محمد محمود غدية - امرأة الزمن الجميل

الشمس لملمت أثوابها، إستعدادا لرحلة الغياب، تخفف المقهى من الرواد،
أفرغ فنجان قهوته الثالث فى جوفه دون إستمتاع، نظر بغضب إلى علبة سجائره الفارغة، وإلى المحترق منها فوق المنضدة، طوى الصحيفة إستعدادا للمغادرة، أوقفته أربعينية تفيض ملاحة، لينة العود، فى خطواتها عشق، حين أنشط ذاكرته، تذكرها وسط جلبة وصخب المقهى، كيف كانت تدير الرؤوس أينما ذهبت، لاشئ تبدل سوى بعض تعب، وشجون تركت آثارها بوجهها النضر، كانت تجاوره وأسرتها فى السكن، كان يضبط وقت خروجها بالدقيقة والثانية، ليفوز باإبتسامتها وهى تلقى عليه السلام، حتى تزوجت وسافرت مع زوجها وإنقطعت أخبارها، سرى الدفء فى أوصاله، وإزداد بريق عينيه الواسعتين، لم يتزوج ولم تغب إبتسامتها الأشبه بكوب حليب يشرب فى صباح يوم رائق، طال إنتظاره لما لا يأتى !
آية قوة تجعل العازف يعزف بقوس منزوع الوتر، وإستغاثة يكتبها ملهوف فيخطئ ساعى البريد العنوان،
تركته يتكلم دون أن تقاطعه، كانت روحه تتطهر بالتخلص من قسوة الأثقال، ومرارة الوحدة، هى الأخرى تجرعت الغربة وخيانة زوج لم يراعى قدس الزوجية، كلاهما تجرع الوجع،
آى سحر هذا الذى تسلل فى بهو روحيهما، نظرت إلى عينيه الممتلئتين بأشواق لا توصف بكلام، عيناها تفيض بنزق حلو، يتسكعان فى بساتين البهجة ويقلبان فى دفتر الحلم، حتى إبتلعهما الطريق الممتد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى