د. سيد شعبان - المسكوت عنه في النص!

يبدو السارد راقصا فوق صفحات كتبه؛ يرواح في ثنايا الحروف والمفردات يضع نصب عينيه قارئا يتتبعه وينتظر لحظة ما يمسك به متلبسا، فالكتابة كما هي إبداع وتميز تبدو في مجملها حالة ترصد مع سبق الاتهام!
ولايلزم الكاتب أن يصرح بكل ما في ثنايا ضميره؛ يغدو مكشوفا فجا؛ كما أن عليه ألا يلغز حتى يعسر فهمه؛ وهو بين الأمرين حائر تتخطفه الظنون والأوهام:
وهم المحظور والمقموع والمقهور ممن يتناولهم في سردياته التي تمتليء بها صفات شخصياته وعوالمه المسكوت عنها؛ تمضي الكتابة بصاحبها إما إلى القبو أو الشاشة؛ هل يسلم قارئه لحالة من التيه والانزواء أم يفرد روائعه ليطالع القادمون بعد صورا من عالم مضى؟
أن يكون سرد فهذا يحتاج بوحا؛ تلك بدهية؛ لكن هذا أمر دونه عوائق تحوطها سيوف وسياط؛ لكل كاتب عالمه الذي يمتاح منه أو يتخيله ومن ثم يأتي بالجديد الذي يبرع في تصويره، منذ البدء كانت الكلمة وستبقى حتى البعث؛ فالكلمة سيرة الحياة وسرها الأكبر!
تراقصت رقاب فوق خشبة المقصلة جراء مآلات تفسير جائرة.
شعر ونثر ورسم وقص وخرافة وأسطورة كلها تحتاج تفسيرا وياظلم من ابتلي بمترصد لايجيد قراءة ما وراء النص.
يحتكر كهنة المعبد تفسير الأحلام والرؤى ويمتد نفوذهم إلى المفردات والجمل والقصائد والحكايات؛ يوم يعجزون يستدعون السلطة لتقوم بما يرونه وقاية من سطوة القلم.
يبدو السارد هلعا من كل قراءة تتناول منجزه، يحسب كل نأمة عليه، حتى إن علامة التعجب تفزعه وكل شارة تؤرقه؛ لقد انتهى زمن الخطوط الحمراء فبات كل مافي القوائم السوداء مفكوك الشفرة متجاوز القول؛ رأينا المعارض تعج بالممنوع في دور النشر؛ فالمسكوت عنه صار أكثر الكتب بيعا!
يؤرخ السرد للحياة المعاصرة بكل تناقضاتها وما يدور فيها من أحداث؛ كتب نجيب محفوظ يوم قتل الزعيم مثلما كتب أولاد حارتنا وثرثرة فوق النيل!
تجادل في كتابات محمد حسنين هيكل في خريف الغضب وأشعار نزار في يوميات آخر سياف عربي!
أنت تتجاوز ابن خلدون وتعبر لأبي حيان التوحيدي فذلك قول يصارع قلم الرقيب ومن ثم يصرعه!
دعك من سرد الحجرات الحمراء وليالي الخمر والسكر وانظر آلام القبو في ممرات الموت سطرته أدوات السرد فصار سجل الكتابة حافلا بما تختزنه الحياة المعاصرة، لاينتظر من واقع مؤلم أن تأتي الكتابة عنه حالمة أو تراقص أغصان البان فتمبس دلالا؛ حتى الشام بلاد الهوى باتت تئن تحت وقع الدمار والخراب؛ أين الهوى ومرابعه خرابا؟
كل كاتب كاذب إلا من عاش عالمه وعبر عنه في سرد صادق!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى