علي بنساعود - حين ضاق عليَّ البيت...

هذا الصباح، وهو خارج لعمله، ذكرني بموعدي مع الطبيب... أوصلني بيت أهلي، وذهب إلى عمله. نزلت من السيارة، وبقدمين متباعدتين سِرْتُ نحو البيت، مررت بجانب إحدى جاراتنا، فغرت فاها وقالت: لا حول ولا قوة إلا بالله!

قبل أهلي بساعة، على الأقل، علي أن أستيقظ، أن أهيئ الفطور، أن أوقظ إخوتي، أن أفطرهم، أن أوصلهم إلى مدرستهم، وأهرول نحو مدرستي... وحينما أعود، علي أن أرتب البيت، وأنظفه، وأغسل الأواني، وإن استطعت، أجلس لإنجاز واجباتي الدراسية...

أقوم بهذا، وإن تهاونْتُ أو قصَّرْتُ، كان العنف جزائي، بينما كان إخواني يعودون من مدرستهم ليرموا محافظهم، ويبعثروا ما رتَّبْتُه ونظفته، ويشاهدوا التلفاز، ويجلسوا إلى ألعابهم، ثم يخرجون مع أصدقائهم...

كنتُ رابعةَ والديَّ، بعد ثلاثة أولاد، وكان مفروضا أن أساعد في كل شيء... فلا يتبقى لي وقت للراحة ولا للدراسة...

صرت شاردة، لا أنظر في عيون أحد، ولا يسمع صوتي الباهت أحد...

ضاق علي البيت، فلم أجد غير غرفتي ملاذا!

قبل مدة، خرجت من المدرسة أجري... وأجري... وصلت إلى البيت، أطلعتُ والديَّ على نتيجتي، وكنت حصلت على الرتبة الأولى في الفصل. لا يمكنكم أن تتصوروا كم سعدا بي فأغرقاني عناقا وقبلا وهدايا، خصوصا أنني وحيدتهما...

قبلها بأيام، استيقظت باكرا، طلبت رئيس الخدم أسأله عما أنجز من استعدادات لاستقبال ضيوف كنت دعوتهم لقضاء نهاية الأسبوع معي، بجناحي الخاص، بقصر والدي العامر بضواحي العاصمة...

كانت نهاية أسبوع لا تُنسى، استمتعنا فيها كثيرا... وفي ختامها شكرني زملائي التلاميذ والتلميذات على الدعوة والترحيب والكرم... فأثنيت بدوري على الخدم وعلى جهودهم، وجازيتهم أحسن جزاء...

ذات مرة، وبعد أن نجحت مشاريعي الاستثمارية الكبرى، فكرت في أن أخصص جزءا من عائداتها للعناية باليتيمات وطفلات الشوارع وأرعى شؤونهن...

أمس، وأنا أتفرج على شريط لي، يوثق إحدى مبارياتي، يوم كنت بطلة في فنون القتال المختلطة، سعدت كثيرا لما صفق لي الجمهور طويلا... تحية لي على هزمي منافستي على حزام البطولة بحركة إخضاع باهرة، وكانت مغرورة معروفة بتنمرها وعدم احترام منافسيها...

كنت أستمتع وأسعد، فأتمنى ألا أغادر غرفتي أبدا... وأحيانا، كنت لا أعي أأعيش الحلم أم الواقع، وفي بعض الحالات، كنت أكمل أحلام اليقظة وأنا أعيش الواقع، وأكمل حياتي الواقعية وأنا سابحة في الأحلام...

بُعيد التخرج بقليل، تجاوزت هذا الوضع... جاءني فارس وسيم، غني، ناضج، أحسن مما تمنيته! تزوجنا، وعشنا في حب وسعادة ووئام...

بضعة شهور بعد الزواج، لاحظت انتفاخاً في بطني، وتورما في ثديي اللذين أخذا يؤلماني، كما بدأت أشعر بالغثيان... سعد زوجي، فرحت أسرتي، ولأول مرة أحسست بعطف أبي ولمست حنان أمي التي راحت تهيئ لي كل ما كنت أشتهيه... وكانت فرحتها كبيرة حين طلبت منها أن نشرع في إعداد لوازم الضيف القادم، لكنها استمهلتني بعض الوقت، إلى غاية زيارة الطبيب...

تفهَّمْتُها، أكيد أنها كانت تود أن يحدد لي الطبيب جنس الجنين، لتعرف ما علينا أن نختاره من أنواع الملابس وألوانها...

هذا الصباح، ساءني، فعلا، سلوك جارتنا، ولو أنني لم أفهم سببه، وحين دخلت أشكو لوالدتي، اغرورقت عيناها، وأخذت مني محفظتي المدرسية وقالت: لقد تفاقم حالُكِ، بُنَيَّتي، لا بد أن يأخذك والدك إلى الطبيب!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى