علي الجنابي - قراءة في قصة (زوبعة) للكاتبة إيمان السيد

(زوبعة) عنوان حاز على العنونة النموذجية من ناحية التنكير والأفراد.. وقد مثل مدخلاً للنص وبوابة الشروع إليه من خلال استعراض المعنى ومواطن الإستخدام. حيث تعني (زوبعة):
1. الريح التي تثير الغبار من الأرض إلى أعلى بشكل اسطواني.
2. تعني الرياح والأعاصير الشديدة.
3. تستخدم في السياسة للإشارة إلى إثارة الأمور من لا شيء.
4. هنالك من يشير إلى أحد ملوك الجن واسمه (زوبعة) وكنيته أبو النور ويقال له الملك الأبيض، وخادم يوم الجمعة... وهذه الفقرة مهمة في الوصول إلى أحد مرامي السرد.
5. وفي المنام تعني الغرق والخسارة والفاجعة.
......................

النص/
جاء بالقصصية، وحقق الجرأة، والتزم الوحدة، وأحسن التكثيف، وأوجد المفارقة، وأتى بالفعلية، وقدم الإنزياح، ونال السخرية، واستدرك الدهشة،، وطفح بأنسنته وسما بترميزه وتلغيزه وإيحائه وتلميحه... حتى ختم بتوهج على قفلة منزاحةٍ محيرةٍ، مع طرافة اللقطة ورشاقة سبكها ومتانته.

يتبادر لذهن القارىء أول مرةٍ إلى أن الكاتبة تتحدث عن مسافر بضمير الأنا؛ لأنها استهلت نصها بالقول (وقف بين الجموع في مهب الريح)، والفعل وقف يتضمن معنى معرفة الراوي بحال البطل عند الوقوف.. إلا أنَّ إعادة النظر في القراءة أكثر من مرةٍ يستوجب الاعتقاد بعودة البطل وليس رحيله، لا سيما مع وجود القرائن وكما في الجملة التي تلي وما بعدها.
أما ما نستشفه من إيحاءاتٍ في جملة المستهل فإنها جاءت لتشير إلى مدى تشتت الرؤى وكذلك الرؤية للناظر والمنظور..
وتشير أيضًا إلى المشاعر المبعثرة لدى القادم أو الذاهب، فهو مسافرٌ في الحالتين. كذلك تشير وبقوةٍ إلى المصير الذي تعصف به الزوابع والريح من كافة الاتجاهات.
أما (لوح بقبعته، عرفته ! ) هذه الجملة تدل بشكلٍ واضحٍ إلى أن البطل في طريق العودة وليس السفر.. وقد وضعت الكاتبة علامة التعجب للتركيز والاستدلال على هذا المقصد، أي مقصد التّعرّف على القادم. كون معرفة الذّاهب او المسافر أمر بديهي.
(صرختُ، عاد الصدى شاحباً) هذه الجملة تشير كذلك إلى أن البطل عائد وليس مسافر، وأنها مستقبلةٌ وليست مودعةٌ.. فقولها :صرخت. يستدعي هذا التفسير. فالمودع لا يصرخ عند توديع صاحبه؛ بل يصرخ من يستقبل صاحبه لشدة فرحه وشوقه إليه. أيضًا الفعل (عاد) يدل بكل تأكيد على ذلك.
أما الصدى فهو رجع الصوت، وصوت البوم ، وهو العطش الشديد، وهو الصيت والشهرة، وهو طائر خرافي زعموا أنّه يخرج من رأس القتيل فينادي بثأره حتى يؤخذ له.. وأيضا الصدى : هو الحَسَنُ القيام على الشيء.. بمعنى آخر هو ولي الأمر أو رب البيت القائم بأمره.
وشاحباً : اسم فاعل من شَحَبَ و شَحُبَ ، ومعناه : النحيل ، الهزيل ؟ متغير اللون ، فاقد النظارة.
(بعد أن ارتطم بلسان عارفة) هذه الجملة المنزاحة التي استقت راديكاليتها من فعل الارتطام الذي يولد صدمةً وارتجاجاً ودوياً، ولا يناسبه من الواقع غير ما تطلقه العرافة على لسانها من غيبيات أو خزعبلات شغلت الواقع فأصبح حافلاً بهذه المفاهيم والمعاني.. وبذلك تعلقت الخاتمة بالعنونة، لاسيما في الفقرة (4 ) التي تشير الى اسم أحد ملوك الجن كما أسلفنا ، وأيضاً من خلال ما يوسمُ به الجن أحياناً من أنًه (ريح)، كون العرافة تتكلم بلسان الجن وعن الأرواح والريح وماشاكلها.

ختاماً أحيي كاتبة النص المبدعة إيمان السيد لجمالية نصها والتزامها بمعظم خصائص القصة القصيرة جداً. وأيضاً لما أثاره نصها من رؤى اختلفت تارة واتفقت تارة، فأثرتْ ميدان القصة القصيرة جداً بانطباعات شيقة ومبان نافعة.

...................
علي الجنابي – العراق


النص:

زوبعة
وقف بين الجموع في مهبِّ الريح، لوَّح بِقُبَّعَه، عرفتُه،
صرخْتُ، عاد الصّدى شاحباً، بعد أن ارتَطَمَ بِلسانِ عرّافة.
إيمان السيد


.......................
قصة (زوبعة) للكاتبة إيمان السيد الحائز على المركز الأول في المسابقة 4 لعام 2017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى