محمد محمود غدية - المرأة النورس

لا يستطيع إخضاع القصة لرؤي وإحتمالات مسبقة لأنه يتحرك مع الشخوص، يعيش بهم ومعهم وكثيرا
ما يتركهم يتحركون بحرية فى سياق يختلف عما يرغبه، متفهم لأدواته وحرفية كتابة القصة التي كثيرا ما تأتى فى شكل مختلف وغير متوقع، لكنه مرضي للأحداث والنهايات،
قرب شاطئ البحر وعلى صخرة وحيدة جلس يتأمل اللوحة الجميلة التي أبدعت الطبيعة فى رسمها،
وقتما كانت الشمس تسطع بأشعتها الذهبية فوق سطح البحر فتحوله إلى سبائك من الذهب، الصور تمر بعقله خاطفة والأحداث مترابطة شىء أشبه بالبرق الذى يتسارع ويومض في السماء فى إشراقة بديعة حينا وباهتة أحيانا، تتراءي أمامه الطيور محلقة
فى أسراب مجتمعة،
ومعها روحه التى إنفصلت عنه ورحلت إلى حيث لا يدرى أين تحط هذه الطيور ..؟!
الشمس أوشكت على المغيب ومعها طوى الصيادون شباكهم العامرة بالصيد الوفير، ويبقى وحيدا فى حالة عشق ووجد للبحر الذى يعشقه،
مأخوذا بتلك المرأة وعيناها الأشبه بالقمر، تفتحهما مساء ليضيئا الظلمة، يحدق فيهما يستكشف ألقهما للمرة الأولى، وكأن العالم بدأ خلقه من هاتين العينين، تقترب منه تمسح دمعاته التى تشكل منها الموج، بملامح غريق يتوسل النجاة، هى المرأة المستحيل أشبه بشقشقات الفجر، تأتى على شكل نورس مائي ثم يغيب،
يفتح عينه على كثير، أسماك وطيور وأصداف وسحابات وأقمار، ليس من بينها إمرأة النورس، كم حلم بها وكم دوخه عطرها المزروع فى وسادته يتمني لو يطول النوم، حتى لا يستيقظ على غيابها !!
يكتب القصة لوفرة المخزون عنده من قراءات، وسنوات التجريب التى قفزت به نحو الخمسين، يكتب لرغبته الملحة فى مشاركة الأشياء والتأملات والأفكار والأراء ولمقاومة الموت،
يعيش وحيدا فى شقة متواضعة أشبه بدكانة مليئة بالكتب، الكتاب لديه خير صديق يبثه همومه ومتاعبه دون أن يضجر منه، لولا الكتابة ما عرفت البشرية الحضارة، كانوا يسألونه : لماذا لم تتزوج ..؟ ويجيب الزواج مسئولية لم أستعد له بعد ..!!
هروب غير مقنع، مع وظيفته المرموقة ويسر حاله، يرى أن الحياة قصيرة كالزهور التي ما تلبث أن تذبل،
وعلى المرء أن يستمتع بها طالما يتنفس بالحياة، طقوسه اليومية تختلف عن الأخرين فى عشقه للكتابة وللبحر، ولتلك المرأة النورس،
التى تأتى وتغيب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى