الأرقام تدور، وثلاثةأعوامٍ مضت، والحبّ مع الأرقام يدور، والأرض من تحت قدميه تدور وتعود به إلى نقطة الصفر، يتّكىء على الحائط وقد أُسدلت ستارة كثيفة على ناظريه، يجرجر قدميه إلى مكتبه، يرتمي على كرسيّه الجلديّ الوثير، هو المدير العام للقسم الثقافي في الوزارة، والشاعر الكبير الذي تحلم به عشرات النساء أن يكتب لهنّ بيت غزلٍ واحد، كتب لها ديواناً كاملاً، ملأه قصائد عشقٍ وغزل، يسترجع أوّل يومٍ رآها، طرقت باب مكتبه، رفع رأسه، مواربةً تنظر إليه، حين صافحها كانت يدها ترتجف، أطبق كفّه عليها ليذيب الثلج عن أصابعها، ورغم ارتباكها كانت تبتسم.
في اليوم الثاني، يجد وردةً حمراء على مكتبه، يشمّها بشوق ويبتسم، يلمح طيفها مرتبكةً تقف في بابه، يشير إلى الوردة؛ فتهزّ رأسها بإيجاب، وتنسكب أمواج زرقاء من خلف نظّارتها.
- سأحضّر قهوتك بنفسي، أصبحت من أهل بيتك.
وتضحك بغنج في الزيارة الرابعة؛ فيضجّ دمه في شرايينه صارخاً.
يسترخي، يغمض عينيه؛ فتتوالى الصور نابضةً بالحياة. عيناها بلون المطر، وشلّال من ضوء الشمس شعرها ينهمر على كتفيها، تقف متردّدةً بباب مكتبه.
- كانوا يخيفونني منك
- من؟
- أصدقائي، يقولون إنك....
وتتلعثم بخجل
- وكيف ترينني الآن؟
- محراب حبّ أتعبّد فيه.
يمدّ يده إليها، فيسري بها خدرٌ لذيذ، كلّ قطرةٍ في شرايينه كانت تشتهيها،
تتوالى الصور، وعيناه مغمضتان، عيد ميلادها الثالث والعشرين كان، كتب لها قصيدةً تقطر حبّاً وعذوبة، وسوار جميل وضعه في معصمها، تتلعثم، تريد أن تقول شيئاً، لكن شفتيه مجنونتان تتلمّسان دربها وتطبقان على شفتيها، أصابعه حارقةً تتلوّى بين خصلات شعرها الغجريّ؛ فتشهق كلّ مسامات جلدها مذعورةً، ومنتشية… ثمّ تستكين.
قال لها مرّةً: دخلتِ مكتبي أوّل مرّة كفرخ حمامٍ صغير.
ضحكت: والأن؟
- الآن، أنا طير سجين في قفصك الجميل، أنت شطآن مرجانٍ وأنا زورق تائه يعوم فوق أمواجه.
يفزّ من أحلامه، ويرنّ من جديد صوتها وهي تتلو أشعاره متغزّلاً بها بين مجموعة من أصدقاءٍ يشمتون به، تضحك بزهو حين يقول: "وأخيرًا كسبتِ الرهان"، وتتقاذف أيديهم ديوان شعره الذي سكب فيه عصارة روحه ؛ فينبض قلبه نازفاً في قعر حنجرته، تلك التي أسرج سنينه الستين شموعاً كي تضيء شطآن عينيها.
يشعر أنَّ خنجراً مسموماً ينغرز في صدره حين يرى شابّاً ذا عينين تلهث فيهما رغبةٌ جامحة يدنو منها، يطوّقها بذراعيه، فتنسدل خصلات شعرها على وجهه.
يأسف على نفسه وهو في الستين أن يُذبح بيد مراهقةٍ لا قرار لعينيها اللتين تهيمان في كلّ اتجاه بلا قرار، يبتلع دموعه وبقايا ندم.
ليلى المرّاني... من العراق
في اليوم الثاني، يجد وردةً حمراء على مكتبه، يشمّها بشوق ويبتسم، يلمح طيفها مرتبكةً تقف في بابه، يشير إلى الوردة؛ فتهزّ رأسها بإيجاب، وتنسكب أمواج زرقاء من خلف نظّارتها.
- سأحضّر قهوتك بنفسي، أصبحت من أهل بيتك.
وتضحك بغنج في الزيارة الرابعة؛ فيضجّ دمه في شرايينه صارخاً.
يسترخي، يغمض عينيه؛ فتتوالى الصور نابضةً بالحياة. عيناها بلون المطر، وشلّال من ضوء الشمس شعرها ينهمر على كتفيها، تقف متردّدةً بباب مكتبه.
- كانوا يخيفونني منك
- من؟
- أصدقائي، يقولون إنك....
وتتلعثم بخجل
- وكيف ترينني الآن؟
- محراب حبّ أتعبّد فيه.
يمدّ يده إليها، فيسري بها خدرٌ لذيذ، كلّ قطرةٍ في شرايينه كانت تشتهيها،
تتوالى الصور، وعيناه مغمضتان، عيد ميلادها الثالث والعشرين كان، كتب لها قصيدةً تقطر حبّاً وعذوبة، وسوار جميل وضعه في معصمها، تتلعثم، تريد أن تقول شيئاً، لكن شفتيه مجنونتان تتلمّسان دربها وتطبقان على شفتيها، أصابعه حارقةً تتلوّى بين خصلات شعرها الغجريّ؛ فتشهق كلّ مسامات جلدها مذعورةً، ومنتشية… ثمّ تستكين.
قال لها مرّةً: دخلتِ مكتبي أوّل مرّة كفرخ حمامٍ صغير.
ضحكت: والأن؟
- الآن، أنا طير سجين في قفصك الجميل، أنت شطآن مرجانٍ وأنا زورق تائه يعوم فوق أمواجه.
يفزّ من أحلامه، ويرنّ من جديد صوتها وهي تتلو أشعاره متغزّلاً بها بين مجموعة من أصدقاءٍ يشمتون به، تضحك بزهو حين يقول: "وأخيرًا كسبتِ الرهان"، وتتقاذف أيديهم ديوان شعره الذي سكب فيه عصارة روحه ؛ فينبض قلبه نازفاً في قعر حنجرته، تلك التي أسرج سنينه الستين شموعاً كي تضيء شطآن عينيها.
يشعر أنَّ خنجراً مسموماً ينغرز في صدره حين يرى شابّاً ذا عينين تلهث فيهما رغبةٌ جامحة يدنو منها، يطوّقها بذراعيه، فتنسدل خصلات شعرها على وجهه.
يأسف على نفسه وهو في الستين أن يُذبح بيد مراهقةٍ لا قرار لعينيها اللتين تهيمان في كلّ اتجاه بلا قرار، يبتلع دموعه وبقايا ندم.
ليلى المرّاني... من العراق