محمد عباس محمد عرابي - قصيدة المديح في الشعر الأندلسي للباحث هشام عبد الغني

قصيدة المديح في الشعر الأندلسي من عصر المرابطين إلى سقوط غرناظة (دراسة فنية) أطروحة مقدمة إلى مجلس كلية اللغة العربية وعلوم القرآن الجامعة الإسلامية-بغداد، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه في الأدب العربي تخصص أدب أندلسي قدمها الطالب هشام عبد الغني حميد أحمد بإشراف الأستاذ المساعد الدكتور/ شاكر محمود السعدي رجب 1426هـ/ آب 2005م
وفيما يلي عرض لمكونات الدراسة، ونتائجها كما ذكرها الباحث:
أولا: مكونات الدراسة:
تكونت الدراسة من تمهيد وأربعة فصول:
التمهيد:
تناول نشأة فن المديح وتطوره في العصر الجاهلي مروراً بالعصر الإسلامي، والأموي، ومن ثم تناولت بإيجاز المديح في الأندلس من عصر الولاة إلى سقوط الخلافة.
الفصل الأول:
تناول الباحث فيه دراسة مقدمة قصيدة المديح الأندلسية، وجاءت في عدة مباحث، تناولت فيها التقسيمات المختلفة لمقدمة قصيدة المديح وأنواعها.
الفصل الثاني:
انصب على إبراز النواحي اللغوية والأسلوبية لقصيدة المديح، واقتضت طبيعة البحث أن أقسمه على ثلاثة مباحث رئيسة.
المبحث الأول:
ويضم المعجم الشعري لقصيدة المديح والاقتباس من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأنواع التضمين من الشعر العربي، والأمثال العربية.
المبحث الثاني:
وتناول دراسة بعض الأساليب الشعرية التي سرت في قصيدة المديح، وشكلت ملمحاً بارزاً كأسلوب التقديم والتأخير، والاعتراض، والمدح بما يشبه الذم، والاستفهام، والنداء.
المبحث الثالث:
فقد خصصه الباحث بدراسة بعض الصيغ الصرفية، التي شكلت ملمحاً بارزاً في قصيدة المديح، كصيغة جمع التكسير وصيغة أفعل التفضيل، وصيغة اسم الفاعل.
الفصل الثالث:
وجاء لدراسة الصورة الشعرية في قصيدة المديح، إذ تناولت في هذا الفصل كلاً من التشبيه، والاستعارة، والكناية.
المبحث الأول:
وتناول الباحث في التشبيه، وعرضت فيه التشبيه بالأداة ومن ثم بعض أنواع التشبيه، كالتشبيه البليغ والتشبيه الضمني، والتشبيه المركب، والتشبيه المقلوب.
المبحث الثاني:
فقد درس الباحث فيه الاستعارة التصريحية، والمكنية، ثم التشخيص والتجسيد
المبحث الثالث: الكناية
واقتضت طبيعة البحث أن يجعل المبحث الثالث الكناية مقسمة بحسب ورودها ضمن موضوعات المدح نحو الكنايات عن الكرم، والشجاعة، والسيادة، والعدل، وغير ذلك من الكنايات التي دعم بها الشعراء معانيهم المدحية.
والفصل الرابع "موسيقى قصيدة المديح"
جعلته في مبحثين:
المبحث الأول:
تناول الباحث فيه دراسة الموسيقى الخارجية ممثلة بالوزن والقافية وقد تضمن الوزن البحور الشعرية التي جاءت عليها قصيدة المديح الأندلسية، ثم تناولت قوافي قصيدة المديح ومواءمتها مع الوزن الشعري لغرض المديح بحسب آراء بعض النقاد المؤيدين لنظرية توافق الموسيقى مع الغرض، واعتمدت في دراسة الموسيقى الخارجية على الإحصائيات التي أجريتها على دواوين الشعراء المتوافرة، وبعض المجاميع الشعرية
المبحث الثاني:
فقد خصص بدراسة الموسيقى الداخلية المنبثقة عن الجناس، والتكرار، ورد العجز على الصدر، والترصيع.
ثم ختم الباحث البحث بخاتمة دون فيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث.
نتائج الدراسة:
توصل الباحث لعدة نتائج ذكرها على النحو التالي:
التزام بعض الشعراء بالموروث الشعري، والسير على خطى إخوانهم الشعراء المشارقة، ولم يكونوا بذلك مجرد مقلدين، وإنما وجد الشعراء في هيكلية المقدمة الطللية وما يتفرع عنها، إطاراً فنياً، وموضوعياً مناسباً، يفرغون فيه معاناتهم الشعورية المتأتية من عدة عوامل سياسية، وفكرية واجتماعية، وذاتية.
على أن بعض الشعراء أمعن في محاكاة القدماء والتزام طريقتهم، واحتذى آثارهم؛ وبذلك بدت مقدمات هؤلاء الشعراء نسخاً مكرراً أو بالأحرى، مسخاً مشوهاً لا يمت لواقع الشاعر من قريب، أو بعيد، فضلاً عن كون هذه المقدمات من الناحية الفنية ركيكة البناء.
لاعتماد الشعراء فيها على التلفيق الواضح، بفعل تتبع مواطن الطلل وما يتبعه من جزيئات مكملة من خزين الموروث الشعري العربي، ويبدو أن ذلك فضلاً عن كونه مجاراة للشعراء القدامى محاكاة قصد من خلالها إظهار المقدرة الشعرية بدليل تتبع الأثر، دون الخروج عنه.
* أظهرت النصوص الشعرية التزام بعض الشعراء الرحلة منفذاً فنياً وموضوعياً للوصول إلى الممدوح، وغالباً ما كانت هذه الرحلة على الناقة أو الفرس، وكشفت مجريات البحث عن توظيف الأندلسيين في قصائدهم المدحية الرحلة البحرية، ووجد الباحث لها مساحة مقبولة في الشعر الأندلسي بعد أن أستغل الشعراء هذا المنظر ليكون مشهداً في أحيان كثيرة، مستفيدين من أوصاف الناقة في تقريب صورة السفينة، كما لم يهمل البحث تخلص الشعراء الأندلسيين من الرحلة إلى المديح ليرصدها بدقة، فوجدها تخلصات رقيقة، سهلة، أسهمت بشكل دقيق في مد جسور الانتقال من المقدمة إلى المديح.
المضامين المدحية:
*كشفت الدراسة توافق هذه المضامين مع طبيعة الممدوحين ومراكزهم المختلفة، وصولاً إلى الأنموذج المثال في كل صنف من أصنافهم وما يتناسب وطبيعتهم.
* حرص بعض الشعراء على تأكيد القيم الاجتماعية النابعة من طبيعة البيئة العربية الإسلامية، وبذلك فقد سار الشعراء على المقاييس المدحية التي حددها النقاد في حثهم الشعراء على السير عليها من جوانبها التقليدية الموروثة، أو الجديدة المستحدثة، لتغدو قصيدة المديح الأندلسية نسجاً تجري في عروقه دماء الأصالة والمعاصرة في الوقت نفسه، وبعبارة أخرى شهدت تلك القصائد مزجاً بين القيمة النابعة من وجدان الأمة، والمتأصلة في طبيعتها، وما فرضته البيئة الجديدة من مؤثرات.
*عُنى الشعراء كثيراً بصياغة خواتيمهم، والتزامها المعايير النقديه في الدعاء للحاكم، والإشادة بخصائصه الفردية، مع ملاحظة دقة نسجها، إذ جاءت على مستوى متقدم من البناء والسبك والملاءمة.
* وصف الشعراء الممدوحين ولاسيما الحكام منهم والأمراء والوزراء بالخصال الدينية من التقوى والمثل الأعلى، في التزام الطاعات، وإقامة العدل بين الرعية، والحفاظ على حياض الدين؛ وبذلك تآزرت الخصال الدينية، والاجتماعية بالمعاني السياسية، في محاولة لإضفاء الصفة الشرعية، والسياسية للحاكم.
*وضحت الدراسى الخلفية السياسية لكل عصر من عصور الدراسة من خلال تركيز شعراء كل عصر على تأكيد قيم بعينها اتصلت بالمرجعية الفكرية لكل عصر على حده وفي هذا الصدد أستخلص البحث أن مدائح الشعراء لم تكن تستهدف شخص الممدوح بأوصافه المادية، وإنما كانت تستهدف المثل العليا التي ارتضاها العصر وقبلها العرف الاجتماعي آنذاك.
استناد الشعراء للخلفية الفكرية والسياسية لكل عصر على حده، في إثراء معجمهم المدحي وتداخل ذلك مع الاقتباس من القران الكريم،
*محاولة الشعراء إثبات شرعية النظام الحاكم، من خلال الإشادة بالمرجعية الفكرية، أو النسبية الفكرية كما في عصر بني الأحمر.
*تفاوتت مقدرة الشعراء في الإفادة من الاقتباس من القران الكريم، والحديث النبوي الشريف، لتعضيد مضامينهم المدحية، منها مع الممدوحين.
*ضمن الشعراء قصائدهم المدحية أبياتاً شعرية من الموروث الشعري المشرقي بما يتوافق ومضامينهم المدحية، وتنوعت أساليب الشعراء في طريقة أخذهم المعاني المسبوقة فمنهم من أخذ الأبيات بأكملها وضمنها قصيدته ومنهم من أخذ أنصاف الأبيات، في حين فضل بعضهم الأخر أخذ المعنى دون اللفظ، مثلما كشف البحث عن إظهار الشعراء براعة فنية في الإفادة من تضمينهم من الشعر العربي، أو المثل العربي.
*تناول البحث بعض أساليب الشعراء في قصيدة المديح كأسلوب التقديم والتأخير، والاعتراض، والمدح بما يشبه الذم، والاستفهام، والنداء وكشفت مجريات الدراسة في هذه الأساليب عن قدرة الشعراء في إظهار الفضاءات التعبيرية العميقة لهذه الأساليب، وصولاً بالمديح إلى أسمى غايات الرقي الفني، وقد تعامل الشعراء مع هذه الأساليب بمقدرة فنية عالية، وفي مواطن متنوعة من فضاءات النصوص المدحية، مما يرجح اهتمام الشعراء بهذه القصيدة وحبكها، وإحكام صياغتها والابتعاد عن السطحية والسذاجة التعبيرية.
*أهمية الصيغ (جمع التكسير، وصيغة أفعل التفضيل، واسم الفاعل) في إحداث دلالات نوعية، وتعبيرية عميقة، قصد بها الشعراء مبالغة وقوع الحدث، وإثباته، وثباته، واستمراريته لتبقى المعاني المدحية بعد ذلك مترسخة في ذهن المتلقي، ومن ثم ضخ كل ما من شأنه إحداث هالة من الأوصاف النوعية حول الممدوحين.
*حاول البحث أن يتناول بالدرس والتحليل خصائص الصورة الشعرية في قصيدة المديح، وعناصر تكوينها، وكيفية تعامل الشعراء مع بعض الصور الشعرية الموروثة، بما يوافق طبيعة الممدوحين من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة القيمة المدحية .
*كشفت الدراسة الفنية للصور الشعرية المدحية مقدرة الشعراء في صياغة هذه الصور، ومناسبتها للقيم المدحية، وتجسيدها واحتلت الكناية حيزاً واسعاً في قصائد المديح، وأعتمد عليها الشعراء كثيراً في تدعيم مضامينهم المدحية، وبدت كنايات الشعراء على قدر كبير من الجودة، والإتقان والعمق الفني.
*اتسمت الصور الكنائية بمسحة من الغموض الفني، وذلك باتخاذها الموضوعات الذهنية مجالاً للتصوير، ومن هنا بدت هذه الصور الكنائية بعيدة عن التقريرية الفجة التي لا تناسب كثيراً الأعمال الفنية المرموقة، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مدى المقدرة الفنية الذوقية التي وصل إليها الأندلسيون في تعاملهم مع الأدوات الفنية، وإخراج صور جديدة ذات امتدادت متأصلة على امتداد رحلة الشعر العربي، كما دل ذلك أيضاً على مدى استيعاب الأندلسيين للقصيدة العربية بمكوناتها الموضوعية والفنية، وسعة أطلاعهم على نتاج الشعراء في مختلف العصور ولاسيما ما يتصل بالمديح.
مال الشعراء إلى البحور الطويلة ذات الإيقاعات المتنوعة الطويل، والكامل، والبسيط، والوافر. لمناسبة هذه البحور بمقاطعها الطويلة لاحتواء الدلالات المدحية، على أن ذلك لا يعني غياب البحور الخفيفة ذات المقاطع القصيرة كالوافر والمتقارب والخفيف والسريع والمديد...
*، فقد فضل الشعراء اختيار أكثر الحروف مناسبة، وانتشارا مثل الراء والدال والباء واللام والميم والنون، فضلاً عن اهتمام الشعراء بالقافية كونها الإطار النغمي للموسيقى الخارجية، وأتضح هذا الاهتمام من خلال استعمال الشعراء القوافي المؤسسة، والمردوفة والموصولة وذلك زيادة في إبراز النواحي الإيقاعية والنغمية
*تبين شيوع القوافي المطلقة للتعبير عن امتدادات قصيدة المديح ومعانيها التعبيرية، واستمراريتها.
* اعتمد الشعراء لإظهار الجوانب الموسيقية والنغمية الإيقاعية على أسلوب الجناس بنوعيه الكامل، والناقص، والتكرار، ورد العجز على الصدر، ونجم عن ذلك تنويع النغمات الإيقاعية داخل البيت الشعري، واختلاف النسب الزمنية الإيقاعية والصوتية، مواءمة مع عرض المضامين المدحية، ودلالاتها الإيحائية.
*تفاوت الشعراء في استعمالهم لهذه الأساليب البديعية بحسب مقدرة الشعراء وإبداعهم.
على أن هذه الأساليب أضحت ملمحاً فنياً إيقاعيا بدا أكثر ارتباطا بقصيدة المديح الأندلسية، وكل هذا صب في خدمة هذه القصيدة لتبدو بذلك متوازية مع بقية العناصر الفنية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى