د. سيد شعبان - قطار الدلتا!

كانت له قطعة أرض كثيرا ما كان" الفيضان " يملؤها طوال أشهر الصيف، ثم ينحسر عنها مع الخريف ، سمعته ذات مرة يفضفض لولده ، وقد بلغ به العمر أرذله ، يسرد وقائع عمره الذى تسرب من بين يديه ، مثلما قطرات ماء لا تمسكها أصابع طفل صغير ، تحس أن صدره "مرجل " يغلي ، ندت عنه زفرة جهد في كتمانها ، كادت روحه تزهق ؛ ألا يبوح بها ، حكى عن أبيه الذي نال منه التعب ، ترك له شأن أخوة صغار ، كان يزرع فدانا من "أرض الأوقاف " ، وفي سنوات " الكساد الكبير" ، اجتمعت "دودة القطن مع الدائنين" ، يذكر أنه جمع القطن بإخوته وزوجته ، سلموه في أكياسه ويا للهول ، وجد عليه "خمسة جنيهات" !
باع البقرة ذات "الشعلة " في عينيها ، سدد الديون وبقي له جنيهان ، اشترى دقيقا لإخوته ، وبالباقي "خرجا" كبيرا ، زرع أرض " البركة" التى خصبها الفيضان "بالفجل " و" بالجرجير" و"بالبصل الأخضر " ، كان يضع "مواهي" الخضار "بقطار الدلتا" ، ثم يأخذ ابن عمه " البسيوني" ، الذى كان يأتي من" الملاحات "بالأرز والسمك وأرغفة الخبز ؛ مبادلة بينهما كل أسبوع يكون هو البائع ، و" البسيوني" المورد ، لم يكن ينام في ليالي الشتاء الزمهرير إلا في "خص "صغير ، وياله من ليل طويل ، الذئب يعوي ، وكلما اشتدت ظلمة الليل زاد خوفه ، وفي ليلة لاينساها ، نام حتى أصبح ولم يجد حماره بجانبه ، تملكه نشيج لا ينقطع ، دارت برأسه أفكار سوداء ، هل أكل الذئب الحمار ؟
هل سرقه "شيخ المنسر "؟
أم مسخته الجنية كلبا ؟
تذكر إخوته والجوع يضرب بطونهم ، يخرجون عصر كل خميس حيث موعد" قطار الدلتا" الذى كان يصدر صوتا رتيبا ، وله "صافرة "مثل عجوز واهن !
يتساءلون ماذا عساه أحضر لهم ؟
لكنه لم يأت ، رجعوا والدمع يسبقهم !
سأل عن حماره في كل مكان ؟
لم يعثر له على أثر ، وفجأة أسلمه التعب للنوم تحت شحرة" جميز "، إذا به يسمع صوت" القتال ": الحمار مكانه جوار "الخص "!
أرجعته لك من" الهراس" ، كان يريد أن يقتلك ؛ "البسيوني" سبب كل هذا ، كان يغازل زوجته !
أمرته ألا يتعرض لك ، أنا من يحميك ، أنت شجاع !
رد عليه بصوت متهدج ، وقد امتلأ رعبا : ربنا يخليك !
ومن يومها باع الحمار في سوق" منشية عباس" ، وركب "قطار الدلتا "، لم يعد مرة ثانية !
امتهن حرفة أخرى فقد تشارك مع كاتب" الوسية" في عشر "نعجات" و" كبش " !

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى