عمر سيدي محمد - تربية الغنم وحيازة كلب الغنم

يوميات فتى من صنهاجة جنوب موريتانيا



الغنم عندنا إذا أُطلقت تعني الضأن والمَعْزَ كليهما وقد اعتدنا تربيتهما معا بنسبة قد تكون متساوية ونسميه سَرْحاً من الغنم ويكون أحسن أحواله قرابة ثلاثمائة إلى خمسمائة كأقصى حد وإلّا لم يستطع الراعي السيطرة عليه.
عندنا في الأصل صنف واحد من المَعْزِ وهو الغالب وحجمه متوسط وتُدرّ الواحدة منه حوالي لتر واحد من الحليب في أحسن الأحوال وتُنتِج في السنة مرتين إحداهما في شهر يونيو والأخرى في شهر دجمبر وهما فترتان ينتظرهما أهل الغنم بكثير من التفاؤل والفرح.
وأما الضأن فحالها مختلف من حيث الإنتاج حيث يجتهد مُرَبُّوها أن يكون الإنتاج في السنة مرة واحدة وبالتالي يستخدمون طريقة قديمة جدا في تنظيم إنتاج النّعاج حيث تلد مرة واحدة في شهر يونيو، والطريقة تُستخدم مع فحل الضأن أي الكبش واسمها "اِلرّْبَاطْ" ويعرفها أهل الغنم جيدا. ولهذه الطريقة إيجابية الحفاظ على قوة النعجة والحصول على لبنها في فصل الخريف ولكن من الناحية الأخرى فإن الكبش "اِلزَّگْعَارِي" تتغير طباعه ويصدر منه بعض التعدي على الأطفال وحتى أنه يصبح شرسا في نِزَالِه مع الكباش الذين يعانون نفس الحالة بسبب الإحباط النفسي والحرمان من مزاولة دوره في الغنم وأحيانا قد يُشَدُّ الرباط هذا عليه فينحبس بوله ويقولون "امْعَصْرَنْ"
الغنم كان لها دور كبير في حياة الناس بصحراء الملثمين ولكن الاعتماد ليس على ألبانها حيث أن الاعتماد إنما هو على لبن البقر الذي هو المادة الأساسية لتسمين البنات (لِبْلُوحْ) وأهل اليُسر لايشوبون لبن الغنم ولاتروح عليهم بل تكون مع الراعي ولكن على قرب منهم مسافة ثلاث كيلومترات تقريبا حيث هم يحتاجون إليها عند قدوم الضيف أساسا. ولازال الناس يذكرون عندما أصابت البلادَ موجاتٌ شديدة من الجفاف وهلك البقر واضطر أهله لشرب لبن الغنم ولكنهم يعافونه كثيرا وبالأحرى الأطفال ولكنهم يُخادعونهم ليشربوه حتى أنهم يأتون به في محلب البقر، تسمع الطفل الصغير عندما يُقَرّبونه من فمه يقول: "أَفّافّْ هذا فيه رايحة ابعرْ لِغْنِمْ، مَاني فيه ماني فيه" فيضحك الأهل ويقول أحدهم: أَتْفو بيه هذا سلّال...
الضأن عندنا رمز للهدوء والرّزانة والسّكينة. عندنا نوعان من الضأن "البيظ" أو "الژرْگْ" وعندنا "الخِظِرْ" أو "الكِحِلْ" والأخيرة أكثر نفعا فمنها الصوف الذي هو المادة الأساسية لإنشاء الخيمة التي هي السكن والفخر والعنوان لكل مكرمة. ومن جلودها الفَرْوُ الذي كان ضروريا توفره لكل فرد بالغ من أهل الخيمة وآخر مشترك بين الأطفال الصغار وجلود الضأن لها استخدامات أخرى وكذلك يضاف لبن الضأن إلى لبن البقر في المروب من أجل الحصول على كمية أكبر من الزبدة.
عند ولادة النعجة نقول تحتها "اخْرُوف أو اخْرُوفَه" وإن كان خداجا ميتا فهو "اطْرَاحْ" وإلا فهو "اسْلَاحْ" وفِي الأسابيع الأولى فهو "أَلَوْكِي أو تَلَوْكِيتْ" ثم بعد ذلك "أَبُلَايْ أو تَبُلَايِتْ" ويكون عادة في هذه المرحلة سمينا وقويا وإلا سميناه "أَبَغْشْ أو تَبغشت" ودائما تأتي بالتصغير فيقولون "لَحّْسُوا آبْغَيِّشْ"
ثم بعد ذلك "أَوِيّالْ أو تَاوِيَّالِتْ" ومن بعد ذلك كبش ورخلة والرخلة إلى نعجة.
راعي الغنم لايركب بل يسير مع الغنم مشيا على قدميه مرّة أمامها ومرة خلفها ليعيش معها كل لحظة ويحمل معه سقاءً عبارة عن قِربة صغيرة نسميها "تَيْگِّطْ" وتُحْمَلُ بطريقة فنية على رخلة (نَعْجَةٍ) مُدَرَّبَة على ذلك تسمى "شاة التَّيْگِّطْ" ولايمكن حملها على شاة من المَعْزِ بسبب نمط حياتها ونشاطها حيث لاتثبت القربة الصغيرة بل تتلف سريعا.
والضّأن مصدر كبير للحصول على السيولة النقدية ففي كل شتاء يحل موسم "الجَّلّابَة" ينطلق الناس بإنتاج ذلك العام إلى المدن الكبرى لبيع مالديهم وكانت أكبر المدن حينها هي مدينة دكار في السينغال الشقيقة -حرسها الله- ويرجعون وهم يحملون معهم أصناف الأقمشة المختلفة والشاي "أتاي أو الورگه" والمواعين بأشكالها وأنواعها وبعض الأجهزة التي كانت الراديو أهمها على الإطلاق.
أمّا المعز فكانت تستهلك محلّيا ولحمها هو الأكثر استعمالا محلّيا، ومن جلودها معظم الأوعية المستخدمة من قِربة وعكّة وأگرط وغيرها.
والمعز رمز للنشاط والحيوية والمشاغبة يولد جديا أو جدية ثم "أَلَوْكِي أو تَلَوْكِيتْ" ثم بعد ذلك "أَبُلَايْ أو تَبُلَايِتْ" ثم "أَغَيَارْ أو تَغَيَارِتْ" وهي سنّ قمّة المشاغبة فإن كان يدخل الخيمة ويهجم على كل شيء فهو أَسِنْبَايْ أو تَاسنبايِتْ ثم بعد ذلك مراحل تنتهي بالْعَتْرُوسْ والعَنْزْ والتيس الضخم نسميه أَگَيَارْ.
العتروس ليس خارج دائرة المعز فهو مزعج جدا من حيث رائحتُه "آصْنَانْ" وكذلك صوته "التّْوَلْوِيلْ" بلامين مغلّظتين والعتروس ئِوَلْوَلْ والكبش ئِمَرْمَرْ "التّْمَرْمِيرْ" براءين مُرَقَّقَتَيْنِ.
مؤونة المعز أسهل بكثير من مؤونة الضأن حيث يعيش على الشجر بارتياح ويمكن المعزى الوقوف على رجلين وإسناد الأماميتين على الشجرة لتأكل منها الورق والثمر خلافا للنعجة التي تشبه البقرة في عدم قدرة استفادتها من الشجر إذا لم يكن في متناولها.
عندنا لكل بقرة اسم يطلق عليها يوم تُنْجِبُ أول مرّة وأما المعز والضأن فليس ذلك الأسلوب معها وإنما تُعرّف بالوصف واللقب والكُنية فيقال العنز الحمراء أو الحَوَّاصة أو أم أگَاف...
اللاَّغُو (اللّغْوُ) هو صغار الغنم وعادة ماتكون لها زريبة خاصة بها وذروة كثرتها شهر يوليو من كل سنة حيث تكاثر المعز والضأن معا. جَلَبَةُ صياح الأمهات اشتياقا لصغارها وكذلك صياح الصغار؛ جلبة ليس لها مثيل وتبلغ قمتها في الدقائق القليلة قبل أن يفتح الراعي باب الزريبة (الطّرْعَة) فتندفع الصغار وخلال دقيقتين تقريبا يسود هدوء عجيب ويستلم كل صغير ضرع أمه ويبدأ حلب الغنم بعدما ترتوي الصغار فيُحلَب الفضل فقط وهو ليس بقليل.
ومن كان عنده عدد قليل من اللغو فإنه يستغني بِرِبْقٍ يحوي عدة ربقات لكل جدي ربقة ولكل خروف ربقة وعادة لايُجمع بين الأجداء والخراف في ربق واحد.
بعد ثلاثة أشهر تقريبا يصبح الجدي أو الخروف مستعدا للذهاب مع أمه في رحلة الرعي اليومية وبالتالي إن كان من حاجة في لبنها فإنها "تُزَبَّلُ" بطريقة فنّيّة باستخدام زبل البقر حيث يغلف رأس كل ثدي حيث إن يلتقمه الخروف أو الجدي فيجد مرارة الزبل فيعافه حتى إذا كان الليل قام الراعي بحَتِّ الزبل وحلب الشاة. وأحيانا يستخدمون الصَّرَّ المشهور في الحفاظ على لبن الشاة حتى تروح بكامل دَرِّهَا.
وللراعي أن يحلب في النهار من لبن الغنم مايكفيه للزريگ ولبن النعجة التي قد فطمت ولدها نسميه "لِكْرَادَه" وهو ذو طعم مالح.
تفطم المعزى أو النعجة ولدها كباقي الحيوانات وذلك بعدم قبولها للرضاعة وقد تنطحه ولكن إذا صعب عليها فطام ولدها تدخّل الراعي إما بالزّبل وإن لم يُجدِه كانت عملية أخرى تسمّى "أضرْصْ" وهو بغرز عود من الحنك الأيمن إلى الأيسر يمنع الجدي من التقاط الثدي وتراه يُعاني كثيرا وهي عملية نادرة جدا.
من كان عنده شياه من الغنم قالوا عنده "امْعِيزْ" أو "انْعَاجْ" ثم عنده "گَلْفَه" بلام مغلطة ثم عنده "أَگِزِّي" ثم عنده "اغْنِمْ"
رَعْيُ الغنم حرفة يمتهنها بعض الناس وقد تتوارثها الأسرة وتكون معروفة بها وأذكر أن الراعيَ له أجرة وهي "مَفْطُومَة" من المعز بعد كل شهرين وعشر ليال وله يوم استراحة في الشهر أو من كل أسبوعين حسب الاتفاق وله على "مُولْ لِغْنِمْ" النفقة الجيدة بالمعروف.
الرّْيَاظَة أو تِرْيَاظْ لِغْنِمْ هو أن تخرج الغنم في الصباح الباكر ويخرج معها طفل من أهل الخيمة يُوزِعُها على مقربة من لفريگ حتى أنه يراهم ويرونه حتى يستكمل الراعي صَبُوحَه وأتاي قبل استلام الغنم في الرّياظة.
رعي الغنم في فصل الخريف والأمطار ممتع جدا ورعيها في فصل الشتاء فيه مشقة وغالبا ما ترد الماء كل يوم وأما في الصيف إذا قلّ الكلأ فيضطرون لانتهاج سياسة الغَبِّ حيث يردون الماء يوما يسقون الغنم ويحبسونها ساعات عند المعطن حتى تشرب وتشرب عللا بعد نهل، كل ذلك يتوقف على توفر الكلإ في محيط مصادر المياه والتي غالبا ما تكون عيونا بعمق مترين تقريبا.
ثقافة الناس حيث ترعرعت هو استهجان تربية الكلاب إلا إذا كانت للغنم فقط ومع ذلك يدربونها تدريبا صارما حيث لاتنبح ضيفا ولاتؤذي أحدا ولو أن كلبا نبح ضيفا يأتي فيكفي أن يقول أحد من أهل الخيمة "ابْرِكْ" وعندها يسكت الكلب وإلّا فتأتي كلمة الزّجر الثانية وهي "امْشِ" فإن لم يستجب جاءت الكلمة الفيصل والتي لاتحبها الكلاب أبدا وهي كلمة الزجر الأقسى وهي "امْرگْ"...
ومع ذلك للكلب الحق أن ينبح بالليل كل قادم إلى الخيمة من جهة الشرق (السهوة ) أو جهة الشمال (ؤُرَ الدّبش) وهما جهتان لايأتي منهما بالليل للخيمة إلا اللصوص عادة.
الكب المُدرّب جيدا يقضي معظم وقته في الغنم ويعرفها شاة شاة ولايقبل شاة منها تبتعد عن القطيع وإن جاءت شاة من غيرها قد ينبحها ويطردها.
وكنا نسمع في كثير من الليالي عواء الذئاب وكنا نفرق في صبانا بين الذكر منها وبين الأنثى من صيغة العواء ونسمي الأنثى ب"الظِّبَّيْحَة"
وبعض الناس يفضلون تربية الكلبة الأنثى عن الذكر ولكنهم لايرغبون في أن تصرف على الكلاب وبالتالي يقومون بعملية لها في طفولة الكلبة قبل بلوغها حيث يكوونها من هناك وتتألم المسكينة كثيرا وتعاني ولكن بعد تعافيها تكبر وتضخم وتصبح أشبه بالكلب الذكر في صولاتها وجولاتها. ولكل كلب اسم علم عليه ينادى عليه به ومن أشهر أسمائها:
بَطَّاحْ، دَگْدَاگْ ....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى