د. صبري محمد خليل خيري - مذهب المعتزلة : قراءة منهجية لأصوله الفكرية

عرض لأصول مذهب المعتزله:

تعريف:
أسميت هذه الفرقة بالمعتزلة نسبة إلى أن واصل بن عطاء " مؤسسها
" اعتزل - أي اختلف مع - أستاذه الحسن البصري في مسألة مرتكب الكبيرة ، فقال البصري إنه فاسق ، وقال واصل إنه في منزلة بين المنزلتين ، أي لا مؤمن ولا كافر، وأدى هذا الاختلاف إلى استقلال واصل الفكرى عن استاذه ، وتكوينه فرقة المعتزلة في مرحلة تالية.

الأصول الخمسة للمذهب: وقواعد المذهب الاعتزالي الأساسية خمسة هي:

أولاً: العدل والتوحيد:

ا/ التوحيد:

1/ تصور المذهب لمفهومى التنزيه و التأويل: قدم المذهب تصور خاص لمفهوم التنزيه " نفى التشابه بين الوجودين الالهى المطلق والانسانى المحدود " ، يتطرف فيه لدرجه تحوله الى تعطيل" جزئى"، اى تحديد "تقييد" - وبالتالى نفى- جزئى للوجود الالهى المطلق كما سنوضح ادناه. وترتب على هذا تقديم المذهب لتصور خاص لمفهوم التاويل" الانتقال من المعنى الحسى - الظاهر - للمفهوم للمعنى المجازى" ، لا يتقيد - فى احايين كثيره - بضوابطه الشرعيه ، ويقف عند حدود المعانى المجازيه المشهوره لهذه المفاهيم ،والتى يعرفها العربى بدون تاويل ، كما عند مذاهب اهل السنه الكلاميه "الاعتقاديه"(الاشاعره والماتريديه والطحاويه وبعض علماء اهل الظاهركابن حزم، وبعض علماء الحنابله كابن الجوزى)، طبقا له أولوا الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الوجودين الالهى والإنسانى .

2 / نفي الصفات الالهيه الزائدة على الذات الالهيه " التعطيل الجزئي": كما تناول المعتزلة طبيعة العلاقة بين الذات الإلهية والصفات الإلهية، فانتهوا إلى التوحيد بينهما ، فقالوا أن الصفات هي عين الذات، وبالتالي نفوا الصفات الزائدة على الذات - أي نفوا وجود صفة إلهية مستقلة عن الذات الإلهية- وأولوا الصفات الإلهية الواردة في القرآن بأنها أسماء للذات وليس وصفاً لها، لذا أطلق عليهم لقب المعطلة بمعنى تعطيل الصفات الإلهية (أي نفيها)، والصواب هو أنهم لم ينفوا الصفات لصوره مطلقه ، بل نفوا الصفات الزائدة عن الذات ، أي أن مذهبهم يقوم على التعطيل (النفى ) الجزئي وليس التعطيل الكلي.
ب/ تصور المذهب لمفهوم العدل الالهى: ذهب المعتزلة إلى أن العدل الإلهي يقتضي أن يثاب المحسن ويعاقب المسيء، وهو ما يقتضي أيضاً أن يكون للإنسان القدرة على الفعل والاختيار بين الخير والشر، إذ لو كان الإنسان مجبوراً على فعله لكان محاسبته عليه ظلما ً، والله تعالى منزه عن نسبة الظلم إليه، لكنهم تطرفوا في فهم حرية الإنسان فرتبوا على ذلك إن الإنسان خالق لأفعاله.

ثانيا: التحسين والتقبيح العقليين: وقال المعتزلة أن الحسن والقبح ذاتيان في الأفعال ، أي أن الخير والشر يرجعان إلى صفة هذه الأفعال ، وليس لأن الشرع أمر أو نهي عنهم)، وأن الشرع يأمر بالفعل لما فيه من حسن وينهى عن الفعل لما فيه من قبح، وأن العقل مكلف ورود الشرع ، أي أن الإنسان سيحاسب على أفعاله حتى لو لم يصله شرع.

ثالثاً: المنزلة بين المنزلتين: كما قال المعتزلة إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين منزلة الكفر ومنزلة الإيمان،أي لا هو كافر ولا هو مؤمن، لكنهم ذهبوا إلى أنه لا مانع أن يطلق عليه اسم مسلم تمييزاً له عن الذمي ،ولأن التوبة مطلوبة له ، يقول ابن أبي حديد (إنا وإن كنا نذهب إلى أن صاحب الكبيرة لا يسمى مؤمناً ولا مسلماً ،نحبذ أن يطلق عليه هذا اللفظ ،إذا قصد به تمييزه عن أهل الذمة وعابدي الأوثان(.

رابعاً: تصور المذهب للوعد والوعيد الالهيين ونفى الشفاعه: وقدم المذهب تصور خاص للوعد والوعيد الالهيين مضمونه أن الله لا يجوز عليه أن يخلف وعده للمحسنين بالثواب ، ولا وعيده للمسيئين بالعقاب، وبالتالي نفوا الشفاعة وفسروها بأنها الزيادة في الفضل الإلهي.

خامساً: تصور المذهب لمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: اما تصور المذهب لمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيقوم على وجوب الخروج على السلطان الجائر، ولكنهم – و خلافاً لمذهب الخوارج- لم يجعلوا هذا الإيجاب مطلقاً ، بل مشروطاً بتوافر ظروفه.

تصور المذهب لبعض المفاهيم:

نفى صفه الصفه الكلام الالهيه الزائده عن الذات الالهيه والقول بان القران مخلوق:
وترتب على تصور المذهب المتطرف في التنزيه نفي صفة الكلام الالهيه الزائدة عن الذات الالهيه ، أي نفي أن يكون الله تعالى متكلماً بكلام مستقل عن الذات الإلهية، لأن ذلك –عندهم- من صفات الحوادث "المخلوقات" ،ولأن هذا يفيد – عندهم ايضا - الأثنية "أي يفيد أن هناك إلهين". وهم هنا يردون على المسحيين الذين احتجوا بوصف القرآن للمسيح عليه السلام بأنه كلمة الله، لتبرير قولهم بإلوهيته. أما ما ورد في القرآن من إسناد الكلام لله تعالى ، فقد أولوه بمعنى أن الله تعالى خلق الكلام كما يخلق أي شيء، وبالتالي فإن كلام الله (القرآن الكريم) مخلوق (محدث) وليس قديم .[/HEADING]
[HEADING=3]النفى المطلق الرؤية: كما ترتب عليه نفي المذهب إمكانية رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة. وفسر البعض أن المقصود بالرؤية التي نفاها المعتزلة هي رؤية الله بالأبصار لا الرؤية مطلقاً ، يقول الشهرستاني (واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار).
تعليل افعال الله تعالى"وجوب الصلاح والاصلح على الله تعالى : كما قرر المذهب أن الله تعالى يعمل الأعمال معللة بمقاصد، لأنه حكيم لا يصدر عنه الفعل جزافاً، ثم بنى المذهب على هذا القول بوجوب الصلاح والأصلح، أي أن الله تعالى لا يفعل إلا ما يكون حكمة، فمستحيل أن يأمر بغير الصالح أو ينهى عن الطالح، فيجب له الصلاح ويجب له الأصلح.

ثانيا: القراءه المنهجيه للاصول الفكريه للمذهب:

محاوله للرد على الاديان المخالفه باستخدام المناهج العقليه"ذات الجذور اليونانيه
": ظهرت فرقه المعتزلة أساساً للرد على أصحاب الديانات والاعتقادات المخالفة للإسلام ، باستخدام المناهج العقلية - التجريدية ، المقبسه اساسا من الفلسفه والمنطق اليونانيين .
تحول العقل من أداه إلى غاية: ولكن هذه الآلة " المناهج العقلية" تحولت بطول الممارسة من أداة إلى غاية، فتحول العقل لديهم من نشاط معرفي محدود بالوحي في معرفته بالغيبيات، إلى مصدر مطلق لمعرفة الغيبيات.
محاوله نفى التشبيه : كما جاء تصور المعتزلة للذات الإلهية ، كرد فعل على تصور المشبهة (المجسمة)، الذي ينتهي على القول بالتشابه بين الوجودين الالهى المطلق والإنسانى المحدود.
التعطيل الجزئي للصفات الالهيه: ولكن هذا التصورتطرف فى التنزيه لدرجه يمهد لانقطاع الصلة بين هذين الوجوديين الإنسان ، فضلاً عن أنه يفضي على التعطيل الجزئي- اى التحديد"التقييد"وبالتالى النفى- الجزئى - للوجود الإلهي المطلق كما في مسألة الصفات الالهيه.
الحسن والقبح العقليين وإطلاق العقل عن حدوده: أما قول المعتزلة بالحسن والقبح العقليين، فيترتب عليه إطلاق العقل عن حدوده ، كما يتضح في قولهم أن العقل قادر على إدراك حسن أو قبح الأفعال بصورة مطلقة ، وقولهم بتوقف الثواب والعقاب على العقل.فيصبح العقل وسيله معرفه مطلقه ، خلافا للموقف الصحيح لمنهج المعرفه الاسلامى ، الذى يقر بالعقل كوسيله للمعرفه ، لكنه يقيدها بوسائل المعرفه الاخرى، كالوحى فى ادراكه للوجود الغيبى" المطلق عن قيزد الزمان والمكان"، والحواس فى ادراكه للوجود الشهادى " المقيد بالزمان والمكان".
القول بخلق الإنسان لأفعاله وتحويل حركه الإنسان الى فعل مطلق: كما أكد تصور مذهب المعتزلة لمفهوم العدل الإلهي على قدرة الإنسان على الفعل والاختيار ، ولكنه تطرف أيضاً في تأكيد حرية الإنسان، فتحولت حركة الإنسان عنده من فعل محدود" تكوينياً وتكليفياً" بالفعل الالهى المطلق " الربوبيه " إلى فعل مطلق، عندما قالوا أن الإنسان خالق لأفعاله، إذ الخلق صفة ربوبية (مضمونها دال على هذا الفعل الالهى المطلق،وبالتالي فإن إسنادها سواه هو شرك في الربوبية (شرك اعتقادي - عند غير المسلمين - أو عملي -عند المسلمين (-.
القول بوجوب الأصلح لله وتحديد الفعل الالهى المطلق: وقول مذهب المعتزلة بوجوب الأصلح لله تعالى، يوحي بأن فعله تعالى محدود بفعل لسواه، أوجب عليه فعل الأصلح وألزمه به، والفعل المطلق (الذي ينفرد به الله تعالى) هو الفعل الذي لا يحده فعل لسواه ،وكل فعل لسواه محدود به، وبالتالي ينبغي القول بأن الله تعالى أوجب على نفسه(وليس يجب عليه) فعل الأصلح،وبالتعبير القرآني " كتب الله على نفسه"، كما فى قوله تعالى ( قُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ).



د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

--------------------------
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري[/HEADING]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى