محمد محمود غدية - فتاة الإعلان

وجه المدير مليء بالغضب الذى لو وزع على الكون كله‏ يكفى ويفيض‏، وهو يطلب منه ملف زميله حسنى لتحويله للشئون القانونية لغيابه المفاجئ‏ دون تقديم إخطار مسبق بالأجازة‏،
ماذا يفعل حسنى أمام مرض إبنته ؟‏
هل كان يمكن التنبؤ بالمرض قبل وقوعه ؟
تباطأ فى تقديم ملف زميله‏ حتى تهدأ ثورة المدير‏ الذى ما لبث أن إستشاط غضبا، حين لم يجد الملف على مكتبه‏، طالبا تحويله هو الآخر للشئون القانونية‏، ظلم بين‏ لا أحد يجرؤ على مناقشة المدير‏،
فى الظهيرة يتقلص رواد المقهى، إختاره مقعد متهالك مثله ليحتوى حزنه‏، ومنضدة نظفت حديثا‏‏،
أشعل آخر سيجارة فى العلبة التى كومها وألقى بها خارج المقهى،
فى وجه المدير الذى تمنى وجوده فى تلك اللحظة‏،
يحدق فى فتاة الإعلان، فوق لافتة مواجهة للمقهى، يريد أن يحفظ ملامحها‏، جميلة تبدو عليها آثار النعمة‏ مغسولة من الهموم والأوجاع‏،
تتسكع ذاكرته وتذوب خلف طيات الأيام، ولحظات الزمن المتراكم‏،
أين له بمثل هذا الوجه الأبيض رهيفة الملامح ؟
وذلك الشعر الناعم المنسدل‏، كأنها قادمة من أغلفة المجلات الفنية‏، لابد وأنها واجهت الكثير من إنتقادات ورفض أسرتها‏، لتكون فتاة إعلان أو موديلز‏، فهذه مهن لا يباركها المجتمع‏ لكن شجاعة الفتاة فى إقناع أسرتها‏، وإقتحامها ذلك المجال‏، جرأة تحمد عليها‏ لم يعد يراها‏، أحاطت به هالة من ضباب مصفر غير صاف‏، حين باغته وجه المدير الذى غطى مساحة الإعلان، مئات الحشرات الصغيرة‏ تفترس روحه اللينة‏، موجة عاتية قذفت به نحو رمال شاطئ مجهول‏، إنتبه لصوت النادل وهو يصب القهوة فى الفنجان‏، غامت المنضدة وما فوقها،
شاركته القهوة السكون المطبق المقبض‏،
قرر مواجهة المدير‏ : إنه لايقل شجاعة عن فتاة الإعلان‏، كان لابد أن يأخذ بالأعذار،
تحويله وزميله للشئون القانونية ظلم بين‏ !
لا وجود لقلعة تتعرض للهجوم يوميا‏، مهما كانت حصينة، إلا وتنتهى إلى السقوط يوما‏، لا يهم أن يكون الأول فى بدء الهجوم‏، المهم المواجهة‏، الإستسلام للظلم‏ مهانة أشد‏،
أحس وهو يغادر المقهى، بأن الأحزان بدأت تفارق قلبه شيئا فشيئا‏، لم ينس أن يلوح بيديه لفتاة الإعلان التى بادلته الإبتسام، بعد أن ألقت إليه بوشاح الشجاعة‏ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى