غلام حسين ساعدي - المتسولة.. - الجزء الأول- ترجمة: ديانا محمود

يُعتبر غلام حسين ساعدي (١٩٣٥/١٩٨٥) من رواد القصة والرواية الإيرانية، ترك العديد من الآثار القصصية والمسرحية التي تحمل طابعاً واقعياً وتطرق في أغلبها لموضوع الفقر المعنوي والمادي في المجتمع الإيراني، وعلى الرغم من أن ساعدي من تبريز إلا إنّ أغلب قصصه تحكي قصص الجنوب الإيراني.
خرج ساعدي من إيران بعد الثورة الإسلامية في ١٩٧٩ واستقر في باريس إلى حين وفاته، ومن أشهر أعماله المجموعة القصصية المسماة “أصحاب المأتم في بيّل” ومجموعة “رهبة” التي تضم ست قصص قصيرة نقدم اليوم الجزء الأول من إحداها.

المتسولة لغلام حسين ساعدي- الجزء الأول 1

المتسولة “الجزء الاول “
لم يكن قد مضى شهر واحد حتى ذهبت ثلاث مرات إلى قُم، في المرة الأخيرة شعرت أن الاوضاع ليست على ما يرام، وكأن هناك مكروه سيحدث، ومع ذلك استقليت سيارة متهالكة عند منتصف الليل لأصل قبل شروق الشمس إلى منزل السيد.
طرقت الباب ففتحت السيدة عزيز وامتعضت لرؤيتي، من على طرف الباب المتأرجح نظرت إليّ بغضب وقالت: “ألم تذهبي بعد يا جدة ؟”
لم أكترث لما قالته، ألقيت التحية وعبرت بهو الباب نحو باحة المنزل، على طرف بركة الماء جلس الأطفال لتوّهم يغسلون وجوههم وأيديهم , توقفو للحظة ونظروا إليّ.
جلست قرب الحائط ووضعت صرتيّ إلى جانبي وبقيت في مكاني، سألت السيدة عزيز مرة ثانية :”صحيح يا جدة صحيح ألم تذهبي؟” قلت: “نعم ياعزيزتي لقد ذهبت لكني الآن عدت مرة ثانية”.
قالت عزيز :”إذا كنت ترغبين بالرحيل ثم العودة سريعاً لماذا رحلتي من الأصل؟ كان من الأفضل لك ولنا البقاء هنا” ضحكت وقلت: “ها أنا قد عدت لكي يهدأ بالكم ولكنني يا جدتي لم آت هذه المرة من دون سبب لقد جئت لأمر ضروري”.
تحلق الأولاد حولي وذهبت عزيز نحو البركة وعلى جبينها علامات الغضب، جلست هناك وسألت: “وما هو هذا الأمر؟” قلت: “جئت لأشتري لنفسي مترا من الأرض، رأيت في حلمي أن يومي قريب”، اتجهت عزيز نحو طرف آخر من البركة وقالت :”ليس لديك حتى حصير واحدة كيف ستشتري قطعة الأرض؟” قلت: ” لقد رتبت كل شيء وأشرت إلى الصرّة” غضبت عزيز وقالت: “آها إنّ كنت تملكين المال لماذا تأتين إلينا باستمرار وتلقين همومك على السيد المسكين؟ من الصباح حتى المساء يركض وراء لقمة العيش ليطعم أولاده، وأنت لا ترحميه، كل مرة تأتي إلينا لتأخذي منه شيئا”. نظرت إليّ بإزدراء لكني التزمت الصمت بعد إساءتها ثم صعدت السلالم بسرعة وهي تتذمر، لحق بها أطفالها وكأنهم يخشون مني وأنا بقيت قرب الحائط وحيدة حتى استسلمت للنوم .
رأيت في الحلم السيد وقد عاد من الدكان واقفاً تحت الشجرة يسمع ماتقوله عزيز التي كانت تتوعد له إن لم يضع لي حداً. استيقظت من النوم فجأة ورأيت السيد قد جاء بالفعل ووقف في بهو الباب يحدّث زوجته بصوت عالٍ ويقول :”بالله عليكي ماذا أفعل فهي كباب المسجد لا يُخلع ولا يُحرق أشيري عليّ بطريقة لكي أجد حلاً” قالت عزيز :”أنا لا أعرف ماذا يتوجب عليك فعله لكنها أخبرت كل الناس أنها لا تملك قرشاً واحداً والآن تريد أن تشتري قطعة أرض، بالطبع لن تعجبها مقربة وادي السلام وأمثالها بل ترغب بمقبرة الفرج، إذا كانت تملك كل هذه الأموال لماذا تأتي إليك دائماً ولا تذهب إلى غيرنا، لديها العديد من الأولاد والبنات وأنت أضعفهم حالاً؟ عبدالله ومرتضى وجواد وعلي ويكيا وصفية وأمينة، وكل أصهارها أغنياء لكنها تحملك أنت فقط أعبائها “. تمهل السيد قليلاً وقال :” أنا عجزت أفعلي أنتِ مايحلو لك لكن إياك وأن تقومي بما يغضب الله فمهما كان فهي أمي”.
توجها معاً نحو باحة الدار فأغمضت عينيّ وتظاهرت بالنوم ثم صعد السيد السلالم وهبطها مرة ثانية بهدوء وخرج من البيت. أخرجت من صُرتي كسرة خبز وتناولتها ثم استلقيت مرة ثانية وغفوت فالليلة الماضية أرهقتني السيارة المتهالكة من كثرة الحركة. عندما فتحت عيني كان الظلام قد حل ومصباح الغرفة مضيء، تنحنحت وذهبت إلى البركة حرّكت المياه الراكدة لكن أحداً لم يخرج من الغرفة صعدت السلالم ورأيت عزيز وأولادها حول المائدة يتناولون عشائهم، لم يكن السيد قد عاد بعد جلست في البهو انتظره، عندما فرغوا من العشاء دخلت إلى الغرفة وناديت السيدة عزيز، فقفزت ماهروخ من مكانها وصرخت خوفاً فهب الجميع خلفها رفعت عزيز فتيلة السراج وقالت: “ماذا تفعلين يا عفريتة، أتريدين أن ترعبي أطفالي؟” عدت إلى الخلف قليلاً وقلت :” أردت أن أرى هل عاد السيد؟” قالت عزيز :”هل أصبتِ بالعمى أين عينيك ألم تري أنه لم يعد بعد ولن يأتي هذه الليلة أبداً”. سألتها: ” أين ذهب إذاً ؟” نفضت يدها ورجلها وقالت: “وما أدراني إلى أيةّ جهنم ذهب” قلت: “إذاً أين أنام؟” قالت: “فوق رأسي وما أدراني لا تزعجي أولادي ونامي أينما تشائين”.
استلقيت في الممر نفسه ونمت مكاني وعند الفجر كنت أدرك أن عزيز لا ترغب في رؤيتي لذلك أنهيت صلاتي وخرجت من المنزل واتجهت إلى مرقد السيدة معصومة، زرت في البداية ضريحها المقدس ثم جلست القرفصاء على باب المرقد وأخفيت وجهي ومددتُ يدي نحو الزوار، وحينما توسطت الشمس السماء نهضت من مكاني وجمعت نقودي وعقدتها في طرف صرتي ومضيت نحو بيت أسد الله حاملةً السكاكر والحلوى للأولاد، قرعت الباب، فتحت ماهروخ الباب وأغلقته سريعاً، طرقت الباب مرة ثانية فخرجت منه امرأة غريبة لا أعرفها وقالت لي: “منذ ثلاثة أشهر رحل السيد أسد الله من هذا البيت” فقلت لها: “إلى أين ذهب في الأمس كان هنا؟” فقالت: “لا أعلم إلى أين ذهب ولا أحد يعلم” ثم أغلقت الباب وذهبت. كنت أعلم بأنها تكذب فجلست عند الباب حتى المغيب لعل السيد أسد الله يأتي ولكنه لم يأت، فنهضت من مكاني ومضيت في الطريق، وفجأة خطر على بالي أن أذهب إلى دكانه في السوق لكنني لم أجد أحداً يُعرف بأسد الله بائع المرايا وفي النهاية أرشدني أحدهم إلى دكان لبيع المرايا بالقرب من محال لتقطيع الحجارة وكان اسم صاحب المحل أسد الله لكن الرجل هناك كان يرتدي عباءة وعمامة وأنا كنت أعلم أنه لا يرتدي عمامة أبداً.
فعدت أدراجي رويداً رويداً إلى الطريق حتى حان موعد الصلاة فذهبت إلى المرقد وجمعت الصدقات ومن ثم عدت إلى السوق ثانية.


قصة فارسية قصيرة مترجمة

جاده إيران- ترجمة/ ديانا محمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى