الدكتور زياد العوف - النظريّة الأخلاقيّة في الأدب

ميّزتُ في مقالٍ سابق بين مجالات ثلاثة ، تهتمّ جميعها بالأدب وقضاياه، كلّ بما يتّفق وطبيعته وأهدافه المرجوّة منه. أعني بذلك تاريخ الأدب، والنقد الأدبيّ ، ونظريّة الأدب .لقد وعدتُ حينها بالعودة إلى
مفهوم ( نظريّة الأدب) لتفصيل القول فيه بما يسمح به المجال.
هذه المقالة تأتي ،إذاً ، في هذا السياق..
يمكن ابتداءً تصنيف كلّ النظريّات الأدبيّة تحت عنوانين اثنين تندرج تحتهما كلّ الاتّجاهات النظريّة المعنيّة بالتنظير للأدب ، وهما :
- النظريّة الأخلاقيّة
- النظريّة الشكليّة
مقالي هذا معنيّ بالنظريّة الأولى وحدها .
ينبغي التنبيه، بادئ ذي بدء، على أنّ مفهوم ( الأخلاقيّ ) هنا ، لا يعني حصراً ما هو منسجم مع الأخلاق.
بل المقصود بالنظرية الأخلاقيّة في الأدب إنّما هو مدى التركيز على الجوانب الوظيفيّة والاجتماعية والأخلاقيّة في العمل الأدبي ، وذلك بصرف النظر عن موقف هذا العمل من القِيَم الأخلاقيّة والاجتماعيّة . أي أنّ هذا الموقف قد يكون سلبيّاً ؛ فالعبرة إذاً
بالمنطَلَق ، وليس بالالتزام بهذه القِيَم. أقول: إنّ نقيض الأخلاقيّ هنا
هو الشكليّ ، وليس اللا أخلاقيّ.
لقد سبقتْ النظريّة الأخلاقيّة زمنيّاً النظرية الأخرى ، إلاّ أنها استمرّت بالتأثير بعد ظهور النظرية الشكلية.
تنطلق هذه النظرية من مبدأ أساسي
يرى أنّ قانون الكمال في الأدب هو نفسه قانون الكمال في الحياة الاجتماعيّة . ينشأ عن ذلك مبدأ نقديّ جوهريّ يُحكم بموجبه على العمل الأدبيّ انطلاقاً من قياس مدى
إسهامه في كمال النشاط الإنسانيّ ، ومن خلال أيّ معايير .
تختلف الإجابة عن هذا السؤال باختلاف المذاهب الأخلاقيّة؛ فمنطلقات الأدباء القدامى ، مثلاً، تتمثّل في تصويرالقدوة الحسنة ، وإظهارها بالصورة التي تدعو إلى الاقتداء بها . الأمر الذي دفعهم إلى تجنّب النماذج السيّئة والشّريرة ، ما يعني مُجانبة الواقع ، والنظر إلى الحياة من منظور واحد .
ومن الاعتراضات التي ووجِهتْ بها هذه النظريّة الاعتراض القائل بأنّ القِيَم والمعايير الأخلاقية نسبيّة ومتغيّرة؛ إذ إنّها تتطوّر بتطوّرِ الحياة والعصور . إنّ قِيَم العصر الجاهليّ ، كما يمثّلها شعراء الجاهليّة ، مثلاً، لا يُنظَر إليها بعين القَبول وِفقاً للمنظور الإسلاميّ . وكذلك هو الشأن مع معايير الفروسيّة في العصور الوسطى الأوربيّة؛ إذ غدتْ مثاراً للتّهكم والسخرية وِفق قيم ومعايير العصور الحديثة . إنّ رواية" دون كيشوت" لِمؤلّفها( سير فانتِس) لأوضح مثال على ذلك .
مهما يكنْ من أمر ، فإنّ التساؤلات والاعتراضات ،على كثرتها ، لم تكنْ قادرة على كبح جِماح النظرية الأخلاقية. ذلك أنّها استطاعتْ الاستمرار عبر العصور المختلفة بأشكال وصيغ متنوّعة ، تتناسب وتلك العصور.
في العصر الحديث ، مثلاً ، يمكن النظر إلى النظرية الأدبية ذات الأصول والتّوجّهات الماركسيّة بوصفها مثالاً حيّاً على التركيز على الجانب الوظيفي للأدب، ومِنْ ثَمّ الجانب الأخلاقي .
ترى النظريّة الماركسيّةأنّ " المادّة"
تسبق " الفكر" ، وأنّ " الوجود" يسبق " الوعي" ، ويترتّب على ذلك نتيجة مؤدّاها أنّ الوجود الاجتماعي هو الذي يقرّر الوجود الفكريّ .
وفيما يخصّ العمل الأدبيّ ، فإنّ الماركسيّة تؤكّد على قيمة المضمون في هذا العمل ؛ إذ إنّ الشكل الجمالي- كما ترى-ليس أكثر من وسيلة لإظهار المضمون بالمظهر المقبول اجتماعيّاً. إنّ " الجمال" في المحصّلة هو أمر نسبيّ .
إنّ الأدب وِفقاً للنظرية الأخلاقية، ذات الأصول الماركسيّة، هو نشاط اجتماعيّ هادف ، يطمح إلى الوصول إلى غايات اجتماعيّة واضحة ومحدّدة .
هذه إذاً فكرة موجَزَة ، لكنّها واضحة ومفيدة- فيما أرى- حول ( النظريّة الأخلاقيّة) في الأدب ، راجياً أنْ يتلوها لمحة مماثلة عن ( النظريّة الشكليّة) إذا أسعف الحال بذلك .

دكتور زياد العوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى