مقتطف صلاح القويضي - مساوي

مجتزا من فصل من رواية (أمي وحكايات المدينة عرب) للروائي محمد سيف الدولة الفائزة بـ(جائزة الطيب صالح – مركز عيد الكريم ميرغني) بعنوان (مساوي)

(مساوي)​
رأيت كما إِنَّ السماء دنت فوشوشتها نسائم العِشاء كان الليلُ يمضي بتؤدةٍ ووقار نحو ثُلثه الابتداء. آخذنا ذكاء الموضع هنا سيُولدَ الخير وتشرق الأنوار قال الحبُ بأمي سَمِعتهُ ذرات تخلقي كأنهُ سَرَي بمشيمتي وحبل سِّر أمي، ردد النهر (يلَحقّنا…يلَحقّنا) ورددت الأكوان النداء، وضمخته الأشجار طارت به اليراعات وما احترقت الا انها ذابت فيه، ثم إِنَّ أمي مضت فمضي إِثرها طيفي اللحوح، جاءتها ( مساوي) رديفة النيل وعروسه الممنوحةِ للوجود بشارةٌ ظلت جروفها منذورة منذ أزلِ وجودها قربانٌ للنهرِ يذوبها بحناياه ويبتلعها بأحشائه وقتما تستبدُ به الغيِّرةٓ وتثور (دميِّرةً) من الانتقام الغضوب الحانق علي عُشبَ بجروفها زهي، وبنيانٌ بخاصرتها تماهي له الناس وطرِبوا أما صدر النهر وفيضانه فيحتوي حواف صخرةَ أساس الجزيرة العِشق ثم يطغي الموجَ يتجبر وتبدأ دورتها الجروف وهباتها في الغياب الحاضر والحضور العصي.
ينعطف النيل بين (مروي) و(الدبَّة)، يجمع قوته، يودعُ البعضَ بعضه الاخر ثم يصفو تشّف أمواهه وترِق، يقوي عرقه ويتقاصر عمقه ثم يتسع المجري عند بروز حجر (ود ساحون) الجبلي بالأفق القريب، أطلَّ بهامته الصخرية القديمة، وتدٌ للأرض وإشارةٌ أجبرت النهر على الانحناءِ والتريث. ما ظهر منها يعلمه النيل والناس وما أستتر حمدهُ ببطن النهر الذي ينقسم من (الريدِ) لبحرين شرقيٌ وغربي.
مساوي صخرةٌ تبدو كأنها (سُرة) الام التي أنجبت النيل، هي علامةٌ لأثر ارتباط النهر بالسماء، نقطةٌ فُضت عندها المشيمة وقُطعت قناةَ فيوض ماءَ فراديس الجِنان.} أ.هـ

لم يكن ذلك حين قرأته مجتزأً. كان بعضًا من كتابة أشركني صديقي وقريبي محمد سيف الدولة في قراءتها مع نفر من أصحابه على "كتاب الوجه"، باعتبار أن مساوي هي (مسقط راسي ومدفن سُرٌتِي). يومها قلت له "لو استمرت هذه الكتابة على هذا النسق فهي تعد بسردية جديرة بالفوز بأي جائزة" ... وقد كان ... إذ فازت السردية بجائزة الطيب صالح / مركز عيد الكريم ميرغني، إحدى أرفع جائزتين أدبيتين بالسودان.
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى