نزار حسين راشد - أضواء على مدارس النقد الأدبي ومذاهبه

هل يمكن حبس الوجود في اللغة؟ هذا ما حاول التفكيكيون نقضه واعتبروه من أقوال الفلاسفة التي عفا عليها الزمن، لأن اللفظة والنص من وجهة نظرهم تحيلك إلى شيء خارجها،وبمعنى آخر فك المعنى عن النص ولهذا سميت التفكيكية.
يقول التفكيكيون أيضاً أنه لا يمكن فهم اللغة إلا من خلال التضاد اللفظي الدلالي،الحزن والفرح والوجود والعدم.
وبالمقابل يرى سوسر عميد المدرسة البنيوية بأن اللغة هي منظومة تركيبية من العلاقات،وهذا بالضبط ما ذهب إليه ابن سلام الجمحي في تفسيره للإبداع الشعري: اصطفاف الألفاظ أو انتظامها بطريقة معينة،تنقلها من مستوى الكلام العادي إلى مستوى الخيال والصورة الشعرية.
وهذا ما يؤكده غاستون باشلر بطريقة أكثر وضوحاً "دائما أن يكون الخيال بمثابة قوة لتشكيل الصور.غير أنه يمثل بالأحرى قوة لتغيير شكل الصور التي يقدمها الإدراك،بل خاصة تلك القدرة على تحريرنا من الصور الأولى،وكذا تحوُّلها.إذا لم تعرف الصور تغيُّرا،وتآلفا غير متوقع،فلا وجود للخيال،وليس هناك فعل متخيِّل."
ويعرف سيد قطب الأدب بأنه " التعبير عن تجربة شعورية بصورة موحية".
إنه الإيحاء إذن والذي يتحدث عنه باشلر نفسه مستخدماً مصطلحي الوهم والحقيقة، فمن وجهة نظره أن الخيال هو الوهم أو هو طرح الثياب عن جسد الحقيقة الحسية وتجريدها من ثقلها وتحويلها إلى وهم بتوظيف اللغة.
فإلى أين يوصلنا ذلك،وهل تقدم مدارس النقد تفسيراً جديراً ومقنعاً للإبداع الأدبي؟
ويبدو أن مدارس النقد جميعاً تصطاد من على نفس الشجرة وتقدم في النهاية إضاءة أو كشفاً لأسرار اللغة التي أقر اللغويون في بحثهم المستميت عن أصل موحد للغات البشرية،بأن اللغة ظاهرة معجزة وغير قابلة للتفسير،وأن الحديث المقصور على مقابلة الإشارة اللفظية لمدلول حسي هو سذاجة وتبسيط،وإلا فأين يذهب علم النحو الذي أشار إليه دريدا نفسه،من مجاز وتشبيه ومترادفات واستعارة وكناية.
وهذا ما استفاض في شرحه ابن سلام وقدامة والجرجاني وابن قتيبة ومجمل النحويين والنقاد العرب الأقدمين أو المؤسسين.
يتحدث النقاد القدماء عن توليد الصور وهو ما يسميه المحدثون الخيال، وهو المصطلح الذي توقف عنده كل النقاد واحتالوا كما احتاروا في تعريفه.
تطور لغة التعبير الشعري وصولاً إلى قصيدة النثر وضعت النقد من جديد أمام تأزيم جديد:
يقول الشاعر أمجد ناصر قبل أحد إلقاءاته: لقد أصبت بالرهاب كيف سأتلو قصيدة نثرية على مسامع جمهور تعود على الإيقاع العالي؟
وهو الموقف نفسه الذي واجه محمود درويش الذي طوّر وغيّر أساليبه اللغوية حين طلب منه الجمهور إلقاء قصيدة سجل أنا عربي.
فهل نتحدث هنا عن فشل قصيدة النثر في سلخ الشعر عن الإيقاع سواء في القصيدة العمودية أو قصيدة التفعيلة التي هي مجرد تنويع على الأصل العمودي؟.الإجابة بالتأكيد نعم فشلت والشواهد قائمة وهي قدرة الإيقاع على الإمتاع والاجتذاب في القصيدة العمودية أوقصيدة التفعيلة وبسقوف أعلى بكثير من قصيدة النثر في أحيان كثيرة،ولأن كثيراً من الشعراء المحدثين إما يتمسكون بها أو يعودون إليها بكثير من الحنين ويسجلون إبداعاتهم بصيغتها.
وأخيراً لنلق نظرة على النص القرآني الذي وظف اللغة بعيداً عن قالب الشعر والنثر يقول الله سبحانه وتعالى"ولكن الله حبّب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم و كرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم...."
ولأني نسيت الكلمة حاولت أن أجرب كلمات لأتممها بها:الفائزون ..المفلحون ..المتقون..ولكنها لم تركب كما ينبغي مما اضطرني إلى فتح المصحف فوجدتها:الراشدون،تملأ مكانها تماماً بانسجام كامل مع إيحاءات النص وأبعاده.
الإيحاءات والأبعاد هي ما لا يمكن تجاوزه في سياق الحديث عن النقد،وحتى قصيدة النثر تعوض الإبقاع الموسيقي بما يسميه النقاد: الإيقاع الداخلي.
ولذا فلا حد للنقد يقف عنده ولا محددات تماماً كما هو الإبداع لا حد له ولا سقف.والسر هو الإمكانات اللغوية التي يجتهد الطرفان في اكتشافها.
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى