كل ليلة تزورني. منذ اليوم الذي قررتُ أن أتهاوى نحو سفح الطفولة البعيد كي أنضج، تجرأتْ على زيارتي. ومنذ اللحظة التي اخترتُ لي فيها ميلادا جديدا على مقاس حواسي الداخلية لا أكثر، استأنستْ بصحبتي.
كل ليلة بطيبها تأتي إلي. وكدُمى الماريونيت تتراقص حولي، فتغدو غرفتي التي لطالما شابهت بقية الغرف الكئيبة بالبيت، حلبة رقص تضج بالفرح والحياة. على الأرض ألقي بالغطاء السميك الذي يصر كل من بالبيت منذ سنوات أن يدثروني به كلما غفوت، أقفز بخفة طفولية من على السرير، وهأنذا بين زائرِيّ ظبية جميلة تتلألأ عيناها بوهج الحياة. تنبسط غرفتي أكثر لتسع تمددنا فتصبح فسيحة كأنها الكون، ومن خلفية ما تتعالى موسيقى ميكيس ثيودوراكيس. كما المصلين، نستوي جميعنا في صف واحد. ومثل الكل، أبسط ذراعاي وأضع كل واحدة منهما على كتف الراقص المحادي لي. مع إيقاع الموسيقى نبدأ بتحريك الأرجل دفعة واحدة نحو الأمام ثم الخلف، نحو اليسار ثم اليمين. مع إيقاعها نبدأ بتحريك الفرح والأمنيات وكل قضايانا الكبرى. يتصاعد الإيقاع أكثر فتتصاعد معه خفة أجسادنا وتتمايل الصفوف نحو اليسار ثم اليمين، نحو الأمام ثم الخلف. مثل الجميع، في مرح باذخ أحرك رأسي الخفيفة تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار، أهز بتناوب قدماي، وأدور منتشية ومأخوذة بموسيقى الزوربا المبهجة. لمرات يُخيل لي أن الإيقاعات المشحونة بالفرح مصحوبة بتصفيقات كل من بالبيت، بل إنني أحيانا أسمع صفير المشجعين كما لو أنني نجمة على خشبة مسرح عالمي ما. ولمرات أشعر أن الكرة الأرضية بكل ثقلها تتماوج معنا فتتقدم تارة نحو الشمس وتارة نحو القمر.
أرقص وأرقص كل الليل أو معظمه، وأزداد حماسا وفتوة كلما تذكرت أنني اليوم طفلة منفلتة من قبضة العالم.
أرقص وأرقص، وأبتسم لمهد الطفولة الذي جعلني أنتبه لفلسفة رقصة الزوربا. وككل ليلة، لا آبه للعيون المتلصصة علي من كل شق وكوة بالبيت، وأعرف أن أصحابها سينشرون خبر جنوني بفزع جديد بين الجارات في الحي. وأعرف أن الرجال كما النساء سيمنعون أطفالهم من الاقتراب من امرأة مثلي تتهاوى كل يوم أكثر نحو بؤرة ملعونة. وأعرف وأعرف...، ولكني أرقص.
أرقص وأرقص وأدور في فلكي، ولا أكترث لهذا العالم القاصر على أن يستوعب شطحاتي الشخصية.
أرقص وأرقص رقصة الزوربا خاصتي، مع الأطياف صديقتي ...
رجاء بسبوسي
----------------------------------
* من المجموعة القصصية "حلم امرأة مضحك"
كل ليلة بطيبها تأتي إلي. وكدُمى الماريونيت تتراقص حولي، فتغدو غرفتي التي لطالما شابهت بقية الغرف الكئيبة بالبيت، حلبة رقص تضج بالفرح والحياة. على الأرض ألقي بالغطاء السميك الذي يصر كل من بالبيت منذ سنوات أن يدثروني به كلما غفوت، أقفز بخفة طفولية من على السرير، وهأنذا بين زائرِيّ ظبية جميلة تتلألأ عيناها بوهج الحياة. تنبسط غرفتي أكثر لتسع تمددنا فتصبح فسيحة كأنها الكون، ومن خلفية ما تتعالى موسيقى ميكيس ثيودوراكيس. كما المصلين، نستوي جميعنا في صف واحد. ومثل الكل، أبسط ذراعاي وأضع كل واحدة منهما على كتف الراقص المحادي لي. مع إيقاع الموسيقى نبدأ بتحريك الأرجل دفعة واحدة نحو الأمام ثم الخلف، نحو اليسار ثم اليمين. مع إيقاعها نبدأ بتحريك الفرح والأمنيات وكل قضايانا الكبرى. يتصاعد الإيقاع أكثر فتتصاعد معه خفة أجسادنا وتتمايل الصفوف نحو اليسار ثم اليمين، نحو الأمام ثم الخلف. مثل الجميع، في مرح باذخ أحرك رأسي الخفيفة تارة إلى اليمين وتارة إلى اليسار، أهز بتناوب قدماي، وأدور منتشية ومأخوذة بموسيقى الزوربا المبهجة. لمرات يُخيل لي أن الإيقاعات المشحونة بالفرح مصحوبة بتصفيقات كل من بالبيت، بل إنني أحيانا أسمع صفير المشجعين كما لو أنني نجمة على خشبة مسرح عالمي ما. ولمرات أشعر أن الكرة الأرضية بكل ثقلها تتماوج معنا فتتقدم تارة نحو الشمس وتارة نحو القمر.
أرقص وأرقص كل الليل أو معظمه، وأزداد حماسا وفتوة كلما تذكرت أنني اليوم طفلة منفلتة من قبضة العالم.
أرقص وأرقص، وأبتسم لمهد الطفولة الذي جعلني أنتبه لفلسفة رقصة الزوربا. وككل ليلة، لا آبه للعيون المتلصصة علي من كل شق وكوة بالبيت، وأعرف أن أصحابها سينشرون خبر جنوني بفزع جديد بين الجارات في الحي. وأعرف أن الرجال كما النساء سيمنعون أطفالهم من الاقتراب من امرأة مثلي تتهاوى كل يوم أكثر نحو بؤرة ملعونة. وأعرف وأعرف...، ولكني أرقص.
أرقص وأرقص وأدور في فلكي، ولا أكترث لهذا العالم القاصر على أن يستوعب شطحاتي الشخصية.
أرقص وأرقص رقصة الزوربا خاصتي، مع الأطياف صديقتي ...
رجاء بسبوسي
----------------------------------
* من المجموعة القصصية "حلم امرأة مضحك"