نهلة أبوالعز - سر صادق

من خلف زجاج نافذة مُغلقة دائماً أراهم، ظلال تتحرك أمامي، ظهرها دوماً محني وتستند على عصَا، هو يبدو أكثر قوة منها، هذا المنزل القديم له حديقة واسعة، وعندما أنتقلنا للسكن في الحي لفت نظري، مَنزل مكون من طابق واحد وحديقة كبيرة يسكناه معاً منذ زمن.
أهل الحي يعرفون جيداً السيد صادق وزوجته، ولكنهم يجهلون لماذا لم يُنجبا، وعاشا منفردين، بصمت وهدوء يمران معاً لقضاء أغراضهم من الخارج كل يوم أحد، ولا يخرجان ثانية.
من ضمن طقوسي اليومية التلصص عليهم، فهم نموذج غريب عليّ، في وقت الصباح يتعناقان يجلسان في الحديقة لشرب القهوة، وفي الظهيرة يختفيان حتى المغرب، يقوم هو برعاية الأشجار وهي تتابعه من بعيد، وجبة ثانية بعد المغرب في الحديقة أيضاً تجمع الغذاء والعشاء، تضع سيدة ممتلئة القوام وقصيرة أمامهم بعض الأطباق، ثم تلمم الباقي وترحل من البوابة قبل آذان العشاء، يبقى هو في الحديقة وتختفي هي لمدة ربع ساعة لتعود وقد ارتدت قميص نوم بأكمام طويلة، تجلس على مقعدها بجواره وتبدأ الحديث معه.
هذا المشهد يتكرر يومياً بلا نُقصان، في يوم ما شعرتُ بالملل وقررت أن أمارس نوعاً آخر من التلصص.
أنتظرتُ السيدة التي تقوم على خدمتهم وسألتها: حضرتك بتشتغلي هنا من زمان؟
ردت بسماحة: عمري كله ومش فاكرة كام سنة.
-طيب ممكن أعرف هما ليه عايشن لوحدهم؟
- لأنهم رفضوا زيف الحياة، صادق بيه كان محامي كبير، والست هانيا كانت صاحبة قضية عنده، اتعرفوا على بعض، وتزوجوا بعد أن طلقها من زوجها السابق، لكن أنتِ بتسألي ليه؟
- أبداً .. مجرد فضول.
- هما بعد الزواج سكنوا هنا وعرفت والله أعلم أن البيه كسب قضية كبيرة جداً كانت مصر كلها بتتكلم عنه، وبعدها قفل المكتب وأعتزل الناس وقال: كفاية زيف لغاية هنا، لما سألته يعني إيه زيف؟
ضحك وقال: حاجة وحشة الطيبين اللي زيك يا صالحة ميعرفهاوش.
وقامت وهي تقول :فتك بعافية بقى أنا لازم أروح.
لم يزيدني حديثها إلا فضولاً؛ قمت وبحثت عن أسم صادق السعيد المحامي، ووجدت معلومات كثيرة أهمها أنه طلق هانم من زوجها بإدعاءات باطلة حتى يتزوجها، وأنه كان السبب في خروج أكبر تاجر سلاح من محبسه رغم إدانته، والأهم أن أبنه الوحيد قتلته المُخدرات بعد رحلة إدمان وسجن، والأغرب هذا الخبر: براءة صادق السعيد المحامي المعروف من تُهمة الإتجار بالآثار، ومساعدة مجرمين هاربين من العدالة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى