الدكتورة حنان إسماعيل - رؤية ومحاولة للتفسير لرواية "دوام الحال" للأديب/ أ. أحمد عبدالله إسماعيل

عتبات النص:
الغلاف:
كلمات الغلاف : دوام الحال: مستوحاة من المثل الشعبي دوام الحال من المحال ، فيشعر القارئ بالتقبل السريع للموضوع ، كما تم ذكر عدد كبير من الأمثال الشعبية أثناء السرد وهو أمر يتناسب مع بيئة القرية وأهلها وهو يدعم السرد بلا شك.
خلفية الغلاف يغلب عليها اللون الأخضر الذي يمثل الحياة والزرع والخير.
الشخصيات التي بالغلاف شخصيتين:
شخصية العمدة وشخصية الحفيد وما بينهما الفجوة الزمنية التي تردت فيها الأوضاع داخل القرية.
وتؤكد الفقرة التي كتبها أديبنا على الغلاف الخلفي وهو يرثي لحال قريته، مغزى الرواية.
" أهذه قريتنا؟!!! أأصبحت ذكرى أهي حاضر يتباكى على مستقبل لا تبدو ملامحه بوضوح؟!
لقد هرمت بعدما شهدت حوادث جساما ، إلا وإني ما زلت أعشقها.
بينما كان القدر رحيما بي، ورفيقا إلى أبعد الحدود، فقد باركني، وأعطاني ثروة لا تنفد، وهي محبة الناس التي تتجدد بداخلهم بكل ألوان الحب مع كل الفصول.
وهأنذا أنتظر صباحا مبتسما ، لتشرق قريتنا كما كانت من قبل ، تهوي أفئدة الناس إليها ، وتصبح غوث كل ملهوف ، وعون كل محتاج ، وملاذ كل لاجئ."

الإهداء:
"إلى كل من يستظل بسماء وطنه متشبثا بهويته"
" إلى أجدادنا الذين يحرسون قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، ويؤذي نفوسهم أن يضل أحفادهم الطريق"
إهداء متوائم مع محتوى الرواية ، الذي يرصد التحولات التي طرأت على القرية المصرية بفضل العولمة وسوء استخدام الانترنت. الرواية تدعم وتعزز فكرة الانتماء والذي جاء متمثلا في شخصية السفير راضي الذي ظل متعلقا بقريته مهما شغل من مناصب ومهما جال وسافر في بلدان العالم، فلم يهدأ له بال إلا في قريته مسقط رأسه محاولا النهوض بها والوقوف على نقاط الضعف والأسباب التي أدت إلى تردي الأوضاع بها.
السرد
السرد جاء على لسان الراوي العليم عن كثب، فيحكي عن الأحداث ظاهرها وباطنها، ما يتفوهون به وما يجول بخاطرهم.
اللغة : جاءت باللغة الفصحى البسيطة التي لا تستعصى على أحد، يتخللها في بعض المواقف بعض الكلمات العامية والأمثال الشعبية بما يتناسب مع كل شخصية.

الشخصيات:
راضي: (البطل الرئيسي للرواية):
شخصية طيبة من جذور ريفية، تربت في حضن الأرض، والأرض دائما معطاءة جيدة، أيضا تربى وسط أسرته: والده العمدة (عبد المنصف) الشخصية ذات الهيبة السخية، الوقورة، الحكيمة، حيث يلجأ الجميع إليه. فورث (راضي) عنهم الانتماء والوفاء إلى القرية أرضاً وأفراد.
يجيد (راضي) التحكم في انفعالاته، مع زوجته فنجده رغم شكوكه بها ينتظر أن يمسك عليها البيِّنة، على الرغم من أنني آخذ عليه ضعف شخصيته أمامها بدليل انسياقه خلفها في الإجازات فينزحوا إلى شرم الشيخ بدلا من قضاء إجازتهم السنوية في القرية وسط أهله.
أيضا فهو يحاور ابنه بعقلانية ويسوق إليه بالحجة بدلا من محاولته أن يفرض رأيه، وربما يكون ذلك لعلمه بحقوق ابنه والذي يحمل الجنسية الأمريكية.

عبد المنصف: العمدة

الشخصية الرزينة الحكيمة التي تمتاز بالكرم والتي يقصدها أهل القرية عند الشدائد، بيته مفتوح ليل نهار لكل صاحب مشكلة ، فأجده أحسن النصيحة إلى إخلاص حين وجه لها حكمة قائلا (من يستمع إلى عقله وقتما يسيطر قلبه على انفعالاته هو شخص مختلف، عقله لا يغيب، وبصيرته نافذه، وإحساسه عميق) .

نرجس:
زوجة راضي وابنة الوزير المدللة ذات الحسب والنسب، والتي تتعالى على راضي ابن القرية وترى نفسها تستحق من هو أفضل منه بل وتعيره بذلك، ولم تقبل به سوى كيدا في الأخريات. تسعد بعشقه لها ، وتراه آلية للضغط عليه كي ينفذ لها جميع مطالبها. أما مطالبها الجنسية الشاذة فقد اختارت لها شخص آخر ليمارسها معها. لكنها في النهاية تقع في شر أعمالها ، ويحيق المكر السيئ بأهله. وتلجأ للسحر وترمي بثقافتها ووضعها الاجتماعي جانباً من أجل السيطرة على راضي حين أحست أنه يفلت من يدها، لكن لا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
فريد:
ابن راضي صاحب الجنسية الأمريكية، وهو على النقيض من شخصية والده ، فقد نشأ وترعرع في أمريكا حيث برودة الجو والمشاعر، فيعيش حالتها، ويعاني البرودة الأسرية، ومن الطبيعي أن لا يتماهى مع حيث والده عن قريته وانتمائه لها، فيلجأ إلى (كريستين) صديقته لعلها تعوضه ما يفتقد إليه، وبالفعل وجد عندها ضالته المنشودة، ويعرض فريد في بساطة دوافع حبه ل (كريستين) فرغم الحرية الأمريكية إلا أنها تفهم معنى الحب وتقدره، فهي تجيد الانصات وبشغف، تقبله كما هو دون أدنى محاولة منها لتغييره، مؤنسة له وبدونها يشعر بالوحدة .

عبد المعطي:
ابن العمدة وأخو راضي المعلم بالقرية، دائم العطاء والذي يتفانى في خدمة قريته وأهلها. والذي عزف عن الزواج بعد وفاة خطيبته، فصار كل أطفال القرية أبناءه.

بهية:
المرأة العجوز والتي تمثل مصر والتي جاءت تشكو قسوة ابنها وجفائه، وجحوده، وهجره للقرية ورفضه أن يرجع حتى لدفن والده. وزواجه من إليزابيث تلك المرأة التي تكبره بسنوات كثيرة في سبيل أن يسافر معها ويحصل على الجنسية. لكن الله عوضها بالحفيد سليم ليعوضها ما خسرته في صبحي.


قراءة في النص:
هناك مقابلة بين وضع القرية وقت أزمة كورونا وحالها وقت وباء الكوليرا.
هناك تركيز واضح ومعبر عن الحداثة متمثلا في دور الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي على شباب القرية، يظهر جليا في ردود فعل بعض أهالي القرية عند وفاة ا. عبد المعطي.
تضاد واضح بين شخصية راضي بحبه الجمّ لوالده ولقريته وبين شخصية (صبحي) ابن بهية الناقم على كل شيء، الكاره لأسرته والذي سلك كل السبل ليهرب من القرية، وكنت أود لو حضر فريد هذه الجلسة.
استخدام مجموعة من الأمثال العامية والتي جاءت تخدم النص، مثل: " إن شالله تتستر ، سترة من العار، وسترة النار، وسترة من الزمن الغدار".
" ولا زرعك ولا ولدك تغضب عليه".
" من همه خد واحده قد أمه"
"قلبي على ولدي انفطر وقلب ولدي عليا حجر".
" يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للمات"
" لما قالوا ده غلام شد ضهر أمه وقام، ولما قالوا ده ولد شد ضهر أمه وانسند"
ياعيني لا عنده عيل ولا تيِّل"
" أعز من الولد ولد الولد"
وبساطة بهية العجوز ودعواتها الصادقة للعمدة و ل راضي(ربنا يديم فرحة قلبك، ولا يبعد عنك حلم اتعلقت بيه ، ويخلي كل كسر جواك يصيح مجبور، ويبل ريقك باللي نفسك فيه، وينولك كل أحلامك، ويرزقك قرب اللي يحسوا بقيمتك)
نزلت هذه الدعوات على قلب راضي فشعر بالارتياح والرضا، وكأنها لمست جراح وأوجاع راضي فأراد أن يصرخ بصوت عال قائلا آمين.
أشعر بالصدق في جميع الرواية وكأن أديبنا مر بنفسه بجميع تلك الأحداث فوصفها بدقة عالية. من هذه الأحداث مشهد الانتخابات ، فكل التحية لأديبنا لما تحراه من مصداقية في الوصف. فقد تعرض لما يحدث داخل اللجان الانتخابية وخارجها، من المرشحين وعملائهم، ومن الاستغلال الحقير لفقر البسطاء.
مشكلة أخرى تعرض لها أديبنا وهي قضية التنمر الالكتروني
فيما يخص مشكلة (ريم) التي كتبت منشورا تمزح فيه ، لكنه كان سببا في انقلاب الجميع عليها والغوص في أخلاقها ، حتى لم تسلم من تنمر معلمتها، بينما الأمر يرجع إلى اختلاف الثقافات بين اليسر والتشدد ويتضح ذلك جليا في رؤية راضي وعبد المنصف والحوار بينهما.
تعرض الأديب لقضية مهمة وهي رؤية بعض الرجال قاصري الرؤية لكل امرأة تمتلك حسابا على الفيسبوك أو تويتر بأنها تبحث عن علاقة برجل وكأنها متاحة مباحة من أجل التعارف لأي شخص.
ويتزامن مناقشتنا للرواية مع حادثة التحرش بطفلة المعادي والتي استدرجها أحد الرجال إلى مدخل إحدى العمارات ليتحرش بها، فتلتقطه إحدى الكاميرات فتخرج له سيدة محترمه تواجهه وتمنعه من تنفيذ فعلته الشنعاء.
أحسست أن الحادث الذي تعرض له راضي تطويل في الأحداث، فمن المتوقع بعد الشقاء الذي تعرض له مع نرجس أن يعوضه الله في زيجته الجديدة.
استمتعت كثيرا بقراءة الرواية وأعجبتني الحبكة وسرد الأحداث، ألف مبروووك ا. أحمد عبد الله وأرجو أن تمس قراءتي صميم الموضوع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى