د. علي خليفة - موجز نشأة المسرح وأهم مراحل تطوره في العالــــم المسرح المصري القديــم

من المؤكد أن المصريين القدماء عرفوا على الأقل المسرح الطقسي – الديني –، وذلك من خلال طقوس الاحتفال بإله الخصب عندهم، وهو أوزوريس، وزوجته إيزيس، وكانت تقام طقوس متكررة من هذا الاحتفال، وصفها هيردوت حين شاهدها في مصر، وقال: إن بعض هذه الطقوس كان الكهنة يقومون بها أمام عامة الناس، والبعض الآخر منها مما له طبيعة السرية كانوا يؤدونه داخل غرف الأسرار بالمعابد، ولا يطلع على ما يقومون به غيرهم.
ووصلتنا بعض البرديات التي تصف هذه الأسطورة عن أوزوريس وزوجته إيزيس وابنهما حورس وأخي أوزوريس الشرير ست، ونفهم منها أن هذه الأسطورة كانت تؤدى بشكل مسرحي قريب مما كان يقام في احتفال اليونانيين برب الخمر الوثني عندهم ديونيسوس.
ولكون آلهة اليونانيين الوثنيين كانوا ناسوتيين؛ أي فيهم كثير من صفات البشر ونقصهم وتقلباتهم؛ فلهذا تطورت الاحتفالات بباخوس أو ديونيسوس لتخرج من حكي أمجاده وتمجيده إلى عرض أحداث بعيدة عنه من الأساطير والواقع حتى لقد ضرب المثل بهذه المسرحيات التي تعرض أحداثًا لا تتعلق بديونيسوس "ما في هذا مثل لديونيسوس". أما المصريون فلم تكن آلهتهم الوثنية لها هذه الطبيعة الناسوتية؛ ولهذا لم تتطور الاحتفالات التي كانت تخص أوزوريس وإيزيس، ولم تخرج عن حدها الطقسي.
ونشر إيتين دريتون عدة برديات في كتابه المسرح المصري القديم قال: إنها قد تكون مسرحيات دينية فرعونية.
وأيضًا وجدت بردية فرعونية ذكر فيها شخص بسيط أنه كان يقوم بتمثيل دور السيد في حين كان عبده يقوم بدور التابع، مما يدل على أن الفراعنة قد يكونون عرفوا المسرح غير الديني، ومنه الواقعي الذي يعرض بعض القضايا المعاصرة لهم، والخبر الذي ذكرنا أنه موجود في إحدي البرديات يمكن أن يفهم منه أيضًا أن هذا الشخص وتابعه كانا يقدمان ما يمكن وصفه باسكتشات ضاحكة أقرب في إعدادها وتمثيلها للكوميديا ديلارتي.
وبعد فما زلنا بحاجة لاكتشاف مزيد من البرديات الفرعونية التي قد يكشف بعضها حقائق مهمة فيما يخص المسرح المصري القديم.
المسرح اليوناني القديم
لم ينشئ أيسخيلوس المسرح من عدم، بل سبقته تجارب مسرحية مهمة للأسف لم تصل إلينا. وكان المسرح اليوناني في نشأته عبارة عن أغانٍ تنشدها الجوقة في الاحتفال بالإله الوثني باخوس أو ديونيسوس – وهو إله الخمر عند الإغريق –، ثم بعد ذلك صار هناك ممثل يتحاور مع الجوقة في التمجيد بباخوس، وأحيانًا ينفرد كل منهما في الحديث عن تمجيد باخوس، وكانت الخطوة الثانية في المسرح اليوناني أنه بدأت تظهر نصوص مسرحية مكتوبة حول باخوس وآلهة وثنية أخرى، وشيئًا فشيئًا استقل المسرح اليوناني عن الدين وعبادة باخوس – وإن كان حضوره يظهر من حين لآخر كما نرى في مسرحية عابدات باخوس ليوربيديس –، فظهرت مسرحيات تصور أحداثًا أسطورية مأخوذة أكثرها من ملحمتي هوميروس الإليازة والأوديسة، وكذلك ظهرت مسرحيات تصور الواقع آنذاك لا سيما في الكوميديا.
ومن أهم كتاب المسرح الذين سبقوا أيسخيلوس الكاتب فرونيخوس، وقام أيسخيلوس باستحداث أشياء مهمة في المسرح اليوناني أهمها أنه أضاف ممثلاً ثانيًا يظهر على المسرح مع الممثل الأول والجوقة، وبذلك قلل من القصائد الغنائية والمونولوجات، وزاد في التمثيل، وفي حركة المسرحية، والصراع بها، والشيء الثاني أنه تناول في بعض تراجيدياته أحداثًا معاصرة شارك هو بنفسه فيها، كما نرى في مسرحية الفرس التي صور فيها الحرب بين اليونان والفرس التي انتصر فيها اليونان، وشارك فيها أيسخيلوس، كذلك كان لأيسخيلوس دور مهم في المسرح اليوناني في التركيز على قيمة الإنسان والتشكيك في الآلهة الوثنية، كما نرى في مسرحية برومثيوس مقيدًا.
وكان بعد ذلك أن أضاف سوفوكليس ممثلاً ثالثًا يظهر على المسرح مع الممثلين الآخرين والجوقة، واهتم بالحوار المركز، والصراع، وإحكام بناء المسرحية.
واهتم يوربيديس بعد ذلك أيضًا بإحكام مسرحياته، ومعالجة قضايا المرأة على وجه خاص، وتمجيد الآلهة الوثنية، كما يظهر في العديد من مسرحياته، كمسرحية عابدات باخوس ومسرحية أوريستيس. هذا عن نشأة المسرح اليوناني والتراجيديا على وجه الخصوص. ويعد أرسطوفانيس أهم كتاب الكوميديا عند اليونان قديمًا.
نظرة سريعة على تطور المسرحية حتى العصر الحديث
لم يهتم الرومان بالمسرح؛ لأنهم كانوا يهتمون بالعروض الدموية التي فيها يتصارع المتصارعون حتى الموت، ومع ذلك فقد استهواهم مشاهدة بعض العروض الكوميدية في فواصل خلال مشاهدتهم هذه المصارعات الدموية.
ومن أبرز الكتاب التراجيديين عند الرومان سينكا الذي ينظر إليه على أنه مفكر أكثر مما ينظر إليه على أنه كاتب مسرحي، وقد وصلت إلينا بعض مسرحياته، ويظن بعض الباحثين أنه ألفها لتقرأ، فلا يوجد دلائل قوية على أنها مثلت، ومن مسرحياته مسرحية أوكتافيا، ومسرحية أوديب، ومسرحية ميديا.
واشتهر بين الرومان من كتاب الكوميديا الكاتب ترنتيوس فير، الذي ألف مسرحية الخصيّ، ومسرحية الحماة ومسرحيات أخرى. كذلك من أبرز كتاب الكوميديا عند الرومان الكاتب بلاوتوس الذي تأثر موليير ببعض مسرحياته، كمسرحية كنز البخيل التي تأثر بها موليير في كتابته لمسرحية البخيل.
وأهمل المسرح بعد ذلك في العصور الوسطي، واقتصرت عروضه على ما تقدمه بعض الكنائس في أوربا من مسرحيات تعرض بعض قصص القديسين، ومسرحيات أخرى تصور جوانب من الكتاب المقدس.
وظهرت بوادر النهضة المسرحية في إيطاليا – على وجه الخصوص – في القرن الرابع عشر بعروض الكوميديا ديلارتي التي يعتمد الممثلون فيها على تمثيل مسرحيات مرتجلة، يتفقون فيما بينهم قبل تمثيلها على الخطوط العامة فيها، ولكن يكون لهم حرية كبيرة في النطق بحوارها وتعديلها أيضًا.
وظهرت بوادر النهضة المسرحية في إنجلترا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وهو ما يطلق عليه بالمسرح الإليزابيثي نسبة للملكة اليزابيث، واستمرت تلك النهضة قرابة مائة عام، ومن أهم كتاب هذه الفترة شكسبير وكريستوفر مارلو وبن جونسون.
وكذلك ازدهر المسرح في ذلك الوقت في فرنسا، وهو ما عرف بالكلاسيكية الحديثة، وقد قنن لها بوالو في كتاب فن الشعر، ومن أهم كتاب التراجيديا فيه كورني وراسين، ومن أهم كتاب الكوميديا فيه موليير الذي يعد أكبر كاتب كوميديا عرفه العالم.
ازدهر المسرح بعد ذلك في كل أوربا، وانتشرت التيارات الفنية التي تأثر بها كتاب المسرح كالكلاسيكية، والرومانتيكية، والرمزية.
وفي العصر الحديث انتشرت الواقعية على يد إبسن واسترندبرج، ونبذ كثير من كتاب المسرح الشعر، ومالوا لكتابة المسرحيات نثرًا، ومعالجة قضايا الإنسان العادي فيها.
ومن أهم كتاب المسرح في العصر الحديث إبسن واسترندبرج، وبيرانديللو، وبرناروشو، ويوجين أونيل، وآرثر ميلر، وأنطون تشيكوف.
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ظهر كتاب مسرح الطليعة الذين ثاروا على المسرح بشكله المتوارث، وكتبوا مسرحيات جددوا فيها في الشكل والمضمون معًا، ومن كتاب مسرح الطليعة صمويل بيكيت ويوجين يونسكو، وأرتور أداموف، وفرناندو أرابال.
ومن الأشكال التي استحدثها كتاب مسرح الطليعة مسرح العبث أو اللامعقول، ومسرح الغضب، ومسرح القسوة.
ولا يزال التجريب مستمرًّا في المسرح الحديث، وتدريجيًّا يقل الاحتفال بالكلمة فيه، ويصبح لحركات الجسد والأصوات المبهمة والرقصات الدور الأكبر فيه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى