ياسر أنور - نظرية جمع التكسير، وجمع المذكر السالم-والفرق بين قوله تعالى: (فألقي السحرة سجدا)، و(فألقى السحرة ساجدين)

يرى بعض الباحثين في دراسة اللغة المقارنة comparative language أن جمع التكسير (broken plural) في العربية يمثل مشكلة لدى دارسي العربية من الأجانب، لأنه ليس جمعا قياسيا مثل جمع المذكر السالم (sound plural)، ومن هؤلاء الباحثين روبرت .ر.رات كليف . Robert R. Ratcliffe ويرى آخرون أن جمع التكسير يمثل صورة بدائية في اللغات القديمة وخاصة السامية، ومشكلة هؤلاء الدارسين أنهم تعاملوا مع العربية بذات الطريقة التي تعاملوا بها مع اللغات الأخرى، والحق أن العربية تحوي أسرارا لا تتاح لغيرها من اللغات ، فالجمع في العربية ليس ( للإحصاء) فقط ، بل هو لتصوير (الحالة والهيئة) ( وبيان الدرجة و الرتبة أيضا)، فهو جمع تصويري بالدرجة الأولى. وقد استخدم القرآن جمع التكسير وجمع المذكر السالم بطريقة غاية في الدقة خلافا لما ذهب إليه كثير من النحاة في أن الفرق يكمن في القلة والكثرة فقط. وقد استخدم القرآن جمع التكسير مثل (سجدا) لبيان التفاوت في وضعية السجود، بدءا من عملية الانحناء والميل و الركوع وصولا إلى حالة السجود التام،( بينما) استخدم جمع المذكر السالم لبيان حالة (التوافق) التام في وضعية السجود وهي وضع الجبين على الأرض دون أي تفاوت. فسجدا في سورة طه لبيان رد فعل السحرة المفاجئ نتيجة صدمة معجزة تحول العصا إلى حية ، أما ساجدين في بقية السور التي تناولت القصة نفسها فهي تتحدث عن حالة التمكن والثبات الانفعالي والتوافق التام بعد استيعاب أثر المعجزة، ولذلك نجد في بداية سورة يوسف (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) حالة التمكن النهائي من السجود، أما في نهاية السورة(وخروا له سجدا) فهو رد الفعل المفاجئ(بدليل الفعل خروا) قبل الوصول إلى حالة التوافق.
ولذلك فقوله تعالى في سورة الفرقان: (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) حديث عن صلاة فردية بها تفاوت، وكذلك قوله فاذكروا الله قياما وقعودا، هو ذكر فردي ، أما قوله تعالى (واركعي مع الراكعين) فهو ركوع جماعي في حالة التوافق أو الاتفاق. ويمكن الرجوع إلى كتاب شفرات النص القرآني لمزيد من الإيضاح حول نظرية جمع التكسير وجمع المذكر السالم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى