في القصر الفخم الواسع الذي يتزين مدخله بلافتة رُخامية كُتب عليها فيلا اللواء يامن السيد، جلستُ وحيدًا، في صباح يوم مشمس، أتصفح ذكرياتي، مثلما أفعل كل يوم منذ بلغتُ السن القانونية للتقاعد، انتهى بي التفكير إلى قضية، حدثت قبل ثلاثة عقود، وأخذت أنتقل بين تفاصيلها، وكأنها قد حدثت قبل سويعات قليلة!
تلقيتُ خبر مقتل زوجة شابة في العقد الثاني من العمر واغتصابها بوحشية، بمزيد من الأسى لذويها وزوجها تلقوا الخبر، وتم نقل الجثمان إلى مصلحة الطب الشرعي.
تم تشكيل فريق البحث الجنائي وتعهدت ألا أدخر جهدًا حتى أوقع المجرم في قبضة العدالة جزاءً وفاقًا لما ارتكب من جرم.
في فجر اليوم التالي لمقتل زوجته، جلس يرتجف من الغيظ، وراح يطلق السباب، وأخذ يتصفح الجريدة التي حُملت إليه، ثم قال في لوعة:
-لن يهدأ بالي حتى أتوصل لمن فعل تلك الفعلة، كيف تتحرك بصدره المشاعر، ويتلذذ بتلك الكوابيس المثيرة للاشمئزاز؟! لن أترك من انتهك شرفي بخسته ومرضه. هيهات أن أخلد إلى النوم دون الوصول إلى ذلك النذل.
قال ذلك وهو يمسك بالجريدة وقرأ فيها الأسطر المؤلمة التي يؤطرها خط أسود دقيق:
تواصل الشرطة عمليات البحث عن مغتصب الزوجة الشابة بعدما قتلها بوحشية !
الجميع تملكتهم الحيرة دون الوصول إلى أي مبرر منطقي لتلك الفعلة حتى يئسوا من إدراك الحلقة المفقودة التي تفسر دوافع تلك الجريمة، وشاركتُهم نفس الأحاسيس لدرجة أنني أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تلك القضية.
كانت الأم الثكلى شاحبة، لا تخلع ثوب الحداد الأسود الكاسي، تنتظر بأعين دامعة لا تجف؛ فقد كانت تموت من الحسرة على فراق فلذة كبدها، لا بد أنها شاخت في بضعة أيام، وكان الزوج الممزق القلب يتجرع غصة الغيظ يتساءل عن سبب ما حدث!
أخذ يصف حاله وهو ينفث دخان سيجارته، وفهمت منه الكثير من التفاصيل برغم أنه لم يُطل الكلام.
قبل الحادث بعام، اكتفت برسم الشكل العام لحياتها في القاهرة حيث سيقيمان، وانتبه الزوج بفرح أنهما اتفقا على كل شيء. لم يُقم طويلًا في مدينة الإسكندرية، مسقط رأس زوجته، وفضلًا عن ذلك سُوِّي كل شيء بنجاح وتفاهم؛ فلم يفارقه طيبُ مزاجه، وبخاصةٍ بعد أن بدا كل شيء كأنما أقيم من أجلها.
بدأت قصة حبه حين سحره جمال ابنة الجيران، التي يكبرها بربيع، بينما كانا صغارًا؛ إذ كانت طويلة بيضاء ممشوقة القوام فائرة ذات شعر طويل ناعم أخذت من الأم العود. كبر الغرام في قلبيهما وتبادلا بعفّةٍ نظرات الإعجاب كلما التقيا حتى سيطرت على وجدانه.
أخبرني كرم برؤية غريبة رآها ليلة الجريمة؛ حيث جلست زوجته شاردة على مائدة الطعام، وفجأة سقط ضرسها بعدما نفد طعامها، واصطحبها والدها الميت وخرجا معًا، ولمَّا سأله الزوج عن الوجهة لم يُجبه!
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، أفاد كرم بما وقع قبل الحادث؛ إذ تلقت اتصالًا هاتفيًّا لتحديث بياناتها، فأخبرتْ والدتها أنها تشعر بالقلق عندما طلب كلمة المرور، إلا أنها طمأنتها بسبب تحديث بياناتها قبل يومين. رفضتْ في البداية، لكنه أكد على إيقاف بطاقة الصرف الآلي إذا لم يتم تغيير الرقم السري برقم جديد.
وبعد أقل من ساعتين، مقابل عمليات شراء إلكترونية، تم سحب كامل الرصيد!
تساءلتُ وأنا أقرأ الأوراق التي اجتهدتْ التحريات في رصدها فلم تغادر صغيرة ولا كبيرة:
-يا أرض تكلمي، هل هو من قتل زوجته -التي هام بها عشقًا ورأى فيها أجمل النساء على وجه الأرض- لأي سبب؟ هل قتلها الحقد أو الحسد أو الغيرة؟
لم يُذهب عقلي جماع القاتل لجثمان تلك الشابة القتيلة؛ وبخاصة أنني قرأت عن اضطراب نفسي، يسمى «النيكروفيليا»، حيث قال المؤرخ الإغريقي هيرودوت في كتاب «تاريخ هيرودوتس» إن المصريين القدامى كانوا يحتفظون بجثة المرأة الجميلة لعدة أيام، وربما تركوها عرضة للشمس حتى تظهر عليها علامات التحلل والتفسخ؛ لجعلها أقل جاذبية في أعين الكهنة والرجال الذين يتولون مهمة تحنيطها؛ لمنع تكرار ممارسة المحنط الجنس مع جثة امرأة جميلة!
رجَّحتُ أن تكون قد قتلت بسبب الحادثة التي تعرضت لها؛ إذ وقعت واقعة الاغتصاب بعد وفاتها وليس قبلها.
وضعتُ التخمينات المختلفة، فاستبعدتُ الزوج الذي كان في حالة يرثى لها، وأدركت أن من قتل تلك الشابة إما أنه أراد ممارسة الجنس معها دون مقاومة، أو ربما كان على علاقة سابقة بها قد سببتْ له جرحًا عاطفيًا؛ لذا جمعتُ كل المعلومات الممكنة عن القتيلة مهما بدت تافهة، واستمعتُ إلى كل من له علاقة بها مهما كانت سطحية، وبخاصة إن كان هناك من هام بها عشقًا ورفضت حبه حتى ولو في أيام الطفولة!
كانت الأيام التالية شديدة القسوة، والزوج يفتش عن قاتل زوجته في ذكرياته، والوقت يمر ببطء شديد.
بحث في كل شيء، ولم يجد سوى ألبوم صورها، ولفت نظري إلى وجود رجل في كل مناسبات تلك الأسرة!
سألت الزوج فلم يجبني، ثم انطلق يسأل حماته متلهفًا؛ إذ وجد في نظرات هذا الشاب ما يثير شكوكه هو الآخر.
نفت الأم عنه الاتهام نفيًا مطلقًا:
-أحبها كثيرًا، وحضر زفافها دون دعوة على الرغم من رفضها الزواج به!
صار هذا العاشق المشتبه به الوحيد غير أن القضاء قد أغلق بالفعل ملف القضية، ولم يكن من اليسير فتحه مرة ثانية لمجرد تخمينات.
كان عليَّ أن أدرس ملف القضية جيدًا لإعادة فتح التحقيق؛ تركتُ منزلي لساعات طويلة، وباختصار، كرستُ حياتي من أجل التيقن من هوية القاتل.
سافرتُ إلى الإسكندرية، ولم يفارقني القلق الذي سبَّبه إصراري على الوصول إلى المعلومات التي تقطع كل شك؛ لذا تحدثتْ زوجة المشتبه به الذي ظهر في ألبوم صور العائلة، وأوضحتْ أن كل شيء يخص زواجهما قد سُوِّي على أكمل وجه، غير أن علاقتهما ساءت من أول ليلة، حيث قالت:
-«كان يستعد لليلة الزفاف بشغف، لكنه بدا طوال الحفل شاردًا، وقد قضى الليلة وحده يتحدث هاتفيًّا مع شقيقيه اللذين أصبحا على حين غرة لطيفيْن، ودوديْن، وانتظرته في الفراش متظاهرة بالنوم، ووقع ما نسف سعادتنا من جذورها؛ فكلما أخفق معي كان يتأوه، ويجثو على ركبتيه، وينخرط في البكاء، ويقسم بشدة حبه لي ضاربًا رأسه بيديه!
كانت معظم الأفكار التي تتصارع في رأسي حينها تعزلني عنه زمنًا حتى غرقت في بحر كراهيته.
وجدت، في صباح اليوم التالي، قصاقيص ورقية في دولابه، أشبه ببقايا مفكرة ممزقة، حاولت مرارًا وتكرارًا تكوين جملة أو عبارة ذات معنى دون جدوى».
اجتهدتُ في حل اللغز إلى أن تمكنت من فهم معناها؛ إذ كان في خلفيتها صورة لخريطة مصر !
كتب ما أخفاه عن الدنيا بأسرها:
-«أدمنتُ الحلم بها؛ إذ كانت ليلى فتاة لا توصف، كم توقفت شاخصًا ببصري أمام منظر ظلها الساحر، لكن مخيلتي تولت باقي الأمر حتى إنني رأيتها من منبت شعرها حتى أصابع قدميها. لم تمر ليلة دون أن أحلم بها تنزع ثيابها، وثغرها الوردي يمص روحي حتى صارت كالإعصار في جسدي».
ابتلعت الزوجة ريقها وواصلت اجترار الذكريات:
-الشيء الوحيد الذي يشغل تفكيري هو رؤية شكل المرأة التي سلبَت عقله.
أدركتُ أن القاتل أحبها حد الجنون، ولم يرتضِ الوقوف مكتوف اليدين، وخطر لي أنه رصد تحركات الضحية، وحوَّل كل اهتمام حياته إلى الوصول إليها، حتى ولو كانت جسدًا ميتًا.
أُعيد فتح التحقيق في القضية، وتم ضبطه بأحد الأكمنة؛ فوضعت الحرب الدائرة في رأسي أوزارها.
ها هو القاتل "جمال زايد"، شاب أبيض مألوف الوجه ممتلئ الجسد له عينان زرقاوين واسعتين، يتمتع بغريزة الحيوانات، ويبدو وضيع الأصل بوضوح تام، برغم أناقة مظهره لكن هذا القناع لن يخدع أحدًا.
بمواجهته اعترف بارتكاب ذلك الجُرم، كما أقرّ بالاستيلاء على أموالها، غير أنه انهار فاقدًا الوعي بعد أن توقف قلبه فجأة في أثناء تمثيل جريمته.
أحمد عبدالله إسماعيل
تلقيتُ خبر مقتل زوجة شابة في العقد الثاني من العمر واغتصابها بوحشية، بمزيد من الأسى لذويها وزوجها تلقوا الخبر، وتم نقل الجثمان إلى مصلحة الطب الشرعي.
تم تشكيل فريق البحث الجنائي وتعهدت ألا أدخر جهدًا حتى أوقع المجرم في قبضة العدالة جزاءً وفاقًا لما ارتكب من جرم.
في فجر اليوم التالي لمقتل زوجته، جلس يرتجف من الغيظ، وراح يطلق السباب، وأخذ يتصفح الجريدة التي حُملت إليه، ثم قال في لوعة:
-لن يهدأ بالي حتى أتوصل لمن فعل تلك الفعلة، كيف تتحرك بصدره المشاعر، ويتلذذ بتلك الكوابيس المثيرة للاشمئزاز؟! لن أترك من انتهك شرفي بخسته ومرضه. هيهات أن أخلد إلى النوم دون الوصول إلى ذلك النذل.
قال ذلك وهو يمسك بالجريدة وقرأ فيها الأسطر المؤلمة التي يؤطرها خط أسود دقيق:
تواصل الشرطة عمليات البحث عن مغتصب الزوجة الشابة بعدما قتلها بوحشية !
الجميع تملكتهم الحيرة دون الوصول إلى أي مبرر منطقي لتلك الفعلة حتى يئسوا من إدراك الحلقة المفقودة التي تفسر دوافع تلك الجريمة، وشاركتُهم نفس الأحاسيس لدرجة أنني أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تلك القضية.
كانت الأم الثكلى شاحبة، لا تخلع ثوب الحداد الأسود الكاسي، تنتظر بأعين دامعة لا تجف؛ فقد كانت تموت من الحسرة على فراق فلذة كبدها، لا بد أنها شاخت في بضعة أيام، وكان الزوج الممزق القلب يتجرع غصة الغيظ يتساءل عن سبب ما حدث!
أخذ يصف حاله وهو ينفث دخان سيجارته، وفهمت منه الكثير من التفاصيل برغم أنه لم يُطل الكلام.
قبل الحادث بعام، اكتفت برسم الشكل العام لحياتها في القاهرة حيث سيقيمان، وانتبه الزوج بفرح أنهما اتفقا على كل شيء. لم يُقم طويلًا في مدينة الإسكندرية، مسقط رأس زوجته، وفضلًا عن ذلك سُوِّي كل شيء بنجاح وتفاهم؛ فلم يفارقه طيبُ مزاجه، وبخاصةٍ بعد أن بدا كل شيء كأنما أقيم من أجلها.
بدأت قصة حبه حين سحره جمال ابنة الجيران، التي يكبرها بربيع، بينما كانا صغارًا؛ إذ كانت طويلة بيضاء ممشوقة القوام فائرة ذات شعر طويل ناعم أخذت من الأم العود. كبر الغرام في قلبيهما وتبادلا بعفّةٍ نظرات الإعجاب كلما التقيا حتى سيطرت على وجدانه.
أخبرني كرم برؤية غريبة رآها ليلة الجريمة؛ حيث جلست زوجته شاردة على مائدة الطعام، وفجأة سقط ضرسها بعدما نفد طعامها، واصطحبها والدها الميت وخرجا معًا، ولمَّا سأله الزوج عن الوجهة لم يُجبه!
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، أفاد كرم بما وقع قبل الحادث؛ إذ تلقت اتصالًا هاتفيًّا لتحديث بياناتها، فأخبرتْ والدتها أنها تشعر بالقلق عندما طلب كلمة المرور، إلا أنها طمأنتها بسبب تحديث بياناتها قبل يومين. رفضتْ في البداية، لكنه أكد على إيقاف بطاقة الصرف الآلي إذا لم يتم تغيير الرقم السري برقم جديد.
وبعد أقل من ساعتين، مقابل عمليات شراء إلكترونية، تم سحب كامل الرصيد!
تساءلتُ وأنا أقرأ الأوراق التي اجتهدتْ التحريات في رصدها فلم تغادر صغيرة ولا كبيرة:
-يا أرض تكلمي، هل هو من قتل زوجته -التي هام بها عشقًا ورأى فيها أجمل النساء على وجه الأرض- لأي سبب؟ هل قتلها الحقد أو الحسد أو الغيرة؟
لم يُذهب عقلي جماع القاتل لجثمان تلك الشابة القتيلة؛ وبخاصة أنني قرأت عن اضطراب نفسي، يسمى «النيكروفيليا»، حيث قال المؤرخ الإغريقي هيرودوت في كتاب «تاريخ هيرودوتس» إن المصريين القدامى كانوا يحتفظون بجثة المرأة الجميلة لعدة أيام، وربما تركوها عرضة للشمس حتى تظهر عليها علامات التحلل والتفسخ؛ لجعلها أقل جاذبية في أعين الكهنة والرجال الذين يتولون مهمة تحنيطها؛ لمنع تكرار ممارسة المحنط الجنس مع جثة امرأة جميلة!
رجَّحتُ أن تكون قد قتلت بسبب الحادثة التي تعرضت لها؛ إذ وقعت واقعة الاغتصاب بعد وفاتها وليس قبلها.
وضعتُ التخمينات المختلفة، فاستبعدتُ الزوج الذي كان في حالة يرثى لها، وأدركت أن من قتل تلك الشابة إما أنه أراد ممارسة الجنس معها دون مقاومة، أو ربما كان على علاقة سابقة بها قد سببتْ له جرحًا عاطفيًا؛ لذا جمعتُ كل المعلومات الممكنة عن القتيلة مهما بدت تافهة، واستمعتُ إلى كل من له علاقة بها مهما كانت سطحية، وبخاصة إن كان هناك من هام بها عشقًا ورفضت حبه حتى ولو في أيام الطفولة!
كانت الأيام التالية شديدة القسوة، والزوج يفتش عن قاتل زوجته في ذكرياته، والوقت يمر ببطء شديد.
بحث في كل شيء، ولم يجد سوى ألبوم صورها، ولفت نظري إلى وجود رجل في كل مناسبات تلك الأسرة!
سألت الزوج فلم يجبني، ثم انطلق يسأل حماته متلهفًا؛ إذ وجد في نظرات هذا الشاب ما يثير شكوكه هو الآخر.
نفت الأم عنه الاتهام نفيًا مطلقًا:
-أحبها كثيرًا، وحضر زفافها دون دعوة على الرغم من رفضها الزواج به!
صار هذا العاشق المشتبه به الوحيد غير أن القضاء قد أغلق بالفعل ملف القضية، ولم يكن من اليسير فتحه مرة ثانية لمجرد تخمينات.
كان عليَّ أن أدرس ملف القضية جيدًا لإعادة فتح التحقيق؛ تركتُ منزلي لساعات طويلة، وباختصار، كرستُ حياتي من أجل التيقن من هوية القاتل.
سافرتُ إلى الإسكندرية، ولم يفارقني القلق الذي سبَّبه إصراري على الوصول إلى المعلومات التي تقطع كل شك؛ لذا تحدثتْ زوجة المشتبه به الذي ظهر في ألبوم صور العائلة، وأوضحتْ أن كل شيء يخص زواجهما قد سُوِّي على أكمل وجه، غير أن علاقتهما ساءت من أول ليلة، حيث قالت:
-«كان يستعد لليلة الزفاف بشغف، لكنه بدا طوال الحفل شاردًا، وقد قضى الليلة وحده يتحدث هاتفيًّا مع شقيقيه اللذين أصبحا على حين غرة لطيفيْن، ودوديْن، وانتظرته في الفراش متظاهرة بالنوم، ووقع ما نسف سعادتنا من جذورها؛ فكلما أخفق معي كان يتأوه، ويجثو على ركبتيه، وينخرط في البكاء، ويقسم بشدة حبه لي ضاربًا رأسه بيديه!
كانت معظم الأفكار التي تتصارع في رأسي حينها تعزلني عنه زمنًا حتى غرقت في بحر كراهيته.
وجدت، في صباح اليوم التالي، قصاقيص ورقية في دولابه، أشبه ببقايا مفكرة ممزقة، حاولت مرارًا وتكرارًا تكوين جملة أو عبارة ذات معنى دون جدوى».
اجتهدتُ في حل اللغز إلى أن تمكنت من فهم معناها؛ إذ كان في خلفيتها صورة لخريطة مصر !
كتب ما أخفاه عن الدنيا بأسرها:
-«أدمنتُ الحلم بها؛ إذ كانت ليلى فتاة لا توصف، كم توقفت شاخصًا ببصري أمام منظر ظلها الساحر، لكن مخيلتي تولت باقي الأمر حتى إنني رأيتها من منبت شعرها حتى أصابع قدميها. لم تمر ليلة دون أن أحلم بها تنزع ثيابها، وثغرها الوردي يمص روحي حتى صارت كالإعصار في جسدي».
ابتلعت الزوجة ريقها وواصلت اجترار الذكريات:
-الشيء الوحيد الذي يشغل تفكيري هو رؤية شكل المرأة التي سلبَت عقله.
أدركتُ أن القاتل أحبها حد الجنون، ولم يرتضِ الوقوف مكتوف اليدين، وخطر لي أنه رصد تحركات الضحية، وحوَّل كل اهتمام حياته إلى الوصول إليها، حتى ولو كانت جسدًا ميتًا.
أُعيد فتح التحقيق في القضية، وتم ضبطه بأحد الأكمنة؛ فوضعت الحرب الدائرة في رأسي أوزارها.
ها هو القاتل "جمال زايد"، شاب أبيض مألوف الوجه ممتلئ الجسد له عينان زرقاوين واسعتين، يتمتع بغريزة الحيوانات، ويبدو وضيع الأصل بوضوح تام، برغم أناقة مظهره لكن هذا القناع لن يخدع أحدًا.
بمواجهته اعترف بارتكاب ذلك الجُرم، كما أقرّ بالاستيلاء على أموالها، غير أنه انهار فاقدًا الوعي بعد أن توقف قلبه فجأة في أثناء تمثيل جريمته.
أحمد عبدالله إسماعيل