– إنه أمر لا يطاق.
قال لنفسه وهو يجتاح النفق المظلم الذي أحسّه طويلاً لا ينتهي. تحسس سكينه، ربما أصبحت قديمةً ولا تؤثر في الحجر الذي يحيط به من كل جانب فيجعله يشعر بالاختناق، وبين لحظة وأخرى يصاب بالغثيان فلا يعرف الخلاص من كل هذا الرعب والتشتت. ألم الوحدة والهواجس التي تلاحقه فتجعله ضعيفاً، هشّاً رغم عناده الازلي أنْ يكون قويا ينقذ أصحابه الذين ينتظرون عودته. لقد أكّد لهم أنّه لن يعود إلّا بعد أنْ يكتشف نهاية النفق، ربما هناك منفذ الى العالم الخارجي الذي يحلم أنْ يرى جماله، فيعود لإنقاذهم من جحيمهم اليومي الذي لا يحتمل. لكنّ النفق يبدو عميقا وغامضا. كلّما ارتفعت رَفْرَفَة أجنحة الخفافيش في الظلام وفحيح الأفاعي السامة بين الصخور الباردة انقبض قلبه وارتجف جسده المتعب.
(لا مجال للعودة الآن) أكّد لنفسه عندما تذكر القرعة التي نفذوها ثلاث مرات وفي كلّ مرة يكون الاختيار عليه. لم يمتلكوا الجرأة كي يتوصلوا لهذا القرار – أنْ يتحرروا بعد أنْ اكتشفوا وجود نفق يمكن أنْ يكون طريقهم الى الخلاص- تملكهم الخوف والاضطراب وأخذتهم الحيرة الى نقاشات عقيمة تزرع التردد في نفوسهم الضعيفة. لكنّه أخيراً أوحى لهم بهذه الفكرة التي هي أقرب الى الانتحار. واقترح عليهم أنْ يقترعوا ليكون اختيارهم أكثر صواباً. كلّما توغل في الظلمة منصتاً الى الأصوات الغريبة التي تصدرها الثقوب السوداء المنتشرة في جدران النفق والتي تشبه صراخ الاشباح المشاكسة يتضاءل حلمه في الوصول الى النهاية الغامضة. استنشق الهواء بصعوبة وازداد شعوره بالاختناق. لكنّه فكر رغم توجسه واضطرابه (انّه الخوف. الخوف يقتل الحلم، الخوف يقتل الأمل، الخوف يجعلني عاجزاً تماماً). وعندما شعر باقتراب الموت حتى أحسّه أقرب إليه من حبل الوريد اجتاحته موجة بكاء عارمة وندم على فعلته هذه. كيف فعل هذا؟ كان بإمكانه أنْ يرفض، أنْ يقول (لا) بصوت يسمعه الجميع. فليقترعوا مئة مرة ولا يضع نفسه في هذا الامتحان الصّعب الذي لا يمكن وصف صعوبته وسط هذا التخبط العبثي بين أنْ يستمر في التقدم ببطء شديد، او أنْ يعود إليهم مخذولاً منهزماً وينتهي كل شيء.
أخيراً رأى بصيصاً من نور خافت في آخر النفق، نور توهج في الظلام فجأة وانطفأ تاركاً فراغاً كئيباً مثل نجمة صغيرة مضيئة في سماء ليل مظلم، أيقظ في نفسه بعض الأمل المفقود والفرح الطفولي. ربما كان ذلك خيالاً خاطفاً لكنه قوّى عزيمته في التخلص من أفكاره ألمخيفة التي تشل حركته وسط الرعب الجاثم على قلبه. فحاول التحرك ببطء شديد رغم اضطراب ضربات قلبه وشحة الهواء في رئتيه وثقل الحركة في اقدامه.
أصابه الشلل ولم يتحرك حركة بسيطة الى الأمام. رغم أنَّ الخيال أخذه للحظات إلى بساتين خضراء، فرأى نفسه يركض سعيداً بين العشب الأخضر لينتهي أخيراً الى ساحل البحر حيث النوارس والغيوم التي ترسم اشكالاً جميلة لكنّها غير ثابتة. تمنى أنْ يبتسم قبل أنْ يثقل تنفسه. ارتجف، اضطربت ضربات قلبه. دوار عنيف أحسّه في رأسه. وقبل أنْ ينتزع الموت روحه في هذا المكان الموحش ارتفع صوت المخرج منادياً بأعلى صوته (أوقفوا التصوير) منبهراً من تقمص الممثل الدور حتى أفقده الوعي فأسرع كادر التصوير الى حمله وأسرعوا به الى أقرب مستشفى.
قال لنفسه وهو يجتاح النفق المظلم الذي أحسّه طويلاً لا ينتهي. تحسس سكينه، ربما أصبحت قديمةً ولا تؤثر في الحجر الذي يحيط به من كل جانب فيجعله يشعر بالاختناق، وبين لحظة وأخرى يصاب بالغثيان فلا يعرف الخلاص من كل هذا الرعب والتشتت. ألم الوحدة والهواجس التي تلاحقه فتجعله ضعيفاً، هشّاً رغم عناده الازلي أنْ يكون قويا ينقذ أصحابه الذين ينتظرون عودته. لقد أكّد لهم أنّه لن يعود إلّا بعد أنْ يكتشف نهاية النفق، ربما هناك منفذ الى العالم الخارجي الذي يحلم أنْ يرى جماله، فيعود لإنقاذهم من جحيمهم اليومي الذي لا يحتمل. لكنّ النفق يبدو عميقا وغامضا. كلّما ارتفعت رَفْرَفَة أجنحة الخفافيش في الظلام وفحيح الأفاعي السامة بين الصخور الباردة انقبض قلبه وارتجف جسده المتعب.
(لا مجال للعودة الآن) أكّد لنفسه عندما تذكر القرعة التي نفذوها ثلاث مرات وفي كلّ مرة يكون الاختيار عليه. لم يمتلكوا الجرأة كي يتوصلوا لهذا القرار – أنْ يتحرروا بعد أنْ اكتشفوا وجود نفق يمكن أنْ يكون طريقهم الى الخلاص- تملكهم الخوف والاضطراب وأخذتهم الحيرة الى نقاشات عقيمة تزرع التردد في نفوسهم الضعيفة. لكنّه أخيراً أوحى لهم بهذه الفكرة التي هي أقرب الى الانتحار. واقترح عليهم أنْ يقترعوا ليكون اختيارهم أكثر صواباً. كلّما توغل في الظلمة منصتاً الى الأصوات الغريبة التي تصدرها الثقوب السوداء المنتشرة في جدران النفق والتي تشبه صراخ الاشباح المشاكسة يتضاءل حلمه في الوصول الى النهاية الغامضة. استنشق الهواء بصعوبة وازداد شعوره بالاختناق. لكنّه فكر رغم توجسه واضطرابه (انّه الخوف. الخوف يقتل الحلم، الخوف يقتل الأمل، الخوف يجعلني عاجزاً تماماً). وعندما شعر باقتراب الموت حتى أحسّه أقرب إليه من حبل الوريد اجتاحته موجة بكاء عارمة وندم على فعلته هذه. كيف فعل هذا؟ كان بإمكانه أنْ يرفض، أنْ يقول (لا) بصوت يسمعه الجميع. فليقترعوا مئة مرة ولا يضع نفسه في هذا الامتحان الصّعب الذي لا يمكن وصف صعوبته وسط هذا التخبط العبثي بين أنْ يستمر في التقدم ببطء شديد، او أنْ يعود إليهم مخذولاً منهزماً وينتهي كل شيء.
أخيراً رأى بصيصاً من نور خافت في آخر النفق، نور توهج في الظلام فجأة وانطفأ تاركاً فراغاً كئيباً مثل نجمة صغيرة مضيئة في سماء ليل مظلم، أيقظ في نفسه بعض الأمل المفقود والفرح الطفولي. ربما كان ذلك خيالاً خاطفاً لكنه قوّى عزيمته في التخلص من أفكاره ألمخيفة التي تشل حركته وسط الرعب الجاثم على قلبه. فحاول التحرك ببطء شديد رغم اضطراب ضربات قلبه وشحة الهواء في رئتيه وثقل الحركة في اقدامه.
أصابه الشلل ولم يتحرك حركة بسيطة الى الأمام. رغم أنَّ الخيال أخذه للحظات إلى بساتين خضراء، فرأى نفسه يركض سعيداً بين العشب الأخضر لينتهي أخيراً الى ساحل البحر حيث النوارس والغيوم التي ترسم اشكالاً جميلة لكنّها غير ثابتة. تمنى أنْ يبتسم قبل أنْ يثقل تنفسه. ارتجف، اضطربت ضربات قلبه. دوار عنيف أحسّه في رأسه. وقبل أنْ ينتزع الموت روحه في هذا المكان الموحش ارتفع صوت المخرج منادياً بأعلى صوته (أوقفوا التصوير) منبهراً من تقمص الممثل الدور حتى أفقده الوعي فأسرع كادر التصوير الى حمله وأسرعوا به الى أقرب مستشفى.