1
التَّحرُّر في السينما رسالة جمالية تُحرِّر الخيال وتُطهِّر الأنفس، والمُخرج البارع من يجْترح الطّابو بالشُّحْنة الشاعرية التي تسرق من الأعين إما الدهشة أو البكاء، تنظر للقبح ولكنه مُدعَّمٌ بكل العناصر الجمالية التي تحقق الإقناع والإشباع، وليس التَّحرُّر أنْ أصنع عملا سينمائيا بنساء أدْفعُهُنّ للتَّعرِّي فقط من أجل التعري أمام الكاميرا، لا يُهِمهن من أين يتقاضين الأجور هل من مهنة الدعارة في الشارع أو من دعم الدولة للسينما، إنَّه لَموقفٌ مُحْرج يتورّط في مُسْتنقعه المخرج !
2
لا يفوتُ أحدٌ أنه بِتوازٍ مع تَسارُع وتيرة التطور التكنولوجي، يحدث التأخر الإنساني والضُّمور الفكري، كل شيء أصبح مصطنعاً، فالعين غير العين وهي لا ترى العالم إلا من خلال شاشة الهاتِف، والأذْن غيْر الأذن يُلَاحظ في عصرنا أن طولها زاد نسبياً ببضعة خيوط موصولة بسمَّاعات، ومن صارت أذنه بهذا الحجم قد يصبح دون أن يأكل البرسيم من عشيرة أنكر الأصوات، يا لهذا الزّمن الأغْبر حيث أصبح العيش أخطر، لم يبْقَ إلا القلب لِيشتغل ببطارية وأزْرار وأنابيب لمجرى الدم، كل شيء أصبح مُصطنعاً، الابتسامة، الكلمات، العلاقات الإنسانية التي لا تتحقّق حرارتها إلا حين أضع يدي في جيبكَ وتضع يدكَ في جيبي، ألا يمكن أن تستقيم الحياة دون أن نتبادل المصالح، ألا يُمكن لمرّة واحدة أنْ يواجه الإنسان العالم دون كذب أو قناع، كأنِّي بالحواس أصبحت أيضا في زمننا البراغماتي مُسْتعارة، فلا يشعر المرء إلا ما يُريدون أن يستشعره سواء في الحزن أوالفرح، ربما لذلك أعلن الكاتب الإنجليزي "ألدوس هكسلي" فزعه الأكبر من مستقبل البشرية، وتوقّع أن تشمل هذه الآفة الاصطناعية النُّطفة وعِوض أن تُقذف في رحم امرأة تسْتقِر في قارورة، ليصبح النسل كل النسل أبناء بواتق، فما أكثر النِّساء اليوم اللواتي يوثرن رشاقة الجسم على اختبار مشاعر الأمومة، وليس غريباً أن تندثر قريبا كلمة (أمي) وتُحْذَف من القاموس لأنها غير موجودة في الواقع، وإذا حدث وسمعوا أحدهم يُنادي والدته اعتبروه متوحشّاً ابن امرأة وليس بوتقة، عجباً إنّ أفلام الخيال العلمي بدأت عكس الكثير من القوانين تنزل إلى أرض الواقع !
3
أفْهم التَّسول عن حاجة وبقي أن يفهم الجميع التسول عن مهنة بعد مناقشة الميزانية في البرلمان!
4
ما أكثر ما تدور الرحى ولكنّها لا تدور إلا على فراغ !
5
ثمة من يُتْقن توظيف الأزمة لصالح المأزومين، قرأتُ منذ سنوات، أن عدد التشيكيين الذين بدون سكن تفاقم بعد سقوط الحزب الشيوعي، فأصدر أحد العقلاء بناءً على هذا المُعطى الأليم، جريدة اسمها (باطرون- Patron)، ولم تَكُن هذه الكلمة باللغة التشيكية تعني الأشباح الذين يديرون بعض المؤسسات في بلدنا اليوم، إنما (باطرون) في المُعْجم التشيكي كلمة تعني (المُدافع) أو (الحامي)، الغريب أنَّ الجريدة التي تحْمل هذا الإسم، أصبحت أول صحيفة شارع يبيعها حوالي 120 شخص لا يملكون سكنا ثابتا في براغ، ولم يكُن الهدف من هذا المنبر الإعلامي الرِّبح الوفير، بل تحسيس السُّكان بخطورة وضعية من يعيشون بدون سكن، والهدف أيضا من هذه الصحيفة (32 صفحة بالألوان)، إنجاز بورتريهات للمحرومين من سقف يأويهم، أليس رائعاً أن يصبح للفقراء، وجه معروف وتاريخ وحقوق، ولا يبقوا مجرد أرقام في الإحصائيات، ذلك هو الهدف النبيل الذي جاءت لأجله هذه الجريدة، أن تصنع للمُهمَّشين اسما مقروءاً في الصُّحف إلى جانب أسماء الوزراء وكبار الإقطاعيين، وكأنَّ لسان حال هؤلاء البُؤساء يقول إذا لم تجمعنا بُقْعة أرضية يجمعنا الورق في سطور!
6
أن يحتفل المرء بذكرى ميلاده الشخصي، ذلك ما يُعزِّز سلطة الذاكرة، لا أحب أنْ أسْبق الذباب إلى الحلوى لأدلي بسنواتي مع المحتفلين، ولكنني مستعد لأنفق كل العمر من أجل لحظة نسيان!
7
فائدة الكرسي لا تُضَاهى في زمننا، فالكرسي إذا لم يزْدْ في القامة يُقرِّب آخر الشهر في المقاهي، أما إذا استطعتَ القفز من كرسي لآخر أعلى مرتبة، فقد ضمنتَ الولوج لقائمة ذوي السيقان الطويلة، أولئك الذين يسبقون الجزرة ولو كانت معلَّقة في عصا !
.................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 5 ماي 2022
التَّحرُّر في السينما رسالة جمالية تُحرِّر الخيال وتُطهِّر الأنفس، والمُخرج البارع من يجْترح الطّابو بالشُّحْنة الشاعرية التي تسرق من الأعين إما الدهشة أو البكاء، تنظر للقبح ولكنه مُدعَّمٌ بكل العناصر الجمالية التي تحقق الإقناع والإشباع، وليس التَّحرُّر أنْ أصنع عملا سينمائيا بنساء أدْفعُهُنّ للتَّعرِّي فقط من أجل التعري أمام الكاميرا، لا يُهِمهن من أين يتقاضين الأجور هل من مهنة الدعارة في الشارع أو من دعم الدولة للسينما، إنَّه لَموقفٌ مُحْرج يتورّط في مُسْتنقعه المخرج !
2
لا يفوتُ أحدٌ أنه بِتوازٍ مع تَسارُع وتيرة التطور التكنولوجي، يحدث التأخر الإنساني والضُّمور الفكري، كل شيء أصبح مصطنعاً، فالعين غير العين وهي لا ترى العالم إلا من خلال شاشة الهاتِف، والأذْن غيْر الأذن يُلَاحظ في عصرنا أن طولها زاد نسبياً ببضعة خيوط موصولة بسمَّاعات، ومن صارت أذنه بهذا الحجم قد يصبح دون أن يأكل البرسيم من عشيرة أنكر الأصوات، يا لهذا الزّمن الأغْبر حيث أصبح العيش أخطر، لم يبْقَ إلا القلب لِيشتغل ببطارية وأزْرار وأنابيب لمجرى الدم، كل شيء أصبح مُصطنعاً، الابتسامة، الكلمات، العلاقات الإنسانية التي لا تتحقّق حرارتها إلا حين أضع يدي في جيبكَ وتضع يدكَ في جيبي، ألا يمكن أن تستقيم الحياة دون أن نتبادل المصالح، ألا يُمكن لمرّة واحدة أنْ يواجه الإنسان العالم دون كذب أو قناع، كأنِّي بالحواس أصبحت أيضا في زمننا البراغماتي مُسْتعارة، فلا يشعر المرء إلا ما يُريدون أن يستشعره سواء في الحزن أوالفرح، ربما لذلك أعلن الكاتب الإنجليزي "ألدوس هكسلي" فزعه الأكبر من مستقبل البشرية، وتوقّع أن تشمل هذه الآفة الاصطناعية النُّطفة وعِوض أن تُقذف في رحم امرأة تسْتقِر في قارورة، ليصبح النسل كل النسل أبناء بواتق، فما أكثر النِّساء اليوم اللواتي يوثرن رشاقة الجسم على اختبار مشاعر الأمومة، وليس غريباً أن تندثر قريبا كلمة (أمي) وتُحْذَف من القاموس لأنها غير موجودة في الواقع، وإذا حدث وسمعوا أحدهم يُنادي والدته اعتبروه متوحشّاً ابن امرأة وليس بوتقة، عجباً إنّ أفلام الخيال العلمي بدأت عكس الكثير من القوانين تنزل إلى أرض الواقع !
3
أفْهم التَّسول عن حاجة وبقي أن يفهم الجميع التسول عن مهنة بعد مناقشة الميزانية في البرلمان!
4
ما أكثر ما تدور الرحى ولكنّها لا تدور إلا على فراغ !
5
ثمة من يُتْقن توظيف الأزمة لصالح المأزومين، قرأتُ منذ سنوات، أن عدد التشيكيين الذين بدون سكن تفاقم بعد سقوط الحزب الشيوعي، فأصدر أحد العقلاء بناءً على هذا المُعطى الأليم، جريدة اسمها (باطرون- Patron)، ولم تَكُن هذه الكلمة باللغة التشيكية تعني الأشباح الذين يديرون بعض المؤسسات في بلدنا اليوم، إنما (باطرون) في المُعْجم التشيكي كلمة تعني (المُدافع) أو (الحامي)، الغريب أنَّ الجريدة التي تحْمل هذا الإسم، أصبحت أول صحيفة شارع يبيعها حوالي 120 شخص لا يملكون سكنا ثابتا في براغ، ولم يكُن الهدف من هذا المنبر الإعلامي الرِّبح الوفير، بل تحسيس السُّكان بخطورة وضعية من يعيشون بدون سكن، والهدف أيضا من هذه الصحيفة (32 صفحة بالألوان)، إنجاز بورتريهات للمحرومين من سقف يأويهم، أليس رائعاً أن يصبح للفقراء، وجه معروف وتاريخ وحقوق، ولا يبقوا مجرد أرقام في الإحصائيات، ذلك هو الهدف النبيل الذي جاءت لأجله هذه الجريدة، أن تصنع للمُهمَّشين اسما مقروءاً في الصُّحف إلى جانب أسماء الوزراء وكبار الإقطاعيين، وكأنَّ لسان حال هؤلاء البُؤساء يقول إذا لم تجمعنا بُقْعة أرضية يجمعنا الورق في سطور!
6
أن يحتفل المرء بذكرى ميلاده الشخصي، ذلك ما يُعزِّز سلطة الذاكرة، لا أحب أنْ أسْبق الذباب إلى الحلوى لأدلي بسنواتي مع المحتفلين، ولكنني مستعد لأنفق كل العمر من أجل لحظة نسيان!
7
فائدة الكرسي لا تُضَاهى في زمننا، فالكرسي إذا لم يزْدْ في القامة يُقرِّب آخر الشهر في المقاهي، أما إذا استطعتَ القفز من كرسي لآخر أعلى مرتبة، فقد ضمنتَ الولوج لقائمة ذوي السيقان الطويلة، أولئك الذين يسبقون الجزرة ولو كانت معلَّقة في عصا !
.................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 5 ماي 2022