إيمان فجر السيد - أطوارٌ بلا أدوارٍ

عندما طلبتُ من أمي، وأنا بعدُ جنينٌ في رَحِمِها، أن تحدِّثَني عن الألم، أنجبَتْنِي
وعندما لفُّوا جسديَ الغضَّ بغطاءٍ أبيضَ رقيقٍ، طلبتُ منها أنْ تحدِّثَنِي عن الأمل، فأرضعتْني
وكنتُ كلَّما طلبتُ منها أنْ تحدِّثَنِي عن الحبِّ، كانت تُطيلُ النظر في عينَيْ مبتسمةً،
فأُزهرُ
ولم تلبثْ أسناني اللبنَّية أنْ تشقَّ لثَّتي الورديَّة.. حتى طلبتُ منها أنْ تحدِّثَني عن الفِراق، فقامتْ بفطامي.

كنتُ أصرخ من الخوف، كلَّما لكزَتْني ،بلطفٍ، إثر كلِّ سقوطٍ لأنهضَ، فتأخذ بيدي، وهي تعلِّمُني أن أُخطِّيَ العتبةَ، ولم أكن ألبث أنْ أخطوَ خطوَتين حتى تتركَ يدي، لأسقط من جديدٍ، بينما كانت تُشهر سبَّابتها في وجهي مقطِّبة حاجبَيها -دون أن تُعيرَ بكائي أدنى اهتمامٍ- وهي تقول ما قد كنتُ أستطيع فكَّ طلاسمه عبر ملامحها المتجهِّمة:
عليكَ أن تُعيدَ الكرَّة مهما تكرَّرتْ سقَطَاتُكِ ...حتى تتخَّطى الأفق، لا العتبة فقط!

علَّمتْنِي أمي أن أمشيَ بحذائيَ الصغير -الذي كانت تربط لي شَعْثَه كي لا أتعثَّر بخطواتي- وأنْ أمشيَ بثباتٍ وثقةٍ على الرَّصيف، وأنا ذاهبٌ إلى المدرسة دون أن يُمسكَ أحدٌ بيدي، كبُرَ حذائي رغم ضيقه، وتعلَّمتْ أنْ أعقدَ شَعْثَه ، بقوةٍ ، لوحدي، واتَّسعتْ طموحاتي.. حتى وصلتُ إلى الجامعة، حيث أصبحت أُتقن المشي بصمتٍ ،فوق الشوك، على رؤوس أصابعي، كلَّما صرخ أبي في وجهي -بسببٍ أو بغير سببٍ- حدَّثْتُه عن اليُتم.

إيمان فجر السيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى