المصارعة الحرة عالم واسع سعة بحر، شاسع كانه سماء، يمكن ان تجد فيه جميع اصناف النساء ، المحبة والباغضه والمتواضعة والمتعجرفة والقوية والدعية والوقور والتافهة ، غير اني وللحق لم ابغض مصارعات مثل من اصبن بداء الغرور والتباهي.
في بداية مشواري الشاق، الطويل، كان حلم حياتي ان تدخل المصارعة بلادنا واكون احدى لاعباتها وبطلاتها المميزات، حلم مثل اية امنية تداعب مخيلة من تمتلك عزما وطموحا، كنت اسافر واقطع مائة ميل كي اتدرب في ناد في محافظة اخرى، مع اولى ثلاثين مصارعة عراقية.
احتضنتني الفتيات بكل ألفة وجمال، ولم اشعر اننا جئنا لنتصارع، فللصداقة وقت، والمزاح وقت، والتنفيه عن النفس بالخروج حين ، وللمصارعة أوان، دون ان يفسد الصراع شيئا من حب بيننا كصديقات.
كنت قد صرعت خمسا من منافساتي، ورشحت للعب على بطولة العراق، ورغم قوتهن وشدة بأسهن، لم اجد فيهن حقدا علي او بغضا لي، ولربما طوت انفسهن شيئا من حزن للخسارة، وهذا امر معتاد لكل خاسر .
حين حلت المنافسات على بطولة العراق، تقاطرت المصارعات من محافظات شتى، كنا نتدرب سويا، َنحن بمختلف اوزاننا، وكان علي مواجهة نغم، وايثار، وتمارا، وحنان للفَوز ببطولة العراق.
لست ادرك ما الذي كان ينتاب حنان، تلك التي تفوقني وزنا بقليل، والتي صرعت بنات محافظتها وجاءت منافسة لي، لم اك ارتاح لنظراتها وتصرفاتها معي، فانا لا اعرفها ولا اذكر انها بادرت بالتعرف علي مثل باقي البنات، كانت تتصرف وكأن الامر محض عداء شخصي بيننا او ثأر قديم او كراهية عميقة ، حتى اني بت استذكر ان كنت قد التقيتها يوما في موقف حاد، فلم تسعفني الذاكرة بلقائها مطلقا.
مع الايام، تحول الامر الى كلمات ومحاولة اثارة غضبي واستفزازي، فهي وكلما مرت بقربي تتلفظ بكلمات جارحة، تنفس عن خقزها بالقول : خسارة.. خسارة..
ثم اخذت تنصحني بالانسحاب، وهي تؤكد : اسالي صريعاتك السابقات قبل صرعتك المؤكدة امامي..
كالعادة كنت الاقي كلامها بالضحك والصمت وانا انظر لها مليا، وهو ما اثار غضبها اكثر واكثر، فباتت تزيد من كلماتها دون ان اجيبها بحرف سوى بسمة ثقة ترتسم على وجهي.
كادت ان تنفجر غضبا وهي تجلس بجانبي وتقول لي :
-ان من صالحك يا حبيبتي الانسحاااب.
-ولم ذلك يا غاليتي؟ لم انسحب من نزالك؟
- لانك لم تعرفي مصير خصماتي، كلهن رفضن مصارعتي بعد ان لقنتهن درسا لن ينسينه البتة.
- انظري غاليتي، البساط هو الفيصل، والحلبة هي التي تحكم، وهي التي سترينا الصارع من الصريع...
كان قد اشتد بها الغضب، َخاطبتي بحدة : اسالي صريعتي نوال، البطلة المعروفة، ستقول لك ماذا صنعت بها..
قاطعتها بالقول : انا لا اعرف سوى طيبة ولا اثق بسواها، ولا اخاف الا منه تعالى، فعلام هذا الفائض من الكلام.. اصمتي ودعي الحلبة تتكلم..
نهضت وتركتها كالبركان الهائج، وذهبت الى غرفة الاستراحة، واخذت قسطا من الراحة، ثم سرعان ما وجدتها قربي وهي تنظر الي شزرا وتقول :
خسارتك ستكون فادحة طيوب..
لم اجبها بغير كلمة البساط، وتركتها، وصرت اطالع قصة احبها، غير مكترثة بوجودها البتة.
كان يوم النزال يوما مهيبا، فهو اول يوم لي على بطولة العراق، شاءت فيه الصدف ان تكون حنان خصمتي الأولى، ولا اعرف الشعور الذي انتابني، ففي داخلي بركان يكاد ينفجر، وعلى وجهي بسمة تغيظها وهدوء يكاد يفجرها تماما.
ما ان بدأ النزال، حتى امسكت بها، كانت تحاول دفعي بكلتي يديها لاسقط، لكن ظهري بقي مستقيما ولم اتزحزح شبرا واحدا، وهي كمن يحاول تحريك صخرة من موضعها دون جدوى.
التففت من حولها وطوقت بطنها واسقطتها ارضا، ثم رفعتها ورميت لها ملتفة بها لاكسب نقطتين فاربع نقاط وست نقاط، لم يكن الجمهور ليسمع غير صوت ارتطامها بالارض ولم اك اسمع غير تأوهاتها ، مع تطويقي التام لجسدها وسيطرتي عليها وتلاعبي بها كما اشاء، فاصبحت تحت سطوتي تماما، تتافف ولا تدري ما تصنع، حتى اذا ما شئت تثبيتها، حسم الحكم النزال بفوزي بعدم التكافؤ بيننا، وهي اقسى وأسوأ خسارة للمصارع بشكل مطلق.
حين رفع الحكم يدي للفوز، كانت تحاول الوقوف بصعوبة تامة، حتى انها كادت ان تسقط تعبا وارهاقا وانعدام توازن، في حين كنت اشعر اني سيدة اللعبة وعلى استعداد لمصارعة جميع النساء دون تردد.
حين اصبحنا لوحدنا في حجرة اللاعبات، مر بمخيلتي شريط تصرفاتها، وكلماتها واستفزازها وتجريحها ، فاستدرت نحوها وقلت لها : المنتصر من يضحك اخيرا اليس كذلك، لم اجد شيئا من قوتك على البساط، لم تثبتي وجودك عليه، بل حولتك لمتفرجة اتلاعب بك كما اشاء، اين قوتك، اين لعبك؟ ارني اياها؟؟
لم تتكلم بشي ولم تنطق حرفا، جلست قربها وسألتها : من المنتصر الان؟ اجيبي.
قالتها بخجل تام وبعد تردد وهي مطأطأة الرأس : انت يا طيوب.
اجبتها: البساط الذي تحولت عليه الى خرقة بالية هو الذي يحكم، وليس الصراخ والزعيق، اظن ان الدرس الذي لقنته اياك كان وافيا، وانا مستعدة لمصارعتك ولو في عقر دارك في اي وقت..
لم تفعل شيئا سوى التافف، وفكرت في ان اطوقها والتف حولها من جديد وانتزع منها كلمات استسلام اشفي بها غليلي ، لكني وجدتها في حال يرثى له حقا وهي تغادر الحجرة بخطى ثقيلة ساحبة اذيال الخيبة والهزيمة، فتركتها، اذ يكفي ما تذوقته من مرارة وعذاب على البساط.
استبدلت ملابسي، وغادرت نحو داري، وانا احمل لامي هدية جميلة، مثل جمال وجودها وبسمتها الحنون التي ستلاقيني بها، سر قوتي وثقتي بنفسي.
في بداية مشواري الشاق، الطويل، كان حلم حياتي ان تدخل المصارعة بلادنا واكون احدى لاعباتها وبطلاتها المميزات، حلم مثل اية امنية تداعب مخيلة من تمتلك عزما وطموحا، كنت اسافر واقطع مائة ميل كي اتدرب في ناد في محافظة اخرى، مع اولى ثلاثين مصارعة عراقية.
احتضنتني الفتيات بكل ألفة وجمال، ولم اشعر اننا جئنا لنتصارع، فللصداقة وقت، والمزاح وقت، والتنفيه عن النفس بالخروج حين ، وللمصارعة أوان، دون ان يفسد الصراع شيئا من حب بيننا كصديقات.
كنت قد صرعت خمسا من منافساتي، ورشحت للعب على بطولة العراق، ورغم قوتهن وشدة بأسهن، لم اجد فيهن حقدا علي او بغضا لي، ولربما طوت انفسهن شيئا من حزن للخسارة، وهذا امر معتاد لكل خاسر .
حين حلت المنافسات على بطولة العراق، تقاطرت المصارعات من محافظات شتى، كنا نتدرب سويا، َنحن بمختلف اوزاننا، وكان علي مواجهة نغم، وايثار، وتمارا، وحنان للفَوز ببطولة العراق.
لست ادرك ما الذي كان ينتاب حنان، تلك التي تفوقني وزنا بقليل، والتي صرعت بنات محافظتها وجاءت منافسة لي، لم اك ارتاح لنظراتها وتصرفاتها معي، فانا لا اعرفها ولا اذكر انها بادرت بالتعرف علي مثل باقي البنات، كانت تتصرف وكأن الامر محض عداء شخصي بيننا او ثأر قديم او كراهية عميقة ، حتى اني بت استذكر ان كنت قد التقيتها يوما في موقف حاد، فلم تسعفني الذاكرة بلقائها مطلقا.
مع الايام، تحول الامر الى كلمات ومحاولة اثارة غضبي واستفزازي، فهي وكلما مرت بقربي تتلفظ بكلمات جارحة، تنفس عن خقزها بالقول : خسارة.. خسارة..
ثم اخذت تنصحني بالانسحاب، وهي تؤكد : اسالي صريعاتك السابقات قبل صرعتك المؤكدة امامي..
كالعادة كنت الاقي كلامها بالضحك والصمت وانا انظر لها مليا، وهو ما اثار غضبها اكثر واكثر، فباتت تزيد من كلماتها دون ان اجيبها بحرف سوى بسمة ثقة ترتسم على وجهي.
كادت ان تنفجر غضبا وهي تجلس بجانبي وتقول لي :
-ان من صالحك يا حبيبتي الانسحاااب.
-ولم ذلك يا غاليتي؟ لم انسحب من نزالك؟
- لانك لم تعرفي مصير خصماتي، كلهن رفضن مصارعتي بعد ان لقنتهن درسا لن ينسينه البتة.
- انظري غاليتي، البساط هو الفيصل، والحلبة هي التي تحكم، وهي التي سترينا الصارع من الصريع...
كان قد اشتد بها الغضب، َخاطبتي بحدة : اسالي صريعتي نوال، البطلة المعروفة، ستقول لك ماذا صنعت بها..
قاطعتها بالقول : انا لا اعرف سوى طيبة ولا اثق بسواها، ولا اخاف الا منه تعالى، فعلام هذا الفائض من الكلام.. اصمتي ودعي الحلبة تتكلم..
نهضت وتركتها كالبركان الهائج، وذهبت الى غرفة الاستراحة، واخذت قسطا من الراحة، ثم سرعان ما وجدتها قربي وهي تنظر الي شزرا وتقول :
خسارتك ستكون فادحة طيوب..
لم اجبها بغير كلمة البساط، وتركتها، وصرت اطالع قصة احبها، غير مكترثة بوجودها البتة.
كان يوم النزال يوما مهيبا، فهو اول يوم لي على بطولة العراق، شاءت فيه الصدف ان تكون حنان خصمتي الأولى، ولا اعرف الشعور الذي انتابني، ففي داخلي بركان يكاد ينفجر، وعلى وجهي بسمة تغيظها وهدوء يكاد يفجرها تماما.
ما ان بدأ النزال، حتى امسكت بها، كانت تحاول دفعي بكلتي يديها لاسقط، لكن ظهري بقي مستقيما ولم اتزحزح شبرا واحدا، وهي كمن يحاول تحريك صخرة من موضعها دون جدوى.
التففت من حولها وطوقت بطنها واسقطتها ارضا، ثم رفعتها ورميت لها ملتفة بها لاكسب نقطتين فاربع نقاط وست نقاط، لم يكن الجمهور ليسمع غير صوت ارتطامها بالارض ولم اك اسمع غير تأوهاتها ، مع تطويقي التام لجسدها وسيطرتي عليها وتلاعبي بها كما اشاء، فاصبحت تحت سطوتي تماما، تتافف ولا تدري ما تصنع، حتى اذا ما شئت تثبيتها، حسم الحكم النزال بفوزي بعدم التكافؤ بيننا، وهي اقسى وأسوأ خسارة للمصارع بشكل مطلق.
حين رفع الحكم يدي للفوز، كانت تحاول الوقوف بصعوبة تامة، حتى انها كادت ان تسقط تعبا وارهاقا وانعدام توازن، في حين كنت اشعر اني سيدة اللعبة وعلى استعداد لمصارعة جميع النساء دون تردد.
حين اصبحنا لوحدنا في حجرة اللاعبات، مر بمخيلتي شريط تصرفاتها، وكلماتها واستفزازها وتجريحها ، فاستدرت نحوها وقلت لها : المنتصر من يضحك اخيرا اليس كذلك، لم اجد شيئا من قوتك على البساط، لم تثبتي وجودك عليه، بل حولتك لمتفرجة اتلاعب بك كما اشاء، اين قوتك، اين لعبك؟ ارني اياها؟؟
لم تتكلم بشي ولم تنطق حرفا، جلست قربها وسألتها : من المنتصر الان؟ اجيبي.
قالتها بخجل تام وبعد تردد وهي مطأطأة الرأس : انت يا طيوب.
اجبتها: البساط الذي تحولت عليه الى خرقة بالية هو الذي يحكم، وليس الصراخ والزعيق، اظن ان الدرس الذي لقنته اياك كان وافيا، وانا مستعدة لمصارعتك ولو في عقر دارك في اي وقت..
لم تفعل شيئا سوى التافف، وفكرت في ان اطوقها والتف حولها من جديد وانتزع منها كلمات استسلام اشفي بها غليلي ، لكني وجدتها في حال يرثى له حقا وهي تغادر الحجرة بخطى ثقيلة ساحبة اذيال الخيبة والهزيمة، فتركتها، اذ يكفي ما تذوقته من مرارة وعذاب على البساط.
استبدلت ملابسي، وغادرت نحو داري، وانا احمل لامي هدية جميلة، مثل جمال وجودها وبسمتها الحنون التي ستلاقيني بها، سر قوتي وثقتي بنفسي.