محمد مصطفى العمراني - من سجن إلى كابوس !

عندما علمت بأن " مؤسسة الأمل لدعم الشباب " تقدم قروضا للمبدعين الذين يرغبون بإصدار كتب سارعت بتقديم طلب للحصول على قرض الألف دولار ، كانت الشروط حينها ميسرة ، يكفي أن تطلع لجنة من المختصين على كتابك وتجيزه لتستحق القرض .
ولم تمض سوى أيام حتى استلمت القرض ، وبدلا من إصدار كتاب جديد لي يدشن وجودي رسميا في الساحة الإبداعية بددت المبلغ في مصاريف وشراء كتب وكماليات ، ومر شهر وأشهر ، وبدء موعد سداد أقساط القرض .!
ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ولكن ما حدث في إدارة المؤسسة كان أغرب مما توقعنا فقد حدث خلاف كبير بين المؤسس والشركاء أدى إلى تصفية المؤسسة وآلت كل القروض المستحقة السداد للمؤسس نبيل عبد الجليل وهو ما أخر المطالبة بسداد القروض لأشهر .
بعد ستة أشهر بدأ نبيل عبد الجليل يمطرنا برسائل على الهاتف تطالب بسرعة السداد ، كنت حينها طالبا في الجامعة والامتحانات على الأبواب ، أغلقت هاتفي الذي يجلب لي الصداع وانشغلت بالمذاكرة والامتحانات ولسان حالي :" بعد الامتحان يحلها الله " .
انتهت الامتحانات وفتحت هاتفي وإذا بالرسائل تنهال عليه ، لم أكترث للأمر كثيرا وغادرت صنعاء إلى قريتي وفي جيبي آخر مائة دولار من المبلغ .
حتى وأنا في القرية ظلت تلاحقني الرسائل بشكل مزعج جدا وانتقل الأمر إلى الاتصال الصوتي للمطالبة بسداد القرض .!
لقد تحول الأمر إلى كابوس حقيقي ، أغلقت الهاتف وبعد عودتي إلى المدينة قررت العمل بأي وظيفة مؤقتة حتى أسدد القرض ، ولكي أستريح مؤقتا بدلت شريحة الهاتف والمفاجأة التي لم تخطر لي على بال أن الرسائل واتصالات المطالبة بسداد القرض وصلتني على رقمي الجديد .!
اشتريت شريحة هاتف من شركة ثالثة فإذا بالرسائل والاتصالات تتواصل .!
استفسرت عن الأمر فأخبروني بأنه طالما الرقم باسمي فسوف تستمر الرسائل والاتصالات للمطالبة بالسداد .!
أغلقت الهاتف نهائيا وعملت في بقالة لتسديد القرض ، والغريب أن الاقبال الكبير على تلك البقالة جعلني لا أجلس حتى ثواني ، ألاحق طلبات الناس طوال النهار فإذا وصلت الساعة العاشرة ليلا أنسحب إلى الداخل ويحل شخص آخر مكاني ، حينها أكون قد خارت قواي وتحطمت تماما ، ما إن أصل إلى الفراش حتى اغط في نوم عميق وهكذا.!
بعد ثلاثة أشهر أقترب عيد الأضحى وقررت تسديد نصف القرض والسفر إلى القرية غير أن صاحب البقالة قام بحركة مفاجئة لم أدرك هدفه منها إلا فيما بعد ، قام بتسديد القرض نيابة عني وفاجأني بالإيصال ، لقد أنزاح عن كاهلي كابوس ثقيل جثم علي لأشهر وفتحت هاتفي فجاءتني رسالة تشكرني على السداد .
كنت مثل سجين أطلقوا سراحه ، غادرت البقالة تمشيت في شوارع صنعاء وزرت الأصدقاء ، عدت إلى حياتي السابقة وبعد أيام عدت إلى البقالة ..
قلت لصاحبها شاكرا له معروفه :
ـ لن أستطيع شكرك ما حييت .
رد علي وهو يبتسم :
ـ نحن إخوة لكن لي طلب عندك
قلت دون تردد :
ـ أطلب أنا تحت أمرك
تردد قليلا ثم قال :
ـ أن تعمل في البقالة خلال أيام العيد
فاجأني طلبه فلم يسبق لي أن قضيت عيد الأضحى بعيدا عن أهلي ، تنهدت وأدركت أن كل شيء بثمن وأنني تخلصت من كابوس لأدخل في كابوس آخر .!
وافقت ، وبقيت خلال أيام العيد في البقالة مع عامل آخر مهمته إيصال البضائع إلي وعلي البيع ولأن كافة البقالات في الحي أغلقت فقد ازداد ضغط العمل علينا لدرجة أننا لم نكن نتمكن من الأكل أو الشرب أو حتى دخول الحمام إلا بصعوبة بالغة ، أغلق الأبواب لثواني لأذهب للحمام فيظل الطرق عليها والصراخ من الزبائن بشكل مزعج جدا .!
ومرت أيام العيد ثقيلة بطيئة تسير بخطى سلحفاة مريضة ، كنت كأنني سجين محكوم عليه بالأعمال الشاقة ، لم يأت بقية العمال إلا في بداية شهر محرم بعد أن أرهقت تماما لدرجة أنني قد كرهت العمل والفلوس والكتب والأكل والشرب وكل شيء .
بعد وصول العمال جمعت حاجاتي وغادرت إلى سكني وهناك نمت لثلاثة أيام ، أستيقظ فقط لأتناول الطعام وأصلي ثم أعود للنوم .!
بعد الثلاث الأيام بدأت اتعافى وأقسمت بأن لا أقترض أو أعمل في بقالة ما حييت .!
في صباح اليوم الرابع حدث ما لم يخطر لي على بال حيث صحوت على طرق عنيف على الباب لأجد مندوب من مكتب رجل الأعمال نبيل عبد الجليل سألني عن اسمي وطلب البطاقة الشخصية ولما تأكد من الاسم طلب مني التوقيع على أنني استلمت المبلغ ، استفسرت منه :
ـ أي مبلغ ؟!
رد بجدية :
ـ الحاج نبيل توفي وأولاده يسددون ديونه التي عليه
أجبته :
ـ لكني لم أقرضه أي مبلغ بالعكس اقترضت منه مؤخرا وسددت المبلغ .
هز كتفيه بلامبالاة :
ـ أنا مجرد مندوب
وقعت أمام اسمي واستملت الظرف ومضى .
فتحت المظروف فإذا فيه ألف دولار وعدت أسأل نفسي وأنا غير مصدق ما يحدث :
ـ هل يكون وراء الأمر مقلب أو كاميرا خفية ؟
ـ هل هو مجرد خدعة لقرض جديد ؟
ـ لكني لم أطلب القرض فكيف يرسلون لي المبلغ ؟!
من المؤكد هناك خطأ أو سوء فهم في الأمر ، وقررت عدم السكوت لبست ثيابي وذهبت إلى منزل نبيل عبد الجليل وبعد ان قدمت العزاء لأولاده طلبت مقابلة نجله الأكبر لكنه اعتذر لانشغاله وبقيت أتردد على بيتهم حتى قابلته بعد أسبوع وأعدت إليه المبلغ وسألته عن الأمر فأخبرني أنه عاد من بريطانيا عندما أشتد مرض والده وبعد وفاته رأى دفتر الديون في مكتب والده فقام يسدد الديون فسألته :
ـ أبوك تاجر كبير فهل فكرت كيف سيقترض من شخص بظروفي ؟!
ـ للأسف ارتبكت بعد موت الوالد ولم أفكر كثيرا في الأمر .!
وصدمني بقوله :
ـ تصور كلهم أرسلنا لهم المبالغ فلم يرد الفلوس أحد سواك .!
ولما سألته كيف ستعمل معهم أجابني ببرود :
ـ المبالغ الكبيرة سنطالب بها والمبالغ الصغيرة سنعتبرها صدقة على روح المرحوم
ودعته وهممت بالمغادرة لكنه لحق بي ودس المظروف في جيبي قائلا :
ـ على الأقل أنت اعترفت بالحقيقة
شكرته وغادرت وأنا غير مصدق ما يحدث .!
******

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى