أدب السيرة الذاتية د. عادل سماره - بعضاً من مذكراتي...

* عن وطنية الفلاحين والمقاومة بالفطرة
* وثلاث وخمسون سنة بين محاكمتين


كان بيتنا هو الأول الذي هدمه الاحتلال في منطقة رام الله بتهمة أنني عضو في “منظمة تخريبية” كما يزعم الاحتلال دوماً وذلك يوم 17-12-1967 إثر اعتقالي مع المجموعة الأولى للجبهة الشعبية في منطقة رام الله يوم 15-12-1967 .

قام الحاكم العسكري الصهيوني “بيرن” بجمع مخاتير المنطقة في قريتنا ووزع عليهم بيانا بأن مصير من يشارك في “التخريب/الإرهاب” هو كمصير هذا الشخص.

حينما جاء جيش الاحتلال لتفجير البيت، أعطوا والدتي ربع ساعه لإخلائه.كان مسطح البيت 140 متراً مربعاً وفيه كل ما لأسرة فلاحية زراعية، لذا لم تتمكن أمي وأخواتي من أخذ كل شيىء.

دُهش أهل القرية للموقف حيث البيت مطوَّق بجنود العدو وإخوتي وأخواتي أُخرجوا من المنزل إلى المسجد الكائن على الرصيف الآخر للشارع وسط القرية.

ومن المفارقات، التي نتندر عليها حتى اليوم، أن أحد رجال القرية كان موجودا لكنه للدهشة لم يساعد أمي في تخليص ما امكن من الأغراض فنهره جندي أن يساعد أمي! كانت صلبة وعنيدة ولم تذرف دمعة واحدة.

لا يكفي ربع ساعة لأخذ شيىء، لا الأثاث ولا مخزون القمح والطحين والزيت ولا الكتب ولا الجوائز والكؤوس الرياضية التي حصلت عليها. اكتفت أمي بالملابس وبعض الأغطية وطبعا صورة والدي الذي توفي في رام الله على الرصيف بالذبحة الصدرية يوم 25 ايار 1965 بعد أن أبلغه مسؤول الارتباط مع العدو في القدس الضابط محمد داوود من بلدة سلوان بأنني قُتلت من قبل العدو وأخذوا جثتي وذلك على الشريط الحدودي في بلدة بيت صفافا، في حين أنني اعتقلني الجيش الأردني. كنت مع رفيقين في مهمة لمنظمة أبطال العودة. محمد داوود عينه النظام الأردني عام 1970 رئيس حكومة الأحكام العرفية إبان تصفية المقاومة في الأردن.

أخذت أمي بعض الفراش والأغطية ولجأت لمسجد القرية وهو مقابل بيتنا بالضبط على الشارع العام الذي كان يصل رام الله بمدينتي اللد والرملة قبيل احتلال 1948 وكنت أنا الذي بادرت لبنائه وهو المسجد الذي كنت وراء ابتنائه قبيل الاحتلال باشهر لأن المسجد القديم “العُمَري” صغير جدا. ولتوفير كلفة المسجد تبرع كل أهل القرية وضمن ذلك باع آل سماره مجموعة آبار قديمة جدا وعميقة ووضع ثمنها في بناء المسجد.

قام ببناء المسجد الجديد ابو يوسف العمواسي أبو غوش والد المناضل أحمد حسن ابو غوش وانتهى البناء قبيل احتلال 1967 ببضعة اشهر.

لم يجرؤ أو يتكرم أحد ممن لديه بيوتا وخاصة أعمامي وعماتي واسعة أو فارغة على إيواء الأسرة وبقيت أمي والإخوة والأخوات اسبوعا في المسجد إلى أن قام المرحوم مرشد محمد علي من حامولة صغيرة اسمهم دار حمد الله، وهو رجل بسيط وطيب وضيق الحال ولكنه من أخوال والدتي فأعطى أمي غرفة من بيته المكون من غرفتين. ولا زلت اذكر بعد خروجي من السجن أوائل عام 1973 كان سقف الغربة يتساقط بعض التراب منه على صحن الأكل.

بعد إعتقالي وهدم البيت جاء إلى أمي رجل من قرية الطيرة بجوار قريتنا المرحون داوود عبد الله وعرض عليها مبلغا من المال تبرعاً،وجاء رجل من قرية بيت عور التحتا اسمه يوسف داوود ايضا عرض على الدتي مبلغا بنفس الطريقة أي تبرعاً وهما من أصدقاء المرحوم والدي لم تأخذ أمي لأن وضعنا كان جيداً.

كان وقتها اخي محمود هو المختار، وكانت يده مكسورة وأُصيب قطيع الأغنام خاصتنا بمرض قضى على معظمه، فجاء إلى البيت الحاج السعدي الخليلي وهو صاحب مزرعة أغنام وله ملحمتين في رام الل حتى الآن يديرها اولاده وأحفاده، وجلب لأخي قطيعا من الضأن وقال له معك طول العمر حتى ترد ثمنه!.

في آذار 1969 جرت اعتقالات للجبهة الشعبية شملت أخي محمود نفسه وتم هدم بيته وم 19 آذار 1969 وعزله عن المخترة واعتقاله . وحينما أُعتقل كان في مستشفى رام الله حيث أجريت له عملية جراحية في المعدة بسبب القرحة.

جاء الحاكم العسكري لاعتقاله من المستشفى وكان في وضع خطير، وحينها تصدى له الراحل نديم الزرو رئيس بلدية رام الله، وهو بعثي كنت معتقلا معه في سجن رام الله عام1963 في مظاهرات مطالبة الأردن الانضمام للوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق وتصدى لهم ايضا مدير المستشفى د. عيسى سلطي وحالوا دون نقله للسجن. وحينها طُلبت للتحقيق وكان لي في السجن سبع عشرة شهرا ونصف وتحمَّلت التهمة عن أخي ولذا لم يُعتقل بعد شفائه.

■ ■ ■

وقبيل بضعة اشهر أرسل لي الصديق الوفي عوني فارس من بلدة سلواد القصاصة أدناه عن محاكمتي.

عوني فارس

صحيفة القدس

عوني

٢٩ ايار ١٩٦٩

طبعاً لم أكن في حركة فتح، وليس هذا تبخيسا لمناضليها ومناضلاتها بل حينها لم يكن يفرقنا شيئا، كنت في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

خلال وجود أخي في المستشفى قام الاحتلال بهدم بيته الواقع في وسط القرية القديمة بين مجموعة من العلالي (مفردها عِلِّيّه). ولأن الأبنية متلاصقة لم يقم الكيان بتلغيمها لأن ذلك قد يهدم العلالي الأخريات فقرر نصب مدقع مقابل البيت وضربه بالقنابل حتى هُدم معظمه ولم يبق منه سوى ما يبدو في الصوره.

وهذه المرة لم يتوفر لأسرة أخي محمود مكاناً فطلبت أمي بيتا من غرفتين للمرحوم عبد الفتاح محمد علي وهو من اقارب المرحوم مرشد محمد علي وبالتالي سكن أخي في بيته مجاناً.

وكما تظهر الصورة للعلالي الباقية، لو لم تُهدم عليتنا لكانت مسكونة حتى اليوم. واليوم نحاول البناء مكانه لأختي لكن الشرط القانوني أن يوافق الجيران على إعادة البناء لأن مسطَّح القرية لم يتم اشتماله في المساحة. لكن الجيران أبناء عمي يرفضون بلا سبب مع أننا لا نحتاج حصتهم. بينما أعدنا بناء بيتنا المهدوم الأول مقابل المسجد حيث منعنا الاحتلال من ذلك من 1973 وحتى 1982 أي حتى تمكننا من إعادة بنائه.

كان بيتنا هذا في وسط القرية القديمة على قمة الجبل. كنت أقف وأنا في العاشرة على سطح البيت وأرى الطائرات وهي تحط في مطار اللد،كان اسمه سابقا مطار كفر جِنِّس ثم حوله الكيان إلى مطار بن غوريون. كانت العلية على قمة الجبل في وسط القرية بعيدا عن الشارع العام كنت أقول لنفسي:

“بيتنا في وسط القرية وقريتنا في وسط فلسطين وفلسطين في وسط العالم”

هؤلاء الرجال الفلاحين الذين هبوا لمساعدة والدتي لم يكونوا لا مثقفين ولا أنجزة ولا كوادر حزبيين ولا يعرفون الخليج بل كانوا ينتجون التين والعنب والبرقوق ويتم تصديره إلى الخليج والعراق قبيل احتلال 1967 لكنهم وطنيين بالفطرة وهذا ما لم يعرفه ماركس ولكن عرفه ماوتسي تونغ وتشي جيفارا ومارسته الثورة الجزائرية والثورة اليمنية في الجنوب اليمني وثورة الجبهة الشعبية لتحرير ظفار في عُمان.

ملاحظة1: انتهت محاكمتي التي امتدت من 29 حزيران 2016 إلى 9 حزيران 2022 حيث رفض القاضي التهمة الموجهة ضدي.

ملاحظة2: نشرت جريدة الأخبار اللبنانية يوم 23 تموز الجاري في مقالة ضدي تشويها لقضية المحكمة حيث زعمت أنها لم تكن بسبب موقفي من التطبيع رغم أن ورقة من ثلاثين صفحة مكتوبة بخطاب “ماركسي” تدعو لدولة مع المستوطنين أصدرها ما يسمى “التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة” يراسه لبناني تطبيع اسمه د. يحيى غدار ثم حُول الإسم إلى التجمع الدولي…الخ.

محرر جريدة الأخبار ، يبدو أنه مستشرقًا، يزعم كما زعم الادعاء أن المشكلة شتيمة امرأة. مع ان البيان الذي وقعت عليه لا يشتم، ناهيك أن الفصائل الفلسطينية في الشام اصدرت بيانا يؤكد ان القضية هي عن التطبيع.

أنظر هذا المقتطف من الصرخة المذكورة:

“…فالحقائق الملموسة الراهنة على ارض فلسطين التاريخية تؤكد ان سكانها اليوم اصليين ومستوطنين يشكلون كلا واحد ا من حيث مصلحتهم في البقاء على قيد الحياة، انها لحظة الانتقال من كيف قديم متعفن آخذ في الاحتضار الى كيف جديد نقي اخذ في الولادة، نسميه دولة فلسطين الديمقراطية التقدمية الواحدة على ارض فلسطين التاريخية، دولة لكل من يعيش عليها”

من يرغب نص ورقة الصرخة سأرسلها له.

ملاحظة 3: صاحب الصرخة يحيى غدار كان قبل شهر في كوبا، يل للهول!! ليس بدعوة من الحزب بل من مكتب علاقات عامة!!!من يمول هذا !!!لأن كوبا لا تدفع.وكيف لمن يدعي المقاومة أن يحتضن ويبذخ في تمويل داعية لدولة مع المستوطنين!

ملاحظة 4: بقايا القوس في صورة حوش الحامولة هو ما تبقى من بيتنا وهذا النمط يسمى “العِلِّية” حيث يتكون من ثلاثة طوابق.

الرابط للخبر الذي ارسله الصديق عوني فارس عن محاكمتي





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى