انتزعني المقنّع من الفصيل واستمتع بتعذيبي. توغّل بي في الساحة المهجورة إلى أن شارفنا أطرافها الغربية وبدأنا نغرق في العتمة. صار المقنّع بلا ملامح واضحة وتحولّ ظلّه المخيف إلى شبح ضخم يزحف بجانبي ويتكاثر بفعل مصادر الإنارة المتناثرة والبعيدة. كان، في لحظاتي الأكثر تعاسة وبؤسا، في قمة نشوته. هو يمشي متبخترا وأنا أزحف كدودة. هناك شيطان سكن في داخله يذكّره بالحماقات التي مارسها معه مدربوه في فترة ما من حياته يقتطف منها أسوأها ويرميني بها في صورة أوامر.
كان يمشي ويداه متشابكتان خلف ظهره وفجأة أمرني بالتوقّف ليسألني:
- هل الأفعى تسير على قدمين أم تمشي على بطنها؟
أجبته:
- تمشي على بطنها.
- والثعبان؟
- كذلك الثعبان.
- يمشي على بطنه؟
- نعم، يمشي على بطنه.
- إذن لماذا أراك كنعجة تسير على أربع ولا تزحف كالثعبان؟ هل أنت نعجة؟
ارتبكت .. حاولت السيطرة على ارتجافي.
- لا، ولكنّني لم أعد قادرا على الارتكاز على منكبيّ. أحسّ بأوجاع شديدة حين ألمس بهما الأرض.
كان مثل حطب يابس لا يشتمّ شيئا من دمي النازف.
- هل هذا منتهى طاقتك؟ أتعني أنّك لا تصلح لأن تكون ضابطا بالبحرية؟
قال ذلك وتطلّع إليّ بإمعان .. اخترقني بنظراته حتّى لامس منّي العظم. أجبرت نفسي على أن أظلّ ثابتا على الأرض. أحاول أن أصوغ الردّ المناسب الذي لا يستفزّه. كوّنته في ذهني وعجزت عن الافصاح به. فأضاف قائلا:
- أعلن عن ذلك صراحة وسينتهي كل شيء.
أحسست بضعفي وقلّة حيلتي. تحوّلي، في هذه الفترة، إلي مؤسسة جامعية أخرى سيجعلني أخسر العام بكامله. اجراءات إعادة التوجيه ستلتهم ما تبقّى من السنة الدراسية.
حاولت أن أتمالك نفسي وأنا أجيب بانكسار:
- لا .. لا أريد أن أنسحب.
وبقيت أترقّب بقلق مصيري الذي سينبثق من شفتيه. لم يكن باستطاعته أن يرى منّي إلاّ ظهري بعد أن رشقت نظراتي في اسفلت الساحة الذي لا يبعد عن وجهي إلاّ بضع سنتيمترات فحسب. وعلى الرغم من أنّ الطقس كان باردا كنت أشعر بحرارة في جسدي. كنت قد استأت من ضعفي وعجزي فهويت إلى الأرض تحت وطأة الجوع والتعب.
- قف.
جثوت على ركبتيّ محاولا اسناد جذعي. وبحركة بطيئة متوجّعة عكست وهني وضعفي نهضت واقفا، في حين بدا المقنّع جامدا غير مبال.
- هل أنت واثق ممّا تقول؟ إذا كان هذا ما تريده سأجعل ليلك جحيما. الأفضل أن تجنّب نفسك المتاعب فتسير هادئا على رجليك لتُمضي على طلب انسحابك وتعود إلى دارك مرتاح البال. ستحقق أحلامك في مكان آخر. هنا عرين الأسود لا مكان فيه للنعاج.
هل كان يدفعني إلى الانسحاب أم لشيء آخر لا أعرفه؟ هل كان يستفزّني أم يستنهض صلابتي؟
- ماذا قررت؟
همهمت:
- لا .. لن أنسحب .. أستطيع التحمل.
بقي للحظة يتطلّع في وجهي وأنا أخفي خوفي تحت ملامح الانضباط والرصانة ثمّ قال:
- حسنا، أنت وما تريد .. أرأيت ذاك العمود قرب مركز الحراسة؟
لاحقت بعينيّ يده الممدودة .. بيني وبين العمود المشار إليه مساحة واسعة معتمة ودرب غير معبّد.
- ستمشي إلى حيث العمود بطّة وتعود منه ثعبانا.
طويت ساقيّ وأخذت وضع البطّ ثمّ بدأت أمشي مترنّحا حتّى أنّي شعرت بأنّني أجسّد نظريّة حفيد القردة أفضل تجسيدا. لم أسر غير خطوات قليلة حتّى قفز المقنّع خلفي صائحا:
- هل البط يمشي صامتا؟ صوّت كالبطّ .. وضع يديك فوق رأسك ولا تحط بهما خصرك.
ولكن البط حين يمشي لا يرفع جناحيه فوق رأسه ومع ذلك فقد أطعته صاغرا. ولمّا غصت في المنطقة المظلمة وتلاشت قيود ملاحقتي قفزت كالكنغر قفزات طويلة أوصلتني سريعا إلى الهدف المطلوب. قمت باللفّ حول عمود الإضاءة وشرعت في رحلة العودة على بعد أمتار من مركز الحراسة حيث يتكوّر القليل من الجنود الذين خالفوا التعليمات وظلّوا يوجهون إليّ عبر النافذة الزجاجية نظرات مليئة بالنعاس والفضول. كانوا هناك بكامل زيّهم العسكري جالسين على مقاعد خشبية بدون مساند وخوذاتهم تعتلي رؤوسهم وأسلحتهم نصف الأوتوماتيكية ترقد في حجورهم. فكرت إنّهم يتأهّبون لتبادل مواقعهم مع زملائهم المرابطين في نوبة حراستهم، وأنّ عليّ الزحف بقوّة حتّى أبتعد سريعا عن مرمى نظراتهم. اضطررت إلى الزحف فوق الحصى من دون أن ألتفت خلفي ساحبا فخذي الأيمن بحذر شديد متحسسا الأرض بركبتي حتّى إذا وجدت البقعة رخوة لا أحجار حادة فيها وسّدتها الجرح الذي بدأ يلهب جسدي. وكان المقنّع في مجال رؤيتي حين فاض بي الألم وشهقت من لسعة كلسعة سلك مكهرب مزّقت جسدي حتّى العظم. وغلت الدماء في عروقي وارتعد جسمي كله فانكمشت ولم أتمدّد. فقدت السيطرة على آلامي فلم أتحرّك. تصلبت أطرافي فكمنت في مكاني مختلطا بالأوحال والحفر بينما ظلّ قلبي الوجل يدقّ بعنف.
وفجأة انبثق المقنّع من كتلة الظلام ظلاّ ثائرا.
- هلاّ تقول لي لماذا توقفت ولم تتقدّم.
ومن خلفه تعالت أصوات أجساد منهكة وجدت طريقها إلى الخلاص وتحللت من الطقس الغريب الذي كانت فيه. وامتلأ الجوّ بهيجان وضجيج الخطى المترنّحة في الممرّ الطويل المفضي إلى عنابر التلامذة الضبّاط. ثمّ تلاشى الصخب فجأة وساد السكون.
تركت كلّ تردّد خلفي وانتفضت واقفا.
- فخذي .. ما عدت أتحمّل آلام الجرح.
كنت مثل جاموسة تخور بما لا يفهم .. الجرح .. العملية .. ما الذي أصابني؟ رمقني بنظرة شرسة مكذّبة ثمّ سحب القناع بعصبية من رأسه فارتعشت عضلات خديه رعشة خفيفة حين صفع الهواء البارد بشرة وجهه المتحجر.
- ماذا ؟ "مروفز"؟
تردّد قليلا في اتخاذ القرار الملائم. لم يستطع تصديق ما كنت أكرّره على مسمعه. وهو واثق أنّني أهذي وأراوغ .. أيّ جرح وأيّة عمليّة. لكنّه تمالك أعصابه أخيرا وأمرني أن أتبعه فركبني الخوف وارتعدت ركبتاي من الشرّ الذي سيقع. لم أكن أعرف ماذا سيحل بي. سار خطوات في اتجاه مبنى الإدارة ثمّ توقّف واستدار إليّ وصاح غاضبا عندما رآني ثقيلا في حركتي وقد انقلبت ملامحي إلى سحنة عاجية:
- قلت لك تعال .. اتبعني.
وتابع تقدّمه على عجل حاملا قناعه بيمينه مثل خرقة سوداء تتأرجح بجانبه. ظننت أنّه سيسوقني إلى آمر الفصيل حيث سيأمر بخلع ملابسي العسكرية وارتداء ملابسي المدنية ثمّ يطردني من الأكاديمية إلى الأبد، إلاّ أنّه لم يفعل ذلك وانعطف بي يسرة إلى جهة البناية الصغيرة المنخفضة حيث انتصبت المصحّة في موقعها المستقل عن البناية الرئيسية المغطاة بالقرميد. خلفها ارتفع سور علاه أسلاك شائكة. وحولها نمت نباتات عشبية مزهرة بشرية المنشأ. ومع أنّ المصحّة كانت مغلقة فقد كانت مضاءة من الداخل. مدّ المدرب وجهه وألصقه على زجاج الباب آملا أن يرى أحدا هناك ثمّ نقر نقرات خفيفة وسرعان ما انفتح الباب المغلق فدخلنا ليعيد ممرض شبه نائم غلقه مشيرا إلينا بالتوجّه نحو قاعة على يمين مكتب الاستقبال. تراجع المدرّب خطوة ووضع يده على كتف الممرض وأوقفه حتّى كبرت المسافة التي تفصلني عنهما واختفى جسمي في قلب القاعة التي بدت عارية لا تكسوها سوى بعض المقاعد الجلدية وطاولة صغيرة وضع عليها عدد قليل من مجلة الجيش الوطني ومطوية لمناسبة طبية. أخذت أنظر إلى أحد الكراسي المركون تحت صورة عملاقة معلقة على الجدار تعرض شرحا مبسّطا لطرق الإصابة بالإيدز وإجراءات التوقّي من هذا المرض الخبيث. ولم أجرؤ على الجلوس رغم تفكيري فيه. فممّا لا شكّ فيه لا يعقل أن يسحق الجسد السابح في العرق والملطّخ بالأوساخ والوحل المنظر الجميل لمكان اجتهد المجندون الجدد لإكسابه النظافة والبياض المستحقيْن عبر رفع الأوساخ والنفايات عنه ووضعها في المكان المخصّص لها وبمتابعة أعمال الصيانة ضد الرطوبة والتشققات. وبالنظر إلى طبيعة الخدمات الصحية المقدّمة وحجمها، فإنّ مصحّة الأكاديمية ليست بمنأى عن أيّ مصدر للتلوّث والضوضاء التي تفرضها المعايير التقنية الواجب توفرها في المصحات. ولا تمتلك وحدات وظيفية منفصلة كالإيواء والجناح الطبّي التقني والمصالح العامة ولا يتوفّر فيها مولّد للكهرباء لتلبية الحاجة من الطاقة عند انقطاع التيّار ولا حتّى ممرّضة مجازة أو غير مجازة. فإذا استدعت الظروف الوقوع في مشكلات صحية تتطلّب مجال التخصّصات المنقوصة يُنقل المريض فورا إلى مستشفى الجهة غير البعيد عن هذا المكان وكأنّه مبنى ملحق تابع لها أو يُحمل في حالات نادرة إلى المستشفى العسكري بالعاصمة. وهذا التنقّل يجعل العسكري المصاب سعيدا لتخلصه من القيود العسكرية الصارمة وفرحا بتمتّعه برؤية جانب من أشكال الحياة المدنية التي تخلّى عنها يوما جبرا أو طواعية. تشدّ اهتمامه محافظ على ظهور أطفال سالكين طرقا نحو مدارسهم وتجذب انتباهه قفاف في أيدي شيوخ ذاهبين للتسوّق وتدغدغ حواسّه الشوارع الملأى بالناس والسيّارات. تلك التفاصيل المهملة في حياة الناس وفي ما سبق من حياته المدنية كنزه اليوم.
وأخيرا دخل الممرّض وهو يتبسّم والمدرّب يتبعه عن قرب. وبتعبير مرح قال:
- اسمح لي أن أقول لك إنّ مدرّبك ارتيابي جدا .. يراك ثعلبا ماكرا تتظاهر بالإصابة لخرق نظم التكوين والتمرّد عليه .. وما من شيء سيمنعه من رفع تقريره إلى الإدارة لتتخذ رأيها فيك سوى حجّة ترضي كبرياءه.
قال جملته الأخيرة بمرح وتطلّع نحو المدرّب يأمل أن يرى أثر كلماته على نفسه ولمّا شاهد السحنة جامدة لا يبدو عليها أيّ تأثر عاد إلى وجهي وتابع وقد ضبط نفسه :
- هيّا ، أرن هذا الذي يؤلمك.
فرفعت أسفل طرف التبّان القطني إلى أعلى كاشفا على الجرح الملفوف بشال ملطّخ بالوحل وقد تدلّي تحته الشاش كتلة أوساخ مبللة. وشخصت عيناه البنيتان في تجويف اللحم الغائر إلى منتهى عظمة الفخذ اليسرى وتجهّم وجهه بغتة وعضّ على شفتيه من فظاعة المنظر ثمّ استدار ثانية إلى وجه المدرّب الذي لم يجب على العينين القلقتين المضطربتين وانحرف عنهما إلى مربّعات الجليز المحدّدة لأرضية القاعة. كان شاحب الوجه وكانت نظرة الممرّض طويلة مستقيمة متهمة تتضمّن في حدّتها لوما ويترجم وميضها الاستنكار. وكان على وشك أن يقذفه بشيء تحجّر في سقف حلقه واندثر في صورة صوت أخنّ بمقطع واحد كحركة الدو في أوتار السلّم الموسيقي. لقد عدل عن ذلك واستدار دافعا إيّاي أمامه إلى غرفة المعاينة المتصلة بقاعة الانتظار. وبعد أن فتح الباب وأدخلني قال :
- تخلّص من كلّ هذا وتمدّد هناك على السرير.
وجذب الباب خلفي ورجع إلى المدرّب. سمعته يقول بصوت حاول أن يجعله خافتا كالهمسات وبلهجة ثقيلة وحارّة :
- لقد كنت على وشك أن تحمل على ظهرك مسؤولية جنائية .. كدت تتسبب في بتر ساق الرجل.
والآخر يقسم إنّه ما كان يدري أنّني مصاب ويؤكّد أن الغلطة غلطتي أتحمّلها وحدي لأنّني أخفيت عنه خضوعي لعملية جراحية.
وحين عاد إلى غرفة الفحص وجدني قد نفذت أوامره فسحب منضدة التطهير ذات العجلات إلى جانب السرير وقرّب إليه معدّاته والكرسيّ الدوّار الذي يجلس عليه وفتح زجاجة اليود وسكب قليلا من الكحول في وعاء صغير من الخزف الصيني ثمّ باستعمال الملقط أمسك بقطعة قماش نقّعها في السائل وشرع في تنظيف محيط الجرح وإيقاف الدم النازف.
كنت أرغم نفسي على التحمّل كي لا أفلت صرخة ألم ترتجف في حلقي .. ألف جسماني فظيع يسري في الساق على طوله، يزيده حدّة آلام نفسية مقيتة. رغبتي الملحّة في التخلّص من مريول الخلعة المبلل بالعرق هو ألم يثيره خجلي من الرائحة الكريهة التي تغلّبت على رائحة الأدوية بشكل معيب. وألم انتظار ما سيحصل بعد ذلك وقد كُشف عنّي غطائي هو أقوى وأشدّ.
كنت إلى وقت قريب مؤمنا بأنّ العليّ القدير قد أمّن لي عيشا رغدا ووهب لي مستقبلا مريحا وها أنا الآن أراه يهتزّ تحتي بسبب ريح جرح عاصف. وما كان لي أن أثور على ما قدّره الله. وما قدّر فعل.
توقف الممرض عن مسح الجرح ومدّ يده بعيدا ثمّ ترك قطعة القماش تسقط في سلّة المهملات بعدها بدأ في استخدام رزمة القطن غمسها في المطهّر وعنقه ممدودة أمامه وتمتم يسألني بلطف :
- لماذا تكتمت عن إصابتك ولم تعلم الإدارة؟
أدرت الأحداث في دماغي وتمتمت :
- أخبرتها.
التفت إليّ في الحال وقوّس حاجبيه فشعرت أنّي تلفظت بما أدهشه فسارعت أضيف وأنا أزن كلماتي المرتجفة في حلقي :
- أطلعت أحد المدرّبين على الشهادة الطبية فنصحني بإخفاء أمرها كي لا أُعتبر غير مؤهل من قبل أن أخوض اختبارات التصفية والانتقاء .. قال لي يستحسن عدم إظهارها فهي دليل على عجزك ومدعاة لإقصائك .. قالها لي بالفرنسية، Inapte، فاضطررت إلى السكوت.
وكأنّ الممرّض الذي لم يرفع بصره عن وجهي محاولا النفاذ إلى أعماقي قد أدرك الحذر والتردّد فقال بمنتهى الهدوء:
- أنت لم تأت البيوت من أبوابها هذا ما أستطيع مصارحتك به.
ثمّ أزاح منضدة التطهير جانبا وتخلّص من قفازاته المطاطية الصفراء. اتكأ بيديه على حافة السرير ودفع الكرسي الجالس عليه إلى الخلف وانزلق معه حتى صار واقفا. أدار لي ظهره وسار إلى المغسلة في الركن المحاذي لمدخل غرفة الكشف، على يسار الداخل، وبدأ يغسل يديه بالماء والصابون.
وبصوت عال غالب به صخب طشيش الماء أردف:
- ولن يعفيك هذا من مسؤولية ما ألمّ بك.
ثمّ أخذ يجفّف يديه ببطء.
شعرت بعدم الارتياح الممزوج بالخوف إزاء ما قاله. تولاّني فزع على مستقبلي الدراسي. بالتأكيد مقصد كلامه أن ألقي بكل مخطّطاتي في دائرة النسيان كما يلقي الممرّض بالشاش الملوّث في سلّة المهملات. لن يكون لي وجود هنا .. سيتبخر الحلم وأعود إلى نقطة الصفر، إلى دليل التوجيه لإعادة الاختيار. سيتأكد إحساسي حالما يمشي نشيطا صوب مكتب الاستقبال ويتناول قلم الحبر الجاف من فوق اللوحة الرخامية ويقرّب إليه سجل العيادات ودفتر الوصفات الطبية.
لقد اقترب ما لا يمكن تلافيه وانتظرت جامدا.
سألني وهو يسير نحو الباب :
- متى أجريت العملية؟
- الأسبوع الماضي .. اثر الاختبارات الصحية والبدنية نما دمل وانتفخ بصورة غريبة وامتلأ قيحا وكان رأسه مختفيا فاقتلعه الأطباء بعملية جراحية ..
ولدى مغادرة الممرض غرفة المعاينة، وأنا خلفه، هبّ المدرّب واقفا على الفور ورافق الرداء الأبيض المتوجه نحو اللوحة الرخامية التي تمثّل مكتب العيادة. وهناك، تسلّم بنفسه رخصة نقاهتي المكتوبة بخطّ شبيه بخطّ الأطبّاء.
فتحي البوكاري
كان يمشي ويداه متشابكتان خلف ظهره وفجأة أمرني بالتوقّف ليسألني:
- هل الأفعى تسير على قدمين أم تمشي على بطنها؟
أجبته:
- تمشي على بطنها.
- والثعبان؟
- كذلك الثعبان.
- يمشي على بطنه؟
- نعم، يمشي على بطنه.
- إذن لماذا أراك كنعجة تسير على أربع ولا تزحف كالثعبان؟ هل أنت نعجة؟
ارتبكت .. حاولت السيطرة على ارتجافي.
- لا، ولكنّني لم أعد قادرا على الارتكاز على منكبيّ. أحسّ بأوجاع شديدة حين ألمس بهما الأرض.
كان مثل حطب يابس لا يشتمّ شيئا من دمي النازف.
- هل هذا منتهى طاقتك؟ أتعني أنّك لا تصلح لأن تكون ضابطا بالبحرية؟
قال ذلك وتطلّع إليّ بإمعان .. اخترقني بنظراته حتّى لامس منّي العظم. أجبرت نفسي على أن أظلّ ثابتا على الأرض. أحاول أن أصوغ الردّ المناسب الذي لا يستفزّه. كوّنته في ذهني وعجزت عن الافصاح به. فأضاف قائلا:
- أعلن عن ذلك صراحة وسينتهي كل شيء.
أحسست بضعفي وقلّة حيلتي. تحوّلي، في هذه الفترة، إلي مؤسسة جامعية أخرى سيجعلني أخسر العام بكامله. اجراءات إعادة التوجيه ستلتهم ما تبقّى من السنة الدراسية.
حاولت أن أتمالك نفسي وأنا أجيب بانكسار:
- لا .. لا أريد أن أنسحب.
وبقيت أترقّب بقلق مصيري الذي سينبثق من شفتيه. لم يكن باستطاعته أن يرى منّي إلاّ ظهري بعد أن رشقت نظراتي في اسفلت الساحة الذي لا يبعد عن وجهي إلاّ بضع سنتيمترات فحسب. وعلى الرغم من أنّ الطقس كان باردا كنت أشعر بحرارة في جسدي. كنت قد استأت من ضعفي وعجزي فهويت إلى الأرض تحت وطأة الجوع والتعب.
- قف.
جثوت على ركبتيّ محاولا اسناد جذعي. وبحركة بطيئة متوجّعة عكست وهني وضعفي نهضت واقفا، في حين بدا المقنّع جامدا غير مبال.
- هل أنت واثق ممّا تقول؟ إذا كان هذا ما تريده سأجعل ليلك جحيما. الأفضل أن تجنّب نفسك المتاعب فتسير هادئا على رجليك لتُمضي على طلب انسحابك وتعود إلى دارك مرتاح البال. ستحقق أحلامك في مكان آخر. هنا عرين الأسود لا مكان فيه للنعاج.
هل كان يدفعني إلى الانسحاب أم لشيء آخر لا أعرفه؟ هل كان يستفزّني أم يستنهض صلابتي؟
- ماذا قررت؟
همهمت:
- لا .. لن أنسحب .. أستطيع التحمل.
بقي للحظة يتطلّع في وجهي وأنا أخفي خوفي تحت ملامح الانضباط والرصانة ثمّ قال:
- حسنا، أنت وما تريد .. أرأيت ذاك العمود قرب مركز الحراسة؟
لاحقت بعينيّ يده الممدودة .. بيني وبين العمود المشار إليه مساحة واسعة معتمة ودرب غير معبّد.
- ستمشي إلى حيث العمود بطّة وتعود منه ثعبانا.
طويت ساقيّ وأخذت وضع البطّ ثمّ بدأت أمشي مترنّحا حتّى أنّي شعرت بأنّني أجسّد نظريّة حفيد القردة أفضل تجسيدا. لم أسر غير خطوات قليلة حتّى قفز المقنّع خلفي صائحا:
- هل البط يمشي صامتا؟ صوّت كالبطّ .. وضع يديك فوق رأسك ولا تحط بهما خصرك.
ولكن البط حين يمشي لا يرفع جناحيه فوق رأسه ومع ذلك فقد أطعته صاغرا. ولمّا غصت في المنطقة المظلمة وتلاشت قيود ملاحقتي قفزت كالكنغر قفزات طويلة أوصلتني سريعا إلى الهدف المطلوب. قمت باللفّ حول عمود الإضاءة وشرعت في رحلة العودة على بعد أمتار من مركز الحراسة حيث يتكوّر القليل من الجنود الذين خالفوا التعليمات وظلّوا يوجهون إليّ عبر النافذة الزجاجية نظرات مليئة بالنعاس والفضول. كانوا هناك بكامل زيّهم العسكري جالسين على مقاعد خشبية بدون مساند وخوذاتهم تعتلي رؤوسهم وأسلحتهم نصف الأوتوماتيكية ترقد في حجورهم. فكرت إنّهم يتأهّبون لتبادل مواقعهم مع زملائهم المرابطين في نوبة حراستهم، وأنّ عليّ الزحف بقوّة حتّى أبتعد سريعا عن مرمى نظراتهم. اضطررت إلى الزحف فوق الحصى من دون أن ألتفت خلفي ساحبا فخذي الأيمن بحذر شديد متحسسا الأرض بركبتي حتّى إذا وجدت البقعة رخوة لا أحجار حادة فيها وسّدتها الجرح الذي بدأ يلهب جسدي. وكان المقنّع في مجال رؤيتي حين فاض بي الألم وشهقت من لسعة كلسعة سلك مكهرب مزّقت جسدي حتّى العظم. وغلت الدماء في عروقي وارتعد جسمي كله فانكمشت ولم أتمدّد. فقدت السيطرة على آلامي فلم أتحرّك. تصلبت أطرافي فكمنت في مكاني مختلطا بالأوحال والحفر بينما ظلّ قلبي الوجل يدقّ بعنف.
وفجأة انبثق المقنّع من كتلة الظلام ظلاّ ثائرا.
- هلاّ تقول لي لماذا توقفت ولم تتقدّم.
ومن خلفه تعالت أصوات أجساد منهكة وجدت طريقها إلى الخلاص وتحللت من الطقس الغريب الذي كانت فيه. وامتلأ الجوّ بهيجان وضجيج الخطى المترنّحة في الممرّ الطويل المفضي إلى عنابر التلامذة الضبّاط. ثمّ تلاشى الصخب فجأة وساد السكون.
تركت كلّ تردّد خلفي وانتفضت واقفا.
- فخذي .. ما عدت أتحمّل آلام الجرح.
كنت مثل جاموسة تخور بما لا يفهم .. الجرح .. العملية .. ما الذي أصابني؟ رمقني بنظرة شرسة مكذّبة ثمّ سحب القناع بعصبية من رأسه فارتعشت عضلات خديه رعشة خفيفة حين صفع الهواء البارد بشرة وجهه المتحجر.
- ماذا ؟ "مروفز"؟
تردّد قليلا في اتخاذ القرار الملائم. لم يستطع تصديق ما كنت أكرّره على مسمعه. وهو واثق أنّني أهذي وأراوغ .. أيّ جرح وأيّة عمليّة. لكنّه تمالك أعصابه أخيرا وأمرني أن أتبعه فركبني الخوف وارتعدت ركبتاي من الشرّ الذي سيقع. لم أكن أعرف ماذا سيحل بي. سار خطوات في اتجاه مبنى الإدارة ثمّ توقّف واستدار إليّ وصاح غاضبا عندما رآني ثقيلا في حركتي وقد انقلبت ملامحي إلى سحنة عاجية:
- قلت لك تعال .. اتبعني.
وتابع تقدّمه على عجل حاملا قناعه بيمينه مثل خرقة سوداء تتأرجح بجانبه. ظننت أنّه سيسوقني إلى آمر الفصيل حيث سيأمر بخلع ملابسي العسكرية وارتداء ملابسي المدنية ثمّ يطردني من الأكاديمية إلى الأبد، إلاّ أنّه لم يفعل ذلك وانعطف بي يسرة إلى جهة البناية الصغيرة المنخفضة حيث انتصبت المصحّة في موقعها المستقل عن البناية الرئيسية المغطاة بالقرميد. خلفها ارتفع سور علاه أسلاك شائكة. وحولها نمت نباتات عشبية مزهرة بشرية المنشأ. ومع أنّ المصحّة كانت مغلقة فقد كانت مضاءة من الداخل. مدّ المدرب وجهه وألصقه على زجاج الباب آملا أن يرى أحدا هناك ثمّ نقر نقرات خفيفة وسرعان ما انفتح الباب المغلق فدخلنا ليعيد ممرض شبه نائم غلقه مشيرا إلينا بالتوجّه نحو قاعة على يمين مكتب الاستقبال. تراجع المدرّب خطوة ووضع يده على كتف الممرض وأوقفه حتّى كبرت المسافة التي تفصلني عنهما واختفى جسمي في قلب القاعة التي بدت عارية لا تكسوها سوى بعض المقاعد الجلدية وطاولة صغيرة وضع عليها عدد قليل من مجلة الجيش الوطني ومطوية لمناسبة طبية. أخذت أنظر إلى أحد الكراسي المركون تحت صورة عملاقة معلقة على الجدار تعرض شرحا مبسّطا لطرق الإصابة بالإيدز وإجراءات التوقّي من هذا المرض الخبيث. ولم أجرؤ على الجلوس رغم تفكيري فيه. فممّا لا شكّ فيه لا يعقل أن يسحق الجسد السابح في العرق والملطّخ بالأوساخ والوحل المنظر الجميل لمكان اجتهد المجندون الجدد لإكسابه النظافة والبياض المستحقيْن عبر رفع الأوساخ والنفايات عنه ووضعها في المكان المخصّص لها وبمتابعة أعمال الصيانة ضد الرطوبة والتشققات. وبالنظر إلى طبيعة الخدمات الصحية المقدّمة وحجمها، فإنّ مصحّة الأكاديمية ليست بمنأى عن أيّ مصدر للتلوّث والضوضاء التي تفرضها المعايير التقنية الواجب توفرها في المصحات. ولا تمتلك وحدات وظيفية منفصلة كالإيواء والجناح الطبّي التقني والمصالح العامة ولا يتوفّر فيها مولّد للكهرباء لتلبية الحاجة من الطاقة عند انقطاع التيّار ولا حتّى ممرّضة مجازة أو غير مجازة. فإذا استدعت الظروف الوقوع في مشكلات صحية تتطلّب مجال التخصّصات المنقوصة يُنقل المريض فورا إلى مستشفى الجهة غير البعيد عن هذا المكان وكأنّه مبنى ملحق تابع لها أو يُحمل في حالات نادرة إلى المستشفى العسكري بالعاصمة. وهذا التنقّل يجعل العسكري المصاب سعيدا لتخلصه من القيود العسكرية الصارمة وفرحا بتمتّعه برؤية جانب من أشكال الحياة المدنية التي تخلّى عنها يوما جبرا أو طواعية. تشدّ اهتمامه محافظ على ظهور أطفال سالكين طرقا نحو مدارسهم وتجذب انتباهه قفاف في أيدي شيوخ ذاهبين للتسوّق وتدغدغ حواسّه الشوارع الملأى بالناس والسيّارات. تلك التفاصيل المهملة في حياة الناس وفي ما سبق من حياته المدنية كنزه اليوم.
وأخيرا دخل الممرّض وهو يتبسّم والمدرّب يتبعه عن قرب. وبتعبير مرح قال:
- اسمح لي أن أقول لك إنّ مدرّبك ارتيابي جدا .. يراك ثعلبا ماكرا تتظاهر بالإصابة لخرق نظم التكوين والتمرّد عليه .. وما من شيء سيمنعه من رفع تقريره إلى الإدارة لتتخذ رأيها فيك سوى حجّة ترضي كبرياءه.
قال جملته الأخيرة بمرح وتطلّع نحو المدرّب يأمل أن يرى أثر كلماته على نفسه ولمّا شاهد السحنة جامدة لا يبدو عليها أيّ تأثر عاد إلى وجهي وتابع وقد ضبط نفسه :
- هيّا ، أرن هذا الذي يؤلمك.
فرفعت أسفل طرف التبّان القطني إلى أعلى كاشفا على الجرح الملفوف بشال ملطّخ بالوحل وقد تدلّي تحته الشاش كتلة أوساخ مبللة. وشخصت عيناه البنيتان في تجويف اللحم الغائر إلى منتهى عظمة الفخذ اليسرى وتجهّم وجهه بغتة وعضّ على شفتيه من فظاعة المنظر ثمّ استدار ثانية إلى وجه المدرّب الذي لم يجب على العينين القلقتين المضطربتين وانحرف عنهما إلى مربّعات الجليز المحدّدة لأرضية القاعة. كان شاحب الوجه وكانت نظرة الممرّض طويلة مستقيمة متهمة تتضمّن في حدّتها لوما ويترجم وميضها الاستنكار. وكان على وشك أن يقذفه بشيء تحجّر في سقف حلقه واندثر في صورة صوت أخنّ بمقطع واحد كحركة الدو في أوتار السلّم الموسيقي. لقد عدل عن ذلك واستدار دافعا إيّاي أمامه إلى غرفة المعاينة المتصلة بقاعة الانتظار. وبعد أن فتح الباب وأدخلني قال :
- تخلّص من كلّ هذا وتمدّد هناك على السرير.
وجذب الباب خلفي ورجع إلى المدرّب. سمعته يقول بصوت حاول أن يجعله خافتا كالهمسات وبلهجة ثقيلة وحارّة :
- لقد كنت على وشك أن تحمل على ظهرك مسؤولية جنائية .. كدت تتسبب في بتر ساق الرجل.
والآخر يقسم إنّه ما كان يدري أنّني مصاب ويؤكّد أن الغلطة غلطتي أتحمّلها وحدي لأنّني أخفيت عنه خضوعي لعملية جراحية.
وحين عاد إلى غرفة الفحص وجدني قد نفذت أوامره فسحب منضدة التطهير ذات العجلات إلى جانب السرير وقرّب إليه معدّاته والكرسيّ الدوّار الذي يجلس عليه وفتح زجاجة اليود وسكب قليلا من الكحول في وعاء صغير من الخزف الصيني ثمّ باستعمال الملقط أمسك بقطعة قماش نقّعها في السائل وشرع في تنظيف محيط الجرح وإيقاف الدم النازف.
كنت أرغم نفسي على التحمّل كي لا أفلت صرخة ألم ترتجف في حلقي .. ألف جسماني فظيع يسري في الساق على طوله، يزيده حدّة آلام نفسية مقيتة. رغبتي الملحّة في التخلّص من مريول الخلعة المبلل بالعرق هو ألم يثيره خجلي من الرائحة الكريهة التي تغلّبت على رائحة الأدوية بشكل معيب. وألم انتظار ما سيحصل بعد ذلك وقد كُشف عنّي غطائي هو أقوى وأشدّ.
كنت إلى وقت قريب مؤمنا بأنّ العليّ القدير قد أمّن لي عيشا رغدا ووهب لي مستقبلا مريحا وها أنا الآن أراه يهتزّ تحتي بسبب ريح جرح عاصف. وما كان لي أن أثور على ما قدّره الله. وما قدّر فعل.
توقف الممرض عن مسح الجرح ومدّ يده بعيدا ثمّ ترك قطعة القماش تسقط في سلّة المهملات بعدها بدأ في استخدام رزمة القطن غمسها في المطهّر وعنقه ممدودة أمامه وتمتم يسألني بلطف :
- لماذا تكتمت عن إصابتك ولم تعلم الإدارة؟
أدرت الأحداث في دماغي وتمتمت :
- أخبرتها.
التفت إليّ في الحال وقوّس حاجبيه فشعرت أنّي تلفظت بما أدهشه فسارعت أضيف وأنا أزن كلماتي المرتجفة في حلقي :
- أطلعت أحد المدرّبين على الشهادة الطبية فنصحني بإخفاء أمرها كي لا أُعتبر غير مؤهل من قبل أن أخوض اختبارات التصفية والانتقاء .. قال لي يستحسن عدم إظهارها فهي دليل على عجزك ومدعاة لإقصائك .. قالها لي بالفرنسية، Inapte، فاضطررت إلى السكوت.
وكأنّ الممرّض الذي لم يرفع بصره عن وجهي محاولا النفاذ إلى أعماقي قد أدرك الحذر والتردّد فقال بمنتهى الهدوء:
- أنت لم تأت البيوت من أبوابها هذا ما أستطيع مصارحتك به.
ثمّ أزاح منضدة التطهير جانبا وتخلّص من قفازاته المطاطية الصفراء. اتكأ بيديه على حافة السرير ودفع الكرسي الجالس عليه إلى الخلف وانزلق معه حتى صار واقفا. أدار لي ظهره وسار إلى المغسلة في الركن المحاذي لمدخل غرفة الكشف، على يسار الداخل، وبدأ يغسل يديه بالماء والصابون.
وبصوت عال غالب به صخب طشيش الماء أردف:
- ولن يعفيك هذا من مسؤولية ما ألمّ بك.
ثمّ أخذ يجفّف يديه ببطء.
شعرت بعدم الارتياح الممزوج بالخوف إزاء ما قاله. تولاّني فزع على مستقبلي الدراسي. بالتأكيد مقصد كلامه أن ألقي بكل مخطّطاتي في دائرة النسيان كما يلقي الممرّض بالشاش الملوّث في سلّة المهملات. لن يكون لي وجود هنا .. سيتبخر الحلم وأعود إلى نقطة الصفر، إلى دليل التوجيه لإعادة الاختيار. سيتأكد إحساسي حالما يمشي نشيطا صوب مكتب الاستقبال ويتناول قلم الحبر الجاف من فوق اللوحة الرخامية ويقرّب إليه سجل العيادات ودفتر الوصفات الطبية.
لقد اقترب ما لا يمكن تلافيه وانتظرت جامدا.
سألني وهو يسير نحو الباب :
- متى أجريت العملية؟
- الأسبوع الماضي .. اثر الاختبارات الصحية والبدنية نما دمل وانتفخ بصورة غريبة وامتلأ قيحا وكان رأسه مختفيا فاقتلعه الأطباء بعملية جراحية ..
ولدى مغادرة الممرض غرفة المعاينة، وأنا خلفه، هبّ المدرّب واقفا على الفور ورافق الرداء الأبيض المتوجه نحو اللوحة الرخامية التي تمثّل مكتب العيادة. وهناك، تسلّم بنفسه رخصة نقاهتي المكتوبة بخطّ شبيه بخطّ الأطبّاء.
فتحي البوكاري