محمد محمود غدية - الهدية

كثيراً ما يختنق الحلم داخلنا، ويصبح مجرد خيال عابر، يتبدد ويتلاشى فور إصطدامه ببشاعة الواقع وقسوته، فيغتال كل طاقتنا وتجلياتنا، بينما الأزهار تنمو من حولنا، والمطر يتدفق والعصافير تغرد، والنوارس لا تغادر شطآنها، تعيش الألفة و الحب فى مجموعات تبهج النظر،
قاعة المحاضرات تمتلئ عن آخرها، فى حضور أستاذ الفلسفة المتميز بسماحة الخلق ووفرة الكرم،
كأنه مفطور على البساطة والطيبة والوداعة،
لديه فيض من الحكايات المثيرة تصب أغلبها، فى خدمة الفلسفة، تكسوه المهابة والدعة، ومسحة حزن لا تغادره،
فى معصمه ساعة يد حريمى، مرصعة بفصوص أشبه بالماس، لا تليق بدكتور مثله، لا أحد يجرؤ على سؤاله عن تواجد ساعة حريمى فى معصمه !
إحدى الطالبات الخبيثات،
تطوعت بجلي الحقيقة، باإهدائه ساعة رجالى فاخرة، والتى رفضها فى أدب، لأن الساعة التى فى يده لا يبدلها بكنوز الدنيا، فهى لإبنته التى رحلت، بعد صراع طويل مع المرض الذى لا ينجو منه أحد،
- كثيرون يحملون عبء قلوبهم وحدهم، وثمة أشياء تداهمهم يعجزون عن الإفصاح عنها،
إبنته حاضرة كلما أطل فى ساعتها، والتى كانت هدية ذلك الشاب، الذى فض الساخرون من حولها يوما، حين تعثرت وسقطت على الأرض، لتسقط عنها باروكة الشعر، وتظهر رأسها عارية بعد أن أحرق الكيماوى شعرها، وهى تخاطب الساخرين من بين دمعاتها :
أنه لا ذنب لها فى تساقط شعرها، والمرض العضال الذى أصابها،
دعاها الشاب الذى ساعدها على النهوض وترتيب ثيابها، إلى مشاركته فنجان شاى، فى إحدى الكافيهات القريبة من الجامعة،
إرتاحت له، وتوطدت بينهما علاقة نبيلة، تبادلا على أثرها أرقام الهاتف، وكان الحب الذى فتح لها مسارات الحنين فى روحها القلقة المعذبة،
كانت خطى الحب بينهما متمهلة، رافضة الإستمرار بوفاتها،
توقف الدكتور عن الكلام،
بعد أن أغرورقت عيناه ، بدمع حبيس،
تغادر الطالبة معتذرة،
وهى تتعثر فى دمعاتها،
التى إنسابت كالمطر .
  • Like
التفاعلات: مراد وريد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى