محمد محمود غدية - حين تنعس الأقمار

كان لا بد أن يكلل حبهما بالزواج، ويعيشا متعة التوافق والحياة المثلى، حتى برز لهما القدر من مكمنه، مكشرا عن أنيابه، معترضا طريقهما وهو لا يحالف إلا ليغدر، أخبرته وهى فى قمة فرحها عن حملها، يصرخ بوجهها لا بد من إسقاطه، مازلنا فى أول الطريق لم نبلغ بعد النجاح، لتصرخ من بين دموعها : أنه لا قيمة لأى نجاح دون أطفال، ويشتد النقاش ويصلا لطريق مسدود ويطلقها، وتعود لبيت أسرتها وتنجب طفلة تشبهها كالقمر، غير مصدقة لتلك النهاية المروعة، وهى من أحبته، كان لا يأكل إلا من يدها، حتى ملابسه هى التى تختارها، مادحا طول الوقت ذوقها الرفيع، تعيش على موارد روحه، كيف أطلق رصاصاته بهذه الوحشية وحذف بكلمة كل ماكان بينهما من حب ؟
مازالت تعيشه حتى اللحظة فى صورة إبنتها التى أصبحت فى الرابعة من عمرها يتيمة الأب، فاليتم ليس فى أب مات، وإنما فى أب تخلى، الوجع يتمدد فى كل ماحولها، تذكرته فتراجعت إبتسامتها، وتقلصت ملامحها وهى تكبح دموعا أوشكت على السقوط، تناولت صحيفة فرغ من قراءتها زميلها فى العمل، أو ربما تركها ضجرا، المانشيتات غاضبة، أعاصير وزلازل وبراكين تغرق مدنا كاملة، غضب الطبيعة لا يقاوم، غضب الإنسان يمكن مقاومته، ترتشف آخر قطرة من فنجانها الثانى، وهى تقلب فى دفاتر الوجع، كيف للحب أجنحة، وللفراق مخالب ؟
لا أحد فى مقدوره أن يعرف تصاريف القدر، الذى لا يعطى إلا ليأخذ ؟
كيف قتل بداخلها أنبل المشاعر التى إدخرتها لأجله، حاولت أن تطوى دفتر الوجع لكنها لم تفلح، كلماته مازالت فى سمعها : دونك أجف أموت !
- المرآة طبعت على وجهها قبلة الحياة، مازالت جميلة تبادلها الإمتنان لعينيها الجميلتين الواسعتين، وشعرها الذى مازال ينعس فيه الليل،
تحيطها جاذبية وهالة من الفتنة الهادئة التى لايدرك من يراها من أين تأتى ؟
مزقت ستائر العتمة من نوافذ غرفتها، وبدلت أثواب الوجع، كأنها مهرة مجنحة، تجر مركبة مذهبة، بها طفلتها الجميلة التى تنعس الأقمار والشموس فى خصل شعرها القصير، والتى فى ضحكها وركضها، قطرات من حياة تسرى فى حنايا قلبها الرافض للإنكسار، والعيش على أطلال الوجع .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى