أدب السيرة الذاتية سعيد العليمى - سيرة ذاتية لشيوعى مصرى.. قد تعنى أو لا تعنى أحدا (حزب العمال الشيوعى المصرى) القسم الرابع والأخير

القسم الرابع والأخير

كما قلت سابقا أدليت بهذه الشهادة شفاهة فى مركز الدراسات والبحوث العربية والافريقية الذى يترأسه المفكر الاقتصادى سمير امين ويديره الاستاذ حلمى شعراوى فى اربع جلسات كل جلسة حوالى 3 ساعات بتاريخ 4 اكتوبر 2009 ، 8 نوفمبر 2009، 13 ديسمبر 2009 ،17 يناير 2010. وكان يفترض ان يعاد تحريرها وفق ماتم اتباعه فى كتب "الشهادات والرؤى " التى صدرت عن المركز وتخص الحلقة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية ، وهو مالم يحدث بالشكل المهنى المناسب فى شهادتى . ادلى رفاق آخرين بشهاداتهم منهم صلاح العمروسي - الذى اصر على الحديث فقط عن الوثائق الاساسية والانتاج الفكرى للحزب ، رغم انه من المطلعين على عمل فرع الخارج وخاصة علاقتنا بقوى الثورة الفلسطينية ، وبالأخص الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، والقائد المناضل جورج حبش - وحسن شعبان ، زين العابدين فؤاد ، والهامى الميرغنى وغيرهم . احتفظ المركز بهذه الشهادات وراكمها دون ان يبدو فى الافق اى احتمال قريب لنشرها ، الأمر الذى اثار لغطا فى اوساط بعض الرفاق حول الهدف من جمع هذه الشهادات . كان طمر الشهادة لثمانى سنوات هو دافعى لنشرها . حاولت جهدى ان اعيد صياغتها بلغة فصحى فلم افلح ، واقتضت جهدا كان يجعل الكتابة فى الموضوع اسهل من اعادة صياغة شهادة شفوية . أخيرا قررت ان اضحى بأدبية النص من أجل الوقائع ، وانشرها كما هى تقريبا بتعديلات طفيفة . وجدير بالذكر ان الشهادة كانت محكومة بوقت الجلسات الذى تجاوزته دائما ، لذا لم يرد فيها سوى الخطوط العامة لملامح حزب العمال الشيوعى المصرى فى فترة معينة . آمل ان يكون هناك من يهتم بتاريخ هذا الحزب من الباحثين وبمنظمات اليسار الراديكالية فى السبعينات . تنويه اخير وهو اننى لم اذكر اسم القلم اوالاسم الحركى للمسؤول السياسي الذى تحدثت عنه تحت اسم " صابر عبد الله " لأسباب خاصة .
- *****************************************************
- ياأرض الحلم الخصيبة ! من الذى يذكر البناء!
- لقد رأيت الأرض موزعة الى مساحات شاسعة
- وخاطرى لايغفل عن ذكر البحار
- ديوان اناباز سان جون بيرس
- توقفت عند انتفاضة يناير 1977 ودور حزب العمال فيها. وأشرت إلي أن سلطة الدولة وقتها قامت بالتركيز علي حزب العمال ، واتهمته انه وراء الانتفاصة ، وانه كان عالما بأن هناك قرارات ستصدر ، وانه متآمر ، وانه سيسدد ضربة كبري ، وهذا كلام وارد فى مضابط مجلس الشعب ، وتقارير مباحث أمن الدولة، ولكن الحقيقة اننا فوجئنا بالقرارات مثلنا مثل اى فرد من افراد الشعب. في نفس الوقت أشير الي ان هناك مسارًا محددًا للتحريض من 1975 إلي 1976لعبنا دورا اساسيا فيه مثل فرق أخري منهم بعض مناضلى التجمع و8 يناير ، والمؤتمر ، والعصبة الثورية ، أما التيار الثوري بقيادة محمد عباس فهمى، وطاهر البدرى فقد لعب دور عكسياً فقد كان مؤيدا وداعما لنظام السادات . بدأنا نسمع ان حزب العمال الشيوعى هو محرك الانتفاضة ، ووجدنا ممدوح سالم رئيس الوزراء يتكلم عنا ، والسادات واخواننا "الشيوعيين" الحكوميين ايضا يتحدثون عنا وكل (الدنيا ) تتحدث عن حزب العمال. نحن الوحيدين الذين ندرك حدود دورنا ، ولكن بشكل متفاوت، بمعني ان هناك من يعلم قدر اسهامنا في الموضوع ، لنا رفاق وهم عادة لايحتاجون توجيهات محددة اثناء نشوب الحركات الجماهيرية ، ويعلمون ماذا عليهم ان يفعلوا. طبعا لم يقبض على احد من الشيوعيين عموما في المظاهرات ، ولكن لا يمكن ان نستنتج من ذلك ان الشيوعين لم يشاركوا فى الانتفاضة كما ذهب البعض، اخى الدكتور عادل العليمي (رحمه الله ) أصيب بحوالي 18 طلقة رش في انتفاضة يناير، ومن عالجه ابن اختي ، وكان يعمل فى مصلحة الطب الشرعي (المرحوم) الدكتور مجدي يحي بدر، وحين كتب زميلنا أحمد بهاء الدين شعبان كتابه الاخير عن انتفاضة يناير ظهر ان موضوع ان يقبض عليك في مظاهرة او لا ليس دليلا على انك شاركت او لم تشارك ، المسألة الثانية ان من الواضح عند تحليل الشعارات المطروحة بشكل خاص انه يكشف عن طبيعة القوي التى تقودها. المهم انتفاضة يناير، والاعلام ، والكُتاب ، ووزير الداخلية ، ورئيس الوزراء، كل هذا خلق لدي بعضنا حالة من الغرور الحزبي " بعضنا مش كلنا"، هناك ملاكات كانت مدركة بحكم المعرفة الفعلية بحدود اسهامنا، ولكن هناك البعض بحكم عدم الخبرة والحداثة توهم وقوة الحملة السلطوية اننا من لعبنا الدور الأساسى فى خلق الانتفاضة اصلا .
- او عدم معرفة.
- لا، نحن نعلم دورنا جيدا، و بالنسبة لي الموضوع صعب ، فاذا قال احدهم نحن قادة الشعب المصري –كما كان يقول بعض رفاقنا -، ادرك ان لنا دور ، لكن أعرف أيضاً حدود هذا الدور وانا لست من مدعيىّ التواضع ، ولكني اعرف ماذا فعلنا واشير اليه وابرزه لكن لا ابالغ فيه حتى اصبح واهما خادعا للذات . المهم بدأ عدد من الرفاق يتطابقون مع الصورة التى اعطيت لنا فى الصحافة البورجوازية لأسباب غير ثورية، السادات يريد تمويلا من الرجعية العربية ، والسعودية بصفة خاصة فبالغ في الموضوع، والشيوعيين اليمينين تبرأوا مماحدث حتى يحافظوا على الحزب الشرعي ( التجمع ) وما إلى ذلك.
- م.سعد الطويل
- المرة اللي فاتت اتكلمت علي قضية يناير 77 دي والعناصر الموجودة فيها وعلاقتها بحزب العمال.
- كان هناك 86 متهمًا بعضوية حزب العمال ش.م من اجمالي 155 متهماً عموما. المهم اننا تطابقنا مع الصورة اللي روجتها الصحافة والاعلام واجهزة الدولة، والسادات كان يهول من الخطر الشيوعي ، وكانت فرصة كي يحصل علي دعم امبريالي ورجعي . ولكن كان هناك شئ ايجابي وهي اننا استثمرنا هذه الصورة من ناحية ان وثائقنا وزعت وانتشرت بشكل اكتر وكان هناك نوع من أنواع الانتعاش السياسى بعد فترة من هيمنة الاصولية (اللي هي ما انتهتش طبعا). من أثر هذا الغرور للأسف ان هناك رفاق قدامي – من الحلقة الثانية - حاولوا ان يتصلوا بنا فى أعقاب انتفاضة يناير، ومنهم المناضل (المرحوم ) طاهر عبد الحكيم، وكان في العراق ولكن مسئولنا السياسي وقتها قال " اللي عايز يتصل بينا لازم يقرأ أدبنا ويحدد موقف منه وبعدين نفكر اننا نلتقيه." طبعا ادعي اني رفضت هذا الموقف ، واعتبرته موقفا استعلائيا ليس له معني ، والمفروض ان نلتقى بمن يطلب لقاءنا وان نعامله بشكل جيد، ثم ان طاهر عبد الحكيم كان من ذوى السمعة الطيبة ، ولو ان احدا من التيار الثوري طلب هذا لقلت من الضرورى ان يقرأوا كلامنا ، لأنهم يقولون كلاما يخالفنا تماما ، ولكن كان هذا يعكس عموما أحد جوانب الغرور ، واساسه اننا كنا من ناحية معينة من أشد الناس اهتماما بالقضايا النظرية والسياسية داخل الحركة الشيوعية المصرية فى حلقتها الثالثة، وكنا نلاحظ الفارق في مناقشتنا ومناقشات الآخرين وكتاباتنا وكتاباتهم .
- الأسوأ من هذا ان اول جهة تنشر وثائقنا وتدعمنا كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعندما وجدنا ان هناك مجموعة فيها تلتف حول خط العمال قمنا بعمل انشقاق بهم من داخل الجبهة، والحقيقة لست قادرا على فهم ماذا كانت ضرورات الانشقاق ؟، فكل أدبنا السياسي يصل لهؤلاء المناضلين وهم موافقون عليه ويدعموه، وهم اصلا تنظيم مستقل ولا يفترض بالضرورة ان يتبنوا اي موقف او فكرة نتبناها. فللأسف عمدنا لصنع انشقاق داخل الجبهة وخرج هذا باسم حزب العمال الشيوعي الفلسطيني، وقد تأسس في بيروت سنة 1978، وكان من قادته الدكتور سمير برقاوي ، وهاني المصري ، ومهند عبد الحميد وآخرون ، وهذا وارد في كتاب منشور اسمه "العنب والرصاص " الحلقة السابعة ، تأليف علي بدوان ، والمصدر جريدة البيان الاماراتية 28 نوفمبر 2006. بعد مااسهمنا فى تاسيس حزب العمال الشيوعي الفلسطيني، ثنينا بحزب العمال الشيوعي اللبناني ثم سمعنا ان هناك انشقاقا داخل الحزب الشيوعي السوداني ، ولكن لم يكن لنا دخل به ، ولكن كرد فعل للوثائق والكتابات التى وصلتهم وتعكس مواقفنا . في نفس الوقت، ادت انعكاسات مواقفنا الى عمل انشقاق في الحزب الشيوعي المصري . وخرج الانشقاق تحت اسم "المؤتمر" وبدأوا يتبنون خطنا ويصارعوا القيادة داخله على اساسه ( قرأت كراسة لهم باسم : الحرباء ذات الالف وجه ) ، ورفضنا عمل علاقة ، او اقامة صلة مع أي احد، حتي تبادل الوثائق ، وبالإكراه ذات مرة أخذت كمية ضخمة من وثائقنا وجرائدنا وأعطيتها لرفيق كانت لى صلة به قديما في وحدة الشيوعيين، ولكن حتي 1978 لم يقم اي نوع من الاتصال او من الصلة التى نتبادل فيها حتى مجرد مطبوعات.
- أ.صلاح العمروسى: بالنسبة للمؤتمر كان في كلام انهم يحلوا نفسهم وأن يأتوا فرادى.
- في 1977 احد الاحداث المهمة إغتيال الشيخ الذهبي وزير الاوقاف علي يد جماعة التكفير والهجرة ، مع نمو الحركة الاصولية بدأ لدينا اهتمام أكتر بالحركة نفسها بفهمها ، وبالكتابة عنها ، واصبح لدينا اهتمام بأن يكون لنا علي الاقل نقاط برنامجية فيما يتعلق بموضوع الوحدة الوطنية.
- من الاشياء الطريفة ان رفيقنا جمال عبد الفتاح قبض عليه فى هذه الأيام وفي البداية اعتقدوا فى اجهزة الامن انه من جماعة التكفير والهجرة لأنه بالمصادفة حصل حملة بوليسية في المنطقة التى كان يقيم بها ( ضاحية عين شمس الشرقية ) فخشي ان تداهمه فبدأ ومن معه يحرقون اوراقا مما أثار ريبة الجيران فأبلغوا عنه. المهم عندما قبض عليهم اعلنوا عن هويتهم وطلبوا قسم مكافحة الشيوعية.
- بالنسبة لموضوع الذهبي يهمني ان اذكر موقفنا في أمور الدين عموما : كنا نؤمن مع فولتير بأن المواطن الحر يذهب للعالم الآخر من الطريق الذي يروقه ولم نكن نتدخل فى معنقد احد او ايمانه وهذا هو الموقف الماركسي العادي الذى يركز علي قضايا الحياة الدنيا، ولكن مثلا لم يكن مطلباً عندنا ضرورة ان عضو الحزب ( لااتحدث عن الكوادر )لابد وان يتبني مذهبا فلسفيا معينا بمعني انه كان لدينا اعضاء مؤمنين بشكل عادي وكان هناك رفاق يقطعون اجتماعات لجان حزبية حتى يصلون ويرجعون . في هذه الفترات كانت لدينا بعض الاصدارات حول موضوع الدين، هناك كتيب اسمه (الماركسية والإسلام) كتبته رداً على كتاب بنفس الاسم للدكتور مصطفى محمود سنة 1974، وكذلك مقال مطول عن ( السلطة والاستغلال السياسي للدين ) حول موقف نظام السادات ، وفي 1978 انجزت كتيبا اسمه (الماركسية والدين) وكان ردا علي أستاذ مصري مقيم في فرنسا اسمه رشدى فكار، استورده السادات خصيصا باعتباره متخصصا في معاداة الماركسية ليساند نظام السادات علي أساس ان يسهم فى وقف المد الايديولوجي اليسارى وما الى ذلك . كنا نؤمن بالديمقراطية العلمانية اللي تنفصل فيها الدولة عن الدين ، والدين عن التعليم ، وعلمنة الدولة بشكل كامل وعموما كان هذا هو موقفنا في كل ماكتبناه. اود ان أشير لمسألة تضعنا في موضع مقارنة مع الحركة الشيوعية فى حلقتها الثانية وهي ان شيوعيي الحركة التانية كانوا يلجأون لنموذج علي بن أبي طالب ، أو أبو ذر الغفاري تدليلاً أو برهاناً على حق الاشتراكية فى الوجود ، وكنا اقل الناس اقتناعا بأن هذه الطريقة هى السليمة لترويج الفكر الاشتراكي أو الماركسي، وعندما تعتمد مرجعيتك من الناحية السياسية دين معين فأنت تقويه ولاتقوي نفسك، فضلا عن انه من الناحية التاريخية نجد ان هذه النماذج لاصلة لها بالاشتراكية، ومع التدقيق والدراسة يمكن أن نكتشف انها كانت رجعية بشكل كامل، وأن معاوية بن ابى سفيان من زاوية التطور التاريخي هو المتقدم ، وليس علي بن أبي طالب، فالأول هو الذى دفع باتجاه بلورة البنية الطبقية ، وطور أجنة المجتمع القبلي وهكذا . موجز القول هنا اننا لم نكن نتكئ على الدين في تبرير الماركسية ، أو الاشتراكية ، واننا كنا نعتقد ان هذا موقف انتهازي يمينى في الموضوع. ولكن الموقف الاشد انتهازية هو عدم مناقشة الموضوع بالمرة، وطبعا لم نكن نروج للإلحاد بمعزل عن الصراع الطبقى ، ولم يكن هذا موضوعنا ولم نكن نريد الا ان تغير الناس الأوضاع الواقعية الحياتية الموجودة فيها. ومن الاشياء المفيدة في هذه الفترة اننى صادفت كتاب كارل كاوتسكي المسمى "أسس المسيحية" وهو كتاب جيد ويكشف طبيعة الدين ، وصلته بالمجتمع بالنسبة لأديان مختلفة بحكم منهجه رغم انه تناول اليهودية والمسيحية فقط .
- بعد موضوع الذهبي تأتى زيارة القدس ومثلت بالنسبة لنا منعطفا شديد الاهمية، لأن هذا مؤشر علي عدم ادراكنا شبه الكامل لطبيعة التحول الذى يحدث داخل المجتمع بأكمله، وهي حالة يمكن أن أشبهها بالنقلة اللي حدثت من نظام الملك فاروق لنظام عبد الناصر، ثم التطورات اللي حدثت في الستينات بشأن التأميمات الواسعة والشيوعيين المصريين لم يدركوا طبيعة هذه التحولات . في نوفمبر 1977 " كنت بأخبط دماغي في الحيط تقريبا"، لأننى لم أر أي رد فعل عند جماهير الشعب المصري علي موضوع زيارة القدس، ولاادرى ان كان الرفاق قد شعروا بنفس الاحساس ام لا ، ولكني كنت أحس وقتها أني شخص محاصر تماما وغير مدرك لطبيعة الموقف . المرة الماضية تكلمت عن انه كان لدينا وهم عن موقف الشعب المصري من قضية مثل قضية ارتباط السادات بالمخابرات الأمريكية ، وعندما نشرت الهيرالد تريبيون الأمريكية انه كانت هناك مدفوعات لوكالة المخبرات المركزية الأمريكية للرئيس السادات ، من خلال كمال أدهم، بعض زملائنا كان يعتقد وخاصة مسؤولنا السياسى ان نشر موضوع مثل هذا سيسقط النظام بأكمله وكنا كلنا معبئين بشكل محدد من ناحية القضية الوطنية، ومعظم تحريضنا بالدرجة الاولي منصب على القضية الوطنية ، وكنا نعتقد من وجهة نظرنا اننا نعبر عن خط الطبقة العاملة في المسألة الوطنية وهو الامر الصائب، فكان ماحدث أقرب للصدمة غير المتوقعة بشكل كامل، ومن شدة غضبى وقتها كتبت توجيها حزبيا قلت فيه انه لو يمكن الاحتجاج علي هذه الزيارة بأي طريقة ممكنة بدون اعتساف اي موقف ، أى بعدم القفز على واقع الحركة الفعلى يكون أمراً ممتازاً. في الواقع نزل التوجيه ولم يكن هناك أي رد فعل ، وبعدها بسنوات انتقدني الرفاق وقالوا ان هذه كانت نزعة ارادية. كانت مواقعنا في الجامعة قد بدأت تتزحزح متراجعة بشدة، من ناحية بسبب الدور الذى لعبه التيار الاصولي بشكل مباشر فى مواجهة القوى الوطنية الديموقراطية والشيوعية ، ومن ناحية ثانية وهذا هو الأساس فى تقديرى هو كامل التحولات التى تجرى علي مستوي المجتمع، وموضوع الانفتاح لم يكن مجرد انفتاح اقتصادى ، ولكن تحول طبقي رهيب له انعكاساته في كل شئ ، وفي أوضاع الناس وسلوكهم وكل حياتهم، و هذه الفترة تعبر عنها رواية صنع الله ابراهيم واسمها "ذات"، وهي فترة البوتيكات ، وعقود العمل بالخارج، واننا مللنا من الحروب وما إلى ذلك، وكنا نتصور ان هذه الحالة قد تكون حالة مؤقتة أو شكل من أشكال الوعي الزائف العابر، وكان في ذهننا أصلا شعب أيديولوجي متصور غير الشعب الواقعي الذى نقابله ونتعامل معه. وهنا انتهز الفرصة لأقول اني بعمل شكل من أشكال التوازي - مع الفارق - بين الوضع الذى واجهه شيوعيي الحلقة التانية في الستينات وهو عدم قدرتهم علي ادراك طبيعة التحولات التى جرت في نظام عبد الناصر ونشأة البرجوازية البيروقراطية ، وبين موقفنا نحن في عدم ادراك هذه التحولات اللي كانت تنطوي على تغبير اقتصادى واجتماعى وسياسى وثقافى عميق.
- أ.حلمى شعراوى: في الاتجاه العكسي؟
- نعم في الاتجاه العكسي، ووجه الشبه عندي هو عدم ادراك طبيعة التحول في لحظة تاريخية معينة ، والحقيقية أن القدرة على إدراك التحولات العميقة أثناء حدوثها لم تتوفر إلا لقلة مثل ماركس وانجلس ولينين كانوا يتملكون القيادة الاستراتيجية والتكتيكية ( وقد اخطأوا فى بعض التقديرات والتوقعات ) فيعرفون كيف يستندون في وضع راهن وتحليله علي أعمق الميول التى تحدث في المجتمع وخصوصاً التحولات الاقتصادية الجارية.
- دعوني أقول شيئا مهما وهي أننا اهتممنا بتطور الرأسمالية في مصر، وما كان يجري في مصر لحظتها من الناحية الاقتصادية كتب فيه مقالين أو ثلاثة ، أى اهتممنا بالتاريخ على حساب التطورات الجارية، وأنا أقول أنه بلا دراسة ماركسية عميقة فلا يمكن أن تكون هناك حركة تدعي الانتماء لها، وما قرأناه لايبلغ ربع ماكتبه ماركس ، وقد اتى على حين من الدهر "اردت" ان اكون جدليا فى تفكيرى ، ولكني حين كنت أتأمل موضوعًا ما أجدني أتأمله بشكل ميتافيزيقي. هناك مثلا المناظرة بين لينين وروزا لوكسمبورج ، حول قضايا التنظيم، في فترة كنت اعتقد أن هذا جدل فكري بين مفهومين مجردين ، يمكن المفاضلة بينهما ، ولكن الواقع ان هناك واقعين مختلفين ينتجان أصلا فكرين مختلفين، والاثنان ليسا خاطئان ، ولكن المسألة ان كل فكرة لها شرطها التاريخي ووضعها الذى يتطلبها . ماركس وانجلس كتبا 51 مجلدا كل مجلد يضم 800 أو 1000 صفحة ، ولينين كتب 50 مجلدا، وحين انظر لنفسي ورفاقى كجزء من حركة ، وكذلك لإنتاج الرفاق في الحلقة التانية والثالثة ، أسأل ماالذى عرفناه وهضمناه من الماركسية اصلا، !!! واحيانا ارى أساتذة كبار من الحركة الثانية يتحدثون بخبرة أربعين سنة مضت ويعتقدون ان ما يقولونه مفيدًا، بينما الواقع ان هذا امر مضلل جدا. هناك مشكلة في مصر من الناحية الفكرية وهي انه لابد ان نفهم مايحدث علي المستوي الاقتصادي الطبقى العميق. لاتوجد دراسة جيدة حتى الآن عن الطبقات الاجتماعية في مصر من منظور ماركسى ، ولا دراسة عن الاحزاب السياسية باعتبارها تجلي للطبقات الموجودة في مصر، ولكن كلنا كنا نكتب احيانا في الموضوعات السهلة ، او التى توائم مزاج البرجوازي الصغير الفردى وانا أولهم ، رغم ان الكوادر الاساسية كان لها مشروعاتها البحثية . أنا اترجم كتابا عن "الانطولوجية السياسية عند مارتن هايدجر" ومن المؤكد ان له فائدته ، وموضوعه مهم من ناحية معينة، ولكن ليس هو الأشد إلحاحا حاليا وغيرى الكتير( ملاحظة : لم تكن لى اية ارتباطات حزبية حين ترجمت هذا الكتاب – مااوردته على سبيل المثال فقط ) . ترك القضايا التى لها فاعلية وأولوية والاتجاه للاهتمام بغيرها وتوهم أن هذا هو نوع من الفاعلية .
- أعود إلى لحظة التحول التى كنت أتحدث عنها ، الحقيقة نحن لم ندرك هذه اللحظة ، ولم يكن لدينا داخل الجامعة رفاق يمكنهم التحرك داخل هذا المناخ المحاصر ، ولكن عندنا فقط ركائز عمالية ، ولا يمكنهم لعب دور، لأن المزاج الجماهيري تحول لمزاج مناهض لأي شكل من أشكال الاحتجاج وأصبح مناصرا للسلطة ومعنيا بالقضايا الاقتصادية اليومية بالدرجة الاولي. اذا جئنا للوضع العالمي نجد أن هناك حالة من حالات الانحسار، ففي الاتحاد السوفيتي التكلس البريجينيفى ، وفي الصين انتهت الثورة الثقافية ، واعدموا عصابة الأربعة ورحل ماو ، وبدأت الصين تدخل في مسارات مختلفة تماما، وفي أمريكا ريجان والريجانية ، وفي انجلترا تاتشر وافول دولة الرعاية ، والنيولبرالية ، وفي اوروبا الشيوعية الاوروبية بتخليها عن قضية الاطاحة بالنظم الراسمالية ، وهيمنة الاصلاحية عموما ، والانتقال السلمي للاشتراكية، ويشهد العالم الثالث انتكاسات فى ثوراته ، وفي العالم العربي عانى البديل الثوري –أى ظهور أزمة فى القيادة الثورية- والمقاومة الفلسطينية دخلت فى أزمة أدت بعد ذلك لخروجها من بيروت.
- د.جمال عبد الفتاج: نحن الآن فى وضع مشابه وده هو اللي عامل مشكلة وهو ان العالم بيتغير واحنا مش عارفين ناخد موقف حقيقي، وانا أري ان دي لحظة فيها صعود قوى مختلفة مش لحظة انحدار، وفترة الجزر بتتراجع فعشان الناس لم تدرس اللحظة الماضية والتغييرات بتاع دلوقتي سواء في أوروبا أو هنا، فممكن تاخد موقف مع العولمة واللي أهم ما فيها عدم وجود الفكرة الاشتراكية واللي بيقودها الطبقة البرجوازية الصغيرة او كده وده اللي عمل ضعف في حركة الثورة.
-
- اود ان أشير لمسألة وهي أن عددًا من الكتاب زي جويل بنين ، وجينارو جيرفازيو ، وكذلك بعض رفاقنا ، كانوا يقولون فى كتاباتهم اننا اولينا أهمية للوطني على حساب الطبقي، اعتقد ان هذا الفهم غير دقيق ، لأن الوطنية لاتتجلى فى خط واحد= موقف ، ولكن هناك خط البرجوازية ، وخط الطبقة العاملة، نحن ندعي كحزب عمال ان خطنا في المسألة الوطنية هو خط الطبقة العاملة، فلا يمكن فصل الوطنى عن الطبقى فى هذه المسألة ، واذا قالوا نحن لم نول اهتمامنا للقضايا الاقتصادية ، والتحولات الاقتصادية ، والتحريض الاقتصادى بشكل كاف كان من الممكن ان أوافق، انما بهذه الطريقة هناك خطأ نظرى سياسي فى هذه المقولة ، فضلا عن ان الاحتلال الاسرائيلى الجاثم على صدر الوطن لايمكن ايلاءه اهتماما اقل وقد كان مفتاح كل التحولات الطبقية والاجتماعية والسياسية التى اعترت النظام بل وكامل المنطقة العربية . في كل الاحوال كان يترتب علي التغير الحادث ان تنظيمنا نفسه يبدأ بالتشكل حسب احتياجات ، وشروط اللحظة التاريخية ، وقد كان لدينا تكتيك واحد نسميه (الصدامي الهجومي)، وهو مبرر من الناحية التاريخية بوجود انحراف يميني مهيمن في الحركة الشيوعية المصرية ، وفي نفس الوقت غير مبرر لأنه مامن تكتيك وحيد ينبغي اللجوء إليه، فى كل الأحوال ، فالمعارك السياسية مثل المعارك العسكرية بالضبط فيها تراجع ، وهزيمة ، وانسحاب ، والتفاف ، وتطويق ، ومناورة ، واسلحة كتيرة مختلفة ، وحتي الاوزان النسبية للصراعات تختلف. إذا كان إنجلس مثلا يتكلم عن أن أنواع الصراعات هي الصراع السياسي ، والايديولوجي، والاقتصادي، نجد أحيانا ان هناك وزنا نسبيا معينا لنوع محدد من الصراع، فيمكن ان يكون السياسي في فترة أو الاقتصادي في فترة وهكذا ، مع ترابطهم جميعاً . ونحن تجمدنا عند التكتيك الصدامي الهجومي، ولو ان احدا اعتاد التقدم دائما ، ثم اضطر في لحظة معينة إلى أن يتراجع او يتحصن فى خندق فلك أن تتخيل كيف تكون نفسيته .
كان المفروض ان نتحول إلي شكل تنظيمي يعمل بشكل هادئ تراكمى ، بمعني أن عصر المعارك الجماهيرية الصارخة الذى اعتدناه لم يعد موجودا فقد بتنا فى مرحلة جزر ، وحتى نبنى حركة حقيقية فلابد ان نمد جذورًا في الطبقة التى ندعي تمثيلها، وطبعا– كان اسمنا حزب العمال - في مطمح إلي أن نكون حزبا فعليا للعمال- ولكن من الناحية الفعلية أو من ناحية الركائز الاجتماعية لم نكن حزبا عماليا الا خطيا ، اى بافكارنا ومنظوراتنا السياسية ، واللجنة المركزية كان فيها اثنان من العمال من 15 عضوا ، واثنان من النساء ، واثنان من أصول قبطية – ان جاز القول . المهم أصررنا علي تكتيكنا الصدامي الهجومي ، وأصررنا علي التنظيم الذى يعتبر تنظيما مغلقا بمعني معين فى هذه اللحظة تحديداً، لقد تكلمت عن التقرير التنظيمي ، والأمور التى ترتبت عليه ، ومنها ان نؤسس نظاما للمحترفين الثوريين ، ونقيم مستويات حزبية مختلفة ونكثف العمل على نحو أشد ... الخ. المفروض كان علينا من العدد الواسع من المحترفين ان نبدأ فى تقليص العدد ونقلل من أناس تفرغت بشكل كامل لأن تعيش حياة سرية وحزبية، كان ينبغي أن نعمل الشئ العكسي ونظهر للعلن ( وذلك لايناقض السرية ) ، أى أن ندفع بعدد من الرفاق للعمل العلنى ، وان نعيد النظر فى نسب العمل العلنى والسرى، ونعيد بعض الرفاق للحياة المعتادة العادية، المهم كان من المفروض ان تحدث تغيرات في السياسات التنظيمية ، وان يتكيف حزبنا ويتحول لتنظيم رشيق يتناسب مع طبيعة المرحلة ، وهي مرحلة تتسم بكونها صراعا طويل الأمد ( حرب مواقع ) ، وليس مجرد معركة ، أو جملة من المعارك وسننتهى . رغم اننا لم نكن نعتقد ان الثورة غدا ، ولكن كنا نتصور انها ستنجز في حدود عشرين عاما، وعندما أتذكر هذا القول يحضرنى كاتب ايطالي هو أجنازيو سيلونى الذى اراد مع فتى آخر ان يستغلا نوم أهل القرية ويعلنا الاشتراكية. في هذا الوقت كان تنظيمنا داخل مصر يتمركز في المحافظات الأساسية تقريبا ، وكان لنا فروع في الخارج في بيروت وموسكو والكويت ورفاق فى بعض البلدان الاوروبية مثل المانيا وفرنسا .
المهم يظل الموضوع الاساسي هو ما أسميته القيادة الإستراتيجية والتكتيكية والتى تتجلى فى عدم قدرتنا علي فهم الميول العميقة ، والتحولات العميقة التى تجرى داخل مجتمعنا بمعدل متسارع ، والتصرف علي أساسها من الناحية التنظيمية والجماهيرية. لم تكن سياسات السادات هي اللي تنقض علي رؤوسنا بشكل مفزع، ولكن الشئ الذى لم يكن مفهوما لنا هو رد فعل الناس أى الجماهير التى لم نفهم سيكولوجيتها . وفقدنا عنصر المبادرة، وبدأت تكون بعض قرارتنا كأنها عبارة عن ردود أفعال ، ويمكن أن نسميها "قيادة بعدية"، ولم نكن نستطيع أن نطالب أحدا ان يكون لينين وقتها . ولكن الحزب كان يفتقر إلي بصيرة لينين التاريخية وفراسته، وساء الحال مع الضيق من آراء الرفاق المخالفين. يترافق مع مايسبق هذه الفترة شكل من أشكال الوضع المالي المعقول، فقد كان لدينا محترفين، توريين كان الواحد منهم يتقاضى حوالى 30 جنيه شهريا كحد اقصى وهو مبلغ معقول وقتها وأنا نفسي بدأت محترفا بأبونيه ( بطاقة شهرية لركوب حافلات النقل العام ) أتوبيس عام 1970 . كان يتوفر لنا مبالغ تؤمن هذا النظام اى نظام المحترفين الثوريين ، ولكن الظروف التى توفرت كانت ظروف عارضة ، حيث نجد رفيقا ينفق مدخرات والده الذى يعمل في الكويت علي أغراضنا الحزبية. ويرفدنا دعم مالى ذى وزن من رفاقنا العاطفين الفلسطينيين ، ونتلقى حاصل بيع قطعة ارض ورثها رفيق عن عائلته ... الخ ، وأعتقد ان مالية أي حزب مؤشر من مؤشرات رسوخه في الواقع، فبقدر ماتأتى المالية أو الاشتراكات من أوسع دائرة ، ومن أفقر ناس ، ومن أعضاء الحزب وأنصاره وعلي مجال واسع، بقدر ما تعكس ركائز حقيقية يعتمد عليها، ولكن لو كانت مالية الحزب قائمة علي موارد عارضة غير مسيطر عليها ، ولا علاقة لها بعضويته تسبب كوارث أحيانا . لأنه في نفس الفترة التي لم نستطع أن نقود فيها قيادة استراتيجية تكتيكية حصلت لدينا أزمة مالية بعد مايشبه استنفاد المصادر ، ومن كان والده في الكويت فقد عاد ، ومن كان عنده أرض باعها، وبدأنا ندخل في متاهات لا معنى لها. وبدأت تجري مناقشات بمبادرة من المسؤول السياسي حول المصادرات المالية التى قام بها الحزب البلشفي أثناء ثورة عام 1905 لبعض مكاتب البريد الحكومية رغم انها جرت في وضع ثوري اى اثناء حركة مد جماهيرى ، اى بعكس وضعنا تماما. وكان يمكن لبعض أفكار مسئولنا السياسى كهذه أن تؤدى إلى كارثة فعلية آنذاك لو جرى تحققها .
بدأنا ننغلق علي أنفسنا ، وبدأ الوضع العام يسمح بهذا الانغلاق، لم تعد هناك حركة جماهيرية ناهضة نستند عليها ، طلابنا التقليديون غير موجودين وعمالنا قليلون للغاية، وبدأ يبرز وضع أشُبهه بأنه كأوضاع المنافي والسجون والأديرة والخنادق. مثلا هناك عديد من رفاقنا اعتقلوا ، في السجون تجد أناسا ذهنيا أذكياء جداً ، وفعالين للغاية وحين يحاصروا في غرفة تجد ان كل الامور التافهة الصغيرة تصبح قضايا كبرى ويتم مناقشتها بشكل موسع . فتخيلوا كنت مهتما وقتها بانعكاس هذا الوضع العزلوى علينا ، وبدأت أقرأ في علم الاجتماع العسكري ( سيكولوجية المحاربين فى الخنادق ) فى محاولة لفهم الظاهرة حيث بدأت تظهر حالات فردية : اكتئاب بل وتفكير فى الانتحار ، مغالاة فى العواطف ، وحالات مماحكات غير مبررة، لو مثلا زوجتي ستزورنى ، وهذا اول عيد ميلاد لها معى واريد ان اقدم لها هدية، يأتى رفيق مسكنى يناقشني في ان زوجته تحتاج لنظارة بينما ابدد نقودى على احتفال بعيد ميلاد، وهذا مفهوم بورجوازى صغير عن المساواة . طبعا لدينا عدد من الشيوعيين السريين وعدد من المحترفين وعدد من الرفاق الذين كانوا علي ذمة قضية 1973 هاربين، وبدأنا نصبح في وضع صعب ، ولكن أعتقد أننى استطيع ان اتكلم عن أمراض المنفي ، وأمراض الخنادق ، والمعتقلات ، وعن أديرة الرهبان كما صورها ديدرو في رواية مهمة اسمها "الراهبة" فأعتقد ان كل هذا يصور (أمراض) اللحظة، لقد كتبت هنا –فى أوراق إعداد الشهادة- "سيجد مناضل أوائل السبعينيات مشقة في التعرف علي نفسه في مناضل 1978 " من الأمور المعروفة أن الاصدقاء هم ثروة الفقراء، كل واحد منا كان يعكس أنبل ما فيه ، ورأس ماله هم رفاقه الذين معه ، وكلنا قطعنا صلاتنا بأسرنا، ولنا أحد الرفاق ولنسمه "يوسف"، بعد غياب عدد من السنوات رفع أهله قضية غيبة وحكموا بوفاته، غير المآسي الشخصية ، والتضحيات الجسيمة التى قدمها الرفاق جميعا وربما بدون استثناء . لو أدركنا طبيعة اللحظة وبدأنا نكيف أنفسنا حسبها لكان من الممكن ان نفكك الوضع وان كانت هناك ضرورات املتها بعض الظروف في فترة سابقة الا انها من وجهة نظرى قد انتهت في 1977.
رغم اعتقادنا المفهومى انه لاتوجد شخصيات (تاريخية) لا تعوض وان أي أحد يمكن استبداله ، وان لا احد منا له قيمة الا في علاقته بالرفاق ومع الرفاق ومن اجل الرفاق ، إلا أن هذا المفهوم لم يكن متحققا الا بشروط معينة ولدى رفاق محدودين. كنا قد انتخبنا مسئولاً سياسيًا جديدًا في مايو 1975 كما قلت وهو( صابر عبد الله ) وهو منتج جدا وموهوب وذو طاقة ، أنا مثلا كنت اعمل احيانا لأوقات تصل الى 18 ساعة يوميا ، ولكن كان هو يواصل لمدة 3 أيام لاينام ، وكان مثلا على استعداد ان يعطيك آخر جنيه معه لو علم انك تحتاجه ، او ان يمرض طفلك ويرافقه فى مستشفاه ، فضلا عن تميزه بنوع رفيع من الثقافة لها أصول عدمية في فترات سابقة ( مازلت اذكر ترديده لقصيدة أربعاء الرماد للشاعر الانجليزى ت . اس . اليوت وغير ذلك ) وفيه مميزات مثل البساطة ، والتواضع ، والتهذيب ، وحسن الخلق ، والبراءة ، وعدم الفظاظة ، ولديه ميل تربوي نحو رفاقه. هكذا بدا لنا جميعاً فى فترة معينة . وأعتبره أكثر الناس استيعابا لخطنا الحزبي من الناحية النظرية والسياسية، أكثر استيعابا قياسا بنا لأنه ليس هناك تقييم في المطلق. في المناخ الذى يشبه (الجيتو) يتجه العمل الحزبى للاشتغال بالداخل، يعني انتهت القضية الوطنية (ماتت) جماهيرياً لفترة على الأقل ، والمعارك العمالية محدودة ، ونصدر المجلة النظرية ، والانتفاضة نصدرها اسبوعيا، فبدأ المسؤول السياسي ينظر لأشياء تتسق مع وضع التنظيم في هذه المرحلة، اى بات التنظير تبريرا لوضع قائم ، بدأ يطرح معيارًا يعلي من قيمة الكُتّاب علي أي من الأعضاء الآخرين من غير الكتاب ، وطبعا هناك امور ممتازة اذا وضعت في شروطها وأوضاعها وسياقها، ولكن لو تحول أعضاء الحزب لكتاب متفرغين في الكتابة فهذه مسألة مختلفة.
أ. م.م. الجمال: كام واحد تقريبا؟
سعيد العليمى . لم يكن المقصود ان يكتب أي كلام ، مقال أو ما شابه ، ولكن ان تسهم فى تحديد مواقف الحزب وترشده في مجالات محددة فبدأ هناك اعلاء من موضوع الكتابة بهذا المعنى.
- أ.م.م. الجمال: من موضوع الكتابة ولا الكتاب ؟
- أنا اتحدث الان عن الكُتاب، أحد زملائنا وهو د.جمال عبد الفتاح- مثلا في فترة من الفترات كان لا يكتب، ولكن أتحدي أي أحد يسجل كلامه ، ويكتبه ستجده شيئا متماسكا مترابطا ، حيث يعرض أفكاره بمنتهي الاقتدار، وكان مسؤولا لمنطقة ، ومتوازن في قيادته من الناحية النظرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية ، ومن ناحية قدرته على القيادة. وعندنا زملاء محدودي الخبرة والأثر ، ولكن لأنهم يكتبون بدأ الموضوع يختلف ، رغم انهم لم يكونوا من محددى مواقف الحزب ، ولامن راسمى سياساته . المهم وصل الأمر إلي أن يعلن المسؤول السياسي ان على كل عضو من المركزيين أن يقوم بعمل رسالة دكتوراة حزبية . وكان هناك اندفاع شديد في هذا الاتجاه . وفي هذه الفترة اهتممنا بتطور الرأسمالية، وزميلنا صالح م. صالح كتب كتابا وقتها عن تطور الرأسمالية "الإقطاع والرأسمالية الزراعية في مصر" وكان قبلها بفترة قد كتب مقالة مطولة "حول نمط الإنتاج الآسيوي،" وبالمناسبة لم أكن من أقل الناس كتابة، ولكن الموضوع أني أكن احتراما كبيرا للرفاق وأذكر منهم زميلنا ابراهيم وزيد وشريف وغيرهم والاخيران كانا يقومان بتأمين اجتماعاتنا ، ولعبا دورًا كبيرا في ترسيخ امن الحزب ، وفي بناء جهازى الاتصال ، والطباعة وهما من الناس الصامتة ممن يبذلون أشد الجهود وأكثرها فائدة بتواضع شديد . كانوا يؤمنون كل تواجدنا في المكان الذى نحيا ونجتمع فيه ، ولا أعتقد أن هذا الدور أقل أهمية ، ولا أقل قيمة، وأي كتاب ( جمع كاتب ) لا يمكن أن يقوموا بعمل أي شئ دون هؤلاء الرفاق وأمثالهم.

- د.جمال عبد الفتاح: أنا فاكر في الفترة دي ان اي اجتماعات أو أي مستوي، من أول مستوي اجتماعات، ومناطق اللجنة المركزية كان في حاجة اسمها النشرة الداخلية لكل لجنة ووصل الموضوع ان كل الموضوعات المطروحة تتناقش كتابة، يعني انت ممكن تاخد موقف عملي ولكن الناس هتكتب عنه بيان وخلاص، ولكن كل الأشياء اتحولت انها تتناقش كتابة، وده معناه أد ايه استهلاك الوقت ما بين الناس في نشاطها اليومي في فكرة بلورة الافكار كتابة وده موضوع كان بياخد وقت الناس جدا وهو بيدل علي أنه كان بديلاً عن العمل الخارجي.
- سعيد العليمى: بدأت تظهر في هذه الفترة بعض التحفظات من رفاق على العمل الحزبى، وصدرت عن الزميل فتح الله ، والزميل جمال ، ومادامت في حدود معينة لم تكن هناك مشكلة . بعد فترة فوجئنا بالمسؤول السياسي يقترح حملة تصعيد للجنة المركزية وكان عددها وقتها 15 ونحن جميعا 500 من الأعضاء ، والمرشحين ، والعاطفين ، بينما لجنة البلاشفة المركزية كانت 25 عضوا فى أكتوبر 1917ولم يكن هذا الامر متسقا مع الوضع السياسي العام الذى بتنا فيه . وكأن لدينا عمل متزايد يحتاج لتقسيم عمل أشد، فبادر المسؤول السياسي المعترضين بالنص التالي " شهية اللجنة المركزية لن تكف عن التوسع"، وبذلك دخلنا في مرحلة باتت اللجنة المركزية فى وضع توشك فيه ان تكون مثل الهرم المقلوب ، وسنصبح نحن جنرالات بدون جنود. كانت هناك مناقشة بين جمال والمسؤول السياسي حول بعض الأمور وزميلنا جمال كتب ورقة وقتها بعنوان "يا صابر لست بصابر" وانتقده فيها.
- أ.م.م. الجمال: يعني فكرة التصعيد مرتبطة ان اللجنة المركزية تنتقي ناس وتصعدهم؟
كنا حزبا سريا ، وكانت تعقد احيانا اجتماعات موسعة يمكن لمرشحي اللجنة المركزية ان يطّلعوا فيها علي مناقشات كل من في اللجنة ، لم تعقد مؤتمرات حتى هذه الفترة ولم يكن هناك انتخاب ، والانتخاب الذى أذكره كان يتمثل فى ان المستوي الحزبى نفسه يرشح شخص لا اللجنة المركزية فلجنة المنطقة ترشح لهم من تراه ، وهذا ما حدث معى ومع الرفاق الضوى بدوى سالم، و(إبراهيم ومحجوب).
- أ.م.م. الجمال: كنتم بتعملوا انتخابات التصعيد دي كل أد ايه؟
- هناك من امضى فترات طويلة وآخرون فترات أقل لأن اللجنة المركزية متغيرة ولم تكن هناك حالة من الاستدامة كما لم يكن لها مدة معينة.
- يظهر خلاف حول تصعيد جملة من الرفاق للجنة المركزية ، ووجدنا المسؤول السياسي والبعض معه يقترحون انشاء مسؤولتين منفصلتين للأمن : أمن هجومي ، وأمن دفاعي. وكذلك تكليف كل من يجيد لغة اجنبية بالاسهام فى ترجمة أعمال لينين الكاملة ، وكلها أمور شكلية تعطى وهم أنك تقوم بشئ ما بينما لاتقوم بشئ فضلا عن وجود اولويات ، وقد كنت قلقا في فترة لأني اريد ان أعرف كيف توزع جريدتنا الجماهيرية ولمن تذهب ، فالهام ان تصل للكادحين ، ولكن لدى البعض كان المهم ان تنتظم الجريدة ، والمجلة فى الصدور وماالى ذلك . المسؤول السياسي كتب مقالة وقال رأيا معينا حول إنقلاب هيلى مانجستو ماريام( الشيوعى ) في الحبشة، وكتبت مقالة بعنوان " الثورة والثورة المضادة فى أفريقيا " اعتبرت فيها ان تأميم الأرض لا يعني اشتراكية ، وان تطور النظام فى الحبشة مرهون بامرين قبل كل شئ : موقفه من الحريات الديمقراطية ، ومن الشيوعيين، فأعتبر كلامي موجهاً ضد ماكتبه هو بشكل ما ، حيث كان قد أعتبر النظام اشتراكيًا، وبعدها قابل الرفيق بشير السباعي ( العصبة الثورية التروتسكية ) الذى قرأ مقالى كما قال لى ، وأفادنى بأنه يقول أن " هناك خطوة واحدة أمام كاتب هذا المقال ليكون تروتسيكاً " وطبعا كان ذلك معناه، وقتها انتبه، وكانت المقالة قد نشرت في مجلة الشيوعي المصري. المهم ان أي قواعد تنظيمية ، أو أي أسس يقوم عليها تنظيم ، لا تأتى من فراغ ولا من نصوص كتب، وللأسف كانت آلية الصراع عندنا مثل آلية الصراع في الحركة الشيوعية التانية ، ومثل آليات الصراع في كل الأحزاب الشيوعية العالمية ، وهو الضيق من وجود أي شكل من أشكال الخلاف الحقيقي حول القضايا، وهناك عدد من الرفاق بدوا غير راضين عن الوضع التنظيمي ويشعرون اننا مقبلين على مرحلة من مراحل العزلة، وان الموضوع " محتاج اننا نحط دماغنا في دماغ بعض " ونفهم ماذا يجرى وكيف نلائم اوضاعنا لذلك . ومثلما ظهر ستالين في روسيا ، وخالد بكداش في سوريا، والرفيق خالد في الراية ( الحزب الشيوعى المصرى ) ورفيقنا فوزي جرجس في الطليعة الشيوعية ، ظهر عندنا ( صابر عبد الله ) . وبدأ بعض الرفاق يلتفون حوله – اعنى خاصة من طالب بتصعيدهم الى اللجنة المركزية وكان الهدف من التصعيد اغراق الاصوات المعارضة وحصارها - وكلهم لم يكونوا لا من الكادر المؤسس ، ولا القديم ولا من محددى مواقف الحزب ، ولا راسمى سياساته ، فتخيل شابا لم ينه دراسته ، وهناك من يريد تصعيده الى اللجنة المركزية ، وهناك رفيق آخر ضد ان يتصعد وله أسبابه مع من سيقف؟ بدأت تتكون بطانة حول فرد – يمكن ان نسميها المخاطر المهنية للسلطة- وهذا عنوان كراسة كتبها راكوفسكى من قادة البلاشفة اليساريين تتضمن آراء مهمة عن بيروقراطية الاتحاد السوفيتي وهي بيروقراطية دولة لا تقارن طبعا بوضعنا، المهم التراث الذى خلفنا كله هو تراث ستالين وبكداش ، والرفيق خالد ، وفوزي جرجس، وحتي الأحزاب الشيوعية الأوروبية التى تعيش في مجتمعات ديمقراطية لم تكن ديمقراطية! وأنا أسأل من أين سنحصل نحن علي ديمقراطية ، أو علي آلية مختلفة أو غيرها . هناك شرط تاريخى اجتماعى وحضارى لاختراق الحاجز، يمكن مثلا موضوع المحترفين الثوريين لم يستخدم عندنا بشكل غير مبدئي، ولكن بدأ يظهر نوع من الذيلية والتمسك بالآراء التى يبديها المسؤول السياسي حتى ولو لم تكن لها علاقة بمواقف الحزب وحين بدأ يعيد قراءة طه حسين تجد معظم أعضاء اللجنة المركزية تقرأ لطه حسين، ولو أكل زيتون كالاماطا اليونانى تجد بعض أعضاء اللجنة تأكل زيتون كالاماطا – قلت هذا متهكما ذات مرة . فبدأت بالاعتراض ، والتعليق على هذه الأوضاع ، وأنا أدعي أنه مع بدايات الحزب كنت أصر على انه يجب أن نلتفت إلي تفاوت الوعي بين أعضاء اللجنة المركزية لأن المسألة ليست مسألة تصويت، فأنا لااستطيع ان أصوت مثلا في موضوع نمط الانتاج الآسيوي ، او أصوت في الملكية الزراعية في مصر في القرن ال 18 وكذلك فى قضايا السياسة اليومية ما لم أكن على وعى بها، ولااستطيع ان أصوت علي تكتيك أو مااشبه لو لم اكن فاهما موضوع التصويت . وهذا كان رأيي الحقيقة وهو رأي قديم ولد مع بداية الحزب، وعندما بدأت التحذير من "عبادة الشخصية وخطرها على العمل الحزبى" بدأ المسؤول السياسي يقول لاتقلقوا " هو أصلا عنده مخاوف قديمة من عبادة الشخصية تعود لأيام مرسى مصطفى (حداد.) "
- هناك نوع من القادة يحب ان يقود رفاقا متجانسين ، ونوع لا يمكنه القيادة الا اذا جعل الناس متنافرين ، بدأ المسؤول السياسي يلعب علي العلاقة بين الرفاق، فيقول لي صلاح العمروسى قال عن مقالك انه كان يمكن ان يكتب بشكل أفضل ، ومرة اخرى يقول لي: بشير عبد الله يقول انك مثل بيريا وزير داخلية ستالين ! ومرة ثالثة: كن حريصا في التعامل مع الرفيقة فلانة لأن زوجها ( ابراهيم – اسم حركى ) ينزعج من تبسطك معها، ومرة رابعة: الرفيق ( هشام – انطون ) غير مستريح لإقامتك معه ،لأنه لا يريد تحمل أعباء وضعك الأمنى. وتصرف على نفس النحو مع فتح الله وصلاح ومع كل الناس.
- أختنا العزيزة (المرحومة) أروي صالح كتبت عنه ( فى كراسها : سرطان الروح ) ويهمني ان أقرأ هذه الفقرة من كلامها:
- " ص، انه (يحب) الناس في حيز معين من نفسه، لا يحتل كثيرا من مساحتها علي كل حال، وفي هذا الحيز قد يكون حتي (انسانيا) في لحظات، ولكن خارج هذا الحيز فإنهم لا يعنونه كثيرا في واقع الأمر... يعنيه في المحل الأول، فيما يتعلق بهم أن يمسك بمفاتيح شخصياتهم، وأن يقبض عليها ان استطاع، وأن يستعملها ما أمكن، وغالبا ما يكون "المفتاح" مرادفا "لنقطة الضعف". انها عنده نقطة الانطلاق في التفسير، وأيضا في نسج علاقته بهم، لا جملة بل فردا فردا، انه أمر أساسي له، أن يصيغ كل علاقة علي حدة، لا كما يفعل الناس عادة، وانما لأن الصياغات المختلفة مع الأفراد المختلفين تستهدف خلق نمط واحد في النهاية في علاقته بكل منهم بسيط، يقوم علي علاقة "القطب" بالتوابع الدائرة في أفلاكه وتغدو المفارقة محيرة بين المسارات المعقدة للغاية التي تتخذها هذه العلاقات والجهد والذكاء والتركيز الذي تستهلكه وإن يكن من حقه القول بأنه يمارس ريادته بحدس رفيع ومهارة محترمة، وبين المحصلة الفقيرة للغاية لهذه الجهود، حقا إن هناك من يعبدونه وهم ليسوا باهتين أو أغبياء –كما قد يتبادر إلي الذهن- بل فيهم أذكياء وحتي موهوبين ولكنهم لا يعطونه شيئا لأنهم يتلقون منه وحسب كما يتلقي القمر آشعة النجم وجاذبيته وحسب . ولذلك يثيرون فيه الشعور بالملل والوحدة". –انتهى كلام أروى هنا.
- وطبعا كانوا يعطونه ما تحدث عنه هيجل وما كان يفتقر إليه بشدة لأسباب ترتبط بنظرته لنفسه وهو الاعتراف بالمكانة. لها فقرة تانية عن نفس الرفيق :
- " وبديهي أن يتوج منطق ونضال الصفوة بعلاقة من نفس الصنف مع "الزعيم"، مع الفارق المتوقع في الكثافة والشدة، فهو في هذه الشيعة المغلقة شيخ ومفتي، ينتظرون منه القول الفصل وزبد الكلام وتخاريفه المقدسة أيضا، حتي في العلاقات الشخصية تقوم علاقتهم به علي مبدأ الطاعة المطلقة، والمختلفون معه في الرأي "خارجون" يستحقون الإعدام (الأدبى طبعاً حتى استلام السلطة)، له عليهم حقوق لا محدودة حتي فيما هو شخصي ولا تعجب في وضع كهذا أن يرثه أحيانا النصابون ليلغوا في نعم السيطرة علي كل تلك الرؤوس التي أوقف نموها وفقدت كل استقلال عقلي وروحي عبر تاريخ من الانتهاك الطوعي" . ينتهى كلام أروى هنا . كلام درامي ولكن الحقيقة يعكس واقع بعض لا كل الرفاق داخل اللجنة.
- د.عاصم الدسوقى: ليه قبلتم الوضع ده وايه اللي خلاكم خاضعين لواحد بالمواصفات دي كلها؟
- م. سعد الطويل: هذه أمور تحدث بالتدريج.
- سعيد العليمى: هذه الامور تأتي فعلاً بالتدريج، المسألة الاخرى ان هناك عقلية متآمرة، يعني مثلا لو اتى زميل لى في البيت، هل تعتقد انه بعد ما يغادر سأفتش غرفتي، أكيد لأ. وهو كان يقول للبعض مايقوله د. عاصم . كنت أعتقد ان هناك مايمكن ان اسميه الثقة الرفاقية ، والأخلاق الشيوعية، وهناك مواضعات واصول نتفق عليها . حين كان يلام على موقف منى ، كان يعترف خاصة لأروى بأنه "كان يلقي الزيت علي النار"، وكان ذلك بمناسبة تحريضه الرفيق ( هشام – انطون ) على ، وحين يعاتب او ينتقد لماما على اشياء كهذه يرد بصفاقة (لم ترضي أن يكون مفعولا بك؟) ، وكأنه ليست هناك أي قاعدة ولا أسس ولا مبدأ يربطنا ببعض.
- وبعدها اقترح ان يصبح سكرتيرا عاما للحزب واعترضت لأن سكرتير عام لابد ان يكون منتخبا أصلا من مؤتمر، وبدأ يدخلنا في أمور من هذا النوع . وللاسف مثل الدور الذى لعبه ستالين بقبول فوج اسمه فوج لنين في الحزب البلشفي مما أدى لإغراق الحزب بعناصر غير حزبية، هو أيضًا أغرق اللجنة المركزية برفاق اجلاء محترمون آتون (من المناطق ) ولكن حديثى العهد بالماركسية والعمل السياسى عموماً( احدهم كان يراه قد طور الماركسية ذاتها بمناسبة مقال مطول كتبه ) وترتب على ذلك وجود جملة من الاصوات الجاهزة تقريبا و(غرقنا) في الوسط، وظهرت أشياء منه أقرب للجنون والشر، وحتي زميلتنا أروي صالح حتى تقرأ كتابها بشكل دقيق لابد أن تقرأه وانت تركز علي المسئول السياسي لأنه محور غضبها الرئيسي .
- من المنطقي أن تلتقى مجموعة من الرفاق وتشكل أقلية داخل اللجنة المركزية لتصارع لتصويب الاتجاه ، وفعلا بدأت الأقلية فى التبلور ومنها فتح الله محروس وجمال عبد الفتاح وصلاح العمروسي ومحمد خالد جويلي وأنا ( كنت من علق الجرس فى رقبة القط كما يقال ) وقررنا أن لا انشقاق ولا تكتل وانما صراع حزبى من الداخل .
- أ.صلاح العمروسى: في زميل آخر اسمه شلبي ولكنه توفي. ( الرفيق محمد عباس من بورسعيد )
- المهم قررنا أن نعلن رفضنا لهذا الوضع ولكن لم نكن نريد أن ننشق بفقاعة أخري تضاف للفقاعات السياسية الموجودة ، خاصة وأننا لم نكن مختلفين مع الحزب حول الخط السياسي ولكننا كنا مختلفين علي أمور نعتقد أنها قابلة للتصويب ولا تقتضي تكتلا ولاانشقاقا، ورغم هذ اصدر المسؤول السياسي توجيهاً بأن تعلن أسمائنا الحقيقة علي الرفاق ووصفنا بأننا مجموعة خارجة عن الحزب ، ونحن اصلا كلنا معروفين في مجالاتنا، فرفيق مثل فتح الله معروف في الحركة العمالية ، وجمال في الحركة الطلابية ، وصلاح وخالد وانا علي الأقل وسط المثقفين، وقد اراد ان يحاصرنا بإعلان أسماءنا حيث توهم اننا سنجرى اتصالات جانبية تمهيدا لتكتل او انشقاق وفي نفس الوقت لم نقم بأي عمل تكتلي أو انشقاقي خلال 6 سنوات كاملة .
- بدأت "التصرفات التقليدية" مثل وقف الراتب الحزبي بشكل كامل عن رفاق لامورد لديهم غيره ، وتجنيبنا من اللجنة المركزية ، وعضوية المكتب السياسي ، وعضوية هيئة تحرير مجلة الشيوعى المصرى مثلى انا وصلاح. المهم ان غالبية الرفاق فى ل.م كانوا يساندونه فى هذه االفترة . الأسوأ انه كان من ضمن –الأقلية المعارضة- 3 هاربين علي ذمة قضية أمن دولة 501 لسنة 1973 ، وهذا كان موقفا مؤلما فضلا عن أمور ترتبط بي شخصيًا، فقد اعترف احد العمانيين ( خليفة شاهين ) حين قبض عليه بمناسبة احداث انتفاضة يناير 1977 على زوجتى البحرينية آنذاك ، وكانت تتحرك بحرية فى الوقت الذى علم فيه أمن الحزب بالمسألة اى بالاعتراف دون ان يبلغنا بهذا الامر – وكان من الممكن ان يداهم المقر السرى الذى نعيش فيه .
- المهم في هذه الفترة حاولنا أن نبقي علي صلة بالرفاق ، وفي نفس الوقت ، بدأنا الاتصال بالقوي السياسية الماركسية- الأخري ، وكان اول مانقول لهم لسنا انشقاقا ولا تكتلا، ولكن لو انتم منظمة (المؤتمر) فنحن نريد ان نناقشكم ولو انتم منظمة ( 8 يناير) فنحن نريد ان نناقشكم وفي حدود، وبدأنا نركز على هذا الموضوع ، وطلب منا فى لجنتنا المركزية ان يعرفوا ماهى خلافتنا فكتبناها ( حول الانحراف البيروقراطى التصفوى العزلوى ) وقد صاغ التقرير الرفيق صلاح ، وقمت بكتابة اجزاء قليلة فيه ، غير ان الافكار كانت حصيلة مناقشات وملاحظات وانتقادات الاقلية . وكان المسؤول السياسي يشيع أننا فى طريقنا للخروج " إلى الحياة البرجوازية الرائعة "، ولا خلافات لدينا فى الواقع.
- مين اللي قالكم كده؟
- بعض الرفاق في اللجنة المركزية. المهم الزميل صلاح العمروسي ، وبعد مناقشة مستفيضة بيننا جميعاً كتب خلافات الاقلية ، التى تركز على ان هناك انحرافا بيروقراطيا في الحزب وان لذلك مظاهر معينة مثل تقسيم العمل الداخلى الشكلى ، وتزايد عدد المحترفين دون ارتباط بالنشاط والبناء الحزبي ، واننا نعاني من شكل من أشكال العزلة الداخلية ، وضرورة التركيز على التوجه للطبقة العاملة ، وايلاء مزيد من الاهتمام للتحريض الاقتصادى ، وان التنظيم هو مضمون نشاط لاهيكل شكلى أصلا. يبدأ يحدث نوع من أنواع التآكل الداخلي داخل ل.م، وتبدأ الرحى فى طحن نفسها ، وهو ماراهنا على حدوثه . لم نكن نقوم بما يمكن ان يستنفر الرفاق فلا انشقاق ولاتكتل ، نكتب فيرفض نشر مانكتب ، فنكتب مرة اخرى فيرد الينا ، المهم ان هذا الوضع يسمح بحدوث تفاعلات داخل اللجنة المركزية وقتها، المسؤول السياسي بات يضيق بأي رأي يقال ، ورغم انصياع الاغلبية عموما إلا ان الاقدم حزبيا، والأكثر خبرة في اللجنة بدأوا يصطدمون به أصلا، ومافعله معنا اراد ان يكرره مع الباقي، وكان من ضمن الباقي رفيقتنا أروي صالح ورفيقينا (يوسف وشريف – اسماء حركية ) ففى الحقيقة حاولوا أن يلعبوا دورا توفيقيا بين الأقلية والأغلبية، فمثلا الرفيق ( يوسف ) كتب اقتراحا بإعادة الاتصال بالأقلية ، وطلب رجوعهم للجنة المركزية والمسؤول السياسي يوافق على الاقتراح ثم يضيف اليه هو فى ذات الوقت: 2- اخراج الرفيقين فلان وفلان من المكتب السياسى صلاح العمروسي وأنا ، وكذلك من عضوية هيئة تحرير مجلة الشيوعى المصرى ، ويشير للرفيق يوسف "أنت مش لازم تقابلهم علي طول ولكن اديهم معاد وسيبهم ماتروحش مرتين تلاتة " وما الى ذلك . رفاقنا أصلا مناضلين ثوريين وليسوا ذيولا ، ولا أتباعا على الاقل بالنسبة للبعض. بدأ رفيقنا يوسف يتابع هو وأروي تصرفات ومواقف المسؤول السياسي ، وقد كانا من مؤيديه ومسانديه ومدعميه فى البداية ، وقد ظهر من تصرفات الاخير انه يتجه للانقلاب عليهما فكتبا وثيقة أسمياها "الأساليب الذاتية فى القيادة" وقدماها له ولباقى الرفاق فأسقط في يده، المهم حاول أن يناور متجها لتكتيل بعض اعضاء اللجنة المركزية ، واستمرت هذه المناورات فترة طويلة جدا حتى 3 مارس سنة 1983 ، وهو موعد أول مؤتمرللحزب عقد وجرى بترتيب من بعض الرفاق الذين تشاوروا اولا فى مدينة الكويت حيث حضر (عصام ) من القاهرة ، وكان (ابراهيم ) فى الكويت ولحقت بهما من البحرين ، عقد المؤتمر وأتخذ قرار من اللجنة المركزية بتهبيط المسؤول السياسي إلي مرشح . ثم قبول التقرير الذى قدمته الاقلية حول الانحراف البيروقراطى التصفوى العزلوى . فتخيل ماذا فعلت بنا هذه الاحداث ! وطول الفترة ، كنا حريصين الا نصطدم بالحزب ، وفي نفس الوقت غير قادرين ان نعمل او ان نكتب ، ولا نمارس عملا جماهيريا. كان هذا المناخ مناخا رديئا للغاية وسلبيا وترك عند الرفاق مرارات مختلفة الى اليوم، أنا مثلا لو اعرف انى مصاب بمرض سأستأذن من رفاقى، موضحاً ظروفى ، واثقاً من اهتمامهم بى وبرعايتهم لى، مثلما حدث مع رفيقنا مرسي مصطفى ، حينما مرض لم يكن من الممكن تحميله عبء علاقة بالحزب ، فأبتعد طوعا الأمر الذى تفهمناه ، الأمراض الخاصة شابت أوضاعًا من هذا النوع ، وأنواع من السيكوباثية الى الهوس الاكتئابى، ولو ان هناك قدرا من الاتزان ، والنبل ، والشرف الحقيقى ، لكان قد طلب التنحي دون التردد فيه.( تنحى ذات مرة لمدة 24 ساعة واخطرنى بذلك فى حضور الرفيق يوسف وطلب ان اتولى مهامى كنائب للمسؤول السياسي ثم اتانى فى اليوم التالى يرافقه يوسف ايضا معلنا انه يستعيد المسؤولية ! ) أحد الأسباب التى أثرت في أروي هو شخصية المسؤول السياسي ، ومواقفه والتجربة التى مرت بها، ومن يقرأ كتابيها ، و يريد ان يفهمهما يقرأهما مركزا علي دور المسئول السياسى فى تجربتها الكلية ، رغم ان هذا ليس السبب الرئيسى ولا الوحيد كما اننى ارى كراسها اجمالا غير منصف للحزب ونقدا عدميا لاماركسيا ، وغير منصف للرفاق وقد كانت جزءا منصاعا لما انتقدته .
نأتى لرفيقتنا أروي( رحمها الله )، كانت رفيقة عزيزة جدا ومن البنات (النابهات) ولها صلة قديمة بالثقافة ولكنها ارتبطت بجملة من المثقفين بعضهم كانوا ذوى مزاج تشاؤمي عدمي من البداية ( الكاتب الاردنى غالب هلسا تحديدا ) وكان لهذا صلة بشخصيتها وتكوينها، وحسب أقوالها هي شخص تشاؤمي جدا وعدمي وضعيف جدا رغم انها بعد لأى اتخذت موقفا من المسؤول السياسي – يعني هي واحدة من عدد من الناس مع زميلنا يوسف وزميلنا شريف " وقعوا " علي وثيقة " الأساليب الذاتية فى القيادة " ، والأخير رفيق لم يكتب كلمة طوال حياته الحزبية ، ولكنه انحاز لشئ صحيح-.
المهم أروي في كتابها الذى كتبته لابد وان نذكر بشأنه بعض التواريخ ، أعنى كتاب " المبتسرون". أروي تركت العمل الحزبي سنة 1980 تقريبا وكتبت كتابها سنة 1990 وكان العالم كله في حالة من التدهور الرهيب ، وأحداث الانهيار علي مستوي المعسكر (الاشتراكي) في الخارج أو علي مستوي الأوضاع داخل مصر تصم الآذان ، وتفاجأ برفاقها القدامي وقد فر بعضهم من الوضع الحزبي الذى حكيت عنه . مثلا أنا اتخذت موقفا لأنه لم يعد يمكنني الثقة في العمل مع رفاق اتخذوا هذه المواقف منى ، وأنا لم أتحدث عن كل التفاصيل . قررت وقتها ان اسافر بشكل عارض متردداً على مصر بعد فترات قصيرة وبعد عدد من السنوات ، لم أجد رد فعل سريع وايجابي ، واصبح احد الرفاق زعيما لاحدى الجماعات الاسلامية ، واصبح آخر أحد قادة المنظمات الحقوقية .
المهم أروي كائن حساس جدا و قد كتبنا مؤلفا مشتركا آخر عام 1976 ردا علي الرفيق عبد الله بشير فى كراسته "حلقة دعائية أم حزب شيوعى"، المهم كان بيننا صلة طيبة وأحيانا كنا نتكلم في مواضيع مثل دوافع الثوريين في الالتحاق بالعمل الثوري وكنت أكلمها عن احد الاشتراكيين الثوريين الروس كتب عن نماذج الثوريين فمنهم الثوري الجمالي ، والثوري العقلي، والثوري الطبقي ، والثورى الرومانسى وكنا نتناقش ذات مرة وأذهلتني لأنها قالت لي: "انا مش فاهمة انت ليه ترتبط بالشيوعية، فقلت: ليه يا أروي؟، فردت وقالت: أنت سوى. " وهذا يعطيك فكرة عن ماهي نوعية ارتباطها بالحركة نفسها ثم تصورها عن طبيعة ارتباطات الآخرين، فضلا عن ان المسؤول السياسي زرع في دماغها صورة محددة لنموذج غير طبيعى، وهي لم تكن تري ان هناك تناقضات فى الأشخاص ، وعدم توازن فى جوانب نموهم ، رغم انها كانت تتكلم عن البرجوازية الصغيرة، ولكنها لم تستطع ان ترى المنظمة في إطارها التاريخي وكذلك المشاكل المتعلقة بها، لأنه عندما تدقق ستجد ان مواقف الافراد هي مواقف طبقات ومواقف مجتمع من الناحية الاساسية ، المهم أروي تركت الحزب سنة 1980 ، وكتبت كتابها سنة 1990 ، وطبع سنة 1995 والمقدمة كانت في نفس السنة وانتحرت سنة 1997. لاتوجد صلة مباشرة بين عملها الحزبى والسياسي وانتحارها ، فقد اشتغلت فى احدى المؤسسات ، وتزوجت للمرة الثانية ، ومارست اوحاولت ان تمارس حياة طبيعية بمعزل عن العمل السياسي ، لأن هناك انطباع خاطئ وهى انها انتحرت لأسباب فلسفية أو سياسية ، وهذا غير صحيح ، والواقع ان أروي عانت بشدة في حياتها وكانت غير قادرة على توفير شقة لنفسها ( حيث استولى احدهم على شقة الاسرة وحازها لنفسه ) وعندما تعمل يضطهدها رئيسها في العمل مثلا كما كتبت هى نفسها، وعندما تحاول الاستعانة (بزمايلها) من المشتغلين فى المنظمات الحقوقية لايساعدونها. وقد حاولت الانتحار 8 مرات ، وكانت دائما مكتئبة، أروي نفسها قالت فى أحد كتبها "قد أكون قد تجنيت علي أناس كثيرين في السابق"، وفي موضع آخر قالت "قد لا أكون موضوعية"، وأنا أعتقد انها فعلا عممت تعميمات لا ضرورة لها ، فمثلا تحدثت عن أن "جيل الستينيين" ركب "جيل السبعينيين" وان الجيل الاول " آفاقين" والجيل الثاني " مغفلين"، وهذا قول لاتقدم اى شئ دليلا عليه سوى حكمها . والمسألة تفسر بأمور منها ان رفاقنا لم تكن لديهم خبرة عميقة ، ولا ماركسية عميقة ، ولا تجربة عميقة في الحياة ، ويتم قيادتهم على هذا النحو استناداً على أنبل ما فيهم ، وطبعا الحد الفاصل بين الوضاعة والنبل شعرة دقيقة جدا وهي تجربة تاريخية أصلا. أنا أعتبر أن كتاب أروي لم يكن منصفا علي الإطلاق وكتب تحت وطأة التدهور الشديد والغضب من كل الأوضاع وقد ارادت عالما مثاليا. ويبدو أنها كانت تعتقد بضرورة أن تتوفر في هذا التنظيم مواصفات المجتمع المقبل. ناسية أن كل ما في المجتمع من مشاكل هو بداخلنا أصلا ، ونحن من أحط الطبقات الاجتماعية ( البورجوازية الصغيرة ) ، وبالتالي يمكن ان نكون من أنبل الناس في لحظات وفي لحظات أخري يمكن أن نكون أشد انحطاطا من أى أحد . ولكن المهم هو أن نربي أنفسنا من خلال تجربة ثورية وفى خضم صراع . أحب أن أضيف أن اللحظات العميقة في تاريخ المجتمع هي لحظات الصراع المكشوف، وشبه المكشوف وأنا أعتقد لو كانت هناك حركة ثورية قوية كان سيكون لها أثر مختلف علينا ، وقد جربنا هذا فى 1972-1973، وقد أشرت مثلا لموضوع احترام المرأة وانه لايتوفر بمجرد ادعاء وليس كلمة نقرأها في كتاب، ونرددها فأنا سمعت عن الرفيقة فايزة أو ليلي أو الرفيقة سعاد، أنا لا عاشرتهن ولا قابلتهن ولا عرفتهن –رفيقات من الحركة الثانية . ولكن من ترك فى اثرا هن الرفيقات ممن تعاملت معهن . موضوع ان البرجوازية الصغيرة تحيا حالة تناقض وصراع وأنظف ما فيها يظهر فى لحظات تجترح فيها بطولات خرافية ، وأسوأ لحظاتها هي لحظات العزلة ، والأفق الضيق، حيث تتجلى أردأ أشكال انحطاطها . واريد ان اؤكد ان حديثى عن الرفاق كله يتعلق بالفترة التى تحدثت عنها ، وقد اعترتهم تحولات فى مسارهم الآن، كما احب ان اضيف اني لو قدرت اناسا معينة بشكل معين في فترة معينة ، فالتقدير لاعلاقة له بأوضاعها الراهنة.
-أ.جنيفيف سيداروس: انت اتكلمت بسرعة علي معاوية بن سفيان واتكلمت علي أسس المسيحية، كان ممكن تلقي ضوء أكتر علي النقطتين دول، وتالت حاجة نمط الإنتاج الآسيوي انا مهتمة به جدا ويهمني أعرف وصلتم لإيه فيه، ورابع حاجة صابر ده اسمه الحقيقي ايه؟
-سعيد: ليس هناك فى الواقع مجال للحديث عن هذه الأمور النظرية هنا إلا عرضاً. فمعذرة.
عندما اتكلم فأنا أتكلم عن تجربة وليس عن أسماء فى مثل هذه الأحوال ، ومن الاشياء الطريفة التى قرأتها فى شهادة الأستاذ عادل حسونة ( من الحلقة الثانية فى الحركة الشيوعية المصرية ) قصيدة كان كاتبها الشاعر محسن الخياط عن فوزي جرجس، المسؤول السياسي عن تنظيم الطليعة الشيوعية ، وهى تعين نموذجا شائعا للقادة يقول فيها:
الأغا مبسوط
الأغا زعلان الأغا فرحان
الأغا بيعب من الدخان
حواليه غلمان بتحايل فيه
اللي يجمعله حبة توت
واللي يفرطله فصوص رمان
واللي بيغسله كعوب رجليه بدموع ف عنيه كأنه مسيح
والكل وراه نازل تسبيح
شايلين صلبان
الرب أهو بان
والأغا مبسوط .. الأغا مبسوط
الأغا فهيم وحكيم وعليم ولا زيه زعيم
ان قال ضالين
الكل وراه يقولوا آمين
وان قال الشمس سواد وضلام يقولوا
أيوا...
فى رأيي ان هذه قصيدة معبرة عن كل الطغاة الصغار ، ومعظم من سايروه من زملائنا ، فعلا كان الامر على هذا النحو ، وقد تحدثت عن رفاق ناهضوا هذا الوضع وأسهموا في تغييره ولكن يظل أصلا أن معظم الناس كانت تقاد ، ويستغل فيها أنبل دوافعها ، وحينما تنتقد او تكتشف شيئا غير سوى يقال لهم "لم ترضى أن تكون "مفعولا بك "!!!
- أ.مصطفى.م. الجمال: كان عندي سؤال: هل كان لديكم اتجاه يغلب عليه تقديس النصوص دون وضعها في سياقها التاريخي، زي كتاب الثامن عشر من برومير لويس بونابرت، ولما بتناقش فيه مع ناس من حزب العمال كل ما يملكه انه يرص لي فقرات من الكتاب خارج سياقه وسياقنا فده انطباع عام أرجو أنك تأكده لي.
- لا يمكن انكار ان هناك نزعة ماركسية نصية عند البعض ، ولكن كان هناك ايضا لدى آخرين أصول فقه ماركسي ، وأصول الفقه هذا مصادره بشكل تفصيلي هي طبيعة الفكر السائد فى مجتمعنا، لقد تربينا علي النصوص وتطبيقها علي الوقائع، المسألة الاخرى ماهي نوعية الماركسية التى وصلتنا بالدرجة الاولى ؟ هناك مسألة مهمة اشار ماركس اليها عند حديثه عن موضوع هجرة فكر الثورة الفرنسية لألمانيا وهجرة الفكرة الاشتراكية لألمانيا والمجتمعين متفاوتين من ناحية التطور. فما هي التحولات النى تعترى النظرية عندما تهاجر لمجتمع متخلف، ستجد العجب. اقرأ ماكتب عن الاشتراكية الحقيقية فى الايديولوجية الالمانية او البيان الشيوعى سيذهلك التشوه الحادث للافكار المنقولة . فى ابان الاشتراكية الناصرية وجدت احدهم وقد كتب مقالا فى مجلة ( الكاتب ) معرفا الاشتراكية بأنها استنذئاب+ استكلاب= تكيف بصلى ، الامر الذى يشبه "الانخلاع الكونى " الالمانى الذى انتقده ماركس فى البيان . أعتقد ان اول من يلفت انتباهنا للموضوع وهو ماذا يحدث للنظرية عند هجرتها من مكان لمكان هو ماركس. كتب ادوارد سعيد عن هذا الموضوع مقالا ( هجرة النظرية ) وأعتقد ان المفكر ابراهيم فتحي قد تناول هذا الموضوع قبل إدوارد سعيد من غير أن يسميه حين تناول الوضعية المنطقية كفلسفة ، وما حدث لها عند انتقالها من المجتمع الاوروبي إلى المجتمع المصري فى مقدمته لكتاب الدكتور عاطف احمد "نقد العقل الوضعى " . أقول هذا لاننا نطلق أحكاما منزوعة عن سياقها. فهم الشرط التاريخى عند دراسة أى حزب أمر لازم لإدراكه علمياً، بعيداً عن الفهم السطحى لـ "النواقص والأخطاء" .
- أ.م.م. الجمال: أنا بتناقش من زاوية الواقع،...... وكان قوة التأييد والحجة اتاخدت من خطاب ذهني ولا وصية ولا من الواقع.
- سعيد العليمى: مارأيته هو ان هناك نوعا من التفاوت يحول دون التعميم ، وحتي الخط السياسي نفسه، كان يتباين عرضه وفق المتحدث مركزيا – مثلا - ام عضوا قاعديا ، ولكن يمكننى القول انه كان هناك بشكل عام احترام للنصوص ، وكنا نتراشق بالنصوص. ذات مرة كنت مسؤولا عن خلية وهناك رفيق مهندس في مصانع الكوك انخرطنا في مناقشة طويلة لأنه مصمم على اننا مازلنا في مرحلة ما قبل التاريخ ، ولن ندخل مرحلة التاريخ الا عندما يكون هناك مجتمع شيوعي حسب عبارة وردت لماركس غالباً فى كتاب 18 برومير لونيس بونابرت ، وعجزت عن افهامه أن ماركس لم يقصد المعنى الحرفى وانما المجازي.
- ده مرتبط بقضة تانية وهي التثقيف، هل تثقيف العضوية كان يغلب عليه الطابع النظري ولا التثقيف الخاص بالواقع المصري؟
- سعيد العليمى: الاثنان معا ، هناك قسم متعلق بالماركسية نفسها ثم هناك قضايا محددة تتعلق بالتاريخ والواقع المصرى.
- أ.م.م. الجمال: هل كان في فلسفة اختيارية فى القيادات ولا كانت المسألة ضرورة وحاجة ولا كان في رؤية ازاي بتختار؟
- الحقيقة بالنسبة للاختيار لم يكن عشوائيا –المقصود اختيار الكوادر والمحترفين- وكان مايفرضه بشكل أساسي هو الاحتياج، يعني مثلا كانت هناك فترة اصبح فيها الزميل جمال مسئول الصعيد وقد اخترناه لأنه كفاءة ، ولعب دورا أساسيا في منطقة الاسكندرية ، ونريده ان يلعب نفس الدور في منطقة بالنسبة لنا مختلفة ومهمة ، حيث بدأت تنشأ فيها بعض الصناعات مثل مجمع الألومنيوم وأمور من هذا القبيل ، وسياسة الاحتراف كانت مرتبطة باحتياجنا لكفاءات محددة في اماكن محددة وكانت تحسم بعد نقاش .
- أ.م.م. الجمال: طيب تجربة التسعينات وثورة احياء...؟
- لا انا ليس لى علاقة ولا معرفة بهذا الأمر.
- أ.م.م. الجمال: طيب دايما بيشغلني تطور التنظيمات........لازم يبقي في عوامل خارجية وعوامل من داخل التنظيم بتوصل الناس للحالة دي، فأنا عايز أعرف العوامل الداخلية اللي خلت الناس دي تبقي كده، ليه حزب العمال بالذات خرج مجموعة من الناس انتشروا في المنظمات غير الحكومية بمعدلات أكتر من أي تنظيم آخر وايه دور فتح في التسعينات ودور ياسر عرفات لما اتعمل مستشفي مصر ومستشفي فلسطين.
- سعيد العليمى: كان حزب العمال أكثر المنظمات راديكالية وقت وجود أزمة وطنية وغياب الأحزاب السياسية، فدخلته عناصر لم يكن أمامها غيره، وهى لم ترتبط به بسبب ماركسيتة وإن توهمت ذلك. والحزب ليس مسؤولا عن مآلات اعضاءه .
- وأخيراً أنا فخور بتاريخي جدا ، ومازلت ماركسيا ولكن اعتبارا من 3 مارس 1983، بعد حضورى المؤتمر الاول للحزب ، وغداة سفرى للبحرين انتهت علاقتى التنظيمية به تماما وان بقيت صلتى الشخصية بكثير من الرفاق . وانغمست فى عملى القانونى وتثقيفى الذاتى الماركسي الذى لم انقطع عنه ابدا . وقد تمكنت من خلال ترحالى من أمريكا لروسيا لألمانيا الغربية للفلبين للبحرين من تكوين " أممية صغيرة " من خمس أولاد من جنسيات مختلفة وديانات مختلفة.
- هناك امر احرص على الكلام فيه ، الأستاذ مدحت ومحمد العدل انتجوا مسلسلا تليفزيونيا اسمه (محمود المصري)، فى واحد من المشاهد تظهر مجموعة من الناس جالسين في غرفة ، واحدهم يتحدث بوصفه عضوا فى حزب العمال الشيوعي المصري ، وهو يحرض اربعين فردا علي ان (احنا لازم ناخد موقف من بتوع 8 يناير) مع ملاحظة ان رفاق 8 يناير كانوا هم الاقرب لنا فكريا وسياسيا .. المهم تظهر شخصية مي عز الدين وهي عضو في حزب العمال ايضا ارتبطت بعامل وأحبته وبعد معركة عائلية تزوجا وبعد 1977 سافرا الى أوروبا الشرقية ثم تركها وهرب واضطرت للتصعلك فى الحانات، الحقيقة طبعا ان "الحقائق" الفنية الكتاب احرار في تخيلها ، ولكن هذا كان امرا خارج سياقنا تماماً . ويكفى ان اشير الى ان الدكتورة لطيفة الزيات كانت عاطفة علينا ، وكذلك الدكتورة رضوى عاشور . وان كان حزب العمال الشيوعي قد انتهي إلا أنه من المستحيل أن تمثله هذه النماذج الفظة التى أشرت إليها فى مسلسل محمود المصرى.

- انتهى


سعيد العليمى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى