عمر عطية - الأعمى في الأدب والأسطورة (الجزء الثالث والأخير من ثلاثة أجزاء)

خورخي بورخيس

يقول الجاحظ:

لقد نجح بشار بن بُرد في تصوير ما عجز عنه المبصرون

. هذا ما قاله الدكتور فؤاد قنديل حول تجليات الأدباء العميان مشيراً إلى أن ابن برد قام بتجديد دماء الشعر العربي وحافظ على قيمته وبِنيته الأساسية في ذات الوقت.

وقال أن أبو العلاء المعرِّي كان نموذجاً لمن يمتلك ناصية الكلمة والقدرة على الوصف والتصوير وهو ما بدا واضحا من خلال أول قصيدة كتبها وهو في الحادية عشرة من عمره، وقد استحب لقب حكيم الشعراء وشاعر الحكماء، وانتقد الآراء التي تتهم المعرِّي بالزندقة والكفر مؤكداً أنه كان مؤمناً متأملاً وفيلسوفاً لا يسأل استنكاراً ولكنه يسأل استفهاماً ثم يحاول التوصل إلى إجابات منطقية وعقلية.

وتطرق بالحديث إلى ابن منظور وكتابه المبدع لسان العرب الذي يتكون من 20 مجلداً، والذي يعتبَر المرجع الرئيس لكل المهتمين بالأدب واللغة العربية على الرغم من كثرة المعاجم العربية وذلك كونه يحتوي على معاني الكلمات وأصلها وأين ومتي تم تناولها سواء في الشعر أو الأدب أو ما إلى ذلك أي أنه بمثابة تأريخ للغة العربية.

وأضاف أن هناك العديد من الأسماء اللامعة والمضيئة في تاريخ الأدب العربي في العصر الحديث منهم على سبيل المثال لا الحصر الشاعر اليمني عبد الله البردوني والدكتور عبد الحميد يونس والشيخ المرصفي وغيرهم الكثير من الدول العربية.

واختَتم حديثه مؤكداً أن خورخي لويس بورخيس الذي فقد بصره وهو في الأربعين من عمره هو الأب الروحي لكل الأدباء في أميركا اللاتينية التي أصبحت الأن من أكثر مناطق العالم إنتاجاً وإبداعاً في الأدب، وأنه كان يجيد خمس لغات هي البرتغالية والإنجليزية والعربية والألمانية والفرنسية وأنه كان متأثراً جداً بكتابي ألف ليلة وليلة ودُرة التاج، وهذا الأمر يجعلني أقول إن أدباء وشعراء أميركا الجنوبية استفادوا من ألف ليلة وليلة أكثر من العرب أنفسهم.
بشار بن برد

وحول شخصية الأعمى في المسرح العربي، يقول الدكتور مدحت الجيار، أستاذ الأدب بجامعة الزقازيق، "على الرغم من أن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين كان مكفوفاً إلا إن القارئ لكتاباته والمستمع لأحاديثه يجد أنه كان دائماً يستخدم كلمة أرى ولا يقول أعتقد مثلاً، وهذا لم يكن ليحدث على سبيل المبالغة أو عدم المصداقية ولكنه فعلاً كان يمتلك قدرة على التخيل تجعله يرى الأشياء ويشعر بها أكثر من المبصرين أنفسهم، ولِمَ لا يكون كذلك وهو من كان يحرص على زيارة معارض الفنون التشكيلية بصحبة زوجته ويعتمد عليها في وصف الأشياء ثم يتخيلها في ذاكرته التي كانت بمثابة فيديو يقوم بتخزين كل الصور التي يراها من خلال حاسة السمع التي كانت تقوم بالإضافة لخياله وحسه المرهف بدور العين المبصرة. وأشار إلى أن أهم شعراء عالمنا العربي والإسلامي قديماً كانوا من أصحاب البصيرة من أمثال امرؤ القيس وأبو العلاء المعرِّي وبشار بن بُرد الذي قال في إحدى قصائده بيت شعرياً يعتبر من أفضل الأبيات الشعرية التي قالها شاعر خاصة أنه شاعر لا يرى ولكنه استطاع أن يصف الواقع الذي يحياه بكل دقة حين قال:

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا.. وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

وعن مميزات عميد الأدب العربي التي جعلت منه شخصية مؤثرة في الأدب والثقافة العربية، يقول الدكتور مدحت الجيار "أتذكر أنني حضرت مؤتمراً ثقافياً في مدينة حلب السورية وتوجهنا إلى زيارة بيت أبو العلاء المعرِّي ذلك الشاعر الأسطورة، وعندما دخلت إلى هذا المنزل أصابتني الدهشة لأن المشاهد نفسها التي رأيتها هي المشاهد التي قرأتها في كتابات طه حسين عن هذا المنزل عندما قام بزيارته تقديراً منه لشخص وقيمة أبي العلاء المعرِّي وقيامه بإهداء كل الكتب التي صدرت عن وزارة المعارف عندما كان يتولى رئاستها طه حسين إلى المكتبة الموجودة بدار أبي العلاء المعرِّي في سورية.

واختتمت فعاليات المؤتمر بتقديم المبدعين الشباب من أصحاب البصيرة لبعض أعمالهم الأدبية حيث قام الأديب مختار عبد العليم بقراءة ثلاث قصص قصيرة من أعماله الأدبية ثم ألقى الشاعر الجميل بدر عبد المجيد قصيدتين، وأخيراً ومن قصيدة المرايا جاءت كلمات الشاعرة المبدعة مديحة غريب لتكون مسك الختام.

المصدر: القاهرة، الرؤية»، عمر عطية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى