حسن خضر - الشاعر بوصفه أستاذاً وفلسطينياً في المطار

أقام محمود درويش في باريس بجواز سفر جزائري. وذات يوم هبط في مطار دولة عربية مجاورة قادماً من الجزائر. سأله مسؤول الجوازات: هل أنت محمود درويش، الشاعر؟ فأجاب: نعم. تدفقت عبارات الترحيب، التقليدية وغير التقليدية، من فم الأوّل، ثم استدرك كأنه نسى أمراً قائلاً بلهجة اعتذارية: أرجو أن تنتظر دقائق قليلة يا أستاذ محمود. فتنحى "الأستاذ" جانباً، وانتظر. وبعدما طال الانتظار، سأل بنفاد صبره المعهود: ما المشكلة؟
قال الأوّل: لا توجد مشكلة، ويمكن أن تتحقق بنفسك، وأشار إلى غرفة جانبية قريبة. دخل "الأستاذ" الغرفة ورأى شخصاً أعلى مقاماً يجلس تحت صورة الحاكم، وراء مكتب ضخم، وعلى المكتب جواز السفر. سأل بعد سماع المزيد من عبارات الترحيب، التقليدية وغير التقليدية، بالأستاذ: ما المشكلة، ولماذا التأخير؟
قال المسؤول، الذي التقط الجواز، وشرع في توريقه: توجد مشكلة صغيرة، فقط، يا أستاذ محمود، اسم الأم غير مكتوب. وعندئذ "حبكت" مع "الأستاذ"، وسأل بسخريته المعهودة: يعني يمكن حل المشكلة إذا ذكرت لك اسم أمي. قال الرجل: نعم. فانفجر "الأستاذ"، الذي أفقده الغضب مهارات ضبط اللسان، صارخاً: لن أقول لك اسم أمي، لأنني ابن (استخدَمَ، هنا، كلمة نابية) كهذا الذي تجلس تحت صورته.
صُدم الرجل، الذي هبّت عليه لفحة الغضب المفاجئة، وغير التقليدية (والحق يُقال) وأسقط في يده. ففي اعتقال "الأستاذ"، أو أعادته من حيث أتى، ما قد يؤدي إلى مشكلة من نوع ما، وربما يحصد هو العواقب لا "الأستاذ". لذا، تخلّص من الورطة، على قاعدة "الباب الذي تأتيك منه الريح"، وناوله جواز السفر.
روى لي محمود تلك الحادثة، ضمن حكايات عاشها في مطارات العرب والعجم، وفسّر الأمر بالقول إنه غادر الجزائر بجواز سفر جديد، ويبدو أن المسؤولين هناك، الذين أنهوا معاملة الجواز الجديد بسرعة قياسية، نسوا إضافة اسم الأم. وعلى صعيد آخر، قال متأملاً بأثر رجعي: لا أدري كيف افلت لساني، وأشعر بالندم لأنني لم أعد من حيث أتيت.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى