غدا الشعرُ أحجارا بغيرِ جواهرِ .. غداة ثوى في الشامِ مهدي الجواهري
مضى ابنُ الفراتينِ استراحَ محاربٌ.. لتعتذر الأشياءُ من صوتِ شاعرِ
نفوهُ فأغرتنا المنافي وأصبحت ... لنا موطنَ الأوطانِ رغمَ المخاطرِ
تصيرُ عراقاً كلُّ أرضٍ يزورها .... فينفحُها من رافديهِ بخاطرِ
تهافتتِ الألفاظُ بعدكَ والنهى .. وأسدلَ هذا الليلُ سودَ الستائرِ
دمشقُ حوتْ فخرَ العراقِ بأرضها .. لتختالَ هاتيك الربى بالمفاخرِ
لقد دفنوا قلبَ العراقِ بتربةٍ .. فحلّقتِ الأرضون فوق المنائرِ
ورحنا لأصل الأصلِ نبحثُ لم نجدْ.. سوى حرفهِ الطاغي على كلّ طائرِ
بأشعارهِ سنّ الفضائلَ كلّها .. و سارت من البلقان حتى الجزائرِ
وتسمو به الأوطانُ إن حلّ ضيفَها .. ولا موطنٌ يحويهِ بعد التناحرِ
وفي الشعرِ تزدانُ المجالسُ بهجةً ..وفي شعرهِ حسْنُ الوجوهِ النواضرِ
وحيدا مضى لم يمتلك غيرَ حرفِهِ.. وشعرٍ تعالى بالتناغمِ زاخرِ
هو الحانُ والخمرُ المصفّى وبلسمٌ .. وباطنهُ يعلو على كلّ ظاهرِ
قوافيهِ والإيقاعُ والحرفُ شاهقٌ..وفي النفسِ موسيقى كلمعِ الأساورِ
إلوفٌ من الأبيات تسحرُ كوننا .. لمأساة مهجورٍ ورقّةِ هاجرِ
ترى الشكلَ والمضمون أسمى صياغةٍ..وتعلو رؤاهُ في المعاني البواترِ
هو القائلُ الشعرَ العميقَ مسارُهُ .. فأهلاً بذوّاقٍ وأهلاً بسابر
بإيجازهِ تعلو البلاغةُ والنهى .. وتلقي على الأسماعِ لمسةَ هاصرِ
وينسابُ شلّالُ الجمالِ بلفظهِ .. سلافاً هي الأصفى بحوزةِ عاصرِ
سمعنا غناءً لا يباحُ بسرّهِ .. فوا عجبا من وحيهِ المتخاطرِ
لمنعطفات الكونِ مدَّ ذراعَهُ .. فهزَّ بألفاظٍ عروشَ الأكاسرِ
تنيرُ معانيهِ الحديثةُ عصرَهُ .. وينشدها القرّاءُ فوق المنابرِ
وحريّةُ الفكرِ استضاءت بشعرهِ.. إضاءةَ فيضٍ لا إضاءةَ قاترِ
يمدّ جناحيهِ فيحضنُ عالَماً ... لينقذَهُ من عنفهِ المتكاثرِ
وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا مضوا..ولا سيّما أهلُ الحظوظِ العواثرِ
وما خابتِ الآمالُ لكنّ عصرَهُ .. مخيبٌ لآمال الأديبِ المكابرِ
هو الربُّ لا تجري الحروف لغيرهِ.. بهندسة الألفاظِ رهف المشاعرِ
وفاقَ الزهاوي والرصافي كليهما..وأحمدَ شوقي بالمعاني النوادرِ
لمعنى المعاني في قوافيهِ همسةٌ ..فيسمو خيالٌ في شعاعِ التناظرِ
ترى اللحنَ من قيثارةٍ سومريّةٍ .. ومعناهُ أشهى من نبيذ الأباطرِ
وأضفى على القرن المخضِّبِ نورَهُ..وألقى على الأقرانِ وهجَ البشائرِ
رمى العمّةَ البيضاءَ واختار بدلةً .. وجاء إلى بغداد رمز العباقرِ
وصارت له بغدادُ ديرَ نوابغٍ .. وكان لها في الشعر خيرَ مسامرِ
وحسبك من بغدادَ أحلى مدينةٍ .. وويلكَ من بغدادَ إن لم تغادرِ
روى ما روى ثمّ ارتوى من غليلها..وجاذبَها وصلَ الحسان الجآذرِ
رأى نفسهُ وسط الحرائقِ واقفا .. فأيقنَ أنّ المجدَ فوق المجامر
ويلعبُ في نرْدِ الحروفِ ويتّقي ..عيونَ الذئاب الكاسراتِ الكواسرِ
فيلقفُها باللاهجاتِ عنانُهُ .. وتلوي عصاهُ ساحراتِ السواحرِ
ومادت به أرضُ العراق فعزّها ..وقوّمها من أجلِ من لم يخاطرِ
فأبرقَ إذ ماجت قوافيهِ رعدةً .. وأمطرَها أنعمْ وأكرمْ بماطرِ
وسالت بأرض الرافدين مياههُ..فأحيا بها موتى الظما والضمائر
بأشعارهِ تلك المجالسُ أينعت..وتغفى القوافي في عيونٍ سواهرِ
قصائدُهُ غرٌّ يشعُّ أوارُها .. تلخّصُ تاريخَ العراقِ المعاصرِ
لقد حرّر القرّاءَ من كلّ دانسٍ .. وأزرى بكلّ المدّعين الدواعرِ
هجا عصرهُ والمارقينَ بجيلهِ .. ولم يتهيّب من قراع الجبابرِ
وفي طرطرى ردَّ السياطَ عليهمُ .. وجادلهم ما بين جادٍّ وساخرِ
لنعمَ الفتى لا يحسنُ الشعرَ غيرُهُ..ولا القولَ والإنشادَ وسطَ الجماهرِ
تراهُ جريئا ينظمُ الحقَّ قولُهُ.. ويهمي على الأركانِ صولةَ ثائرِ
رأى فاستراحَ الليلُ تحتَ جفونهِ .. فنامَ وما نامت عيونُ البرابرِ
وحلّقَ في أشعارهِ غيرَ آبهٍ .. فشقّت سكونَ الصمت صرخةُ زاجرِ
رأى ساطعَ المحصورَ وهو مديرُهُ .. بليداً كحفّار القبورِ المعافرِ
إذا فيصلٌ قد ضاقَ ذرعا بشعره.. فليسَ زعيمُ الرافدين بصابرِ
أغاظَ الحجازيَّ المليكَ بمدحهِ .. لمملكةِ النجديّ كيداً لساعرِ
وكادَ لصدّامٍ بمدحِ عدوّهِ .. لردّةِ فعلٍ في نكايةِ ضائرِ
هو الصدفةُ المُثلى إذا حضرَ الندى..هو الجزمُ في يوم الوغى والتعاورِ
هو العزُّ إن عزَّ الكرامُ على الوفا .. وفاقَهمُ بالعادياتِ الحرائرِ
له القمّةُ العلياءُ في كبحِ واردٍ .. وإن كان لا يبلوهُ رغما لصادرِ
لقد خرجَ السيّابُ والجوُّ عاصفٌ .. وبغدادُ تغلي بالهوى والتشاجرِ
وقال أبو غيلان والقولُ طارئٌ .. جديدٌ على الإيقاعِ في أُذنِ غابرِ
فقال الشيوعيّونَ : هذا تقدّمٌ .. . وذاكَ عروضٌ وزنُهُ بالمساطرِ
وهبّت رياحُ العزّ ريحُ ثقافةٍ .. . ودار حوارٌ بين ماضٍ وحاضرِ
فقالَ فراتٌ يا أبي لا تبُحْ بها .. فردّ عليهِ الشيخُ دونَ تعاذرِ
وردّ بهاءَ الشعرِ نحوَ أصولهِ .. بهاءَ ينابيعٍ لأبهى مصادرِ
طغى شعرُهُ مثلَ الفراتِ بموجهِ ..ودجلةَ إذ فاضت على كلّ ساترِ
لقد حفظ الجيلُ المثقّفُ شعرهُ .. فأكرمْ بهِ جيلا وأكرمْ بشاعرِ
ومغتربٍ والشعرُ كان بريدهُ .. إلى موطنٍ ما بين شاكٍ وشاكرِ
تراهُ عميقا لا خيالٌ يحدّهُ ... ولا ضفةٌ حدّتْ عنانَ المغامرِ
هو الجَمْعُ لمّا كان واحدَ عصرهِ..هو النارُ وسطَ الماء قبسة باصرِ
هو البصرةُ السمحاءُ والكوفةُ التي .. حبتهُ وبغدادُ الهوى في الدوائرِ
ولكنّه صوتٌ تعولَمَ وارتقى .. بسوحِ نضالٍ في صفاءِ العناصرِ
فادركَ أنّ الشعرَمبنى حضارةٍ..فشدّ النهى ما بين أصلٍ وآصرِ
وإقبلَ مختالًا تشعّ حروفهُ .. فكانت له بغدادُ دون نظائرِ
فأطربها لمّا تجلّى بأرضها..وأسكَرَها في شعرهِ والمآثر
وبغدادُ قد ضاقت بهِ متمرّدا..وما أشرس الأعداء من دونِ ناصرِ
وظلّت جراحاتُ الشهيد بجسرها..لتسألَ عن ثارٍ لها غيرِ واترِ
رثى جعفراً لمّا تولّى وبعدهُ ..ملايينُ راحوا من خيار الجعافرِ
وسارَ بدربٍ موحشٍ غيرِ سالكٍ..وممّ يخافُ الصلُّ صلُّ الهواجرِ
لقد وهب الدنيا صقورَ حروفهِ .. فجاءت له في الليلِ بيضُ الخناجرِ
ترى غيمةً نجلاءَ ألقت بريقَها .. إلى ظلّهِ المسدولِ بينَ الضفائرِ
بلا موطنٍ يسري ولا بيتَ عندهُ..سوى الحان والمقهى وغربةِ عابرِ
وعاش وجيها دون مالٍ يعزّهُ .. ولكنّهُ قد حازَ كلّ المفاخرِ
ترى الروس والبلغار والجيك اجمعوا..على العبقريّات الحسانِ الأواسرِ
هوتهٌ أنيتا رغمَ شيبٍ يزينهُ .. وسمّاكةٌ حسناءُ تحفةُ ناظرِ
سعادتُهُ لمّا رأى النورَ ظِلَّهُ .. فمرّ ولم يعبأ بنظرةِ عاذرِ
وأعطى ولم يأخذ وعزَّ به الهوى.. سماحاً ولم يُمسِكْ بعُصْمِ الكوافرِ
كأنّ شعوبَ الأرضِ بوقٌ لصوتهِ ..وساحَ على البلدانِ مرحى بزائرِ
ولم يفتخرْ إلّا بأعطافِ شعرهِ .. فأتحفنا بالعابقاتِ الغرائرِ
وأورثنا حبَّ العراقِ لذاتهِ .. رزايا مقيمٍ في همومِ مسافرِ
فواللهِ ما قال القوافي مثيلهُ ..ولا صاغها مستحكمٌ بالبصائرِ
فمن أمّ عوفٍ والشهيدِ وجعفرٍ..وألفيّةِ الإبداعِ زهر الأزاهرِ
خرافاتنا تبدو على أنها الهدى.. تصدّى فأخزاهم بكلّ المحاورِ
وضمَّ جناحيهِ وحلّقَ عالياً .. قويّاً كما الإعصارِ فوقَ المقابرِ
لقد صدحَ الحقُّ المبينُ بصوتهِ ..إلى غامض الأكوانِ نظرة حائرِ
تأثّرَ في سقراطَ يومَ نبوغهِ .. وحاورهُ شعرا حوارَ الأكابرِ
يهزّ عروش الظالمينَ بشعرهِ ..وتهتف آلافٌ بأقوى الحناجرِ
تعابيرهُ تنسابُ وهي جديدةٌ .. وإن كان موضوعا جسيم المصائرِ
يواقيتهُ منظومةٌ ضاءَ برقُها ..وأسلوبهُ في النثر أفصحُ ناثرِ
وتاقت نفوسٌ تجتليهِ لذاتهِ .. وأخرى اُستُفزّتْ في عداوة ماكرِ
وينسابُ كالرقراق ينبوعُ لفظهِ .. يشنّفُ آذانا بنغمةِ سامرِ
توضّأتُ في أشعارهِ وأقمتُها .. صلاةَ محبٍّ في رواق المباخرِ
غسلتُ دماغي حينَ طفتُ ببيتهِ ..ودارت أقاصيهِ بكعبةِ دائرِ
دواوينُهُ تتلو علينا ملاحماً ... وآياتُهُ تفصيلُ من لم يناورِ
وتدخلُ في دار الملوكِ تقضّها .. فينقلبُ المأمورُ في صوتِ آمرِ
توشّى نسيجُ النظمِ زهرَ بلاغةٍ.. بأحلى طرازٍ من جمال الخواطرِ
ومزمارهُ الفضيُّ يصدحُ ناعما..فيأتي قريضا في جزيل المشاعرِ
إذا نسترقّ السمعَ يورقُ صوتُهُ .. وينسابُ خمراً عبرَ رمزٍ مباشرِ
تحلّى بأحلى المكرمات بنفسهِ .. وقد إرتقى بالشعر دون الشعائرِ
وإنّ القوافي المحكماتِ سَمتْ بهِ .. إلى المنبر الأعلى بغيرِ مؤازرِ
وألفيّةٌ مقصورةٌ سامها النهى .. وما كان ربُّ الشعرِ فيها بقاصرِ
ولمّا حفظناها شيوخاً وفتيةً .. تسامت بآمال النفوس الضوامرِ
فجئنا بآراءٍ لندرسَ نصَّها .. فكانت لنا كنزا لكشف المصادرِ
وجوديّةٌ فيها سرورُ خواطرٍ .. على ماركسٍ ما بينَ نيتشهْ وسارترِ
ثلاثيّة الأبعادِ واللونُ فاقعٌ ... لتصحو بها أهلُ النفوسِ الغرائرِ
لقد جمعَ الأضدادَ دونَ مشقَّةٍ .. وصاهرَهُم أكرم به من مصاهرِ
ودارت على البلدانِ يألفها الندى .. وطارَ بها القرّاءُ من دونِ ناشرِ
يُردّدُها جيلٌ لجيلٍ معارةً .. فاشعارُهُ مطبوعةٌ في الذواكرِ
أسرّتْ لنا الفصحى قريضَ لسانهِ .. لنحتجَّ فيها في العصور الأواخرِ
إذا اختلف النقّادُ يوما رأيتَهُ .. على منهجٍ سامٍ من القول آسرِ
إذا رِمْتَ أشعارَالفحولِ وجدتَهُ .. شهابا طغى فوق النجومِ الزواهرِ
جريرٌ له في البُحتريِّ جزالةٌ .. فكان له منها شعاعٌ لساجرِ
من الملكِ الضلّيلِ مرّ لواؤهُ .. إلى المتنبّي عبرَ شيخِ البحاترِ
أعاجيبهُ لا تنقضي إن تأوّلت .. مجاميعُهُ في باطنٍ وظواهرِ
وتمضي به الأعوامُ تسعين غيمةً.. وقد كان أمضاها باعتى المضامرِ
فمرّ ومرّت عاتياتٍ بشعبهِ .. فناضلها بالشعر رميةَ قادرِ
ولكنّما الأحداثُ أعيت مناضلا ..وقد كان يبلوها بقولٍ مغايرِ
بعيدا من الأحزان غنّى بلادهُ ..وأرسى بناءً في قراع الجبابرِ
على دجلة الخير السلامُ وآهةٌ .. وكان يغنّيها بكأس المسامرِ
سلامٌ على النهرين يا مرتع الصبا..وتلك الهضابِ الشامخات السوافرِ
بساتينُها والشربُ يحلو بظلّها .. وأصحابُ كيفٍ بين شيخٍ وكافرِ
وتأتي الأماني ثمّ تمضي بغمزةٍ.. فيرنو ولم يعبأ بتلك الصغائرِ
ودارت طواحين السياسةِ جهرةً ..وحاقت وماقت ثمّ جاءت بضائرِ
لئن كان فرداً لم يهادنْ عدوّهُ .... ولم يتّكلْ يوما ولم يتنافرِ
يشاكسُ أقرانا شديدا قراعُهُم .. ولم يتهاونْ في سجال الكوادرِ
تمنّى وأمنى ثمّ أهدى جبينهُ.. إلى الشمسِ صوبَ الشرقِ نهفةَ طائرِ
لقد زهت البلدانُ فيهِ تعلّةً .. فاعطى وأكدى بين بادٍ وحاضرِ
وبلدانُنا قد دنّستها عساكرٌ .. فكيفَ يردُّ الشعرُ عنفَ العساكرِ
فصارعَ خمبابا العراقِ بحرفِهِ .. فأرداهُ مخزيّاً بضربة باترِ
فشابهَ أولاهُ بآخرِ عهدِهِ .. فلم يبتئسْ يوماً ولم يتهاترِ
وحلّقَ والغربانُ تملأ جوَّهُ .. تجلّى فأرداها بزبرةِ زابرِ
لقد كان مرآةَ العراقِ ونورَهُ .. وبسملةَ الأنهار حولَ البيادرِ
تناغيهِ شطآنُ العراقِ عشيّةً .. ومن عنبر المشخابِ همسةُ ناذرِ
وصحراؤهُ خضراءُ والشمسُ أينعت..ودندنتِ الأشجارُ شدوَ المزامرِ
سقاها وأزجاها هديلَ حمامةٍ .. .. وعاندها بالسائراتِ الهزابرِ
وجيناتُهُ يومَ الوغى بابليّةٌ .. عراقيّةُ الصَلصالِ صرْفُ الأواصرِ
قوافيهِ بكرٌ لم يقلْها معاصرٌ .. ولم يسبق الماضي جديدَ المعاصرِ
صواعقُ شعرٍ في كؤوسِ محبّةٍ .. تجمعت الأقرانُ في طيفِ سادرِ
تجلّت مضامينُ القريضِ وأشرقت.. أساليبُهُ المثلى بحرفةِ باهرِ
قصائدُهُ تسري خيولا عفيفةً .. يرقُّ بها الإعصارُ فوق الغدائرِ
وقارَعَهم لمّا تعالى صهيلُهُ.. شظايا حروفٍ قاهراتٍ قواهرِ
تبدّدت الضوضاءُ لمّا استفزّها .. ومن سومرِ القيثارُ نغمةُ آصرِ
مبلّلةٌ بالشمس صحراءُ أهلهِ .. فأضفى بماء الوردِ لفحةَ ماطرِ
دواوينهُ سكرى عليها طلاوةٌ .. ونقرأ ملء القلبِ ملءَ النواظرِ
يقيمُ بهاءَ الشعرِ في مفرداتهِ .. ويرمي على الأفكارِ سورةَ فاطرِ
تنومستِ البلدانُ واحتفلتْ بهِ .. بهذا العراقيِّ العظيم المهاجرِ
ولم ينهزمْ إلّا بيومِ وفاتِهِ .. فصبَّ على الأسرارِ شوقَ السرائرِ
تجاوزتُ مقداري وخضتُ محيطَهُ .. فلستُ بمهيارٍ ولستُ بماهرِ
إليكَ مليكَ الشعرِ شوقاً نفثتُها .. أمانةَ عنْقٍ في غيابِ القساورِ
لقد كنتُ تلميذا بنادي قريضهِ .. وفي ذلك النادي كتبتُ دفاتري
مظاهرةُ الشبّانِ حنّت لصوتِهِ .. فحكّامُهم أدهى اللصوصِ الفواجرِ
فكم ألفِ مليونٍ توارت بعهدهم .. محاصصةً ما بينَ عهرٍ وعاهرِ
نزار ماضي
مضى ابنُ الفراتينِ استراحَ محاربٌ.. لتعتذر الأشياءُ من صوتِ شاعرِ
نفوهُ فأغرتنا المنافي وأصبحت ... لنا موطنَ الأوطانِ رغمَ المخاطرِ
تصيرُ عراقاً كلُّ أرضٍ يزورها .... فينفحُها من رافديهِ بخاطرِ
تهافتتِ الألفاظُ بعدكَ والنهى .. وأسدلَ هذا الليلُ سودَ الستائرِ
دمشقُ حوتْ فخرَ العراقِ بأرضها .. لتختالَ هاتيك الربى بالمفاخرِ
لقد دفنوا قلبَ العراقِ بتربةٍ .. فحلّقتِ الأرضون فوق المنائرِ
ورحنا لأصل الأصلِ نبحثُ لم نجدْ.. سوى حرفهِ الطاغي على كلّ طائرِ
بأشعارهِ سنّ الفضائلَ كلّها .. و سارت من البلقان حتى الجزائرِ
وتسمو به الأوطانُ إن حلّ ضيفَها .. ولا موطنٌ يحويهِ بعد التناحرِ
وفي الشعرِ تزدانُ المجالسُ بهجةً ..وفي شعرهِ حسْنُ الوجوهِ النواضرِ
وحيدا مضى لم يمتلك غيرَ حرفِهِ.. وشعرٍ تعالى بالتناغمِ زاخرِ
هو الحانُ والخمرُ المصفّى وبلسمٌ .. وباطنهُ يعلو على كلّ ظاهرِ
قوافيهِ والإيقاعُ والحرفُ شاهقٌ..وفي النفسِ موسيقى كلمعِ الأساورِ
إلوفٌ من الأبيات تسحرُ كوننا .. لمأساة مهجورٍ ورقّةِ هاجرِ
ترى الشكلَ والمضمون أسمى صياغةٍ..وتعلو رؤاهُ في المعاني البواترِ
هو القائلُ الشعرَ العميقَ مسارُهُ .. فأهلاً بذوّاقٍ وأهلاً بسابر
بإيجازهِ تعلو البلاغةُ والنهى .. وتلقي على الأسماعِ لمسةَ هاصرِ
وينسابُ شلّالُ الجمالِ بلفظهِ .. سلافاً هي الأصفى بحوزةِ عاصرِ
سمعنا غناءً لا يباحُ بسرّهِ .. فوا عجبا من وحيهِ المتخاطرِ
لمنعطفات الكونِ مدَّ ذراعَهُ .. فهزَّ بألفاظٍ عروشَ الأكاسرِ
تنيرُ معانيهِ الحديثةُ عصرَهُ .. وينشدها القرّاءُ فوق المنابرِ
وحريّةُ الفكرِ استضاءت بشعرهِ.. إضاءةَ فيضٍ لا إضاءةَ قاترِ
يمدّ جناحيهِ فيحضنُ عالَماً ... لينقذَهُ من عنفهِ المتكاثرِ
وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا مضوا..ولا سيّما أهلُ الحظوظِ العواثرِ
وما خابتِ الآمالُ لكنّ عصرَهُ .. مخيبٌ لآمال الأديبِ المكابرِ
هو الربُّ لا تجري الحروف لغيرهِ.. بهندسة الألفاظِ رهف المشاعرِ
وفاقَ الزهاوي والرصافي كليهما..وأحمدَ شوقي بالمعاني النوادرِ
لمعنى المعاني في قوافيهِ همسةٌ ..فيسمو خيالٌ في شعاعِ التناظرِ
ترى اللحنَ من قيثارةٍ سومريّةٍ .. ومعناهُ أشهى من نبيذ الأباطرِ
وأضفى على القرن المخضِّبِ نورَهُ..وألقى على الأقرانِ وهجَ البشائرِ
رمى العمّةَ البيضاءَ واختار بدلةً .. وجاء إلى بغداد رمز العباقرِ
وصارت له بغدادُ ديرَ نوابغٍ .. وكان لها في الشعر خيرَ مسامرِ
وحسبك من بغدادَ أحلى مدينةٍ .. وويلكَ من بغدادَ إن لم تغادرِ
روى ما روى ثمّ ارتوى من غليلها..وجاذبَها وصلَ الحسان الجآذرِ
رأى نفسهُ وسط الحرائقِ واقفا .. فأيقنَ أنّ المجدَ فوق المجامر
ويلعبُ في نرْدِ الحروفِ ويتّقي ..عيونَ الذئاب الكاسراتِ الكواسرِ
فيلقفُها باللاهجاتِ عنانُهُ .. وتلوي عصاهُ ساحراتِ السواحرِ
ومادت به أرضُ العراق فعزّها ..وقوّمها من أجلِ من لم يخاطرِ
فأبرقَ إذ ماجت قوافيهِ رعدةً .. وأمطرَها أنعمْ وأكرمْ بماطرِ
وسالت بأرض الرافدين مياههُ..فأحيا بها موتى الظما والضمائر
بأشعارهِ تلك المجالسُ أينعت..وتغفى القوافي في عيونٍ سواهرِ
قصائدُهُ غرٌّ يشعُّ أوارُها .. تلخّصُ تاريخَ العراقِ المعاصرِ
لقد حرّر القرّاءَ من كلّ دانسٍ .. وأزرى بكلّ المدّعين الدواعرِ
هجا عصرهُ والمارقينَ بجيلهِ .. ولم يتهيّب من قراع الجبابرِ
وفي طرطرى ردَّ السياطَ عليهمُ .. وجادلهم ما بين جادٍّ وساخرِ
لنعمَ الفتى لا يحسنُ الشعرَ غيرُهُ..ولا القولَ والإنشادَ وسطَ الجماهرِ
تراهُ جريئا ينظمُ الحقَّ قولُهُ.. ويهمي على الأركانِ صولةَ ثائرِ
رأى فاستراحَ الليلُ تحتَ جفونهِ .. فنامَ وما نامت عيونُ البرابرِ
وحلّقَ في أشعارهِ غيرَ آبهٍ .. فشقّت سكونَ الصمت صرخةُ زاجرِ
رأى ساطعَ المحصورَ وهو مديرُهُ .. بليداً كحفّار القبورِ المعافرِ
إذا فيصلٌ قد ضاقَ ذرعا بشعره.. فليسَ زعيمُ الرافدين بصابرِ
أغاظَ الحجازيَّ المليكَ بمدحهِ .. لمملكةِ النجديّ كيداً لساعرِ
وكادَ لصدّامٍ بمدحِ عدوّهِ .. لردّةِ فعلٍ في نكايةِ ضائرِ
هو الصدفةُ المُثلى إذا حضرَ الندى..هو الجزمُ في يوم الوغى والتعاورِ
هو العزُّ إن عزَّ الكرامُ على الوفا .. وفاقَهمُ بالعادياتِ الحرائرِ
له القمّةُ العلياءُ في كبحِ واردٍ .. وإن كان لا يبلوهُ رغما لصادرِ
لقد خرجَ السيّابُ والجوُّ عاصفٌ .. وبغدادُ تغلي بالهوى والتشاجرِ
وقال أبو غيلان والقولُ طارئٌ .. جديدٌ على الإيقاعِ في أُذنِ غابرِ
فقال الشيوعيّونَ : هذا تقدّمٌ .. . وذاكَ عروضٌ وزنُهُ بالمساطرِ
وهبّت رياحُ العزّ ريحُ ثقافةٍ .. . ودار حوارٌ بين ماضٍ وحاضرِ
فقالَ فراتٌ يا أبي لا تبُحْ بها .. فردّ عليهِ الشيخُ دونَ تعاذرِ
وردّ بهاءَ الشعرِ نحوَ أصولهِ .. بهاءَ ينابيعٍ لأبهى مصادرِ
طغى شعرُهُ مثلَ الفراتِ بموجهِ ..ودجلةَ إذ فاضت على كلّ ساترِ
لقد حفظ الجيلُ المثقّفُ شعرهُ .. فأكرمْ بهِ جيلا وأكرمْ بشاعرِ
ومغتربٍ والشعرُ كان بريدهُ .. إلى موطنٍ ما بين شاكٍ وشاكرِ
تراهُ عميقا لا خيالٌ يحدّهُ ... ولا ضفةٌ حدّتْ عنانَ المغامرِ
هو الجَمْعُ لمّا كان واحدَ عصرهِ..هو النارُ وسطَ الماء قبسة باصرِ
هو البصرةُ السمحاءُ والكوفةُ التي .. حبتهُ وبغدادُ الهوى في الدوائرِ
ولكنّه صوتٌ تعولَمَ وارتقى .. بسوحِ نضالٍ في صفاءِ العناصرِ
فادركَ أنّ الشعرَمبنى حضارةٍ..فشدّ النهى ما بين أصلٍ وآصرِ
وإقبلَ مختالًا تشعّ حروفهُ .. فكانت له بغدادُ دون نظائرِ
فأطربها لمّا تجلّى بأرضها..وأسكَرَها في شعرهِ والمآثر
وبغدادُ قد ضاقت بهِ متمرّدا..وما أشرس الأعداء من دونِ ناصرِ
وظلّت جراحاتُ الشهيد بجسرها..لتسألَ عن ثارٍ لها غيرِ واترِ
رثى جعفراً لمّا تولّى وبعدهُ ..ملايينُ راحوا من خيار الجعافرِ
وسارَ بدربٍ موحشٍ غيرِ سالكٍ..وممّ يخافُ الصلُّ صلُّ الهواجرِ
لقد وهب الدنيا صقورَ حروفهِ .. فجاءت له في الليلِ بيضُ الخناجرِ
ترى غيمةً نجلاءَ ألقت بريقَها .. إلى ظلّهِ المسدولِ بينَ الضفائرِ
بلا موطنٍ يسري ولا بيتَ عندهُ..سوى الحان والمقهى وغربةِ عابرِ
وعاش وجيها دون مالٍ يعزّهُ .. ولكنّهُ قد حازَ كلّ المفاخرِ
ترى الروس والبلغار والجيك اجمعوا..على العبقريّات الحسانِ الأواسرِ
هوتهٌ أنيتا رغمَ شيبٍ يزينهُ .. وسمّاكةٌ حسناءُ تحفةُ ناظرِ
سعادتُهُ لمّا رأى النورَ ظِلَّهُ .. فمرّ ولم يعبأ بنظرةِ عاذرِ
وأعطى ولم يأخذ وعزَّ به الهوى.. سماحاً ولم يُمسِكْ بعُصْمِ الكوافرِ
كأنّ شعوبَ الأرضِ بوقٌ لصوتهِ ..وساحَ على البلدانِ مرحى بزائرِ
ولم يفتخرْ إلّا بأعطافِ شعرهِ .. فأتحفنا بالعابقاتِ الغرائرِ
وأورثنا حبَّ العراقِ لذاتهِ .. رزايا مقيمٍ في همومِ مسافرِ
فواللهِ ما قال القوافي مثيلهُ ..ولا صاغها مستحكمٌ بالبصائرِ
فمن أمّ عوفٍ والشهيدِ وجعفرٍ..وألفيّةِ الإبداعِ زهر الأزاهرِ
خرافاتنا تبدو على أنها الهدى.. تصدّى فأخزاهم بكلّ المحاورِ
وضمَّ جناحيهِ وحلّقَ عالياً .. قويّاً كما الإعصارِ فوقَ المقابرِ
لقد صدحَ الحقُّ المبينُ بصوتهِ ..إلى غامض الأكوانِ نظرة حائرِ
تأثّرَ في سقراطَ يومَ نبوغهِ .. وحاورهُ شعرا حوارَ الأكابرِ
يهزّ عروش الظالمينَ بشعرهِ ..وتهتف آلافٌ بأقوى الحناجرِ
تعابيرهُ تنسابُ وهي جديدةٌ .. وإن كان موضوعا جسيم المصائرِ
يواقيتهُ منظومةٌ ضاءَ برقُها ..وأسلوبهُ في النثر أفصحُ ناثرِ
وتاقت نفوسٌ تجتليهِ لذاتهِ .. وأخرى اُستُفزّتْ في عداوة ماكرِ
وينسابُ كالرقراق ينبوعُ لفظهِ .. يشنّفُ آذانا بنغمةِ سامرِ
توضّأتُ في أشعارهِ وأقمتُها .. صلاةَ محبٍّ في رواق المباخرِ
غسلتُ دماغي حينَ طفتُ ببيتهِ ..ودارت أقاصيهِ بكعبةِ دائرِ
دواوينُهُ تتلو علينا ملاحماً ... وآياتُهُ تفصيلُ من لم يناورِ
وتدخلُ في دار الملوكِ تقضّها .. فينقلبُ المأمورُ في صوتِ آمرِ
توشّى نسيجُ النظمِ زهرَ بلاغةٍ.. بأحلى طرازٍ من جمال الخواطرِ
ومزمارهُ الفضيُّ يصدحُ ناعما..فيأتي قريضا في جزيل المشاعرِ
إذا نسترقّ السمعَ يورقُ صوتُهُ .. وينسابُ خمراً عبرَ رمزٍ مباشرِ
تحلّى بأحلى المكرمات بنفسهِ .. وقد إرتقى بالشعر دون الشعائرِ
وإنّ القوافي المحكماتِ سَمتْ بهِ .. إلى المنبر الأعلى بغيرِ مؤازرِ
وألفيّةٌ مقصورةٌ سامها النهى .. وما كان ربُّ الشعرِ فيها بقاصرِ
ولمّا حفظناها شيوخاً وفتيةً .. تسامت بآمال النفوس الضوامرِ
فجئنا بآراءٍ لندرسَ نصَّها .. فكانت لنا كنزا لكشف المصادرِ
وجوديّةٌ فيها سرورُ خواطرٍ .. على ماركسٍ ما بينَ نيتشهْ وسارترِ
ثلاثيّة الأبعادِ واللونُ فاقعٌ ... لتصحو بها أهلُ النفوسِ الغرائرِ
لقد جمعَ الأضدادَ دونَ مشقَّةٍ .. وصاهرَهُم أكرم به من مصاهرِ
ودارت على البلدانِ يألفها الندى .. وطارَ بها القرّاءُ من دونِ ناشرِ
يُردّدُها جيلٌ لجيلٍ معارةً .. فاشعارُهُ مطبوعةٌ في الذواكرِ
أسرّتْ لنا الفصحى قريضَ لسانهِ .. لنحتجَّ فيها في العصور الأواخرِ
إذا اختلف النقّادُ يوما رأيتَهُ .. على منهجٍ سامٍ من القول آسرِ
إذا رِمْتَ أشعارَالفحولِ وجدتَهُ .. شهابا طغى فوق النجومِ الزواهرِ
جريرٌ له في البُحتريِّ جزالةٌ .. فكان له منها شعاعٌ لساجرِ
من الملكِ الضلّيلِ مرّ لواؤهُ .. إلى المتنبّي عبرَ شيخِ البحاترِ
أعاجيبهُ لا تنقضي إن تأوّلت .. مجاميعُهُ في باطنٍ وظواهرِ
وتمضي به الأعوامُ تسعين غيمةً.. وقد كان أمضاها باعتى المضامرِ
فمرّ ومرّت عاتياتٍ بشعبهِ .. فناضلها بالشعر رميةَ قادرِ
ولكنّما الأحداثُ أعيت مناضلا ..وقد كان يبلوها بقولٍ مغايرِ
بعيدا من الأحزان غنّى بلادهُ ..وأرسى بناءً في قراع الجبابرِ
على دجلة الخير السلامُ وآهةٌ .. وكان يغنّيها بكأس المسامرِ
سلامٌ على النهرين يا مرتع الصبا..وتلك الهضابِ الشامخات السوافرِ
بساتينُها والشربُ يحلو بظلّها .. وأصحابُ كيفٍ بين شيخٍ وكافرِ
وتأتي الأماني ثمّ تمضي بغمزةٍ.. فيرنو ولم يعبأ بتلك الصغائرِ
ودارت طواحين السياسةِ جهرةً ..وحاقت وماقت ثمّ جاءت بضائرِ
لئن كان فرداً لم يهادنْ عدوّهُ .... ولم يتّكلْ يوما ولم يتنافرِ
يشاكسُ أقرانا شديدا قراعُهُم .. ولم يتهاونْ في سجال الكوادرِ
تمنّى وأمنى ثمّ أهدى جبينهُ.. إلى الشمسِ صوبَ الشرقِ نهفةَ طائرِ
لقد زهت البلدانُ فيهِ تعلّةً .. فاعطى وأكدى بين بادٍ وحاضرِ
وبلدانُنا قد دنّستها عساكرٌ .. فكيفَ يردُّ الشعرُ عنفَ العساكرِ
فصارعَ خمبابا العراقِ بحرفِهِ .. فأرداهُ مخزيّاً بضربة باترِ
فشابهَ أولاهُ بآخرِ عهدِهِ .. فلم يبتئسْ يوماً ولم يتهاترِ
وحلّقَ والغربانُ تملأ جوَّهُ .. تجلّى فأرداها بزبرةِ زابرِ
لقد كان مرآةَ العراقِ ونورَهُ .. وبسملةَ الأنهار حولَ البيادرِ
تناغيهِ شطآنُ العراقِ عشيّةً .. ومن عنبر المشخابِ همسةُ ناذرِ
وصحراؤهُ خضراءُ والشمسُ أينعت..ودندنتِ الأشجارُ شدوَ المزامرِ
سقاها وأزجاها هديلَ حمامةٍ .. .. وعاندها بالسائراتِ الهزابرِ
وجيناتُهُ يومَ الوغى بابليّةٌ .. عراقيّةُ الصَلصالِ صرْفُ الأواصرِ
قوافيهِ بكرٌ لم يقلْها معاصرٌ .. ولم يسبق الماضي جديدَ المعاصرِ
صواعقُ شعرٍ في كؤوسِ محبّةٍ .. تجمعت الأقرانُ في طيفِ سادرِ
تجلّت مضامينُ القريضِ وأشرقت.. أساليبُهُ المثلى بحرفةِ باهرِ
قصائدُهُ تسري خيولا عفيفةً .. يرقُّ بها الإعصارُ فوق الغدائرِ
وقارَعَهم لمّا تعالى صهيلُهُ.. شظايا حروفٍ قاهراتٍ قواهرِ
تبدّدت الضوضاءُ لمّا استفزّها .. ومن سومرِ القيثارُ نغمةُ آصرِ
مبلّلةٌ بالشمس صحراءُ أهلهِ .. فأضفى بماء الوردِ لفحةَ ماطرِ
دواوينهُ سكرى عليها طلاوةٌ .. ونقرأ ملء القلبِ ملءَ النواظرِ
يقيمُ بهاءَ الشعرِ في مفرداتهِ .. ويرمي على الأفكارِ سورةَ فاطرِ
تنومستِ البلدانُ واحتفلتْ بهِ .. بهذا العراقيِّ العظيم المهاجرِ
ولم ينهزمْ إلّا بيومِ وفاتِهِ .. فصبَّ على الأسرارِ شوقَ السرائرِ
تجاوزتُ مقداري وخضتُ محيطَهُ .. فلستُ بمهيارٍ ولستُ بماهرِ
إليكَ مليكَ الشعرِ شوقاً نفثتُها .. أمانةَ عنْقٍ في غيابِ القساورِ
لقد كنتُ تلميذا بنادي قريضهِ .. وفي ذلك النادي كتبتُ دفاتري
مظاهرةُ الشبّانِ حنّت لصوتِهِ .. فحكّامُهم أدهى اللصوصِ الفواجرِ
فكم ألفِ مليونٍ توارت بعهدهم .. محاصصةً ما بينَ عهرٍ وعاهرِ
نزار ماضي