خير جليس علي حسين - في اليوم العالمي للكتاب.. ومن ذا الذي لا يريد أن يستعيد حكاية الكتاب الاول؟

يوم 23 نيسان ، هو اليوم العالمي للكتاب.. الذي اقرته منظمة اليونسكو ، ويُعتبر هذا التاريخ رمزي في عالم الأدب، كونه يوافق ذكرى وفاة وليم شكسبير، ، و‌ميغيل دي ثيربانتيس حيث رحلا في نفس اليوم ( 23 نيسان عام 1616 ) .
ظلت الكتب على مدار العصور تسأل ما هو الإنسان، وجاء نيتشه ليطرح سؤالاً جديداً ماذا تستطيع الكتب ان تفعل للانسان ؟ يكتب الشاعر الانكليزي إليوت :" إن الكتب هم الأصدقاء الأكثـر هدوءاً واستمرارية، هم المستشارون الأكثـر قرباً، والمعلمون الأكثر صبراً. " . يقال ان الاسكندر المقدوني كان يحمل معه في حملاته العسكرية صندوقا يحتفظ فيه بنسخة من الكتاب الاحب الى نفسه " الإلياذة ". وكان يرى ان في قصتها تتجسد حروبه وحياته .
في حكاية الكتب نقرأ عن الدور الكبير الذي لعبته بغداد في تاريخ الحضارة البشرية . وضع بيت الحكمة الذي تأسس في بغداد في زمن المامون ، العرب في سدة الصدارة والريادة العلمية في الوقت الذي شهدت فيه اوربا عصورا من الانحطاط بعد سقوط روما :" حتى ان الورق الكبير الفاخر عرف باسم الورق البغدادي لما احتلته بغداد من اهمية في الثقافة الكتابية " – مارتن بوكنر العالم المكتوب - .
منذ سنواتي الأولى في القراءة ، كانت أمنيتي أن تكون لي مكتبتي الخاصة ، وأن امتلك الكتب التي أسمع الأخرين يتحدثون عنها ، سواء قرأتها أم لم أقرأها ، وعندما أدخل اليوم إحدى المكتبات ، أشعر أن كل الكتب تطلب مني أن أخذها معي إلى البيت . كنت قد قرأت مقالاً للفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار تتحدث فيه عن الكتب تقول فيه :" كنت أقرأ كثيرأ حين كنت في الثالثة عشرة من عمري ، وكنت أقتني الكتب بسذاجة وهوس ، وإذا ما فتحت كتاباً ، دخلت في عالم آخر، عالم عينيّ ، زمني ، عامر بالوجوه والأحداث الفريدة ، وإني لا أزال أذكر الدهشة المدوخة التي كانت تستولي عليّ في اللحظة التي كنت أطبق فيها الكتاب ، سواء كانت رواية أو بحثاً فلسفياً ، وبعد أن أكون قد تصورت الكون من خلال اسبينوزا او كانط ، أتساءل كيف يمكن للإنسان أن يكون خفيف العقل بما فيه الكفاية ليكتب روايات . لكن حين تعرفت على جان فالجان كان يخيل إليّ أن من العبث أن يضيع الإنسان نفسه في النظريات الفلسفية ، وهو يجد الحقيقة مجسدة في كل ما كتبه فكتور هيجو ، أين هي الحقيقة ؟ على الأرض أم في النظريات ؟ كنت ممزقة " .
في مكتبتي اليوم ، الرفوف تئن تحت ثقل أنواع الكتب وصنوفها ، ومنها كتب مكررة ، أقتنيتها لمجرد إعادة ترجمتها أو طباعتها أو اختلاف نوع الورق ، لكني لا أستطيع التفريط بها لأنها تشكل جزءاً من ذاكرتي ، في كتابها " القراءة الجامحة " تكتب دونالين ميلر :" عند اختيار الكتب نسترجع عمراً بأكمله من خبرات القراءة ، أو محيطنا من أصدقاء القراءة الثقات ، أو نصائح لنقاد ، وهي تجربة ناجحة ، فنحن نادراً ما نقرأ كتاباً لانستمتع به ، أو على الأقل نقدره ، ولهذا يبدو عليّ الانزعاج أمام فكرة التخلص من الكتب الزائدة " .
في مرحلة الصبا تعلقت بعدد من الكتب ، وكنت اشعر بنشوة غريبة وأنا اقلب الصفحات اتابع فيها مصائر مجهولة .. ومن بين هذه الكتب كانت هناك نسخة من رواية " جين آير " للكاتبة الانكليزية شارلوت برونتي .. نشرت ضمن سلسلة كتابي وبترجمة حلمي مراد وكانت هذه الكتب بحجم كف اليد الصغيرة يلخص من خلالها مترجمها والمشرف عليها حلمي مراد أمهات الكتب . ومثل أي قارئ مبتدئ كنت متلهفا لمعرفة نهاية جين آير اقلب الصفحات على عجل بحثا عن مصائر الشخصيات وهل ستنتهي الرواية نهاية سعيدة مثلها مثل الافلام العربية التي نراها على شاشة التلفزيون .
تكتب فرجينيا وولف في مقالة بعنوان " كيف نقرأ كتاباً كما يجب ؟" : " غالباً ما نأتي الى الكتب أول مرة ونحن بعقول مقسمة ضبابية، نبحث وقتها عن الرواية التي حدثت في الواقع، وعن الشعر الكاذب، وعن السيرة الذاتية المغرية، وعن كتب التاريخ التي تؤجج كبرياءنا. إذا استطعنا إبعاد كل هذه التصورات المسبقة عندما نقرأ، فإن هذه ستكون بداية مثيرة للإعجاب. لاتُملِ. إذا تراجعت عن ذلك، وأصدرت حكماً مُسبقا في البداية، ستمنع نفسك من الحصول على أي فائدة دسمة مما تقرأه." – داخل المكتبة ترجمة راضي النماصي-
حين توفيت جين اوستن في في ١٨ تموز عام ١٨١٧ عن واحد وأربعين عاما. كانت شارلوت برونتي صاحبة الرواية الشهيرة " جين آير " قد بلغت عامها الاول – فيما ولدت اميلي برونتي التي ابدعت " مرتفعات وذرينغ " بعد عام من ولادة شقيقتها شارلوت ، وفي صالون البيت الكبير كانت اكثر الطقوس اهمية للشقيقات برونتي ، هي قراءة اعمال جين اوستن حتى ان شارلوت برونتي كتبت انها قرأت " كبرياء وهوى " سبعة عشر مرة ..ومثل والد جين كان والد شارلوت يجلس في غرفته التي يعد فيها مواعظه الدينية التي كان يلقيها في الكنيسة حيث كان يعمل كاهنا .. كان الاب يكتب الشعر ويعيش في غرفته عيشه وصفتها اميل برونتي: في توحد محموم محتد وعديم القدرة " . في اوقات الفراغ يقرأ باستمتاع ما كتبته ابنته شارلوت من صفحات رواية سيطلق عليها اسم " جين آير " .. والغريب ان اسرة برونتي عاشت قصص حب لم تكتمل ، فقد احبيت شارلوت استاذها المتزوج واخذت تراسله ، الى ان ابلغها بضرورة التوقف عن ملاحقته برسائلها ، وقد نشرت " جين آير " عام 1847 وهو نفس العام الذي نشرت فيه شقيقتها اميلي روايتها الوحيدة " مرتفعات وذرينغ " وبينما كانت شارلوت تشعر دائما بان وضعها كامراة جعلها في مرتبة اقل ، لم تشعر اميلي باي احباط لكونها امراة .
سادت صورة " شارلوت برونتي " العانس التي تجلس في زاوية من غرفتها تكتب بقلم رصاص على اوراق ملونة ، وكأنها نسخة مكررة من كاتبتها المفضلة " جين اوستن " التي حرّضتها على الكتابة عن الحب الذي لايجتاز حدود العقل ، لتقدم الى القراء صورا فنية عن المشاعر الانسانية الدفينة .. فيما اختارت " إميلي برونتي " ، عالما أخرا أكثر ثراء من اي حقيقة اجتماعية ، لايشبه عالم شقيقتها المشغول بالبحث عن الراحة في الخيال ، وانما عالم تسير فيه مدفوعة بعواطف جامحة ، حيث تقودها طبيعتها الخاصة ، لانها امنت أن حياتها أمر يخصها لوحدها ، لا علاقة له برؤى الخيال .
ولدت شارلوت برونتي في 21 نيسان 1816 في غرب انكلترا ، وكانت الابنة الثالثة من بين ستة أطفال لربة البيت ماريا برانويل و القس من اصول ايرلندية باتريك برونتي. في عام 1820 ، انتقلت العائلة إلى قرية هاوورث ، حيث تم تعيين الاب مشرفا على كنيسة سانت مايكل . في الخامسة من عمرها توفيت والدتها بمرض السرطان ، تاركة خمس بنات ، ماريا وإليزابيث وشارلوت وإميلي وآن ، وابنها برانويل ، لتعتني بالعائلة خالتهم إليزابيث برانويل.
في آب 1824 ، دخلت شارلوت ومعها شقيقاتها إميلي وماريا وإليزابيث إلى مدرسة بنات رجال الدين ، وستخبرنا شارلوت برونتي من أن الظروف السيئة في المدرسة أثرت بشكل دائم على صحتها ونموها البدني ، وسرعت بوفاة شقيقتها ماريا التي توفيت بمرض السل لتلحقها بعدها باشهر شقيقتها اليزابيت بنفس المرض ، مما اضطر الاب ان يمنع بناته من اكمال دراستهن .
في البيت قامت شارلوت بدور الأم والشقيقة الكبرى لأخواتها ، في الثالثة عشر من عمرها كتب اول قصيدة لها ، وقد شجعها والدها فانجزت خلال اعوام كتابة اكثر من 200 قصيدة ، كانت تبعث بها الى المجلة التي تصدر في مدينتهم الريفية وبعد عدة محاولات قرأت اسمها مطبوعا على احد الصفحات ، وجدت شارلوت في حياتها الرتيبة ملاذا خاصا ، حيث يمكنها أن تتصرف وفقًا لرغباتها وهوياتها المتعددة ، إلا ان هذه الحياة الرتيبة جعلت من شارلوت تعيش في صراع نفسي داخلي بين ولائها للدين الذي لا يبيح الشهوة الجنسية ويطالب بكبتها ، وبين ولعها بالحب . وقد دفعها هذا الصراع أن تقرر كتابة قصص تشرح فيها حالتها ، لكنها كانت تحتفظ بها في خزانتها الخاصة خوفا من اطلاع والدها القس على خيالات ابنته واحلامها الرومانسية . بعد اعوام قليلة ستقدم لوالدها دفترا ضخما يحتوي على رواية بعنوان " الاستاذ " . وفي هذه الرواية تسلط شارلوت الضوء على موضوع طالما شغلها ، وهو علاقة الطالبة باستاذها . وهو يمثل انعكاسا على بعض جوانب حياتها . فقد احبت شارلوت برونتي معلماً بلجيكياً درست عنده اللغات . كان المسيو إيجيه متزوجا ولديه اولاد ، لاحظ موهبتها في الكتابة وشجعها، ففسّرت اهتمامه على انه نوع من انواع العشق . كتبت له العديد من الرسائل وفي واحدة منها ترجوه أن لا يغضب منها وتخبره بان قلبها الممتليء بالحب هو الذي يدفعها للكتابة ، لكن الاستاذ، طلب منها ان تتوقف عن مراسلته .
قرر الاب ان يبعث بروايته ابنته " الاستاذ " الى احدى دور النشر ، لكن جميع دور النشر رفضت طباعتها ، ولم تطبع إلا بعد وفاة شارلوت برونتي بعامين .
عام 1846 نشرت الأخوات شارلوت وإيميلي وآن مجموعة مشتركة من القصائد تحت الأسماء المستعارة " كورير بل - إليس بل - آكتون بل" كتبت شارلوت حول استخدام الأسماء المستعارة ما يلي: " تجنبا للدعاية الشخصية، أخفينا أسماءنا الأصلية خلف الأسماء المستعارة: كورير بل - إليس بل - آكتون بل.اخترنا هذه الأسماء الغامضة رغبة منا في استخدام أسماء ذكورية حيث لم نكن نود أن نكشف عن هويتنا كنساء، لأنه في ذلك الوقت كان سيتم التعامل مع طريقة كتاباتنا وتفكيرنا على أنها (أنثوية)، كان لدينا انطباعا قويا أن مؤلفاتنا سيُنظر إليها باستعلاء، حيث لاحظنا كيف يستخدم النقاد في بعض الأحيان أسلوب المهاجمة الشخصية كوسيلة عقاب وأسلوب الغزل كمكافأة، وبالتالي لا يُعتبر ذلك إشادة حقيقية لأعمالنا " .
عام 1947 توافق دار النشر التي رفضت روايتها " الاستاذ " على نشر روايتها " جين آير " ولم تصدق أن القراء والنقاد سيهتون بها وستوضع روايتها ضمنقائمة الكتاب الاكثر مبيعا ، وعندما قرأ ت ما كتبته احدى الصحف من ان جين آير " رواية من صميم روح شهدت الكثير من الكفاح والمعاناة والتحمل." اغمي عليها وظلت لاسابيع تعتقد ان الامر مجرد خيال يدور في رأسها .
عندما قرأت لاول مرة رواية " جين آير " باجزائها الثلاثة الصغيرة ، وجدتها رواية مملة ، فيها امرأة مجنونة واخرى تعشق صاحب البيت ، ومشاهد الحريق ، وعندما عدت إليها بعد اكثر من 10 سنوات ، في ترجمة جديدة قام بها منير بعلبكي ، اكتشفت اهمية هذه الرواية وكيف انها تسرد حكاية انسانة متمردة عنيدة تقترب من سيرة شارلون برونتي نفسها ، فالفتاة جين تسرد لنا احداث حياتها منذ طفولتها حين نشأت في مدرسة تتبع الكنيسة ، وتلتزم المدرسة بمبدأ اذلال الجسد للقضاء على أية شهوات قد تراود الفتيات . فالفصول الاولى من الرواية توضح لنا خلفية جين التربوية وتاثيرها على تكوين شخصيتها التي سوف تنضج فيما بعد . وتعكس براعة شارلوت برونتي في تصوير الظروف المحيطة بالشخصية وما يسود عالمها من تجاذب بين الحرية والكبت . كانت " جين آير " الطفلة التي مات والديها بمرض التيفوئيد وعمرها سنة واحدة ، تولى خالها السيد ريد رعايتها وأوصى زوجته بها قبل موته ، تعاني من قسوة زوجة الخال التي تعاملها كالخادمة .. كانت جين تلوذ بزاوية هادئة لتعيش مع عالم آخر من خلال الكتب التي تقرأها ، تعلقت برحلات غالفر " ، عندما تدخل المدرسة ستجدها أسوأ من المنزل الذي غادرته. المعلمات قاسيات ومعقدات مثل زوجة خالها، الطعام رديء، الغرف باردة جدا، اللباس رث والأحذية خشنة .تكمل دراستها وتصبح معلمة. وفي وظيفتها الجديدة تتعرف على روشيستر المتزوج من امراة مصابة بالهستريا ، تقع في حبه لكنها ترفض الزواج منه في اللحظة الاخيرة ، تترك بيت روشيستر وترتبط بعلاقة مع صديق قديم تتفق معه على الزواج ، لكنها ستهرب ايضا لتعود الى منزل روشيستر وقد تحول الى اطلال بعد نشوب الحريق فيه وموت زوجته واصابة روشيستر بالعمى فتقرر الزواج منه .
بعد أن أعدت قراءة جين آير ، أردت أن أعرف ما هي نوع العبقرية القاتمة التي خلقت هذا العالم المليء بالآسى والاحباط ، يصف المقربين من شارلوت برونتي انها كانت امراة نحيفة صاحبة وجه محمر وفم كبير ، وشرود دائم .. كانت خجولة ، لديها ولع خاص بالمقبرة الموجودة مقابل منزلهم .اصرت ان تكون مشهورة . في العشرين من عمرها ارسلت بعض من كتاباتها إلى الشاعر الانكليزي " روبرت ساوذي" تطلب رأيه في مواهبتها . فيجيبها : "من الواضح أنك تمتلكين موهبة واضحة ، لكن هناك خطر سأحذرك منه. أحلام اليقظة التي تنغمسين فيها ، من المرجح أنها حالة ذهنية مضطربة " – باترك بببارندر الامة والرواية ترجمة محمد عصفور – .لكن الفتاة التي ظلت تؤمن بموهبتها قررت أن تتمرد على حياتها الرتيبة ، تكتب في يومياتها :" هل سأقضي أفضل جزء من حياتي في هذه العبودية البائسة ؟ اجلس يوما بعد يوم مقيدة بالسلاسل إلى هذا الكرسي المسجون داخل هذه الجدران العارية الأربعة ، بينما شمس الصيف المجيدة تحترق في السماء والسنة تدور في أغنى وهجها وأعلن في نهاية كل يوم صيفي أن الوقت الذي أفقده لن يأتي مرة أخرى؟ " .
عندما توفيت شارلوت برونتي في 21 نيسان عام 1855 بسبب مضاعفات الحمل ، كانت قد وصلت تقريبا إلى عيد ميلادها التاسع والثلاثين. ولعل قراءة حياة شارلوت برونتي تعني كشف حقائق رواياتها. فقد استطاعت ان تدكج حياتها في نسيج قصصها. كانت امرأة قوية ، لم تستطع الأحزان أن تسحقها ، لم تفسح المجال للحظة يأس واحدة ان توقف مسيرتها ، تقول فيرجينيا وولف في مقال نشرته في كتابها القارئ العادي – ترجمة عقيلة رمضان - : "ان شارلوت رقيقة جداً وذكية التفكير. وتضيف : نحن نقرأ شارلوت برونتي لشخصيتها الرقيقة، التي لها ملاحظات جميلة، تعبر عن شخصيتها، التي تحمل افكارا فلسفية . وتقدم لنا وولف شرحا لرواية جين آير حيث تصفها بانها :" مكتوبة عبر مشاعرها واخطائها ايضا. فهذه الرواية توصيف عن النمو الثقافي، كتبتها روائية ذكية، وهي تدفعنا الى ان ننتهي من قراءة الكتاب دون ان تعطينا فرصة للتفكير أو التردد ، ولا تسمح لنا بان نرفع اعيننا عن صفحاته .. نستغرق في القراءة لدرجة انه اذا تحرك احد في الغرفة ، فان هذه الحركة تبدو كأنها ليست في غرفتنا وانما في منزل جين . ان الكاتبة تمسك زمامنا بيديها وتدفعنا الى السير في طريقها لا نرى إلا ما تراه هي . ولا تتركنا لحظة ولا تسمح لنا بان ننساها " .
هل القراءة سبب لأن تمتلئ حياتنا بالكتب، يكتب اندريه مالرو :"ليس هناك كاتب دون مكتبة " في القرن الثامن عشر كان لورنس ستيرن قد كتب رواية"حياة وآراء حضرة المحترم‏، السيد ترسترام شاندي"وفيها أراد أن يروي لنا المزيد من الحكايات، حتى إنه قام باقتباس فقرات من عشرات الكتب التي قرأها، ليتنقل من سيرفانتيس الى سويفت ومونتاني ورابليه، ونجده يتعامل مع هذه الاقتباسات والنصوص كأنها جزء من روايته، حتى أن جيمس جويس يكتب بعد مرور مئة وخمسين عاماً على صدور رواية ترسترام شاندي، إنها أقرب ماتكون الى مكتبة متكاملة.
في العام 1922 يكتب الشاعر الفرنسي أراغون :"في كل ما أقرأ تقودني الغريزة بقوة شديدة الى البحث عن الكاتب وإيجاده وتفرسه وهو يكتب، وإلى الإصغاء الى ما يقوله، لا إلى ما يرويه، حتى إنني في النهاية أجد هزلية التمايزات المعتبرة بين الأجناس الادبية، كالشعر والرواية والفلسفة، كل هذا بالنسبة لي كلام".
ماذا فعلت جين آير في حياتي ، ربما جعلتني أهيم بالكتب اكثر وانغمس في رحلة حيوات جديدة كل يوم .. في القراءة الثانية لجين آير كنت اعرف ان شارلوت برونتي برغم اصراراها على وضع نفسها داخل بطلة الرواية إلا انها حتما تكتب رواية من الخيال ، ربماولا وجود لها في العالم إلا في ذهن شارلوت برونتي فقط ، لماذا اذاً كنت انغمس بها وفي كل قراءة تترك تاثيرها .. هذه الاسئلة هي التي تجعلنا نؤمن ان الكتب ليست أكوام من الورق الميت.. إنها عقول تعيش على الأرفف .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى