهم انتكس ومنهم، وربما نتذكر قول درويش: "ومن كف يوما عن الاحتراق/ أعار أصابعه للضماد / وصرح للصحفي وللعدسات: جريح أنا يا رفاق / ونال وساما .. وعاد". ولم يكف الشاعر عن الاحتراق، ظل شمعة مشتعلة حتى أطفأها الزمن.
لا أظن اننا نسينا هذه المقاطع / على الرغم من اننا اخذنا نكرر اسطرا شاعت وانتشرت مثل: "ونحن نحب الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلا" أو "على هذه الأرض ما يستحق الحياة / أُم البدايات أُم النهايات / كانت تسمى فلسطين / صارت تسمى فلسطين".
انعكست تجربة السجن في دواوين الشاعر في الفترة التي صدرت فيها وكانت قريبة من تجربة السجن "عاشق من فلسطين" (١٩٦٦) و"آخر الليل" (١٩٦٨)، وفي هذين الديوانين كتب درويش قصائد "برقية من السجن" و"السجن" و"تحد" و"كبر الأسير" و"القتيل رقم ٤٨" و"رد الفعل" و"لا جدران للزنزانة". في "برقية من السجن" يوضح الشاعر سبب زجه في السجن: مهر الحرف. وهكذا كانت الأصفاد أساور أشعاره وإصراره. هل نال السجن من عزيمة الشاعر الشاب يومها؟ سيخاطب درويش السجان قائلاً: في حجم مجدكم نعلي، وقيد يدي في طول عمركم المجدول بالعار وسيخاطب أحباءه قائلا لهم: انه في السجن اسرى محبتهم و: في اليوم أكبر عاما في هوى وطني فعانقوني عناق الريح للنار. حقا بم يختلف السجن عن إقامته في حيفا التي فرضت عليه فيها الإقامة الجبرية؟ تغير عنوان بيته وموعد أكله ومقدار تبغه ولون ثيابه ووجهه وشكله، وحتى القمر صار عزيزا عليه، لكنه صار أحلى واكبر، كما صارت رائحة الارض عطرا وطعم الطبيعة سكرا. ولن يفت هذا من عضده ولن يضعف من عزيمته، وعلى العكس فإنه سيقولها في غرفة التحقيق وتحت السوط، تحت القيد، في عنف السلاسل: "مليون عصفور / على أغصان قلبي / يخلق اللحن المقاتل" وحين يخاطب الشاعر، وهو في السجن / النبي العربي الكريم، ويسأله الأخير: من أنت؟ يجيبه الشاعر: "سجين في بلادي / بلا ارض / بلا علم / بلا بيت"، فقد رمى العدو اهله في المنفى وجاء العدو يشتري النار من صوت الشاعر، مقابل ان يخرجه من ظلام السجن، حينها يأتيه جواب النبي العربي: "- تحد السجن والسجان / فإن حلاوة الإيمان / تذيب مرارة الحنظل". ويكبر الأسير، وسيرى ان الأمر يشمل كل بيارات أهله، وكل من بقي مقيما في فلسطين تحت الاحتلال، حتى الذي يبحث عن عمل، إن السجين في مقطع "القتيل رقم ٤٨" - وكان هذا إنساناً فقيرا - ان السجين كان طفلاً يوم قتل أخوه، وحين شب ومضى يبحث عن شغل بأسواق المدينة حبسوه، فهو لا يحمل تصريح عمل. وسيكرر درويش في غير قصيدة سبب اعتقاله هو: "الآن أغنية تدافع عن عبير البرتقال / وعن التحدي والغضب / دفنوا قرنفلة المغني في الرمال؟". وكما أن غرفة التوقيف ليست باقية نجد الشاعر في "السجين والقمر" يدرك ان السجن سيصبح ذكرى، فسيحلم بالمطر وسيحدث السمراء، عن طعم السلاسل، وسيقول: موعدنا القمر. السجن معلم وبؤرة إشعاع. انه ليس قبرا، ان ردة فعل الاعتقال مغايرة كليا لما يريده السجان ولما ينشده: ان حديد سلاسل السجين يعلمه عنف النسور ورقة المتفائل، وحين سدّوا النور عليه في زنزانة توهجت في القلب شمس مشاعل و..و.. و كتبوا على الجدران رقم بطاقتي فنما على الجدران .. مرج سنابل رسموا على الجدران صورة قاتلي فمحت ملامحها ظلال جدائل والزنزانة لا تقتل الشاعر قدر ما تنقذه من الموت ومن صدأ الفكر والاحتيال على فكرة منهكة، وعلى شغفها، سقف الزنزانة يجد الشاعر وجه حريته وبيارة البرتقال وهكذا يكرر في نهاية القصيدة "لا جدران للزنزانة" يكرر ما افتتحها به: "كعادتها / انقذتني من الموت / زنزانتي / وجدت على سقفها وجه حريتي / فشع جبينك فوق الجدار". هل انتهت كتابة الشاعر، بعد خروجه من الأرض المحتلة، عن السجن؟ في العام ١٩٨٦ سيكتب قصيدة عنوانها "أربعة عناوين شخصية" أولها: متر مربع في السجن، السجن والمقعد في القطار، وحجرة العناية الفائقة، وغرفة الفندق هي عناوينه الشخصية. هل كره درويش أبناء سجانيه؟ "أحب الطبيعة بين الخريف وبين الشتاء وأبناء سجاننا، والمجلات فوق الرصيف البعيد، وألفت عشرين أغنية في / هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيه، حريتي: أن أكون كما لا يريدون لي أن / أكون، وحريتي: أن اوسع زنزانتي، ان أواصل أغنية الباب ..". لم يقتل السجن والزنزانة فيه شبقه للكتابة، ولم يدفعاه الى العزلة، لقد وسع السجن له المجال ليواصل أغنياته. وسيستحضر الشاعر، وهو في باريس في العام ١٩٩٤، تجربة السجن ثانية، وسيتخذ هذه المرة من تجربة أبي فراس الحمداني مدخلا ليعبر عن تجربته هو، وسيرى ما رآه من قبل: الزنزانة لا تقتله ولا تجعله يرى فيها قبرا له. "وزنزانتي اتسعت شارعا شارعين، وهذا الصدى صدى، بارحا سانحا، سوف اخرج من حائطي كما يخرج الشبح الحر من نفسه سيدا وأمشي الى حلب..." في العام 2000 يكتب الشاعر "جدارية" وحين كان زار عكا بعد غياب عنها امتد ربع قرن، فإنه سيتذكر السجن، سيلتقي بابن سجانه القديم، وسيسأله عن أبيه الذي توفي من سنتين، فقد أصيب بالإحباط من سأم الحراسة، ولكنه أورث مهمته ومهنته لابنه وأوصاه بأن يحمي المدينة من نشيد الشاعر. لا شيء فعله درويش يستحق عليه السجن سوى كتابة النشيد. الفكرة نفسها التي لاحظناها في قصائده الاولى: مهر الحرف، في "جدارية" نقرأ: "قلت: منذ متى تراقبني وتسجن / في نفسك؟/ قال: منذ كتبت اولى اغنياتك قلت: لم تك قد ولدت فقال: لي زمن ولي أزلية / وأريد أن أحيا على إيقاع أمريكا / وحائط اورشليم. فقلت: كن من أنت. لكني ذهبت، / ومن تراه الآن ليس أنا، أنا شبحي / فقال: كفى؟ ألست اسم الصدى / الحجري؟ لم تذهب ولم ترجع اذا./ ما زلت داخل هذه الزنزانة الصفراء، فاتركني وشأني! قلت: هل ما زلت موجودا / هنا؟! أأنا طليق او سجين دون / أن ادري. وهذا البحر خلف السور بحري؟ قال لي: انت السجين، سجين نفسك والحنين. ومن تراه الآن / ليس أنا. أنا شبحي؟. هل تخلص درويش اذن من تجربة السجن بعد مغادرته فلسطين في العام 1970 / 1971؟ درويش لم يعد يدري أهو طليق او سجين، فالبحر بحره، وسيرى ابن السجان - وهو الذي ورث مهنة ابيه - أن درويش سجين نفسه والحنين. في العام 2006 سيزور الشاعر حيفا ليقرأ فيها شعرا، وسيكتب عن الزيارة قصيدة "أنت، منذ الآن، أنت". كأنه لا راح ولا جاء. انه هو هو: "كأني لم أذهب بعيدا. كأني عدت من زيارة قصيرة لوداع صديق مسافر". وحين يمر بالقرب من السجن يكتب: "أعبر من شارع واسع الى جدران سجني القديم، وأقول: سلاما يا معلمي الأول في فقه الحرية، كنت على حق: فلم يكن الشعر بريئاً" و"حيفا تقول لي: أنت، منذ الآن، أنت". حقاً لم يكن الشعر بريئا، والسجن كان معلم الشاعر الأول في فقه الحرية، وكم خرجت السجون من مثقفين وواعين وقياديين؟! منهم من واصل ومنهم انتكس ومنهم، وربما نتذكر قول درويش: "ومن كف يوما عن الاحتراق/ أعار أصابعه للضماد / وصرح للصحفي وللعدسات: جريح أنا يا رفاق / ونال وساما .. وعاد". ولم يكف الشاعر عن الاحتراق، ظل شمعة مشتعلة حتى أطفأها الزمن.