عزيزة علي - مثقفون وأكاديميون ينعون الموسى: حارس العربية الأمين

عمان- ترجّل فارس من فرسان اللغة العربية، وأستاذ النحو واللسانيات الأستاذ الدكتور نهاد الموسى، وقد نعاه أكاديميون ومثقفون وزملاؤه وطلابه، واصفين الموسى أنه “الحارس الأمين على اللغة العربية، رمزا من رموز علم النحو واللسانيات، وقد أمضى عمره في البحث والحفريات اللغوية، والتدريس والإشراف على طلبة الدراسات العليا”، مؤكدا على أن رحيل قامة من قامات اللغة العربية هو خسارة كبيرة، فقد كان علامة في تخصصه ويسعى باستمرار إلى تطوير نفسه علميا، وأعطى جل وقته للاهتمام بالعربية ونحوها وصرفها، وأشار طلاب الموسى إلى أنهم يشعرون بـ”اليتم الحقيقي، بعد رحيل الموسى”.
الدكتور ابراهيم السعافين الذي تزامل مع الموسى في الجامعة الأردنية كتب على صحفة التواصل الاجتماعي قائلا “يرحل الصديق العزيز الزّميل الدكتور نهاد الموسى، وبرحيله يترجّل فارسٌ نبيل”، مشيرا إلى انه جمعته به صحبة دامت قريبًا من ستّة عقود، فقد “عرفت هذا الرّجل العصامي الذي شقّ الصخر، وأصبح العلم الفرد في مجال تخصّصه، تلهج بفضله ألسنة العلماء والأساتذة والطلاّب”.
كان عالمًا جليلاً، وأستاذًا قديرًا وصديقًا حميمًا، ولسانًا فصيحًا ومتحدّثًا لبقًا وجليسًا أنيسًا دافئًا.
إنّ فقد أبي إياد خسارة وأيّ خسارة. كانت زيارتي الأخيرة له بصحبة الصديق الدكتور محمّد شاهين أشبه بزيارة وداع، قرأت على مسامعه بحضور عائلته براءة منحه الوسام الملكي وسام التميّز من الدّرجة الأولى. قدّرت أنّه كان يسمع ويسعد، رحمك الله يا أبا إياد رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته. نحن محزونون لفقدك أيها العالم النّبيل، وأنت حيّ بميراثك العلميّ الكبير وبسجاياك العظيمة التي ورّثتها للأجيال.
وزيرة الثقافة نعت وزيرة الثقافة هيفاء النجار، العلامة أ.د نهاد الموسى، أستاذ النحو واللسانيات، الذي انتقل إلى رحمة الله أول من أمس الجمعة عن عمر جاوز الثمانين عاما، قائلة ننعى الأكاديمي وشيخ النحاة العرب المعاصرين، د.أ نهاد الموسى، الذي أرسى مدرسة في الوعي والفهم البعيد عن التقليد والنمطية، وعُرف بوعيه وطرحه المتميز كأستاذ جامعي ورمز من رموز علم النحو واللسانيات، مبينة انه برحيل الموسى خسرنا واحدا من الذين قدموا اللغة العربية للعرب وللعالم بأجمل وأمتع القوالب والأساليب والصيغ، وأحد أهم الأشخاص الذين أظهروا جماليات واستخدامات العربية في التفكير والتعبير والحوار، تاركا بصماته التجديدية في علومها وآدابها.
وكتب الناقد الدكتور زياد أبو لبن قائلا “عرفتُ الأستاذ الدكتور نهاد الموسى من خلال مؤلفاته إلى أن حالفني الحظ أن يكون أحد أساتذتي في مرحلة الدكتوراه في الجامعة الأردنية في بداية الألفية الثانية، وقد شغفني حديثه الفصيح باللغة العربية، ولم أسمعه مرّة يتحدث باللهجة العامية المحكية، وكنت أسأل نفسي كيف يا ترى (يفصحن) نكتة بالعامية، ويُلقيها على مسامع أصدقائه ومحبيه؟ هذا من باب الطرافة!
كان حديثه وما يزال يأسر القلوب، ويشغلك بالبحث في اللغة العربية وجمالياتها، بل يحببك باللغة حبا يزيد في معارفك وعلومك وآدابك، وقد أمضى أستاذي عمره في البحث والحفريات اللغوية، والتدريس والإشراف على طلبة الدراسات العليا في عدد من الجامعات.
لقد كان يطرح علينا -نحن طلبة الدكتوراه- مسألة أو مسائل في اللغة، فيحرك فينا الساكن، ويثير السؤال تلو السؤال، فيجد فينا حراكا مدفوعا بحب الاستزادة من علمه، وشغفا إلى حديث لا ينتهي، كان ودودا محبا لطلبته، مشفقا علينا أيما اشفاق في السعي إلى كتابة الأبحاث التي تتبّع قضايا اللغة العربية الحديثة، شغلنا بعلمه وأدبه وخلقه، فكنا نتمثل حركات يديه التي تُعيد للحروف ضبطها، وننطق بفصاحة اللغة كما ينطقها”.
كما كتبت الشاعرة والقاصة أمل المشايخ قائلة “كنت في نهاية السنة الثانية في الجامعة وكان المساق في الصرف العربي، قال لنا: ورد في كتب اللغة أنّ تصغير إبراهيم بريهيم أو أبيره أيّهما تفضلون؟ قلت: بريهيم قال لماذا؟ قلت: لأنّها أكثر دلالة على الأصل. أفرحته الإجابة وكان فصلا دراسيا مختلفا إذ تقف على شاطئ بحر العربية مع أستاذ بقامة نهاد الموسى. يرحل اليوم أستاذنا المفضال ويترك وراءه تاريخًا من العلم والتّربية والنّبل وجميل الخلق. إلى جنات واسعات وارفات تستقبلك ملائكة السّماء استقبالًا يليق باسمك وتعجز عنه حروفي القاصرات”.
من جانبه كتب الدكتور الشاعر والناقد حكمت النوايسة قائلا “أنا مداديَ مختص برثاء الأحياء، مختصٌ بالخوف عليهم منهم… ولم تكن في حياتك من هؤلاء، فقد كنت غيرهم، كانت الصيغة الأولى المبهرة في سؤالك في النحو: اكتبا، ولم تقل: اكتب كذا وكذا…. وعندما تأملت صيغة الأمر، وجدتنا غير واحد أو اثنين، فمن هؤلاء الذين يخاطبهم المعلّم بصيغة المثنى في أمره؟؟”.
على يميني زميلة، وفي أقصى القاعة زميلة… قلت وجدتها. إنّها أنتَ وأنتِ… شيء ما تسلّل إلى نفسي، فقلت لعلّه أستاذي، فأنا لا أنبهر بالسّماع، فأغلبه مبالغ فيه، وهالتك عالية ولكنني لا أنبهر بالهالات… وفي الوقوف على صيغة الأمر تلك، أدركت أنك أستاذي، وتغير الطفل المشاكس الذي يسكنني، وتحولت إلى تلميذ… يحاول أن يكون نجيبا…
عندما تكون صيغة السؤال للمثنى؛ لشمول المذكر والمؤنث، يكون وراء ذلك ما وراءه من نظر، وعرضت الأمر على تربيتي الدينية القرآنية، فلم أجد في ذلك ما يمنع، فنون النسوة مختصة، وواو الجماعة مختصّ أيضا… والنساء لا يكن هن اللواتي يسرجن الخيول ويحملن السيوف، ولا هنّ اللواتي يتحمّلن ثقل المعارك: قراراتها ورحاها..
وإذن، سأكتب كوني واحدا من الاثنين، وستكتب زميلتي كذلك مرتاحة الضمير..
وعندما أتحصل على العلامة الكاملة في الاختبار، لم يكن الأمر يعنيني، فأنا لست درّيسا، أنا سمّاع عندما يكون الذي يُملى يستحقّ السمع… في الاختبار كانت كلماتك مطبوعة أمامي، هكذا، كأنّني أسمع وأرى إليك بسمتك ووقارك تُملي علينا، وتأسرنا باللغة الهادئة الرّصينة”.
ومن فلسطين كتاب الدكتور عادل الاسطى يودع الدكتور نهاد الموسى يقول “تتلمذت على يد الدكتور نهاد منذ كنت طالب بكالوريوس في الجامعة الأردنية بين 1972و1976، فدرست عنده مادتي الصرف والنحو ج، ورسبت في الأولى وأعدتها لأحصل في المرة الثانية على أعلى علامة في الشعبة، وعندما عدت إلى الجامعة نفسها لأدرس الماجستير درست عنده موضوعا في النحو هو باب “الصفة” وفي أثناء دراستي الثانية تعرفت إليه عن قرب. كنا ستة طلاب درسنا المادة في مكتبة قسم اللغة العربية، وكان يكرمنا ويطلب لنا القهوة والشاي ويعاملنا على أننا زملاء لاحقون له. في الأيام الماطرة كان يسألنا عن طريق عودتنا ويبدي استعداده ليقل من كان طريقه الطريق نفسه.
مرة وأنا أتحدث معه أمام مبنى قسم اللغات سألني عما أنوي فعله بعد الحصول على الماجستير، فأجبته بأنني سأعود إلى نابلس أواصل حياتي فيها في السلك التعليمي، فعقب مازحا (لو عاد بي العمر إلى مثل عمرك لسرت في طريق آخر).
تقدير الدكتور نهاد لطلابه واحترامه لهم ومعاملتهم على أنهم زملاء لاحقون له، وهو ما تحقق لبعضهم، حكم سلوكي في تعاملي مع طلاب الماجستير في الجامعة إلا أقلهم..
كان الدكتور علامة في تخصصه سعى باستمرار إلى تطوير نفسه علميا، فسافر إلى جامعات عالمية ليقضي فيها سنوات تفرغه العلمية، وأعطى جل وقته للاهتمام بالعربية ونحوها وصرفها، عندما كنت ألتقي بطلابه الذين زاملوني في قسم اللغة العربية كنا نذكره بالخير وعندما يزوره هؤلاء في أثناء سفرهم للقائه كنت أطلب منهم أن يبلغوه تحياتي. الأستاذ الدكتور نهاد الموسى وداعا”.
الدكتور زياد الزعبي نعى بقوله، “رحم الله أستاذنا الدكتور نهاد الموسى العالم الأنيس المؤنس وأدخله فسيح جناته وجزاه الله عن العربية خير جزاء”، فيما كتب أستاذ الأدب الحديث، قسم اللغة العربية وآدابها -كلية الآداب في جامعة اليرموك الدكتور نبيل حداد قائلا “ينعى كرسي عرار للدراسات الثقافية والأدبية في جامعة اليرموك بمزيد من الحزن والأسى العالم اللغوي الجليل والأكاديمي الكبير: الأستاذ الدكتور نهاد الموسى، وإذ نستذكر عطاءه العلمي المتميز وإسهامه المتفاني في خدمة اللغة العربية وأبنائها لندعو الله أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته وأن يلهم أسرته وآله وذويه وطلابه ومريديه وزملاءه وكل من تتلمذ على يديه جميل الصبر وحسن العزاء”.
أما عضو مجلس أمناء جامعة الحسين بن طلال الأستاذ الدكتور سلطان المعاني يقول “تعود صلتي بأستاذي إلى العام 1981م، حيث تتلمذت على يديه في الجامعة الأردنية في مادة نحو 3، وكان أن طلب إلينا قراءة بحثه حول (الاستثناء) في مجلة دراسات، وكان البحث ينوف على 70 صفحة، وكان علينا تلخيص البحث في صفحة واحدة، وكنا وقتها نكتب بخط اليد، وكنت قد نلت العلامة الأعلى بين الطلاب، حيث أثنى على التلخيص وطلب إلي قراءته أمام الطلبة. رحم الله أستاذ الأجيال وجزاه عنا خير الجزاء، وأدخله فسيح جناته”.
أستاذ اللسانيات التطبيقية في الجامعة الهاشمية عيسى برهومه كتب: “ما أصعب أن أصوغ نعيا في شيخي وأستاذي نهاد الموسى!، وأنا الذي كنت أستظل بنور حضوره، وبهاء بيانه، أنّى لواحد مثلي أن يسترفد التماسك حيال هذا النبأ الجلل؟؟، وكيف يمكن أن أجمّع ما تبعثر من أشلاء الذكريات؟، تتقازم كل الحروف -أستاذنا -أمام مرآك السني، كنت تعلمنا أن اللغة شموخ وسمو وهوية ناطقة، فترعرعنا على شغفها وحراسة حرمتها من صروف الدهر وصدأ العجمة، يا أبانا. نشعر باليتم الحقيقي، وكل الطرق الآن لن تؤدي إلا إلى الفاجعة، وأغصان الروح ذابلة، وحروف اللغة تعزف لحن الوداع على سادنها وأبي بجدتها وموسيقار البيان”.




1656870571084.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى