محمد محمود غدية - دموع الشك

تسير بهما مركب العمر فى بحر هادىء الأمواج، يلفهما الحب، لا تفارقهما السعادة، يدعوها للعشاء فى أفخر المطاعم، يتسكعان على أبسطة الفرح، وهما يقضمان أكواز الذرة المشوية، طفلان لايكبران، نحن نكبر ونشيخ حين نتوقف عن الحب،
تشاركه الإفطار قبل ذهابه إلى العمل، يثق فى ذوقها الرفيع، وهى تختار لون الكرافتة المناسبة لبدلته، تودعه بالإبتسام والدعوات الطيبه، كأنه طفلها، ماأجمل المرأة التى تكتشف الطفل
فى أعماق زوجها وتدلله، هداياها له بسيطة، لكنها جميلة، يفضل أن يرتدى ساعتها المتواضعة، رغم مالديه من ساعات فاخرة، قائلا لها من بين إبتسامته : ساعتك تذكرنى بك وتزين معصمى، أشياؤها قريبة من قلبه، بل هى فى قلبه،
ولأنه لابد من تعاقب الليل بعد نهار، فقد دارت به الدنيا، وأوقعته أرضا كأنه فى حلبة ملاكمة، حين وجد بين أوراقها التى تحتفظ بها، صورة شاب مكتوب بظهرها إهداء باإسم زوجته، أثناء بحثه عن قلم للكتابة، خرج دون إفطار، ودون أن يلقى عليها تحية الصباح، أغلق هاتفه حتى لايسمع صوتها، لم يذهب إلى عمله،
بكى بشدة على صدر أمه، وقد رفض الإفصاح لها عن سبب بكائه،
فى المساء أدار مفتاح الشقة ببطء حتى لايوقظها، وجدها مكومة فى وضع الجنين، فوق كرسى الآنتريه
فى الصالة، غرقى فى دموعها، ألقت بنفسها عليه، وجدته يدفعها بعيدا،
- سألته مابه ؟ أجاب : تعبان
خاصمه النوم، راودته فكرة، إلقاء صورة الشاب على الأرض، دون أن تراها مقلبا فيها، متابعا مايطرأ على وجهها من تغيرات، أبصرت الصورة فى يده،
- قائلة والدموع تنساب من عينيها : أحمد أخويا
صارخا لماذا لم تخبرينى عنه من قبل ؟
أخفينا عنك مرضه العصبى، بعد رؤيته أفراد طاقمه، وهم يتناثرون أشلاء من حوله، فى إنفجار لغم إرهابى، وهو الآن نزيل مصحة نفسية وعصبية، لمحت فى عينيه، دمعة حائرة معتذرة، وهو يقول : سنذهب فى الغد لزيارته .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى