د. عبد المجيد أحمد المحمود - قراءة مقتضبة في مفهوم وعطاء (قصيدة) النثر

نتذكر الكثير الكثير من شعراء الشعر العمودي التقليدي...
نحفظ الكثير من الأبيات الشعرية لهم على امتداد مسيرة الشعر العربي منذ مرحلة الشعر الجاهلي و حتى منتصف القرن الماضي...
بعد ذلك التاريخ بدأ ظهور شعر التفعيلة و الشعر الحر و النثر الشعري ككيانات مهيكلة...
هنا نتذكر بعض شعراء قصيدة التفعيلة
و بشكل لا يقارن على الأقل من ناحية الكمّ بمن و بما نحفظ فيما يخص أصحاب الشعر العمودي...
لكن مع ذلك نحن نحفظ بعض الأبيات لنزار قباني و السياب و نازك الملائكة و محمود درويش.....الخ.
شعر التفعيلة لم نستطع رفضه حقيقة لأنه يحمل روح الشعر العمودي...
ناهيك أنه يدخل الوجدان و يستطيع العيش في الذاكرة و إن كان في الذاكرة قصيرة الأمد...
لكن ترى ما سر ما نسميه اليوم قصيدة النثر أو النثر الشعري حسب ما يطلق عليه بعض الأدباء و النقاد؟!
إن ما نراه من تفاعل مع هذا الشكل الأدبي ينضوي تحت نمطين:
النمط الأول: و هو نمط التعاطي الانفعالي السريع المتأثر بزخم الصور الشعرية و التي بعضها قد يبلغ مرحلة الاكتمال و النضوج و الروعة و بعضها خياليٌّ جدّا إلى درجة عدم منطقية تلك الصور...
و هذا النمط خاص بالقارئ العادي الذي لا يكاد يغادر القصيدة( إن جاز لنا اعتبارها كذلك) حتى ينسى كل ما قرأه و تنتهي كل تلك الانفعالات.
و للتو و اللحظة تموت عندها تلك القصيدة كما تذوب قطعة من الآيس كريم اللذيذ في يوم صيفي حار جدا.
النمط الثاني: و هو يختص بالقارئ النوعي المتخصص و الناقد الأدبي المتفرغ
و الذي لا يفتأ يحلل و يقارن و يمجد و يتغزل بهذه النصوص أو بالعكس يشبعها انتقاصا و انتهاكا و رفضا
و في كلتا الحالتين يخرج هذا الناقد و هو غير قادر على تذكر أو حفظ بعض المقاطع الصغيرة من هذه القصائد.
فأين يكمن العيب ترى؟
و هل يجوز لنا فعلا أن نطلق اسم قصيدة على هذا النثر؟
و إذا كان تلاقح الثقافات قد أخرج لنا منتجا كهذا فهل من الضروري أن نلصق به اسم القصيدة؟
و الأهم من ذلك هل استطاعت قصيدة النثر حتى الآن ملامسة هواجس و مشاكل و أحلام و نبض الشارع العربي؟
هل وصلت إلى ضمير الجماهير كما فعل الشعر العمودي و شعر التفعيلة؟
أم أنها نمط أدبي نخبوي بامتياز؟
لا شك أن أهم ما يميز بعض ما يكتب من نثر شعري
هو تلك الصور الشعرية الجميلة التي تكتظ بها النصوص
و لو نظرنا إليها بشكل مجرد-دون افتراض أنها ينبغي أن تؤدي غرضا أو رسالة-
فإننا سنجد أنها تحمل سمات الإبداع و مواصفات الجمال
لكننا لو حاولنا ربط تلك الصور برسالة معينة أو بهدف معين أو حتى لو حاولنا أن نحصرها في قراءة معينة أو شرح محدد
فإننا سنجد عندها
أننا نتوه
بل و تتوه معنا القصيدة
و نغرق معا في بحر لجي من التكهنات و السبل و التفسيرات و التعليلات.


د. عبد المجيد أحمد المحمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى