محمد حامدي - نونية التنجدادي

إلى أستاذنا الكبير محمد علي الرباوي

<><><><><>


قال ابن منانة: حدَّثَني حمزةُ بن زُنانَة عن الشِّقِمّي أبي لُبانَة قال:
"كنا قوماً نقول شعْراً كما اتُّفِق، ونكتب نثراً كما اتُّسِقَ ، ولا نولي اهتماماً ولا أمراً لما عُلِّق. حتى نزل فينا ابن علي التنجدادي، وبين لنا الفرق بين الشامي والبغدادي، ومن يومها ونحن نتباهى أمام الأعادي، موقِّعين أشعارنا بطرق الأيادي. سنَّ لنا شرْعاً تشرئبُّ له المُقَلُ ، وتتكحَّلُ بقوافيه الجُمَلُ ، أوَّلُهُ سُكْرٌ وآخِرُه هَبَلُ. أخَذَنا على حين غرَّة، عِطاشاً كنا ولا ماء في جرّة ، وجياعاً ظللْنا ولا أثر لهِرَّة. كان فينا التأتاءُ ومَنْ لسانه ألثَغُ ، ومن في الكلام أفصحُ وأبلغُ، ومَنْ مِنْ فؤاد أمِّ موسى أفرغُ. وحدث أن جمعنا ابن علي يوْماً ، وأمْطَرنا نصحاً ولوماً ، وقال ما لا يبقى كتْماً:
" دعوْتُكُم اليوم إنَى أمْرٍ هاجَتْ به خاطرتي ، وأنتم أهْني وخلاني وعشيرتي . ترَكتُ فيكم الهبلَ سراجاً ، والعروض منهاجاً ، وقدْ شبعتُ عندكم دجاجاً . ما ني عندكم سوى وحيد الطلبِ، أقيموا ني تمثالا من الخَبَبِ ، وإن تكرّّمْتُم تفَسَّحوا ني في الخُطَبِ"
قال أصغر قوْمِنا :"نراك تُكثِرُ في لومِنا، وقد لحنت في قولك رغم نقص علمنا . فالعرب تقول "دعوتكم اليوم إلى" ، وليس كما قلتَ "دعوتكم اليوم إنَى ، وتقول "أقيموا لي " وليس كما نطقت "أقيموا ني"، وكذا " تفسحوا ني "و" أهني" وكذا وكذا.."
قال التأْتاءُ أبو الفلَجاتِ ، العارفُ بأسرار اللهجات: " يا قوْمُ ، لا تذهبوا هذا البِعاد، فالرجل كما تعرفون من تنجداد. لامُهُم نونٌ مع ياء المتكلم ، وتغلب الغنة عندهم في كلام غير المتعلم ، فهل غادر ابن علي من متردم؟"
شرحَ التأتاءُ وكفى، وصافحَ ابنَ علي وعفا، وأنشدهُ ما كان علَيْه قدْ نفى:
"أراكَ طريحَ الخبن شيمتُكَ الوقْفُ ٨٨ أما للهوى نحْوٌ عليكَ ولا صرْفُ؟
بلى ذلكمْ ما لا تَطيقُ نوازعي ٨٨ ولكنَّني أَنْحو بما شاءَهُ الحَرْفُ.
إذا الشعْرُ أَقْواني حَشَوْتُ عَروضَهُ ٨٨ وقُلْتُ كفاني فيه ما قالَهُ العُرْفُ."
تَطَرَّبَ القوْمُ بما سمعوا، وكرَّروا ذلك حتى شبعُوا، وشكروا ابن علي بما وُسِعوا، فهَمَّ يستعْجلُ سيارته إلى حاسي بلال، حيث تفقد سجنه وما ضمَّ من رجال، وواعد بفك سراحهم في أقرب الآجال. أما القوم فقد صرفوا له دَنّاً من البنزين، وزوَّدوهُ بألذِّ الطواجينِ، ودَعَوْا له بالعافية في كل قادِمٍ وحين."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى