أ. د. عادل الأسطة - محمود درويش.. ملف - الجزء الثالث - (21- 30)

تابع

21 - صدق فراشاتنا… لا تصدق فراشاتنا...

قبل عشرة أيام تقريبا شاهدت على فضائية الجزيرة مقابلة أجرتها جيفارا البديري مع أم الشهيد أحمد جرار. والحقيقة أن الأم اذهلتتي بهدوئها وطريقة كلامها ،فالدم كان طازجا ؛دم ابنها، وهناك دم مر عليه سنوات طويلة هو دم زوجها. ام شهيد وزوجة شهيد تتكلم بهدوء ولا تنكر تأثرها وفقدانها ،فهي أم وهي زوجة ،وقد هدم بيتاها أيضا.

اعادتني المقابلة إلى صورة الزوجة الفلسطينية والأم الفلسطينية في ادبياتنا منذ فترة مبكرة. قصمت النكبة ظهر العائلة الفلسطينية وهشمتها وتوزعت أيدي سبأ.

قاربت سميرة عزام في بعض قصصها صورة زوجة الشهيد وفعل مثلها قصاصون آخرون مثل جمال بنورة. لم تكن الصورة مثالية فالظروف قاسية وصعبة والواقع أقسى من المتخيل والامنيات وهكذا تضطر زوجة الشهيد إلى فعل ما لا يجوز فعله.

هل شط محمود درويش لاحقا حين كتب في قصيدته “سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا “الآتي: إلى الأمهات اللواتي تزوجن أعداءنا/ وكن ينادين شيئا شبيها بأسمائنا/ فيأتي الصدى حرسا/ ينادين قمحا/ فيأتي الصدى حرسا/ ينادين عدلا/ فيأتي الصدى حرسا/ ينادين يافا/ فيأتي الصدى حرسا/ ومن يومها كفت الأمهات عن الصلوات ،وصرنا/ نقيس السماء باغلالنا “؟ وهل شط أيضا حين عاد بعد 15 عاما ليكتب “نخاف على حلم ” ويقول: “لا تصدق إذن صبر زوجاتنا/ سينسجن ثوبين، ثم يبعن عظام الحبيب ليبتعن كأس الحليب لأطفالنا “1986.

؟ ما قالته زوجة الشهيد ، وام الشهيد أحمد جرار يبعث على الطمأنينة ويبرز صورة إيجابية للمرأة الفلسطينية ويذكر بأعمال أدبية فلسطينية تتقارب فيها المرأة في الواقع مع المرأة في النص الأدبي.

هل ينسى قاريء كلاسيكيات الرواية الفلسطينية صورة أم سعد في رواية غسان كنفاني “أم سعد “1969؟ طبعا أم سعد تختلف عن باقية في رواية اميل حبيبي “المتشائل ” 1974 وهذا الاختلاف يعود إلى اختلاف الموقع واللحظة الزمنية ،فموقع أم أحمد جرار لا يختلف كثيرا عن موقع باقية وإن اختلفت اللحظة الزمنية.

في انتفاضة الأقصى 28/9/2000 سيعود محمود درويش نفسه ليكتب عن أم الشهيد. الصورة اللحظية لأم الشهيد أمام الكاميرا تبدو مطابقة غالبا لتلك الصورة التي برزت لأم أحمد جرار في المقابلة ،بل وغالبا ما تزغرد الأمهات في أثناء جنازة الشهيد/ الابن ،ولكن ماذا بعد أن يشعرن حقيقة بالفقدان؟ لم تنكر والدة الشهيد أحمد أنها أم وأنها شعرت بفقدان زوجها وأنها تشعر بفقدان ابنها.

إنها أم وزوجة أيضا وإن تخيلت ابنها حيا في جنان الخلد. تشغل صورة والد الشهيد ووالدته وأخته وأهله ذهن محمود درويش في “حالة حصار”2002 ويفرد لها غير صورة. وتكاد تتطابق وما قالته والدة أحمد: ” قالت الأم في باديء الأمر لم/أفهم الأمر .

قالوا: تزوج منذ/ قليل .فزغردت، ثم رقصت وغنيت/ حتى الهزيع الأخير من الليل،حيث/ مضى الساهرون ولم تبق إلا سلال/ البنفسج حولي. تساءلت: اين العروسان؟ /قيل: هنالك فوق السماء ملاكان/ يستكملان طقوس الزواج.

فزغردت، /ثم رقصت وغنيت حتى اصبت/ بداء الشلل/ فمتى ينتهي ،يا حبيبي، شهر العسل؟”. في مقطع سابق تقول الأم إنها لم تره ماشيا في دمه ولم تر الارجوان على قدمه: “كان مستندا للجدار/ وفي يده/ كأس بابونج ساخن/ ويفكر في غده ” وكم من شهيد كان يفكر حقا في غده؟ وكم من فلسطيني قتل دون أن يشارك في أي عمل مقاوم. ربما يستحضر قاريء الأدبيات الفلسطينية صورا كثيرة لأمهات الشهداء وزوجاتهم. أحيانا تبدو الصورة صادمة وقاسية.

كتب غسان كنفاني “أم سعد “في زمن المد الثوري فجاءت الصورة إيجابية مشرقة. أم سعد تفخر بما يقوم به ولداها سعد وسعيد والتحاقهما بالثورة يرد لها الروح، فهي ماذا ستخسر غير الشوارع الطينية في المخيم؟ وماذا ستخسر لو خسرت المخيم؟ ترى ماذا كان كنفاني سيكتب لو بقي على قيد الحياة وعاش في لبنان في 80 ق 20 و 90 ق 20 وحتى اليوم؟ أمامنا رواية الياس خوري “باب الشمس “أمامنا روايتا سامية عيسى “حليب التين “و”خلسة في كوبنهاجن “.

هل يمكن القول إن رواية “حليب التين ” لا تختلف في الكتابة عن زوجة الشهيد وام الشهيد عما ورد في قصة سميرة عزام “لأنه يحبهم “؟ تكاد الصورة تبدو صادمة وصادمة جدا. هل كانت أسطر محمود درويش الشعرية حاضرة في ذهن سامية عيسى “لا تصدق فراشاتنا/ لا تصدق إذن صبر زوجاتنا”؟ وأنا أتابع المقابلة التي أجرتها جيفارا البديري مع أم الشهيد أحمد جرار خطرت النصوص الأدبية السابقة في ذهني. وعلى رأي إميل حبيبي: “نحن بشر يا بشر “.

أ. د. عادل الأسطة

* * *

22- إشكالية القراءة ... إشكالية النص قراءة في سطر شعري لمحمود درويش

يبدو أن بيت المتنبي الشهير الذي قاله عن إشكالات قصائده ، ونصه :

"أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر القوم جراها ويختصم"

يبدو أنه لسان حال الشاعر محمود درويش ، ولا ندري إن كان ينام ملء جفونه عن شواردها ، تماماً كما أننا لا ندري إن كان متيماً ببيت المتنبي هذا مثل إعجابه بشطر المتنبي "على قلق كأن الريح تحتي" ، وهو شطر صدر به مجموعته "هي أغنية" (1986) وقال ، في حينه ، في المقابلة التي أجرتها معه رفيف فتوح ، إن كل شعره لا يساوي نصف بيت من أشعار المتنبي ، ولعله الشطر المذكور.

محمود درويش شاعر إشكالي ، في مواقفه السياسية وفي نصوصه الشعرية ، ولا أظن أن هناك أديباً عربياً معاصراً أربكت نصوصه القراء مثلما أربكتها نصوص درويش ، وبخاصة أشعاره الأخيرة ، أعني تلك التي كتبها منذ بداية الانتفاضة ، ولا يعني هذا أن نصوصه السابقة كانت سهلة الفهم قابلة لتأويل واحد وقراءة واحدة ، وهذا ما سوف أتناوله في هذه المقالة ، وذلك من خلال الوقوف أمام سطر شعري ورد في قصيدته "وتحمل عبء الفراشة" التي ظهرت في مجموعة "أعراس" (1977).

وأشير ، ابتداءً ، إلى أن الاختلاف حول نص شعري لدرويش ، في تجربة قراءتي له ، ومناقشة نصوصه مع آخرين ، ظهرت في ربيع عام 1988 ، يوم كنت طالب دكتوراة في جامعة (بامبرغ) الألمانية ، فقد قرأت مع المستشرقة الألمانية (إنجليكا نويفرت) قصيدة "عابرون في كلام عابر" وأنفقنا معاً ، فيها ، فصلاً كاملاً ، اختلفنا فيه مع المستشرقة في قراءتها النص وفهمه وتأويله ، وقد قمت ، فيما بعد ، بترجمة دراستها ، وذلك في عام 1992 ، وتأخر نشر الترجمة ، حتى ظهرت في مجلة "كنعان" في عددين متتابعين هما (أيار 1998 وتموز 1998) (- أي 90 و 91) . وقد أنهت (نويفرت) دراستها بالفقرة التالية :

"وبدلاً من أن ننتظر هذا علينا أن نفهم القصيدة ، كما ينبغي أن يكون : ككلمات منطوقة في شكلها الأدبي وأقوالها المعقدة ، وليس كسلاح ، ومحاولة كهذه ، تحضر من جديد إزاء الإرباك اللغوي المسيطر من خلال قراءة متأنية تحتاج بعض الوضوح الذي يعيد المفردات الشعرية ثانية لعلم سمعي أفضل ، ويجعلها مستبعدة حقاً عن خطر سوء الفهم ، وبالكاد يبقى للغوي الذي يبحث عن قيمة الحقيقة في الأدب ، خيار مفتوح آخر" (ص100،كنعان 1998).

وكانت التجربة الثانية عام 1993 يوم أنجزت بحثاً عنوانه "ظواهر سلبية في مسيرة محمود درويش الشعرية" ، فقد فَجَّزَ نصه "أحد عشر كوكباً على آخر المشهد الأندلسي" (1993) إشكالات سياسية نجم عنها ، فيما بعد ، اعتذار الشاعر عن نصه الأول ، واستبداله كلمات بكلمات حتى لا يزعج بعض الجهات السياسية التي انزعجت من النص .

لقد كان شاكر النابلسي في كتابه "مجنون التراب : دراسة في شعر وفكر محمود درويش" (1987) الأسبق الذي لفت الأنظار إلى ضرورة قراءة نص درويش الشعري قراءة جماعية يشارك فيها اكبر عدد ممكن من القراء حتى يضيئوا النص ويجلوا غوامضه ودلالاته الدفينة ، وهو ما فعله في كتابه المذكور . لقد أشار النابلسي إلى هذا ، في المقدمة ، بوضوح :

"كذلك حرصت على إشراك القرّاء في اللعبة النقدية ، بل هي دعت القراء إلى ذلك ، انطلاقاً من مفهومها للعبة النقدية التي يجب أن تتم بين المبدع والناقد والقارئ ، وليس بين المبدع والناقد فقط" (ص11) .

وكان النابلسي واعياً لطبيعة أشعار درويش التي تحتمل قراءات عديدة وتأويلات كثيرة، وذلك حين كتب:

"إن أحكام هذه الدراسة ليست أحكاماً نهائية ، في ظل شعر ينمو ويتطور كشعر محمود درويش ، فقد أبقينا هذه النصوص النقدية مفتوحة وقابلة للتطوير والإضافة ، ما دام الشاعر والشعر ينمو ويتطور" (ص12) .

وكان يمكن للناقد أن يضيف "ما دام الدال الواحد يحتمل تفسيرات عديدة اعتماداً على مقولة البنيويين الدال والمدلول ، - وهي مقولة ترى أن الدال الواحد له مدلولات عديدة – واعتماداً أيضاً على نظرية التلقي التي ترى أن تأويل النص يختلف من قارئ إلى قارئ ومن ناقد إلى ناقد" .

ومع ذلك فيكفي النابلسي أنه رأى أن نص درويش يحتاج إلى جهد جماعي حتى تجلى معانيه ، وهذا ما أشار إليه ، فيما بعد ، الناقد حسام الخطيب في دراسته "تقنية النص التكويني ومغامرة مع نص درويشي" .

يقول د. الخطيب :

"والحقيقة أن النص (الدرويشي ، والنسبة مقصودة) يحتاج إلى جهد نقدي جماعي، من أجل التوصل إلى استفادة قصوى من إمكانات تفجير النص" . (ص87)

ويتساءل الخطيب الذي يقدم رؤية جديدة لدراسة الشعر اعتماداً على الحاسوب وآراء (جوليا كريستيفا) ، بعد أن طبق هذا على نص درويش ، يتساءل إن كان اجتهاده وقع عند درويش الموقع الذي اشتهاه الناقد ، وهو يخشى ألا يقع ، ومن هنا يستميح درويش العذر (94) .

والطريقة التي يقترحها الخطيب لدراسة الشعر ، استعانة بالتكنولوجيا ، تبدو طريقة طريفة ، وربما لا تجد صدى لها بين دارسي الشعر التقليديين ، ولا ندري إن كانت الأجيال الجديدة واللاحقة ، في عالمنا العربي ، تقنع بها . ولا أراني ابتعدت ، في جانب واحد منها على الأقل ، حين أنجزت دراستي "ظواهر سلبية ..." (1993) ، وتحديداً حين أخذت أربط ما بين عبارات وردت في "أحد عشر كوكباً" وأخرى وردت في قصائد أخرى لدرويش نظمها في الفترة نفسها ، ولم أبتعد أيضاً كثيراً عن ذلك حين أنجزت دراستي "محمود درويش ولغة الظلال" (1999) . وأذكر أنني اختلفت في ربيع 1988 مع المستشرقة الألمانية (نويفرت) التي أصرت أن المقصود في قول درويش "اخرجوا من برنا ، من بحرنا" أرض الضفة والقطاع لا فلسطين كلها . واستشهدت في حينه بمقطع ورد في قصيدة "الأرض" يرد فيه :

"سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل" (أ.ك، ض638)

وكنت ألجأ إلى تفسير شعر درويش بشعره ونثره معاً . وهي طريقة لها محاسنها ومساوئها في الوقت ذاته ؛ لها محاسنها إن كان الشاعر ، في قضايا بعينها ، ذا موقف واحد ، ولها مساوئها إن غيّر الشاعر موقفه بين فترة وأخرى .

سوف أتناول في هذه المقالة سطراً شعرياً أنفقت ، مع طلبة قسم اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية ، ثلاث محاضرات لإضاءته . وقد ورد السطر في قصيدة "وتحمل عبء الفراشة" من مجموعة "أعراس" . وكنت درست القصيدة قبل عام 1999 ، وكانت قراءتي لها مختلفة ، وهذا يعزز قناعتي بأن قراءة نص واحد في زمنين مختلفين يؤدي إلى قراءتين مختلفتين ، هذا إذا اختلفت قراءات المرء النقدية والمعرفية . والسطر الشعري هو :

"وتحذر الفقراء من لغة الصدى والأنبياء"

القراءات المتعددة :

لعل الإشكالية الأولى ، وعنها تبرز بقية الإشكالات ، تكمن في قراءة النص قراءة صحيحة . لقد ورد النص في غير طبعة من طبعات القصيدة خالياً من علامات التشكيل إلا في موطنين هما تحذر ولغة ، فقد وضعت الشدة على الذال ، والكسرة بعد التاء في مفردة لغة . ولا تكمن الإشكالية في هاتين المفردتين ، إنها تكمن في مفردة "الأنبياء" ، فهل حرف العطف يعطف الأنبياء على مفردة الفقراء أم أنه يعطفها على مفردة لغة أو على مفردة الصدى.

اعتماداً على ما سبق يمكن أن يقرأ السطر القراءات التالية :

1- وتحذر الفقراءَ من لغة الصدى والأنبياءَ .

2- وتحذر الفقراءَ من لغة الصدى والأنبياءِ .

- أي ومن الأنبياء -

3- وتحذر الفقراءَ من لغة الصدى والأنبياءِ

- أي ومن لغة الأنبياء -

ولربما نضيف قراءة رابعة هي :

4- وتحذر الفقراءَ من لغة الصدى والأنبياءُ

برفع "والأنبياء" من باب والأنبياءُ يحذرون أيضاً الفقراء من لغة الصدى .

وما من شك في أن عدم وضع علامات الترقيم ينفي بعض القراءات ، فهل كان درويش مدركاً لهذه الإشكالات ؟ يكتب الأستاذ إبراهيم نمو موسى في كتابه "حداثة الخطاب وحداثة السؤال" (1995) ما يلي :

"فالشاعر إذ يبدع ، ليس من خلال الفكرة وحدها ، ولكنه يبدع أيضاً من خلال اللغة ولهذا قال بعض النقاد إن الشاعر "ساحر الأصوات والكلمات" ، وأضيف بأنه مبدع تراكيب لغوية جديدة ومبهرة" (ص14)

ويتوقف الناقد أمام المقطع التالي من قصيدة درويش "سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا" .

يدان تقولان شيئاً ، وتنطفئان
يدان تقولان شيئاً ... وتنطفئان
يدان تقولان شيئاً وتنطفئان

ويرى أن دلالات هذه الجمل والتراكيب تختلف باختلاف زاوية الرؤية ، ويركز على أن درويش لم يضع الفواصل والنقاط عبثاً . إنها لم تأت عبثاً . (ص15)

وحين توقفت أمام السطر الشعري المدروس ، اعترض أحد الطلاب قائلاً : با أستاذ أنا حديث عهد بالنحو ، ومع ذلك لا أخطئ في قراءة النص ، فالقراءة هي :

"وتحذر الفقراء من لغة الصدى والأنبياءَ"

والأنبياء معطوفة على الفقراء . وقد ذهب هذا المذهب بعض أساتذة النحو ، وإن اقترح أحدهم قراءات عديدة للسطر أوردت أكثرها آنفاً . وعدت فيما بعد ، وبعد استرشاد بأشعار درويش ، لأرجح قراءة واحدة هي :

"وتحذر الفقراء من لغة الصدى والأنبياءِ"

بكسر الهمزة في مفردة الأنبياء ، لأعطفها على لغة ، ولكي تكون القراءة :

"وتحذر الفقراءَ من لغةِ الصدى والأنبياءِ"

أو "وتحذر الفقراءَ من لغةِ الصدى (ومن لغةِ) الأنبياءِ"

وليس هناك من شك في أن المؤمنين سيعترضون على الشاعر ، إذا ما توقفوا أمام النص معزولاً عن مواقف درويش وأشعاره وقراءاته ، وربما يكفرونه ويقدمونه ، إذا استطاعوا ، إلى المحاكمة .

وأرى أن الإفادة من المناهج النقدية الحديثة تساعدنا كثيراً في إزالة الإرباك . هنا يمكن أن نفيد من المنهج الاجتماعي ويمكن أن نفيد أيضاً من منهج التلقي ، وكذلك من المنهج التفكيكي . سوف أقف أمام بعض المقولات التي تصدر عن هذه المناهج وأبين كيف يمكن أن يفهمها كل منهج ، لأقدم من ثم فهمي الخاص .

يقول أصحاب المنهج الاجتماعي : "ما من زمن مَنْزُوع لذاته" ويضيفون "وعلينا ألا نقرأ النص بمعزل عن الظروف التاريخية" و "علينا أيضاً ألا نعزل ذات الشاعر عن نتاجه" .

لقد كتب درويش النص عام 1976 ، ولم يكن مضى على مغادرته الأرض المحتلة وتركه الحزب الشيوعي سوى سنوات ست .

وإذا كان يرمي إلى التحذير من لغة الأنبياء جميعهم ، فهل كان هذا يعود إلى بقايا قراءاته للماركسية؟

لقد استحضر درويش ، يوم كان ماركسياً وتحديداً عام 1966 ، يوم أصدر ديوانه "عاشق من فلسطين" ، لقد استحضر الأنبياء ليطلب مشورتهم وليأخذ برأيهم ، استحضر حبقوق وعيسى والرسول عليه السلام . وهكذا لم تدفعه ماركسيته ، في حينه ، إلى التحذير من لغة الأنبياء . وفي الفترة التي كتب فيها قصيدته "وتحمل عبء الفراشة" كتب قصيدة "الرمل" وقصيدة "الأرض" .

وقد ورد في الأولى ما يلي :

" … وسنعتاد على القرآن في تفسير ما يجري ،
سنرمي ألف نهر في مجاري الماء
والماضي هو الماضي ، سيأتي في انتخابات المرايا
سيد الأيام" (أ . ك ، ص627)

والقرآن لا يكذب الأنبياء ولا يحذر منهم ، إنه يدعو إلى تصديقهم والأخذ بما جاءوا به. وورد في قصيدة "الأرض" ما يلي :

"فيا وطن الأنبياء ... تكامل
ويا وطن الزارعين ... تكامل
ويا وطن الشهداء ... تكامل
ويا وطن الضائعين ... تكامل
فكل شعاب الجليل امتداد لهذا النشيد ،
وكل الأناشيد فيك امتداد لزيتونة زملتني"

(ص647)

وكتب هذه القصيدة عام 1976 ، بمناسبة يوم الأرض في فلسطين ، وهكذا كانت فلسطين وطن الأنبياء والشهداء والزارعين والضائعين ، وينتمي الشاعر إلى المكان الذي ينتمي إليه هؤلاء وإلى الجليل حيث ولد ، وهناك تكون كل شعاب الجليل امتداداً لنشيده ، وكل النشيد الذي يكتبه امتداداً لزيتونة زملته . من هم ، إذن ، الأنبياء الذين يحذر منهم الشاعر .

سوف نرجئ فهمنا للمعنى قليلاً ، ولنا في ذلك سند من التفكيكيين ، وربما تناقض قراءتنا قراءتنا السابقة ، ولنا في ذلك عبرة في (آندريه جيد) الذي سبق التفكيكيين يوم أطلق عدداً كبيراً من الأحكام التي كثيراً ما كان يعيد النظر فيها وينقحها لدرجة أنه يتعرض لخطر مناقضة نفسه ، ولنا أيضاً سند آخر في مقولة (ريمي دي غورمون) : "ما من يقين مطلق" .

تلقي السطر الشعري :

يعتمد تلقي السطر الشعري المدروس لا على ثقافة القارئ النحوية وحسب ، بل وعلى ثقافته الدينية ومتابعاته لما يكتبه درويش شعراً ونثراً ولمواقف درويش أيضاً النامية غير الثابتة . وليس هناك من شك في أن المؤمن التقي الذي اكتفى بقراءة النص القرآني سينظر إلى هذا السطر في قراءته الثانية والثالثة – أي بعطف الأنبياء على لغة الصدى – بعين الغضب ، إذ من هو الشاعر الذي سيحذر من الأنبياء . إنه بالتأكيد الشاعر الكافر الملحد ، أو الماركسي الذي يرى في الدين أفيون الشعوب ، وإلا فما معنى التطاول على أأأأأأأأنبياء الله الصالحين الذين لم تخل أكثر سور القرآن من الإشادة بهم ومدحهم والدعوة إلى تصديقهم . ويختلف عن هذا القارئ ذلك الذي قرأ الإنجيل ، وتحديداً إنجيل متّى والإصحاح الرابع والعشرين منه ، ففي هذا الإصحاح يرد على لسان السيد المسيح عليه السلام : (ويقوم أنبياء كذبه كثيرون ويضلون كثيراً) .

وما من شك في أن قارئ الإنجيل سيقول : هؤلاء هم الأنبياء الذين يحذر منهم الشاعر، لا الأنبياء الذين كانوا أتقياء وصالحين . وربما يذهب هذا القارئ إلى ما هو أبعد من ذلك . ويرى أن بنية النص الدرويشي في القصيدة متكئة اتكاءً كبيراً على النص الإنجيلي . ثمة تخيل لعالم قادم ؛ عالم ينبذ فيه المخلصون ، ويقوم فيه الكذبة يضلون الناس أو كثيرين منهم . الشاعر والمسيح كلاهما يحذر من لغة كذبة سيأتون ليضلوا كثيرين ، لتكون لغتهم لغة صدى وأنبياء كذبة .

ويختلف قارئ أشعار درويش ، غير المطلع على ما ينادي به المنهج الاجتماعي "ليس هناك إمكانية لعزل نتاج الشاعر عن الظروف التاريخية والاجتماعية" ، وغير المطلع على النص الإنجيلي ، يختلف عن القارئ الملم بما سبق ، ذلك أنه سيحار في أمر درويش الذي يكتب عن أنبياء كذبة تارة ، وأنبياء يعتبرهم جميعاً أهله ، ولربما يصدر حكماً سريعاً يرى فيه أن الشاعر الذي كان ذات نهار ماركسياً ، عاد وأسلم ، وأن الاختلاف في نظرته إلى الأنبياء يعود إلى اقترابه من الدين بعد ابتعاده عنه . وإن كان وصف الأنبياء وصفاً إيجابياً ووصفهم وصفاً سلبياً لم يظهر في فترات منفصلة عن بعضها البعض ، ففي الفترة الواحدة نجد الوصفين متلازمين ، ونجد هذا في مجموعة "أعراس" نفسها التي أنجزها الشاعر بين 74 و 1977 .

يبدو النبي في قصيدة "كان ما سوف يكون" كافراً : "من أي نبي كافر جاءك البعد النهائي" ، ويبدو النبي في "نشيد إلى الأخضر" ذا صفات إيجابية ، وحين يمجد الشاعر الفدائي يرى فيه نبياً : "يأتي نبياً – أي فدائياً" ، والفدائي هنا مثله مثل المسيح الذي أبرزه درويش في نصوصه ، باستمرار ، إبرازاً إيجابياً .

إن مقولة أصحاب نظرية التلقي ، هؤلاء الذين نقلوا مركز الاهتمام إلى القارئ ، حيث رأوا أن العلاقة لم تعد علاقة المؤلف بنصه ، قدر ما غدت بين طرفين هما النص والقارئ ، تجد هنا مجالاً رحباً لها .

الإرجاء :

ولعلي لا أخطئ حين أرى أن دراسة نصوص درويش التي كتبها بعد خروجه من الأرض المحتلة ، عام 1971 ، ينبغي أن تدرس ، وقد وضع دارسها أمامه مقولة التفكيكيين ، ومن قبلهم مقولة (أندريه جيد) ، والناقد (ريمي دي غورمون) . يرى الأخير أن ما من يقين مطلق ، وقد كان يقبل كل الأفكار وقتياً حتى يأتي واقع جديد ويحمله على مناقضة نفسه . وعلى النقيض من البنيوية التي تطمح إلى تقديم براهين متماسكة لحل الإشكال في عملية وصف الخطاب أو الاقتراب من معناه ، فإن التفكيك يبذر الشك في مثل هذه البراهين ويقوض أركانها، ويرسي على النقيض من ذلك دعائم الشك في كل شيء ، فليس ثمة يقين" . ويعوّم التفكيكيون المدلول المقترن بنمط ما من القراءة – أي استحضار المغيب.

سوف استحضر الآن نصوصاً أخرى لدرويش استخدم فيها هذه اللفظة ، لأبين أن استخدامه لها في نصوصه لم يكن دائماً ذا دلالة واحدة ، ويجدر هنا أن أذكر بمقولة (فرديناند دي سوسير) التي أفاد منها البنويون كثيراً . يقول هذا : "ليس الدال مرتبطاً بثبات بمدلوله ، والسياق هو الذي يحدد الثاني – أي المدلول" .

واستحضار هذه النصوص هو ما حدا بي ، وأنا أناقش الطلبة ، إلى أرجاء المعنى النهائي الذي رمى إليه الشاعر . فقد أخذت أتتبع استخدامها في شعره وفي نثره ، كما أخذت أقرأ الدراسات التي أنجزت حول النص الديني في أشعاره ، وقد أحالتني هذه إلى بعض نصوص العهد الجديد الذي قرأه درويش وتأثر به في أشعاره الأولى تأثراً كبيراً ، خلافاً لتأثره بالنص القرآني الذي وجد طريقة لأشعاره فيما بعد ، وبخاصة في أشعاره التي كتبها بعد خروجه من الأرض المحتلة .

وكما أسلفت يستحضر الشاعر في "عاشق من فلسطين" الأنبياء ليأخذ رأيهم في ما يجري معه هو الفلسطيني . وهذا الاستحضار يعني أنه يراهم أهلاً لإبداء النصح والمشورة . إن نظرته إليهم نظرة إيجابية وإلا لما هاتفهم – مجازاً – ليسألهم في أمره ، وحين يسألهم يجيبه يسوع:

"أقول لكم : أماماً أيها البشر" .
ويجيبه الرسول عليه السلام :
"تحد السجن والسجان
فإن حلاوة الإيمان
تذيب مرارة الحنظل"
فيما يجيبه حبقوق :
"كفى يا ابني
على قلبي حكايتكم
على قلبي سكاكين" (أ . ك ، مجلداً ، ص151)

ويغدو النبي في "أغنية ساذجة عن الصليب الأحمر" النقيض للشياطين . إن هذه بسلوكها المشين تحول الطفل إلى نبي ، وهكذا يكون النبي ذا ملامح وصفات إيجابية ، إنه الذي يطلب ظهراً قوياً لا عبئاً هيناً . والطفل الفقير الذي سلبت أرض آبائه وهدم منـزله وحرم طفولته هو الذي يخاطبه الشاعر قائلاً :

"نحن أدرى بالشياطين التي تجعل من طفل نبياً" (1/199)

وهذا ما يتكرر في قصيدة "نشيد إلى الأخضر" . يكون نشيد الشاعر للأخضر الذي يجدد صوت الشاعر ، هذا الذي في حنجرته عشرة آلاف قتيل يطلبون الماء من اجل الفدائي ، ويكون الفدائي نبي الخلاص . إن صورة الفدائي صورة إيجابية في الشعر الفلسطيني وبخاصة في أشعار درويش ، وهو – أي درويش – يرى فيه نبياً :

"إن في حنجرتي كفا تهز النخل
من أجل فتى يأتي نبيا
أي : فدائياً
وجدد أيها الأخضر صوتي . إن في حنجرتي خارطة
الحلم وأسماء المسيح الحي" (1/654)

هنا يقترن الشاعر بالمسيح الذي يرى فيه درويش رمزاً للفلسطيني ، وكثيراً ما وظف الشاعر هذا الرمز للكتابة عن عذاب الفلسطيني . ولنلاحظ أيضاً اتكاء درويش على النص القرآني وذلك في قوله "كفاً تهز النخل" .

سوف يتكرر الاستخدام ذو المعنى الإيجابي لهذه المفردة في كثير من قصائد الشاعر التي كتبها منذ الخروج الفلسطيني من بيروت عام 1982 ، ولنلاحظ هذا في القصائد التالية على سبيل المثال لا الحصر .

يرد في "مديح الظل العالي" ما يلي :

"أنا الحجر الذي شد البحار إلى قرون اليابسة
وأنا نبي الأنبياء
وشاعر الشعراء
منذ رسائل المصري في الوادي
إلى أشلاء طفل في شاتيلا" (2/96)

ويرد أيضاً في قصيدة "عندما يذهب الشهداء إلى النوم" :

"وناموا على سلم الكرمة الحامضة
لأحرس أحلامكم من خناجر حراسكم وانقلاب الكتاب على الأنبياء" (2/342)

ويرد أيضاً في قصيدة "حجر كنعاني في البحر الميت" :

"والأنبياء جميعهم أهلي ، ولكن السماء بعيدة
عن أرضها ، وأنا بعيد عن كلامي" (2/521)

ويتكرر هذا المقطع في القصيدة ثلاث مرات ، بل إن القصيدة تختتم به . ومن المؤكد إن المرء ليتساءل ، بعد أن يقرأ أشعار الشاعر والمقاطع التي سأوردها بعد قليل حيث تبدو صورة النبي سلبية ، عن هذا التناقض في أشعار الشاعر في كتابته عن الأنبياء : الأنبياء جميعهم أهله ، الصالحون منهم والكذبة أيضاً . إن نعت النبي بالكذب يتكرر في أشعار درويش مراراً ، ولنلاحظ :

يرد في قصيدة "كان ما سوف يكون" التي رثى فيها راشد حسين ما يلي :

"ثم ناداه السؤال الأبدي الاغتراب الحجري
قلت : من أي نبي كافر قد جاءك البعد النهائي" (1/603)
ويرد في قصيدة "اللقاء الأخير في روما" التي رثى فيها ماجد أبو شرار :
"أما كان من حقنا أن نحب ونلعنها أورشليم
إذا ما ادعى الكذب فيها نبي الظلام
فقد يكذب الأنبياء
وقد يصدق الشعراء كثيراً" (2/136)

وإذا ما استعنا بنثر درويش عرفنا من هم هؤلاء الأنبياء الذين ينعتهم بالكذب . يذكر درويش في مقالته "هكذا كتب السجين قصيدته الأولى عن القدس" التي أدرجها في كتابه "في وصف حالتنا" ما يلي :

"وأظن : لا تكتمل معاني المسيحية ، في تطابقها الراهن ، إلا في فلسطين . ولا يحق لأحد أن يكون فلسطينياً في هذه الدقة إلا للمسيح الذي جعل هذه الأرض قادرة على تقديم عطاياها للعالم بلا عبادة . إن سيرة عذاب المسيح يلخصها الآن أطفال فلسطين المسروقون من المغارة إلى الصحراء ، وتلخصها قيامة الفلسطيني من ذبح يتكرر على أيدي الأعداء وأنبياء الكذب على السواء" (ص111)

وهذه الفقرة لا تدع هناك مجالاً للشك أن درويش يقصد بأنبياء الكذب زعماء دولة إسرائيل ، وهذا ما يتضح أكثر في كتاب درويش النثري "ذاكرة للنسيان" حيث يرد المقطع التالي الذي يكتب فيه عن بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه :

"كان بيغن يستعيد تاريخ جنونه وجرائمه ، ………

ولكن تلك الأشباح تحاصره في بيروت وقد استعادت لحمها وعظمها وروحها استعادة بطولية . عاد الشبح من الضحية إلى البطل . وبين الشبح والبطل حصر نبي الكذب بهوس أقعده عن الاستعانة بفصول من التوراة كانت قادرة على ان تكتب ، وحدها ، تاريخ البشر" (64) .

الكتابة كلام ناقص

هنا أيضاً يمكن أن نستحضر مقولة التفكيكيين المهمة وهي إن الكتابة كلام ناقص. ترى كيف ينطق محمود درويش السطر حين يقرأه. أيقرأ كلمة الأنبياء بنغمة فيها قدرٌ من الإيحاء بالسخرية ، ويقصد بها الماركسيين الذين جعلوا من ماركس نبياً ، ومن كتاباته كتابات نبيٍ جديد . إن نعت الماركسيين بالأنبياء ورد في بعض الكتب ، ولعل درويش اطلع عليها ، ومن هذه الكتب الكتاب المهم الذي ألفه الكاتبان (رينيه وليك) و (اوستن وارن) ونقله إلى العربية محي الدين صبحي . يرد في هذا الكتاب (ط 1987) ما يلي : "إنهم ليسوا دارسين للأدب والمجتمع فقط بل هم أنبياء المستقبل والمبشرون به والمنذرون من أجله" (ص98) .

ويجدر أن يشار هنا ، مرة أخرى ، إلى خلاف درويش مع الحزب بعد خروجه من الأرض المحتلة ، فهل كان يستحضر في ذهنه ، في لحظة الكتابة ، هجاءهم له ولذلك سخر منهم .

ومع ذلك يمكن العودة إلى قراءة الطالب . فهل كان درويش يقصد بالأنبياء الفدائيين ، كما ورد في "نشيد إلى الأخضر" ، وهل كان درويش يحذر الفقراء والفدائيين معاً ، وبالتالي فإن القراءات الأخرى لا ضرورة لها . هنا يمكن أن نضع اللوم على الشاعر ، إذ لماذا لم يكتب السطر على النحو التالي :

"وتحذر الفقراء ، من لغة الصدى ، والأنبياءَ" .

قال أحد النحويين : لقد مت وفي نفسي شيء من حتى . ولعلني أقول : وسيقول دارسو درويش : سنموت وفي أنفسنا شيء من الحاجة لفهم درويش فهماً نهائياً .

المصادر والمراجع

1- إبراهيم نمر موسى ، حداثة الخطاب وحداثة السؤال ، بير زيت ، 1995 .
2- أحمد الزعبي ، الشاعر الغاضب محمود درويش : دلالة اللغة وإشاراتها وإحالاتها ، الأردن ، 1995.
3- أنجليكا نويفرت ، حواجز لغوية بين جيران : قصيدة جديدة كما يستنطقها قارئها الإسرائيلي ، مجلة كنعان ، العددان 90و91 ، أيار وتموز 1998 .
4- حسام الخطيب ، تقنية النص التكويني ومغامرة مع نص درويشي (في كتاب الشعر في نهاية القرن ، تحرير فخري صالح) بيروت 1997.
5- عبد الله إبراهيم وآخرون ، معرفة الآخر : مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة : البنيوية ، السيميائية ، التفكيك ، المغرب ، 1996 ، ط2 .
6- العهد الجديد ، إنجيل متى ، الإصحاح 24 .
7- كارلوني وفيللو ، تطور النقد الأدبي في العصر الحديث (ترجمة جورج أسعد يونس) بيروت ، 1963 .
8- سحر سامي ، التناص في شعر محمود درويش ، مجلة الشعراء (رام الله) ، العددان 4و5 ، 1999 .
9- شاكر النابلسي ، مجنون التراب : دراسة في شعر وفكر محمود درويش ، بيروت ، 1987 .
10- شتيفان فيلد ، اليهودية والمسيحية والإسلام في الشعر الفلسطيني ، مجلة "الكاتب" المقدسية ، آب وأيلول ، 1992 . (ترجمة عادل الأسطة) .
11- محمود درويش ، الأعمال الكاملة ، المجلد الأول ، بيروت 1996 / ط14 .
12- محمود درويش ، الأعمال الكاملة ، المجلد الثاني ، بيروت 1994 .
13- محمود درويش ، ذاكرة للنسيان ، القاهرة 1989 (كتاب مجلة عبير) .
14- محمود درويش ، في وصف حالتنا ، عكا ، 1987 .

أ. د. عادل الأسطة
18-1-2008

* * *

23- حسن خضر ومقالات درويش في "اليوم السابع"

"محمود درويش: مقالات ’اليوم السابع‘" (2019)، هو الإصدار الجديد للكاتب حسن خضر، صدر أخيرًا عن "مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة" في بيروت ورام الله، ويحتوي على مقدّمة من سبع صفحات، كتب فيها حسن عن زمن نشر المقالات ومكانه، معرِّفًا بالمجلّة وشارحًا في الوقت نفسه الترتيب الّذي اعتمده في إخراج المقالات، لافتًا النظر إلى أنّه لم ينشر كلّ ما كتبه الشاعر في المجلّة؛ فقد انتقى منها قسمها الأكبر، ويرى أنّ المقالات، عدا أنّها نثر بديع وذات لغة لا يخبو بريقها بالتقادم، يرى أنّها تُشكّل شهادة على "فترة بالغة الحساسيّة في تاريخ الفلسطينيّين، وهموم محمود درويش ومشاغله الشعريّة والسياسيّة والمعيشيّة أيضًا".

يقسم حسن خضر كتابه ثلاثة أقسام، هي: "فضاء الآخر" و"كتاب المراثي" و"سهم في الخاصرة"، ويوضّح أنّه في نشرها لم يتقيّد بتسلسلها الزمنيّ على صفحات "اليوم السابع"، وحجّته أنّ عددًا منها يُكمل بعضه بعضًا "وإنْ بعدت المسافة الزمنيّة بينها"، لكنّه حرص على تثبيت التاريخ الأصليّ للنصوص، وفوق ذلك قام بـ "تصحيح أخطاء طباعيّة وردت في النصّ المنشور، وتعديلات طفيفة في التنقيط وتقطيع الأسطر"، فـ "نشر نصّ على صفحة كتاب، يختلف عن نشره مقالةً على صفحة تتكوّن من أربعة أعمدة في ‘اليوم السابع‘".

لماذا مقالات "اليوم السابع"؟

يتوقّف حسن في تقديمه أمام قضايا مهمّة، تمسّ المقالات الّتي تنتمي إلى وسائل تعبيريّة مختلفة، هي "المقالة والقصيدة والمذكّرات والتعليقات السريعة، ومداخلات قدّمها في مناسبات معيّنة، وأعاد نشرها في ‘اليوم السابع‘، كما فعل مع بعض افتتاحيّات ‘الكرمل‘".

ولا أريد هنا أن أعيد كتابة ما ورد في التقديم؛ فالأصل أن يقرأه القارئ هناك، لكنّي أرغب في الإشارة إلى نقطتين دفعتا صاحب الإصدار إلى إنجاز ما أنجزه، هما:

- أوّلًا: مكانة محمود درويش لدى الشعب الفلسطينيّ؛ فهو "الصوت الأكثر تعبيرًا ونفوذًا في صوغ معنى حضور شعبه في الزمان والمكان، وأحد مهندسي الهويّة وصنّاع الخطاب العامّ.

- ثانيًا: إنّ المقالات تكاد تكون مجهولة بالنسبة إلى كثيرين، وهو يقدّمها أيضًا للجيل الشابّ الّذي لم يتابع هذه المقالات، ولم يعرف الكثير عن تلك الفترة الحسّاسة؛ وهذا ما جعل حسن خضر يُعيد نشر المقالات، ويُجري على قسم منها تعديلات طفيفة تخصّ الأخطاء الطباعيّة والتنقيط والتقسيم، وممّا جعله أيضًا يعمد إلى كتابة هوامش وتذييلات عديدة تُعرِّف القارئ بأحداث وشخصيّات وتواريخ مهمّة.

عودةً إلى كتب درويش النثريّة

جهود حسن خضر جهود يُشكر عليها، لا شكّ في ذلك، ولكن بعض ما ورد في التقديم يستحقّ حقًّا الوقوف أمامه. كتب حسن الآتي حول إصدار المقالات :"وقد استثنينا كلّ ما أعاد محمود درويش نشره في مجموعات شعريّة، وكتب نثريّة، وما نشر في ‘الكرمل‘، من إعادة النشر في هذا الكتاب، مع استثناءات قليلة غالبًا أعاد البعض نشرها، أو نشر مقاطع منها، بأخطاء طباعيّة كثيرة، ومن غير التزام المصدر الأصليّ والتاريخ، ولا التنويه بسياقها السياسيّ والثقافيّ العامّ"

ولعلّ قارئ محمود درويش ومتابع أعماله، يتوقّف أمام الفقرة السابقة جيّدًا لكي يُسائِلها؛ فهل كلام حسن فيها دقيق؟
تتطلّب الإجابة العودة إلى كتب درويش النثريّة، الّتي أصدرها أو الّتي صدرت عن دور نشر معروفة، مثل "دار العودة" و"دار رياض الريّس"، وقد أصدرت له هاتان الداران العديد من الكتب النثريّة، وهي: "شيء عن الوطن"، و"يوميّات الحزن العاديّ"، و"وداعًا أيّتها الحرب، وداعًا أيّها السلم"، و"في وصف حالتنا"، و"ذاكرة للنسيان"، و"عابرون في كلام عابر"، و"الرسائل"، و"حيرة العائد"، و"في حضرة الغياب". والكتب الّتي صدرت في فترة كتابة المقالات هي: "في وصف حالتنا"، و"ذاكرة للنسيان"، والكتاب الّذي تلا صدور هذين الكتابين هو كتاب "عابرون في كلام عابر". وقد صدرت هذه الكتب في غير طبعة - أستثني هنا طبعًا كتاب "في انتظار البرابرة"، الّذي صدر عن "وكالة أبو عرفة" في القدس، ولا أعتقد أنّ درويش كان على اطّلاع عليه؛ فلا أظنّه يوافق على نشر كتاب له بالشكل الّذي ظهر عليه.

حين عدت إلى كتاب "عابرون في كلام عابر"، وكتاب "في وصف حالتنا"، وهما كتابان طُبعا طباعة جيّدة، لاحظت أنّ نحو تسع وعشرين مقالة من الكتاب الّذي أصدره حسن خضر، موجودة فيهما، وما يختلف هو الترتيب فقط.

إهمال جهود بنّيس

ربّما السؤال المهمّ الّذي يُثار هنا هو: هل كان نشر كتابَي "عابرون في كلام عابر" و"في وصف حالتنا"، عن "دار العودة"، بموافقة الشاعر؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فما رأي حسن خضر في ما أورده في تقديمه؟

لقد أشرف الناقد المغربيّ محمّد بنّيس على نشر كتاب "عابرون في كلام عابر"، وكتب له مقدّمة، ولا أعتقد أنّ الشاعر اعترض على بنّيس؛ فحين جادلت الشاعر مرّة في سبب عدم إدراجه قصيدة "عابرون في كلام عابر" في أعماله الشعريّة، أجابني بأنّها ظهرت في كتاب خاصّ يحمل عنوانها.

ما سبق يقودنا إلى اجتهاد حسن في ترتيب المقالات الّذي يختلف عن ترتيب بنّيس. أيّهما كان موفّقًا أكثر؟

ولا أريد الإجابة هنا عن السؤال؛ فهذا يتطلّب التفكير العميق في مضمون المقالات، وفي اجتهادات صاحبَي الإصدار، ولكن أما وجب أن يُشير حسن إلى كتاب "عابرون في كلام عابر" الّذي أصدره بنّيس؟

لا أريد أن أنتقص بهذه الملاحظات من قيمة الكتاب وجهد القائم عليه، لكنّي كنت أتمنّى لو نظر في الكتب السابقة، واستثنى ما نُشر فيها كلّيًّا، بعد الإشارة إليه، ومن ثَمّ نشر ما لم يُنشر من مقالات درويش في "اليوم السابع"؛ فلربّما أفادنا هذا أكثر في قراءة نتاج درويش، الّذي ظلّ في بطون الصحف والمجلّات.

نصّ واحد... ثلاثة أقسام!

ثمّة ملاحظات أخرى أودّ الإشارة إليها، وردت في قول حسن "لذا؛ يمكن قراءة هذه النصوص بصفتها نصًّا واحدًا، يقوم على قناعات ومرافعات وهموم شعريّة وسياسيّة، ويُستمدّ منها، ويتجلّى فيها، وتجد تعبيرها حينًا في ’التحليل السياسيّ‘، وحينًا آخر في ’تمارين شعريّة‘، لم يُعِد نشرها، كما في ’خطاب الدكتاتور الموزون‘، وفي قصائد نشرها في ’اليوم السابع‘، وأعاد نشرها في ديوان ’ورد أقلّ‘، وفي ’مأساة النرجس وملهاة الفضّة‘، وفي فصول ظهرت في المجلّة، وأعاد نشرها في ’ذاكرة للنسيان‘...". والسؤال هو: إذا كان بالإمكان قراءة هذه المقالات باعتبارها نصًّا واحدًا، فلماذا اللجوء إلى تقسيمها ثلاثة أقسام؟

وفي ما يخصّ الدقّة، فما أعرفه أنّ عبارة "خطاب الدكتاتور الموزون"، وردت "خطب الدكتاتور الموزونة"، وأنّ بعض القصائد لم يظهر في "مأساة النرجس وملهاة الفضّة"؛ فليس ثَمّة كتاب للشاعر بالعنوان الأخير، إنّما عنوان قصيدة ظهرت في ديوان "أرى ما أريد".

إنّ القصيدة الّتي كتبها درويش في رثاء معين بسيسو "خرج الطريق (في وداع معين بسيسو)"، لم تظهر في أعمال الشاعر. هنا، قدّم لنا حسن خدمة، تتمثّل بجمعه - في مكان واحد - ما كتبه درويش شعرًا ونثرًا في رثاء معين بسيسو، وفي ذكرى رحيله.

وكنت أتمنّى لو أوضح لنا حسن مناسبة قصيدة "يأس الليلك"، الّتي تصدّرت قسم "كتاب المراثي" وفيمَنْ كُتبت، وأرجّح أنّها كُتبت لمناسبة مرور سنوات على استشهاد ماجد أبو شرار، فأجواؤها الداخليّة قريبة من أجواء قصيدة درويش في رثاء ماجد "اللقاء الأخير في روما"، عدا أنّها نُشرت في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 1987؛ وهو الشهر الّذي استشهد فيه ماجد، لكن عام 1981.

درويش ودور النشر

وعمومًا، يجب التحقّق من صلة درويش بدور النشر، وموافقته أو عدمها على نشر كتابَيه "عابرون في كلام عابر" و"في وصف حالتنا"؛ لأنّ التأكّد من هذا قد يؤكّد ما ذهبت إليه، أو يدفعني إلى قليل من التعديل فيه، وإن كنت لم أقرأ اعتراضات من الشاعر على طباعة الكتابين في حياته.

إنّ المقدّمة الّتي كتبها حسن وجب أن تحفل بإشارات أخرى، تُبصر القارئ بالمزيد قبل أن يُقدم على اقتناء الكتاب الّذي فيه مقالات جديدة ومقالات أخرى كثيرة، صدرت في كتب لم نسمع من الشاعر اعتراضات جوهريّة عليها.


عادل الأسطة
12/12/2019

* * *

24- رنا قباني ومحمود درويش..

القسم الأول

شغلتني كتابة رنا قباني، زوجة محمود درويش الأولى، الأسبوع الماضي، حتى انني شغلت غير شخص لمعرفة متى كان تاريخ زواجه الأول، متى بدأ ومتى انتهى؟ لا رغبة في البحث عن خصوصيات الشاعر، وإنما لقراءة نصوصه الشعرية في ضوء تجربته الحياتية، إذ لطالما أخطأ كثيرون ممن كتبوا عن أشعار الشاعر ، حين اغفلوا زمن كتابة القصيدة،وهذا موضوع يشغلني، وكان يمكن أن يكون أنجز لو لم تعق الجامعة حركتي في المشاركة في مؤتمرات. يا لفائدة المؤتمرات!!
في كتابتها تشير رنا إلى أنها ، وهي تكتب، تنشر غسيلا، وتعتذر لنشره " كنت انشر الغسيل على حبل البلكون ( كما أنشره هنا بمعنى آخر ، مع كل الأسف)، فلاحظت..." -( القوة17. 18/10/2014 القدس العربي)- , وربما لهذا أوقفت القدس العربي نشر مقالاتها، مقالات رنا، فلم تعد تظهر بعد25/10/ من العام2014. ولا أدري إن كانت هناك اسباب اخرى، علما بأن ما تنشره قد يفيد ( وقد يؤذي) سمعة الشاعر، في مقاربة نصوصه.
لماذا انشغلت بالسؤال عن تاريخ زواج محمود الأول من رنا وتاريخ انتهائه؟ لأن رنا والزوجة الثانية للشاعر حياة الحيني عزتا كتابة قصيدة "يطير الحمام .. يحط الحمام" إليها، وكان المرحوم علي الخليلي قال لي إن درويش يقصد انتخابات اتحاد الكتاب في العام 1983، حيث انشق الكتاب الفلسطينيون وشكلوا اتحادين. ولم أكن أعرف الكثير عن زواج الشاعر، ولم أقرأ لأي ناقد دراسة لقصائد كتبها الشاعر بوحي من تجاربه الشخصية، وهذا جانب لم يلق الضوء عليه، حتى اللحظة،بما يكفي ، وحتى ديوان " سرير الغريبة" لم يحظ بدراسات في ضوء سيرة الشاعر ،بل إنني، شخصيا، لم ألتفت إلى موضوع الحب في ديوانه الأول " عصافير بلا أجنحة" 1960 ، علما بأن نصفه قصائد غزل كانت صادرة عن تجربة اعلمتني بها امرأة كان الشاعر يشتري ملابس من أبيها في حيفا. وما قاله الشاعر نفسه: " إنه صدى لقراءته لنزار قباني"، وفي كتابة رنا ما يشير إلى حب مبكر للشاعر، حب فتاة من المخيم، ولا أعرف إن كان ثمة مخيم أقام فيه الشاعر، في لبنان، حيث كان ابن السابعة، أو في الجديدة التي تركها وهو في الثامنة عشرة، أو في كفر ياسيف التي درس في مدرستها فقط. (سألت أخ الشاعر، فنفى أنهم أقاموا في مخيم، وأنهم في لبنان أقاموا في الدامور لمدة عام).

تكتب رنا "إذ كان يريد " مادونا" لم تعرف أي رجل،ولا حتى هو بذاته! حين سألته :لماذا؟ قال إن تجربته الأولى مع فتاة فلسطينية في الصغر في المخيم، التي كان يعتقد أنها ستكون له، اكتشف أنها كانت قد أحبت غيره من قبله، و لم تخبره ، و من هنا جاء سطره القاسي: " كيف تكونين دهشة غيري؟ /وأعرف ان النساء تخون جميع المحبين إلا المرايا" ( رنا قباني ، عاشق من فلسطين، القدس العربي، 20/9/2014) وقول رنا هذا، عدا عدم معرفتي بإقامة الشاعر في مخيم، ينقضه الشاعر احمد الشهاوي في برنامج تلفزيوني عن درويش وزواجه من الفاضلة حياة الحيني، حيث أخبر أحمد ، درويشا، بما أشيع عن علاقة لحياة مع شخص أراد الزواج منها، وكان جواب درويش: لا أسأل عن علاقة قبل الارتباط بي.

* * *

25- رنا قباني ومحمود درويش..

القسم الثاني

حقا لقد انشغلت الأسبوع الماضي بسؤال بعض معارف درويش، أو من لهم صلة بمعارفه، عن تاريخ زواجه الأول . لماذا؟لأن هناك قراءات خاطئة فاضحة برزت في كثير ممن تناولوا قصيدة " مديح الظل العالي" 1982 التي أدرجها الشاعر في مقدمة ديوانه ( حصار لمدائح البحر)1984 ، فظنوا -أعني الدارسين-أنه كتبها قبل 1982، وتحديدا في 1980، وهذا اوقعهم في تاويلات خاطئة لم يلتفت إليها أيضا من ناقشوا الدارسين أو كتبوا مقدمات لكتبهم ( طالبة الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية مها عتماوي " دال البحر في شعر محمود درويش" ود. خليل قطناني في كتابه عن محمود درويش).
تكتب رنا عن قصيدة الرمل ما يلي : " أظن أن قصيدة الرمل قد تشكلت في خاطره في تلك اللحظة الحزينة. كان العشق يسكننا وقتها، ومحمود عبر عن خيبة أمل كان متأكدا إنها ستنتابنا في حياتنا اليومية المقبلة، بأجواء ثورة ذكورية سيريالية ، كان أدرى مني أنها ليست بمستوى الحلم الفلسطيني المحق...." وتستشهد رنا بمقطع من قصيدة الرمل كما ظهرت في ديوان " أعراس" 1977، وهي قصيدة ظهرت، ابتداء، في مجلة "شؤون فلسطينية" في1977 ضمن قصائد " أعراس" الأخيرة،تحت عنوان "أسبوع قصائد" (اب، عدد68/ 69, ص172 وما بعدها)
والطريف أن رنا تكتب في مقالتها الثانية ( القدس العربي16/8/2014) إنها التقت الشاعر حين قرأ قصائده في الجامعة التي تدرس فيها، وأنها رضخت لطلب صديقتها المصرية التي أحبت فلسطينيا من يافا، فذهبت معها مجاملة، للاستماع إلى الشاعر، وأن درويش ألقى مقاطع من قصيدته "الأرض" وتورد رنا مقطعا منها. وقصيدة الأرض التي ظهرت في الثلاثين من آذار 1976 ، وهذا يعني أن لقاءها الأول مع الشاعر كان بعد آذار من العام المذكور. ( في برنامج وثائقي في الجزيرة، بعد رحيل الشاعر، تحدث فيها الياس خوري وفواز طرابلسي ومارسيل خليفة وحياة الحيني، ذكر أن زواج الشاعر الأول استمر من 1973_1976 ، وهذا بناء على كلام رنا غير صحيح).
ما غاب عن ذهن رنا حقا هو أن درويش كان نشر قصيدة عنوانها " إنه الرمل" في العام 1975 في مجلة شؤون فلسطينية، عدد 45 ، أيار 1975. وهذا طبعا ينقض كلامها من أن تشكل فكرة القصيدة كان سببه رؤيته لوحة فنية لسلفادور دالي، حيث ذهبا معا، بناء على رغبتها هي، لمشاهدة معرض فني في باريس" كنا قد ودعنا باريس بالذهاب إلى معرض للرسام سلفادور دالي - بعد صراع عنيد مع محمود لاقناعه بذلك، لأنه لم يكن وقتها يحب الدخول إلى المتاحف ولا التصرف كسائح" أهبل" ( كلمة كان يطلقها على كل ما يعكر مزاج الطفل الذي سكنه). (القدس العربي6/9/2014. ( هنا تعزز رنا أن الشاعر ظل مسكونا بتجربة الطفولة ، سياسيا وعشقا واجتماعيا أيضا ، كأنها تعزز مقولة الشاعر الانجليزي ( وردزوورث) " الطفل أبو الرجل" وهي مقولة عززها جبرا ابراهيم جبرا في التصدير الذي كتبه لسيرته " البئر الأولى" 1986.)

* * *


26- رنا قباني ومحمود درويش..

- القسم الثالث

ثمة إشكالية أخرى تثيرها كتابات رنا قباني فيما يخص قصائد درويش ، وهي ما أوردته عن قصيدة " يطير الحمام .. يحط الحمام " ، إذ كتبت عن إقامتهما في باريس:
- " من تلك الحارات ، التي بقيت على شكلها المتعرج والغامض منذ أزمنة ثورات البسطاء في القرون الوسطى ، كان العشاق يمشون ببطء ، تحت شجر الكستناء أو الصفصاف الذي ترك بعض أعضائه تمشط مياه نهر السين ، كان الحمام يطير أمامهم ، وكان يحط ويغرد ، كماكتب محمود في إحدى قصائدالوداع لي ، وهو يتذكر كيف تأملنا جمال الجسر ونحن نهيم على ضفاف النهر " ( القدس العربي ،30/ 8 / 2014 ) . هكذا تضيء لنا رنا فكرة قصيدة " يطير الحمام .. يحط الحمام " وأجواءها ، وتنبئنا عن انفصالهما في زواجهما الثاني ، ولكن الطريف في الأمر أن حياة الحيني - أحمد الشهاوي يخطيء من يقول الهيني ، ويذهب إلى أن من يردد الهيني يقرأ الاسم بحروفه الانجليزية - تقول إن الشاعر كتب القصيدة وأهداها لها ، و قرأها على مسامعها يوم كانا زوجين.
وهكذا نستطيع ، في ضوء كتابات رنا ، وفي ضوء المقابلات مع حياة ، أن نقرأ أشعارا معينة للشاعر ، لم يلق الضوء عليها ، من قبل ، بشكل واضح .
وأنا أتابع الموضوع كتبت على الفيس بوك ، في صفحتي الخاصة ، عن اختلاف الشاعر ، عن كثيرين من أبناء مجتمعنا ، حين يخوضون في الزواج والطلاق . الشاعر رأى المرأة حمامة . غادرت رنا ، فكتب :
- " يطير الحمام " .
وتزوج من حياة ، فكتب : " يحط الحمام " ، أما أمهاتنا وأباؤنا فكانوا يقولون :
" اشلح كندرة والبس كندرة " ؛
ولعلني سأقارب صورة الشاعر في مخيلة رنا مقارنة بصورته في رواية ممدوح عدوان " أعدائي " 2000 .

أ. د. عادل الأسطة
6 / 11/ 2014

* * *

27- رنا قباني ومحمود درويش

القسم الرابع

ثمة مثل شعبي يقول ما نصه: يا داخل بين البصلة وقشرتها ما نابك إلا دمعتها، فهل ستجر الكتابة عن مقالات رنا قباني التي تنشرها في القدس العربي عن علاقتها بزوجها الشاعر محمود درويش، هل ستجر علي المشاكل وتسبب لي الدموع؟
حين كتبتُ عن إشكالية الشاعر والسياسي في أشعار محمود درويش، سألني وأنا أسأله عن صياغات قصائده المختلفة: هل تريد أن تتبع مواقفي السياسية من أشعاري؟ والشاعر الذي التقيت به اربع خمس مرات، او ست مرات على اكثر تقدير كان مهذبا حقا، وربما لو لم تقم الانتفاضة، ولم تندلع، ربما اكون التقيت به اكثر، فقد ارسل إليّ لأكون عضوا من أعضاء هيئة مجلس السكاكيني، وما زلت احتفظ بالكتاب. ترى ماذا كان سيكون ردّه لو سألته عن علاقته بالمرأة؟
في المقابلات التي أجريت معه سألته صحافية فرنسية هي (لور ادلير) عن علاقته بالمرأة اليهودية (ريتا)، وأجابها، وقد فصلت الكتابة في هذا في مقالة مطولة هي "بين ريتا وعيوني بندقية" ونشرتها في كتابي "أدب المقاومة .. من تفاؤل البدايات الى خيبة النهايات" (١٩٩٨ غزة / ٢٠٠٨ دمشق)، ولم أقرأ، في المقابلات التي أجريت معه، عن علاقته بزوجتيه رنا قباني وحياة البهيني - ان لم تخني ذاكرة الأسماء.
أول مرة قرأت فيها اسم رنا قباني كان يوم قرأت قصيدته "أحمد الزعتر" التي صدرت في ١٩٧٦ بطبعة خاصة، باللغتين العربية والانجليزية، قبل ان تصدر في مجموعة "أعراس" (١٩٧٧) وكانت إحدى دور النشر، هنا في فلسطين، وأظن كان يقف وراءها الكاتب عادل سمارة، نشرت القصيدة معيدة طباعتها، هي وقصيدة لمعين بسيسو كتبها أيضا في أحداث سقوط مخيم تل الزعتر (١٩٧٦) وسأعرف لاحقا ان رنا قباني هي زوجة الشاعر، وانهما سرعان ما انفصلا، وان قصيدة الرمل التي ظهرت في ديوان "أعراس" (١٩٧٧) هي قصيدة الانفصال:
"والرمل هو الرمل، أرى عصرا من الرمل يغطينا
ويرمينا من الأيام
ضاعت فكرتي وامرأتي ضاعت
وضاع الرمل في الرمل.
وكان الشاعر علي الخليلي نشر هذه القصيدة على صفحات ملحق جريدة الفجر "الفجر الأدبي" وكانت فاتحة حديث عن مناسبتها. كان عليّ قد قدم حديثا من بيروت، وأعاد على سمعي حكاية انفصال الشاعر عن زوجته، والشائعة التي رددتها الأوساط الثقافية حول سبب الانفصال.
هل خطر ببالي، ذات يوم، ان اسأل عن علاقة الشاعر بزوجته وعن زواجه؟ طبعا لا، فلم يخطر هذا ببالي أبدا، والطريف أنني، وغيري من النقاد، في حدود ما قرأت من مقابلات ومقالات ودراسات، لم تتوقف امام هذا الموضوع، علما بأن الشاعر كتب قصائد فيه، وعلما بأن هناك مناهج نقدية تبيح لنا هذا، وأبرزها منهج الفرنسي (سانت بيف) الذي "يقوم على جمع المعلومات عن الشاعر المدروس، من أقاربه وأصحابه ومعارفه، وأعدائه أيضا، ولا أنسى ما كتبه الشاعر احمد دحبور في تقديمه لكتابي "أدب المقاومة...": "سيختلف الكثيرون مع هذا الكتاب وصاحبه، سيعطيه كثيرون أصواتهم، ولكننا نذهب اليه على شفير خطر، حيث لا يمكن إنكار الصدمة أحيانا، او الدهشة من التوغل في الشخصي.." "أما د. عادل الأسطة الواثق من مشروعه فهو يرى المبدع شخصية عامة، تماما كما هو نصه حق عام، يدعمه في ذلك انه يقدم شهادة عامة على مرحلة ملتبسة، ولهذا فهو لا يجد حرجا في هذا التزيد" (غزة، ١٩٩٨، ص ٧).
بل والطريف ان ما لفت انتباهي اكثر ان لا احد، تقريبا، من الدارسين توقف أمام قصائد درويش الأخيرة في ديوانه "أعراس" وهي قصائد كتبت في المرأة، وأظنها من وحي علاقته بزوجته رنا. "هكذا قالت الشجرة المهملة، قطار الساعة الواحدة، لمساء آخر، يوم احد ازرق، حالة واحدة لبحار كثيرة" وهذه خمسة مقاطع أدرجت تحت عنوان "حالات وفواصل"، وسبقتها قصيدة "الحديقة النائمة" التي يذكر فيها ريتا.
في مقطع "لمساء آخر" يكتب درويش: "البحيرات كثيرة / وهي النهر الوحيد / قصتي كانت قصيرة / وهي النهر الوحيد"، وكانت قصته مع رنا قصيرة، فقد دام زواجهما الأول تسعة اشهر فقط (سأقرأ في مقالات رنا انهما تزوجا مرتين، الأول استمر تسعة اشهر).
هل تفيدنا مقالات رنا في إضاءة أشعار الشاعر وموقفه من المرأة، وهل تقول لنا أشعار الشاعر، ونثره، ما تقوله المقالات أم أنها تتزيد وتبالغ في القول؟
ثمة كتابان أثارا في أوساطنا الثقافية جدلا كبيرا، بل ان الجدل تعدى الأوساط الثقافية أحيانا، الأول رسائل غسان كنفاني الى غادة السمان، والثاني "انا الموقع أدناه .. محمود درويش" لايفانا مارشليان، والآن تثير مقالات رنا عن علاقتها بزوجها الشاعر جدلا لافتا، ومن يرد التأكد من هذا فما عليه الا قراءة المقالات في القدس العربي اللندنية وقراءة التعقيبات عليها. والجدل الذي يثار أسبابه كثيرة منها ما هو جندري (الذكورة والأنثوثة) ومنها ما هو حضاري (الريفي والمدنية) ومنها ما هو سياسي (الثورة في بيروت) ومنها ما هو شخصي (صورة محمود درويش الشخصية عن قرب وعلاقته بالمرأة، في الواقع لا في القصائد) ..و.. و.. واعتقد ان الكتابة في هذا ستطول.
وأنا أتابع المقالات في القدس العربي قرأت عن اللقاء الأول بين الشاعر ورنا وتعارفهما وزواجهما السريع ونظرة درويش الى ساقيها: "في اللحظة التي جلست أثناءها، كانت عينا محمود تحدقان بالأسود الطاغي المتنافر مع بياض جلدي. كان ينظر بفضول واستغراب،، وحين رفع عينيه، وجد أنني أمسكته متلبسا بالنظر الى ساقي فضحكت. حينها بدا هو الآخر بالضحك اللاإرادي، ثم التثاؤب من دون توقف محاولا ضبط نفسه، لأنه كان على وشك إلقاء الشعر" (١٦ / ٨ / ٢٠١٤) ولقد استهجن بعض القراء ما كتبته رنا وذهب الى ان الشاعر لا يمكن ان يكون فعل هذا. انا شخصيا لا ارفض ولا أؤيد، ولكني، دارسا، أعود الى قصائده، لأرى ان كان قال شيئا من هذا يؤيد ما تذهب إليه رنا. في قصيدة "الحديقة النائمة" التي يذكر فيها ريتا يكتب: "سرقت يدي حين عانقها النوم / غطيت أحلامها / نظرت الى عسل يختفي خلف جفنين / صليت من اجل ساقين معجزتين / انحنيت على نبضها المتواصل" فهل ريتا هنا هي رنا؟ وهل ساقا رنا ذكرته بساقي ريتا.
ما لفت نظري أيضا ما أوردته رنا عن أصدقاء درويش ورموز في القيادة. هل نعثر في كتابات درويش على نقد لهؤلاء؟ لطالما لفت نظري نص في كتابه "ذاكرة للنسيان" عن المحاكمة التي تستحقها الثورة وبعض قياداتها التي ارتكبت جرائم مدوية. حين قرأت مقالة رنا "القوة ١٧" عقبت: ماذا يقول أفراد هذه القوة فيما تكتبه رنا عنهم، لنقرأ وجهة نظرهم؟ هل كتب درويش عن مراقبته امنيا؟ في "في الحديقة النائمة نقرأ: "لا وداع ولا شجرة / فقد نامت الشهوات وراء الشبابيك / نامت جميع العلاقات / نامت جميع الخيانات خلف الشبابيك / نام رجال المباحث أيضا"، واعتقد أنا ان مقالات رنا تثير ضجة كبيرة، ولكنها لي، وللدارسين، قد تكون مدخلا لإعادة قراءة بعض أشعار درويش في ضوئها، ليغفر لنا الشاعر هذا، وتوغلنا في الشخصي؟!!

أ. د. عادل الأسطة

***

28- زياد عبد الفتاح : " محمود درويش ... صاقل الماس "

"محمود درويش "صاقل الماس" عنوان الكتاب الجديد لزياد عبد الفتاح ، وهو كتابه السادس عشر ، ويرى مؤلفه أنه أهم كتبه ويقول إنه لم يفرح لصدور كتاب له كما فرح لهذا الكتاب ، وكان زياد نشر كتابه ، على حلقات ، في صفحته الخاصة الرسمية ( فيس بوك ) ، وكنت أتابع الحلقات ال 68 ، وأعقب على قسم منها ، مبديا رأيي في بعص الآراء والتواريخ والمناسبات ، وكان يقرأ تعقيباتي ونتحاور حولها ، فقد يأخذ بها ويشكرني وقد يبدي رأيه مبينا أنه على صواب وأكثر دقة .
صدر الكتاب الذي يقع في 303 صفحة عن مكتبة كل شيء في حيفا لصاحبها صالح عباسي ، وأدرج تاريخ الإصدار العام 2020 .
صدر زياد كتابه بقول السهروردي :
" أبدا تحن إليكم الأرواح
ووصالكم ريحانها و الراح " ،
وحين تبدأ بقراءة الكتاب ، وحتى تفرغ منه ، تعرف مدى حنين الكاتب إلى المكتوب عنه - أي محمود درويش ، وأن وصالهما هو ريحان الأرواح وهو الراح . وأهدى زياد كتابه " إلى ناي حفيدتي ، التي لم تشهد عصر محمود درويش ، علها تقرأه شعرا ونثرا ، تتأمله وتعاينه قيمة وقامة تستمد منها طاقة وإبداعا فادحا في الغناء " وواضح أن الكاتب لم ينج من تأثير قصيدة درويش " لاعب النرد " ؛ درويش الذي ولد لأسرة لا تجيد الغناء ، وسيمتد تأثر الكاتب بقصيدة الشاعر المذكورة إلى متن الكتاب وستحضر طاولة النرد والقصيدة في حلقات كثيرة ، وربما أضاءت كتابة زياد بعض جوانب القصيدة .
قبل صفحة الإهداء يدرج الكاتب صورة إهداء من محمود درويش بخط يده
" إلى
زياد عبد الفتاح
سارق القلوب ،
وفي مقدمتها قلبي .
محمود درويش "
والكتاب يقول إن الشاعر أيضا سرق قلب زياد ، فالكتاب مكتوب ممن قلبه يهيم إعجابا وحبا بالشاعر . إنه كتابة متعاطفة إلى أبعد الحدود .
يتذكر دارس النقد الأدبي ، وهو يقرأ الكتاب ، منهج الناقد الفرنسي ( سانت بيف ) الذي يعرف ب " صانع الصور " أو التماثيل ، حيث كان يرسم صورا لمشاهير معاصريه من الكتاب والنساء ورجال السياسة ، ويعتمد في رسمه صورهم على جمع المعلومات من معارفهم وأهلهم وأصدقائهم وأعدائهم وكل من كان له صلة بهم ، وهو ما يعرف ب " وعاء الكاتب " .
ولمن يريد أن يرسم صورة لمحمود درويش ، متبعا منهج ( بيف ) ، فإن كتاب زياد ذو فائدة عظيمة له ، فلقد كان مقربا من الشاعر وسرد عنه الكثير من دقائق حياته وتفاصيلها . إنه يضاف إلى سلسلة من الكتابات التي كتبها أصدقاء الشاعر المقربون منه وأضاؤوا فيها جوانب من حياته الشخصية التي ألقت في الوقت نفسه الضوء على بعض قصائده . وللأسف فإن بعض هذه الكتابات حوربت بقوة من جهات صلتها بالنقد الأدبي والمناهج النقدية ضعيفة . هنا أشير إلى مقالات رنا قباني في " القدس العربي " . إنها مقالات تضيء بعض ما غمض في أشعار الشاعر ولا يمكن شرحها شرحا علميا وفق نظرية التفسير والتأويل إلا بالاتكاء على معلومات خارجية ، وما احتجت عليه بعض الجهات يعد ظاهرة مألوفة ومقبولة في النقد العالمي .
قبل أن يصدر المؤلف كتابه طلب مني أن أقترح عليه عدة عناوين لكتابه لينظر فيها ، فاقترحت العناوين الآتية :
" ظلال الذاكرة : زياد عبد الفتاح ومحمود درويش/ ظلال الشاعر: محمود درويش في الذاكرة/ ذاكرة الأيام: محمود درويش كما عرفته/ صورة الشاعر: محمود درويش في ذاكرتي / شاعر في الذاكرة .. شاعر لا يموت " ويبدو أن أيا منها لم يرق له .
كنت وأنا أفكر في العنوان أنظر في مضمون الكتابة وفي جنسها الأدبي الذي تنتمي إليه ، وقضية التجنيس شغلت ذهن الكاتب في مواطن كثيرة من كتابه لدرجة أن حيرته تبدو واضحة ." وإنني وأنا أكتب بحب لا يقدر عليه سواي ، أتساءل الآن في هذه الحلقة من الرواية أو الشهادة " .... " هل لأنني رسام " " ولا أدري لماذا أنا الذي أكتب عن درويش رواية وشهادة ورؤية " ... الخ . وكان الكاتب وهو يكتب بحب وتعاطف يكتب بقدر من الانفعال والسيولة وكان يندهش مما يكتب ، ما جعله يتساءل " من أين تأتيني الكتابة " . ولما كان ذا تجربة فقد اقترح عليه بعض أصدقائه من الأساتذة الجامعيين في القاهرة أن يكتب سيرته:
- لماذا لا تكتب سيرتك الذاتية؟ أنت ذو تجربة.
- لا أحب كتابة السيرة " إن هذا المقطع يذكرنا بجبرا ابراهيم جبرا ومقدمة سيرته " البئر الأولى " حيث اقترحت عليه في شبابه سيدة إنجليزية أن يكتب سيرته ، فاستغرب .
وأنا أقرأ الحلقات كنت ألتفت إلى موضوعات عديدة مهمة شغلت أذهان الدارسين مثل علاقة محمود درويش بياسر عرفات وعلاقته بريتا وأيضا علاقته بأدباء المقاومة وبخاصة سميح القاسم .
يأتي زياد عبد الفتاح على الموضوعات السابقة ويبدي وجهة نظره فيها هو الذي كان قريبا من ياسر عرفات ومقربا منه ، وأعتقد أن الكتاب سيضيء هذا الجانب ولكن لا بد من الإصغاء هنا إلى آخرين كانوا قريبين من الشاعر وياسر عرفات ، فعلينا ألا ننسى أن زياد يسرد ما ظل عالقا في الذاكرة ، وبعض القضايا حدثت قبل أربعين عاما . لقد سألت شخصيا زياد عن قصيدة " رحلة المتنبي إلى مصر " وهي في صميم العلاقة الجوهرية بين الشاعر والسياسي واستمعت إلى رواية مختلفة عن الرواية التي أعرف . هنا طبعا يمكن أن نسأل الياس خوري الذي كان جزءا من الحكاية ، ومازال على قيد الحياة .
ما أوردته عما ورد عن العلاقة بين الشاعر والسياسي يمكن أن أورده بخصوص علاقة درويش بالقاسم والرسائل المتبادلة بينهما ، فلقد كتب زياد عن رسائل الود التي جمعها اميل حبيبي في كتاب " الرسائل " ، ولم يأت زياد على رسائل الخصام التي كتبت بعد خروج الشاعر من فلسطين في ١٩٧٠ .وأما موضوع ريتا وهو موضوع شغل الدارسين فأعتقد أنه مازال بحاجة إلى تدقيق أكثر بخاصة بعد صدور كتاب امتياز دياب " ميلاد الكلمات " .
ومرة أخرى أكتب : لقد كتب زياد عبد الفتاح عن محمود درويش وعلاقته به بحب وتعاطف كبيرين ، وحجته طبعا ، عدا حبه للشاعر واحترامه له ، أن محمود درويش رمز فلسطيني ويجب أن نحترم رموزنا وألا نسيء إليهم ، فنحن بحاجة إلى رموز .

الجمعة والسبت ١٣ و ١٤ كانون الأول ٢٠١٩ .


***

29- هوامش لنهاية العام

أنا الموقع أدناه ... محمود درويش:
"أنا الموقّع أدناه محمود درويش ... بحضور ايفانا مرشليان" آخر كتاب قرأته هذا العام ، وقد صدر الكتاب عن دائر الساقي "الطبعة الأولى 2014"، يا للمفارقة فقد صدر في فلسطين في 2013 وقرأته في العشر الأواخر من كانون الأول 2013 .
وقبل أن أقرأه قرأت عنه غير مقال في الصحافة أبرزها ما كتبه حسن خضر الذي كتب، قبل أن يقرأ الكتاب، مدافعاً عن محمود درويش، وبعد أن قرأ الكتاب أيضاً، وكنت علمت عن الكتاب يوم نشر عنه خبر في إحدى الصحف العربية، فقد أرسل لي صديق المقال إلكترونياً.
ما كتبه درويش لا يزيد على 26 صفحة، وقد أدرجتها (ايفانا مرشليان) في الكتاب مطبوعة وبخط يده، حتى تسكت أقلاماً كثيرة قد ترتفع لتدافع عن الشاعر وطهرانيته.
وأما ما كتبته هي فتقارب الخمسين صفحة من الحجم المتوسط، وقد أتت فيها على بداية علاقتها بالشاعر ولقاءاتها به في باريس.
وما كتبته عن هذه العلاقة قد يغري كثيرين من القراء بقراءة الكتاب، القراء الذين تهمهم حياة الشاعر أكثر مما تهمهم أشعاره، وأما الذين تهمهم أشعاره ويهمهم فهمها، فقد يقرؤون قصائد الغزل التي كتبها الشاعر في ضوء هذه العلاقة، كما قرؤوا قصائده في ريتا وشولميت في ضوء علاقته بالمرأة اليهودية.
هل كتب درويش كتابه "سرير الغريبة" (1999) من وحي هذه العلاقة؟ سؤال قد يُثار الآن، وقد يُثار والمرء يقرأ بعض قصائد "لماذا تركت الحصان وحيدا" (1995) التي كتبها في باريس.
قارئ ما كتبته (ايفانا مرشليان) قد لا يشعر بمتعة وهو يقرأ، ربما لأنها دونت الحوارات بينهما بالعامية اللبنانية والفلسطينية، واذا كان القارئ لا يعرف (ايفانا) ولم يقرأ لها من قبل، فإنه، إذا كان من قراء محمود درويش، قد يصدم لأنه سيقرأ لغة أخرى للشاعر لم يعهدها، اللهم إلاّ إذا كان من قرائه ومعارفه في الوقت نفسه، وكان يصغي إليه مباشرة في لحظات تحلله من الفصيحة.
أنا التقيت بدرويش غير مرة، وكان حوارنا يتم بالعربية الفصيحة أو القريبة منها، ولم يتحدث معي بلهجة حيفا والشمال.
وقارئ ما كتبه درويش من إجابات عن أسئلتها، إن كان متابعاً للمقابلات التي أجريت مع الشاعر، بعد 1991، قد لا يجد في الكتاب أي جديد سوى إفصاحه عن علاقة ما، تظل ملتبسة، ما بين الشاعر وامرأة، فالآراء التي أبداها درويش حول جوانب عديدة تبدو في حوارات لاحقة أكثر إفصاحاً ووضوحاً وإضاءة. من ذلك مثلاً ما قاله عن علاقته بريتا.
في ص68 من "أنا الموقّع أدناه.." يجيب درويش على سؤال (ايفانا): من بين النساء تذكر دوماً ريتا ونذكرها... من هي ريتا؟ ... إلخ: "ريتا، ليست امرأة، هي اسم شعري لصراع الحب في واقع الحرب، هي اسم لعناق جسدين في غرفة محاصرة بالبنادق.. إلخ"، وقارئ المقابلات اللاحقة التي أجريت مع الشاعر، وسئل فيها عن علاقته بريتا، أو المرأة اليهودية، يعثر على معلومات أكثر تفصيلاً.
من ذلك مثلاً اللقاء الذي أجرته معه صحافية فرنسية، على ما أذكر، هي (لور إدلير)، ففيه نقرأ أكثر عن ريتا وطبيعتها: "ريتا هي تركيب لغوي لأكثر من تجربة "وأنه" لا يعرف امرأة بهذا الاسم لأنه اسم فني ولكنه ليس خالياً من ملامح إنسانية محددة"، "إذا كان يريحك أن أعترف بأن هذه المرأة موجودة، فهي موجودة أو كانت موجودة. تلك كانت قصة حقيقية محفورة عميقاً في جسدي.. في الغرفة كنا متحررين من الأسماء، ومن الهُويّات القومية ومن الفوارق، ولكن تحت الشرفة هناك حرب بين الشعبين" (الكرمل، عدد 52، 1997، ص220).
وربما كانت أهمية ما كتبه الشاعر لـ (ايفان) تكمن في أنه استخدم تعابير كانت وردت تقريباً في قصيدته "شتاء ريتا الطويل" التي ظهرت في "أحد عشر كوكباً" (1992).
وكنت غير مرة ذهبت إلى أننا إذا أردنا أن نفهم أشعار درويش، فعلينا أن نقرأ نثره الذي كتبه في الفترة التي كتب فيها القصيدة.
إن ما كتبه الشاعر لـ (ايفانا) عن ريتا "هي اسم شعري لصراع الحب في واقع الحرب، هي اسم لعناق جسدين في غرفة محاصرة"، هو اسم ورد في القصيدة في قوله:
لا شيء يا ريتا، أقلد فارساً في أغنية
عن لعنة الحب المحاصر بالمرايا ..
عني .. ؟
وعن حلمين فوق وسادة يتقاطعان ويهربان، فواحد
يستلّ سكّيناً، وآخر يودع الناي الوصايا.."
وقد يكون ما دوّنه الشاعر بخط يده مهما لدراسة القصائد التي كتبها في المرحلة الباريسية بشكل عام. طبعاً "شتاء ريتا" واحدة منها. وإن كان ما كتبه من رسائل لسميح القاسم، بدت في كتاب "الرسائل"، أكثر أهمية فيما أرى لدراسة قصائد تلك الفترة.
كان درويش كتب قصيدة عنوانها "أربعة عناوين شخصية" عنوان أحد العناوين "حجرة العناية الفائقة" وهي تأتي على تجربته مع الموت في أثناء إقامته في باريس في 80 ق20.
يكتب درويش لـ (ايفانا) التي سألته عن البعد والتشرد والحنين باعتبارها شكلاً من أشكال الموت لديه، وأن آلام الموت أصعب من الموت بحد ذاته، يكتب لها: "ووجدت أن ما يوجعنا في الموت، ليس هو الموت بل آلام الموت. لقد تألّمت، ساعات، قبل أن أنام هادئاً على قطن أبيض، ولكن حين عاد إليّ الوجع أنبأني طبيب القلب بأن ذلك الوجع كان وجع العودة إلى الحياة بعدما توقف قلبي عن العمل لدقيقتين". (ص71)
ولعل من يقرأ المقابلات اللاحقة، بل ولعلّ من يقرأ رسائل الشاعر إلى رفيقه سميح القاسم، في 80 ق20، يلحظ أنها لم تخل من الإشارة إلى تلك الحادثة.
ولعلّ من الأشياء التي أكثر درويش من الحديث عنها، قبل 1991، تاريخ إجابته عن أسئلة (ايفانا)، وبعد 1991، تعريفه للشعر، وإتيانه على قضية خروجه من الأرض المحتلة في العام 1970/1971.
تسأله (ايفانا): في غيابك الآني عن وطنك، فوق أي أرض اخترت أن تعيش؟ (ص73) ويجيبها، ومما ورد في إجابته "أما إذا كان سؤالك يطالبني بالجلوس على كرسي الاعتراف، فإنني أعترف بأنني نادم على الخروج من حيفا، على الرغم من أن قرار خروجي لم يكن حراً. نعم كان ينبغي عليّ أن أبقى في السجن هناك حتى لو كتبت شعراً ذا قيمة أقل" (ص75).
في إحدى رسائله إلى سميح في 1986 يكتب درويش: بدي أعود، وفي كتابه "في حضرة الغياب" (2006) يكرر سؤاله المعبر عن ندمه: لماذا نزلت عن الكرمل؟. انتظرنا الكتاب، حين علمنا عنه، بفارغ الصبر، ثم .. ثم .. ثم ... لم نقرأ جديداً فيه!! يا لخيبة الانتظار!!

أ. د. عادل الأسطة
2013-12-29

***

تابع


30- العودة إلى قراءات محمود درويش

كلما قلت يجب أن أكف عن الكتابة عن محمود درويش وأشعاره أجدني أعود إليه وإليها.
محمود درويش ولازمة اليهود ولازمة القدس ومظفر النواب أصبحوا جزءا من مشروعي النقدي. طبعا هناك أسماء أخرى وموضوعات أخرى أتابعها.
مرة توقفت مطولا أمام قصائد الشاعر التي يخاطب فيها النقاد، وتحديدا أمام قصيدتين هما "إلى ناقد" من "حالة حصار " 2002 و"اغتيال "من "أثر الفراشة" 2006.
قلت: كما لو أن الشاعر يوجه كلامه إلي ويقترح علي وجهة نظر هي ألا أفسر كلامه بطريقتي "بملعقة الشاي" ثم عاد ورأى أن ما بين الشاعر والناقد هو سوء تفاهم حتى لو كان ضربا من الاغتيال. "يغتالني النقاد أحيانا" و"أشكرهم على سوء التفاهم".
هل كنت أسقط ما في ذهني وأنا أقرأ أشعاره؟ "لا تفسر كلامي بملعقة الشاي" - يعني وفق مسطرتك النقدية - أي وفق منهجك النقدي. وغالبا ما اتكأت على المنهج الاجتماعي.

التفسير الاجتماعي غيلة وغدرا:
في كتاب "مناهج دراسة الأدب "لـ (مارين جريزي باخ)، تحت المنهج الاجتماعي عنوان يأتي ما تحته على تفسير النقاد الماركسيين لبعض الروائيين البرجوازيين مثل (بلزاك) و(كافكا) وترى مؤلفة الكتاب أن النقاد الماركسيين ومنهم (جورج لوكاتش) أسقطوا رؤاهم على الروائيين وحملوا نصوصهم أكثر مما تحتمل.
هل رأى درويش أن نقدي يحمل نصوصه أكثر مما تحتمل؟
ربما.
في قراءتي أشعار الشاعر وقعت مرة في سوء قراءة اكتشفتها لاحقا، ما حدا بي لأن أكتب مقالا عنوانه "القراءة وإساءة القراءة" صححت فيه قراءتي الأولى.
في أثناء تحكيمي أبحاثا لأساتذة جامعيين أو لطلاب ماجستير أو دكتوراه كتبوا عن الشاعر لاحظت العجب فطلبت من أصحاب الأبحاث إعادة النظر فيما كتبوا واجتمع لدي كم هائل من القراءات غير الدقيقة.
ليس الأمر مجرد سوء تفسير. أحيانا كان من باب سوء قراءة المفردات ونقلها. كما لو أن الدارس كان يقرأ ما في ذهنه لا ما في ديوان الشاعر.
أمثلة
- مرة أعطاني طالب دكتوراه رسالته لأنظر فيها. ما إن قرأت أمامه عن علاقة درويش بامرئ القيس حتى انسحب وأخذ الرسالة وتراجع عن إهدائه. كتب إن علاقة درويش بامرئ القيس علاقة تشابه فقلت له: إنها علاقة تناقض وتعارض.
- مرة حكمت بحثا عن ديوان "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي".
وأنا أقرأ البحث عدت إلى الديوان للتأكد من دقة نقل النصوص فلاحظت عدم الدقة.
في "لاعب النرد" سطر نصه "على هذه الكنبة" وقد نقله الباحث "على هذه النكبة" وكتب عن النكبة، والسياق يقول إنه يكتب قصيدته وهو على "كنبة".
كان الباحث مهذبا وعاد إلى الديوان وصحح وشكرني.
- من فترة قريبة قرأت مقالا لأستاذ من جامعة عنابة عنوانه "الثورة الجزائرية في شعر محمود درويش. "- مدرج على النت - وقد توقف الدارس أمام أسطر من "أوراق الزيتون" 1964 والأسطر هي
"آمنت بالحرف نارا..لا يضير إذا/
كنت الرماد أنا..أو كان طاغيتي"
وقد صارت مفردة "الحرف": "الحرق".
ودال الحرق لليهود دال مرعب لا يمكن لدرويش استخدامه.
الدارس، وعليه اعتمد دارس آخر على ما يبدو، شرح البيت اتكاء على دال "الحرق" لا دال "الحرف" الذي أورده الشاعر مؤكداً كشاعر ماركسي في حينه على أهمية الكلمة وإيمانه بدورها ومدلولها المجازي.
هذه مجرد أمثلة على إساءة قراءة الشاعر.
مرة كتبت إن علاقتي بأشعار الشاعر مثل علاقة النحويين بحتى.
قال عالم نحوي: "سأموت وفي نفسي شيء من حتى: "وأنا غالبا ما كررت: "سأموت وفي نفسي شيء من أشعار محمود درويش".

عادل الأسطة
2018-01-07







==============================

1- أتذكر السياب
2- ظلال الشاعر: محمود درويش وإلياس خوري
3- شتـاء ريتـا الطـويـل...
4- عكا ودرويش وأنا!..
5- يا شاعري محمود.. وداعاً
6- امتياز دياب ومحمود درويش: "ميلاد الكلمات" ٢٠١٩
7- أدب العائدين: حيرة العائد/ محمود درويش ثانية..
8- أحلام مستغانمي ومحمود درويش
9- محمود درويش والسجن
10- صورة الفنان في شبابه: محمود درويش كما صوره معين بسيسو

***

11- محمود درويش .. امرؤ القيس والمتنبي وأبو فراس "في ذكرى ميلاده"
12- شتـات: كل ما كان منفى
13- محمود درويش: مفهوم جديد للبطولة
14- سقط الحصان عن القصيدة سقط القطار عن الخريطة
15- سقط الحصان عن القصيدة (2) صهيل الخيول على السفح
16- طللية البروة... طللية الوطن
17- "لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد"
18- هل قرأ الشاعر محمود درويش القاصة سميرة عزام؟
19- محمود درويش والقدس وسؤال المجندة
20- القدس ثانية… وماذا بعد؟… ماذا بعد؟

***

21 - صدق فراشاتنا… لا تصدق فراشاتنا..
22- إشكالية القراءة ... إشكالية النص قراءة في سطر شعري لمحمود درويش
23- حسن خضر ومقالات درويش في "اليوم السابع"
24- رنا قباني ومحمود درويش.. القسم الأول
25- رنا قباني ومحمود درويش.. القسم الثاني
26- رنا قباني ومحمود درويش.. القسم الثالث
27- رنا قباني ومحمود درويش.. القسم الرابع
28- زياد عبد الفتاح: "محمود درويش... صاقل الماس"
29- هوامش لنهاية العام
30- العودة إلى قراءات محمود درويش

=================

31- محمود درويش و ( بابلو نيرودا ) :
32- حزيران.. واتساع رقعة المنفى محمود درويش في نزل على بحر
33- قصيدة نزل على بحر محمود درويش
34- محمود درويش و( نيتشة) وتمجيد الحياة فوق الأرض
35- محمود درويش ونيتشة:
36- محمود درويش و زرادشت ونيتشة
37- في ذكرى محمود درويش: تناسل ريتا في رواية "على شواطئ الترحال"
38- "صورة الفنان في شبابه: محمود درويش كما صوره معين بسيسو"
39- محمود درويش ومراحله الشعرية : ( المقالة كاملة )
40- محمود درويش و(يفتشنكو)

***

41- كارول سماحة ومحمود درويش و " ستنتهي الحرب"
42- العـرس الفلسطيـنـي: والدة الشهيد التي تنتظر ابنها
43- ستنتهي الحرب وقد ينتهي النقاش: برتولد بريخت أم محمود درويش؟
44- ستنتهي الحرب: "والله يا أمي إني أكره الحرب"
45- الحرب والانتظار في الأدب السوفيتي: وحدة الأدب العالمي.
46- إشكالية الشاعر والسياسي في الأدب الفلسطيني: محمود درويش نموذجاً (ملف/6)
47- تخليص الشعر مما ليس شعراً

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى