محمد محمود غدية - شرفات الألم والأمل

فتحت الشرفة، لتجديد هواء الغرفة، التى تقطنها فى يومها الأول، بعد أن فازت بمنحة ألمانيه، للدراسة بجامعاتها، كان يوما مرهقا، تسجيل وتقديم أوراق، بين دهشتها لما تراه من قبلات فى أروقة الجامعة، وملابس الفتيات المختصرة، وهى الشرقية المسجونة، خلف قيم وعادات وتقاليد، حافظت وستظل تحافظ عليها، حتى آخر يوم فى الدراسة،
ليست بجائعة، داخلها من الألم والوحدة، مايكفى لتمضغه،
فى الشرفة المقابلة، شاب يطيل التأمل لها، يلوح لها بالتحية، بعد أن علق بوجهه إبتسامة واسعة، ردت بغلق الشرفة فى وجهه، هنا العلاقات والثقافات تختلف، يكفى مارأته فى الجامعة، مازالت مأسورة ومدهوشة حتى اللحظة، وهى فى طريقها الى الجامعة، القريبة من السكن،
وجدت صاحب الإبتسامة الواسعة فى إنتظارها، يطلب صداقتها، سعودى يدرس معها فى نفس الجامعة، لا بأس فهى فى حاجة لصداقة تحترم شرقيتها، مخافة السقوط بين مخالب غول العولمة الموحش، له ديوان شعر وحيد، إنتهى عامهما الدراسى الأول، تحمل له مشاعر حب صامتة،
- سألها : هل عالم النساء، يمكن إختزاله فى امرأة واحدة ؟
- قالت من بين إبتسامتها : أن غرابة الحياة والصدف والتوافقات، تجعلنا نرتاب فى منطق الأشياء،
تضحكه حين تجلس جواره، منتصبة الجذع كحرف الألف، يصطبغ خداها بحمرة قانية، كلون الشفق عند الفجر فى قاهريتها، كلما لمحت قبلات العشاق، فى المقاهى والشوارع والأرصفة، عشق يجهل العواطف الطيبة الكريمة وخصوصياتها،
الشرفة مغلقة يومان كاملان، إعتادت رؤيته كل يوم، هاتفه مغلق، تخلت عن شرقيتها لبعض الوقت، وطرقت بابه،
لا أحد يجيب، إرتابت فى الأمر، فأبلغت أمن العمارة، الذين فتحوا على الفور الباب، لبجدوه ممددا على الفراش، وإكتشافهم تناوله كمية ليست بالقليلة من الحبوب المخدرة، بقصد الإنتحار، تم إسعافه، حتى تعافى وكتب إقرار بعدم معاودة هذا الفعل الشائن، عرفت منه أن هاتفه إستقبل ممن كانت حبيبته، التى كتب من أجلها ديوانه الشعرى، رسالة تخبره فيها بزواجها، كيف ينتحر وقلب منقذته، يحمل له حبا وينابيع حياة لا تنضب ؟
كلنا يحب الأشياء البعيدة، كى يعيش نشوة الركض، ونشوة التعب والفوز، حدثته عن حبها له وهو غير مصدق، فى عينيه دموع مكابرة كشرقى إستعصت على النزول، طلبت منه أن يطوى صفحة الماضى، مازالت هناك ليال دافئة تنتظرهما،
موشاة بعشق نبيل، وعبق الورد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى