أحمد عبد الله إسماعيل - درويش.. قصة قصيرة

رأيت في منامي، رجلًا يمشي على وجلٍ، وحيدًا في صباح يوم تفتحت فيه الأزهار، يحمل في نظراته أملًا، سمعته يقول، إنه لا يتخوف سوى من تشتتنا بعد موته، يلعن الأنانية، ويترقب نظراتي، ثم أوصاني بأخي الأكبر، تعجبت كثيرًا، حاولت معرفة المزيد، استيقظت فجأة على صوت صدر من إحدى السيارات المارة في الشارع: "أي حاجة قديمة، أي غسالة قديمة للبيع"، أخذ الصوت يخفت، ويتلاشى صداه حتى سمعت آخر ينادي : "بواقي زيت الطعام، بواقي زيت السمك، الكيلو بعشرة جنيه!"، لم أدهش؛ فما أحوج الناس إلى المال، وما أكثر المطاعم التي تئن تحت وطأة ارتفاع الأسعار، والناس لديها أسنان تمضغ الزلط، ومعدة تهضمه.
تحيرت، مرتبكًا في تجهم، من ينبئني بتأويل رؤياي؟ هل أذهب إلى كهنة آمون أم أقصد يوسف الصديق؟ تملكتني الحيرة من هذا الحلم الذي لم أفهمه، خلته أضغاث أحلام.
استجمعت قواي، وتوجهت إلى سيدي السطوحي الملثم، وسألته ملتمسًا الإجابة: "هل عندك تفسير يا سيدي؟!"
هزَّ رأسه رافضًا، كررت عليه السؤال، فنظر في سماحة مداعبًا: "أنت مُتعب، و أضحكني، ثم أبكاني".
تدفق القلق في قلبي، وتملكني الخوف، وجف حلقي، ثم جفف دموعي بطرف البردة الخضراء التي يلتحف بها، حتى علت نبرات صوته: "أخوك بحق بركة آل البيت"، ثم اختفى فجأة، فسمعت من يؤذن في المدائن، أقبلت عليهم: "ماذا تفقدون؟"، أما أخي فقد رأيته وكأنه يحتضر، حتى انجلى أمامي سيدي المرسي، وسأل: "هل تتركه؟ ألن تشد عضده؟ هل ينال منه الناس وأنت أنت؟ وما قيمة المال إن ضاع؟ لا تلتفت، واصنع المعروف".
على فراشي، أرى رجلًا، سمح الوجه، بقّع شعره الشيب، تبسم ضاحكًا، رفع الغطاء وجلس بجانبي، قال إنه سيدي برهان الدين، ثم سألني: "أين أجد السعادة؟"
مر ردح من الزمن، أفكر في عجب، فربَّت بيده على كتفي ثم مسح بها على رأسي وقال: "ردد يا درويش، يا لطيفًا بخلقه، يا عليمًا بخلقه، يا خبيرًا بخلقه، الطف بنا يا لطيف يا عليم يا خبير"، ثم عدت إلى نفسي أتساءل: "ماذا قال آنفًا!"
التصقت بأخي كالبنيان، يشد بعضنا بعضا، وفي نومي رأيت امرأة شديدة الوضاءة، وجهها أبيض مُشربٌ بحمرة، قالت إنها نفيسة العلم، قبَّلت يدها وانطلقت حتى وصلت إلى ساحة تُفيض بالراحة، لم أعلم موقعي حتى سمعت من يلقي التحية على السيدة المشيرة العظيمة الكريمة، هناك لم أجد إلا الهدوء، وقد أمسكت بيد أخي الأكبر، أنظر في كل اتجاه، ممسكًا في يدي الأخرى بمسبحة والدي الخشبية.
إنها أول مرة أشعر بتلك الراحة وأنا أغادر الضريح، كنت أسير كالطفل حين يكون في حضرة أبيه، نفحات بخور المسك المعطرة تداعب وجهي وتستقر بداخلي، الهموم المتشبثة بملابسي وروحي أخذت تتساقط، قطرات ندى بيضاء، ملامح أطفال، زهور، روائح منعشة، تتسارع إلى أنفي وتداعب وجهي، وقلبي يسبح في فضاء حضرة المحبوب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى