مقابر عواد العتيقة،
ليلة مقمرة تتخطف فيها النجوم أبصار النزلاء-الموتى-كل نزيل ينجذب إلى نجم، وكأنه قد أرتبط به، بل كأنه كوكب تلاقي الأرواح بين النزيل ورهطه، يستقبل فيه ويرسل إشارات ضوئية تخاطبيه يقول بعض النزلاء القدامى أن هذا الحدث يفصلنا عن الزمن والمكان مؤقتاً ثم يعود في غير الزمن، وفي غير المكان الذي لا يتجاوز حدود المقابر.
وبدأ الحكائين-أرواح الموتى-يحكون بينما عواد التربي يسجل في ذاكرته الفولاذية ما يقص عليه لحين قيام روح نزيل بتدوينه في دفتر حكايات الأموات الخاص بعواد.
النزيل 1934:
"عشت على أمل أن أجد من يقدرني، ويقدر قدراتي، فقد كنت متفوقاً طوال مراحل دراستي إلا أن سفينتي كانت دائماً بين مواجهة الرياح العاتية التي تعصف بأحلامي، وبين الضباب الذي يحاصرني من كل الزوايا عندما كان ضميري الحي يأبى أن يلتهم حق الغير، وهو يرى بعينيه تساقط أوراق عمره دون أن يجد مكاناً له بين المحيطين به، الذين يلعنون ضمائرهم بل يشنقونها من أجل الذات وجني الأموال وتلقي الخدمات، لم أمكن النفس الأمارة بالسوء أن تخترق ضميري وتحتله وتقوده إلى الهلاك بل كان ضميري كالصخرة العتيقة التي لا يستطيع تحريكها حتى وإن كان إعصاراً..!"
قام النزيل 1934 ووقف مكانه مترنحا كأوراق الشجر التي تتساقط في الخريف وهو يستأنف قوله متوجعاً:
" آه .. آه أيها النزلاء عندما تكون وحدك وسط نفوس حاقدة لأنك مازلت رغم المحن لم تسقط في البراثن التي سقطوا فيها ،تأكد أنهم سيتجنبونك، وينبذونك أو ربما يطيحون بك بعيداً عن لقمة الخبز بوصمة تنال من شرفك الأخلاقي، وهذا هو الأرجح في جميع الحالات، كما حدث ليّ ومن أقرب المقربين ليّ في العمل عندما كنت أتصدى له وأحاول تقويمه حتى لا أفضح أمره .. لقد كانت وصمة عار متُ عليها في السجن؛ فلم أحتمل تقبلها ولا تقبل نظرة المجتمع وأنا في نظرهم مرتشي، وما أنا بمرتشي ! "
وتسلم النزيل 1997 خيط نهاية قصة النزيل 1934 ليسرد قصته .. بدأ يعرفنا بنبرة وهنه متذبذبة أنه النزيل 1997 ثم تلعثم في الأحرف وصمت قليلاً، فسمعت جانباً بعض النزلاء يتهامسون لبعضهم البعض بجمل قصيرة أنصت لهم:
"إنه النزيل إياه .."
"لا يدري أحداً من الخلائق ماذا حدث حتى أولاده وزوجته "
"بل هو نفسه لا يدري "
"ولكن الحقيقة الواضحة أنه رجل بروحين"
"نعم نعم روح فوق الأرض، والأخرى تحت الأرض معنا"
... أخيرا استطاع النزيل 1997 القبض على طرف أحرف كلماته وبدأ يتكلم بثبات:
"في يوم وليلة أصبحت في التابوت وفي يوم وليلة صرت في المقبرة..اعتقدت أنه حلم أو حتى كابوس، ولكنه كان واقع.. نهاية منطقية لأي أحد ينشق عن النظام الحاكم ليعمل لنفسه أو ليرصد فسادا ويحارب أصحابه، طبيعي النهايات مختلفة ولكنها منطقية.. اعتقال..اغتيال.. حادث مروعا.. فضيحة تفضي به لنزهة في السجن لبضعة أعوام أو رحلة للمدافن ..ذهاب بلا إياب (بمرارة اللسان) أو بمعنى أوضح الدفن حياً؛ وهو أقوى النهايات انتقاما مثلما حدث معي بعد أن أكتشف النظام حصولي على عمولة من وراء صفقة لبيع أراضي الدولة بمبالغ زهيدة لمستثمر يهودي الأصل يتاجر في الأراضي، ورغم أن عمولتي لا تساوي شيئاً للعمولات التي تدفع لسواعد النظام من أي مستثمر آخر حتى وإن كان صهيوني الأصل، إلا أنهم اعتبروني خائناً لهم، و ليس للوطن، فحكموا ونفذوا الحكم تواً.. صحوت من موتي المؤقت، وخرجت من الكفن؛ فوجدت نفسي في ظلام حالك تحسست المكان فأيقنت أنهم نزلاء وأنا أحدهم..حاولت الخروج والاستغاثة دون جدوى، كان يحالفني سوء الحظ حيث خرج عم عواد إلى نزهة مع زوجته بعد أن حصل على تصريح الدفن ثم دفني، لم يكن أمامي سوى الصلاة بالكفن ثم قلت الشهادتين، هكذا تكون النهايات المنطقية عند الحكام"
قام عواد من مكانه قائلاً:
- من حقي يا نزيل أخرج لنزهة مش كفاية إني بسهر على خدمتكم طول الليل، وبعدين ما حدش بيموت ناقص عمر والنهايات المنطقية اللي أنت بتقول عليها دي هي نهاية فعلاً منطقية لأعمالكم في الدنيا.
أغلق روح الدفتر ما أن غادر عواد المجلس.
تمت
ليلة مقمرة تتخطف فيها النجوم أبصار النزلاء-الموتى-كل نزيل ينجذب إلى نجم، وكأنه قد أرتبط به، بل كأنه كوكب تلاقي الأرواح بين النزيل ورهطه، يستقبل فيه ويرسل إشارات ضوئية تخاطبيه يقول بعض النزلاء القدامى أن هذا الحدث يفصلنا عن الزمن والمكان مؤقتاً ثم يعود في غير الزمن، وفي غير المكان الذي لا يتجاوز حدود المقابر.
وبدأ الحكائين-أرواح الموتى-يحكون بينما عواد التربي يسجل في ذاكرته الفولاذية ما يقص عليه لحين قيام روح نزيل بتدوينه في دفتر حكايات الأموات الخاص بعواد.
النزيل 1934:
"عشت على أمل أن أجد من يقدرني، ويقدر قدراتي، فقد كنت متفوقاً طوال مراحل دراستي إلا أن سفينتي كانت دائماً بين مواجهة الرياح العاتية التي تعصف بأحلامي، وبين الضباب الذي يحاصرني من كل الزوايا عندما كان ضميري الحي يأبى أن يلتهم حق الغير، وهو يرى بعينيه تساقط أوراق عمره دون أن يجد مكاناً له بين المحيطين به، الذين يلعنون ضمائرهم بل يشنقونها من أجل الذات وجني الأموال وتلقي الخدمات، لم أمكن النفس الأمارة بالسوء أن تخترق ضميري وتحتله وتقوده إلى الهلاك بل كان ضميري كالصخرة العتيقة التي لا يستطيع تحريكها حتى وإن كان إعصاراً..!"
قام النزيل 1934 ووقف مكانه مترنحا كأوراق الشجر التي تتساقط في الخريف وهو يستأنف قوله متوجعاً:
" آه .. آه أيها النزلاء عندما تكون وحدك وسط نفوس حاقدة لأنك مازلت رغم المحن لم تسقط في البراثن التي سقطوا فيها ،تأكد أنهم سيتجنبونك، وينبذونك أو ربما يطيحون بك بعيداً عن لقمة الخبز بوصمة تنال من شرفك الأخلاقي، وهذا هو الأرجح في جميع الحالات، كما حدث ليّ ومن أقرب المقربين ليّ في العمل عندما كنت أتصدى له وأحاول تقويمه حتى لا أفضح أمره .. لقد كانت وصمة عار متُ عليها في السجن؛ فلم أحتمل تقبلها ولا تقبل نظرة المجتمع وأنا في نظرهم مرتشي، وما أنا بمرتشي ! "
وتسلم النزيل 1997 خيط نهاية قصة النزيل 1934 ليسرد قصته .. بدأ يعرفنا بنبرة وهنه متذبذبة أنه النزيل 1997 ثم تلعثم في الأحرف وصمت قليلاً، فسمعت جانباً بعض النزلاء يتهامسون لبعضهم البعض بجمل قصيرة أنصت لهم:
"إنه النزيل إياه .."
"لا يدري أحداً من الخلائق ماذا حدث حتى أولاده وزوجته "
"بل هو نفسه لا يدري "
"ولكن الحقيقة الواضحة أنه رجل بروحين"
"نعم نعم روح فوق الأرض، والأخرى تحت الأرض معنا"
... أخيرا استطاع النزيل 1997 القبض على طرف أحرف كلماته وبدأ يتكلم بثبات:
"في يوم وليلة أصبحت في التابوت وفي يوم وليلة صرت في المقبرة..اعتقدت أنه حلم أو حتى كابوس، ولكنه كان واقع.. نهاية منطقية لأي أحد ينشق عن النظام الحاكم ليعمل لنفسه أو ليرصد فسادا ويحارب أصحابه، طبيعي النهايات مختلفة ولكنها منطقية.. اعتقال..اغتيال.. حادث مروعا.. فضيحة تفضي به لنزهة في السجن لبضعة أعوام أو رحلة للمدافن ..ذهاب بلا إياب (بمرارة اللسان) أو بمعنى أوضح الدفن حياً؛ وهو أقوى النهايات انتقاما مثلما حدث معي بعد أن أكتشف النظام حصولي على عمولة من وراء صفقة لبيع أراضي الدولة بمبالغ زهيدة لمستثمر يهودي الأصل يتاجر في الأراضي، ورغم أن عمولتي لا تساوي شيئاً للعمولات التي تدفع لسواعد النظام من أي مستثمر آخر حتى وإن كان صهيوني الأصل، إلا أنهم اعتبروني خائناً لهم، و ليس للوطن، فحكموا ونفذوا الحكم تواً.. صحوت من موتي المؤقت، وخرجت من الكفن؛ فوجدت نفسي في ظلام حالك تحسست المكان فأيقنت أنهم نزلاء وأنا أحدهم..حاولت الخروج والاستغاثة دون جدوى، كان يحالفني سوء الحظ حيث خرج عم عواد إلى نزهة مع زوجته بعد أن حصل على تصريح الدفن ثم دفني، لم يكن أمامي سوى الصلاة بالكفن ثم قلت الشهادتين، هكذا تكون النهايات المنطقية عند الحكام"
قام عواد من مكانه قائلاً:
- من حقي يا نزيل أخرج لنزهة مش كفاية إني بسهر على خدمتكم طول الليل، وبعدين ما حدش بيموت ناقص عمر والنهايات المنطقية اللي أنت بتقول عليها دي هي نهاية فعلاً منطقية لأعمالكم في الدنيا.
أغلق روح الدفتر ما أن غادر عواد المجلس.
تمت