عصري فياض - أكذوبة الوحدة الوطنية بقلم / عصري فياض

هل التنظيمات تكذب؟؟ نعم تكذب،ولا تكذب عرضا،بل منهاجا،وأكبر صور الكذب الدائم والمتواصل ما يتغنى به الكثيرون تحت يافطة " الوحدة الوطنية "...
كيف خُلِقَتْ هذه الاكذوبة التي لا تشيخ؟؟
الجواب ولدت مع بواعث الثورات الفلسطينية المتعاقبة،القديمة والحديثة،خاصة عندما نشأت تنظيمات كبيرة سعت لقيادة تحركها كما تشاء، وأرادت أن تسيير بنضالها ومشوارها كيفما تشاء، فظهرت الى جانبها تنظيمات أخرى لها فكر وممارسة وقناعات تختلف نسبيا مع الفصائل الكبيرة، وحتى لا تنزعج هذه التنظيمات الكبيرة وتختط اوراقها بفعل ما تنفذه الفصائل الصغيرة،فكان لا بد من احتوائها وضمها تحت سيطرتها الناعمة تحت مسمى " الوحدة الوطنية "...
ولم تقتصر على شعبنا ولا على امتنا ، بل ان اكذوبة " الوحدة الوطنية "، أكذوبة سارت مع البشرية على مر التاريخ،وعبرت تجارب ثورات العالم والشعوب والامم،لكمها لن تمنع انتصارا ولا تقف امام أي شعب اراد الحياة والحرية
وإذا كان قصد " الوحدة الوطنية " هو الانصهار في بوتقة هدف وطني واحد،فدلوني على تجربة انصهار وطني تام وكامل كما يريد المعنى في تاريخ ثوراتنا الفلسطينية منذ انطلاقاتها؟؟ قطها لا يوجد، والأمر ان كان هنا وهناك لبعض الوقت كان نسبيا وطارئا ومؤقتا.. لان الإنسان العضو المصغر عن التنظيمات والجماعات،هو انانيّ بالطبع، ونسبة تعامله بالقيم والعدل والمساواة والحرية وقبول الآخر نسبية، ودرجة الكمال فيها مفقود تماما، وقد تكون هذه الانانية مدفونة او تغطيها البرأءة في الصغر،لكنها حتما تكبر وتظهر بشكل جليّ عند الكبر، من هنا تلحظ كم من الاشقاء وقعوا في خلافات عميقة،وقد تكون وصلت للعدائية احيانا بسبب هذه الانانية التي يكون الغرض منها إحتواء الاخر، وسلبه لحريته وما يملك لصالح الاخر الاكبر مثلا،بل احيانا تصل بالاخ الاكبر الذي افهمه اباه قبل ان يموت أن يلتفت لإخوانه من بعده، تصل به الحالة لان يقنع نفسه ان اخوته خلقهم الله عبيدا له ليخدموه ويسهلوا له الحياة، وهذا ينسحب على الجماعات والحركات والتنظيمات أيضا.
كما أن صور وضع الاخر تحت الابط أو احتواءه تكون بأكثر من شكل وتنطلق بأكثر من منطلق، وهو منطلق النفع والمصلحة،فالتنظيم الكبير قد يرضي التنظيم الصغير لاجل الامتداد للجهة الداعمة للتنظيم الصغير، وتحويل خط المناصرة والدعم من تلك الجهة اليه هو مع وعد بالحفاظ على رفد الصغير بشريان الدعم، ومن ثم ينتهز الفرصة لبلع الرافد كله ومن ثمة تجفيف التنظيم الصغير واضعافه بل وافناءه.
وإذا ما سلك الكبير مسلكا معبرا عن شعبه وتطلعاته في حقبة من احقاب تاريخه، ووصل الى " إجتهاد " صائب أو خاطيء أن هذا المسلك عفا عليه الزمن او لم يعد صالحا لهذه المرحلة،مع أن وجدان الشعب يرى في ذلك المسلك سبيلا مرضيا ومقبول،بل مطلوب بإلحاح،ونما فصيل آخر بهذا المسلك،وإنبهر به الناس،وعظم وتكابر ترى الاخرين يجارونه ويجارون سيله حتى إذا ما وصل الامر لمفرق طرق،تركوا السيل وحاربوه،وأخرجوا ما في اثقالهم بقصد اجبار الاخر في الذوبان فيهم وسلك مسالكهم ..
وحتى التنظيمات التي تعتمد عقيدة الايمان وتحمل راية المقاومة معا،تأخذها مصالحها احيانا على حساب مبادئها،تارة تحت شعار "فقه الاولويات" أو " إجتهد فاخطأ "، يختلفون وقد يصل بهم الاختلاف مكانا يمسكون برقاب بعض، لكنهم عندما يخرجون للاعلام والكاميرات،يكذبون ،و يحلفون الايمان الغلاظ بأنهم " روح في جسدين "... ويؤكدون صباح مساء على وحدتهم الوطنية، ومبررهم حتى لا يعطوا مجالا لعدوهم ان ينال منهم،بينما يتركون شعبهم وقواعدهم في حالة خديعة،وعدم معرفة لواقع العلاقات الحقيقي بين الطرفين.
انا لا اطلب أن تكونوا ملائكة،ابدا،بل تتذكروا أن " الوحدة الوطنية " ليست آية نزلت في كتاب الله لمن هم يختلفون في النظرة الواحدة الشاملة للأمور،فنظرة كل جهة حسب منطلقاتها الفكرية والإيمانية مختلفة،تجعل لكل مساحته وكينونته الخاصة،قد تكون بينك وبين الاخر ملتقيات بعض الوقت،لكن لكل مساحة فيها من حب الذات ما يفوق هذه الملتقيات، ولا يجود عشق وتفاني وانكار للذات في العمل الفصائلي، لكن عندما تقترب من الاخر لتسيرا معا برابط تلك الملتقيات لا تبالغ،ولا تخدعه بتضخيم تلك الكذبة " الوحدة الوطنية " بل عبر له عن حقيقة ما في عقلك وقلبك بالتمام والكمال ، حتى لا يصدم عندما تتركه لوحده عند اول مفترق، أو تنال منه بضربة موجعة عندما تحين الفرصة لذلك

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى