المقـــامة: تأليف: الدكتور شوقي ضيف.. عرض وتقديم: حاتم السيد مصيلحي

المقـــــــــــــــــامة
تأليف: الدكتور شوقي ضيف
عرض وتقديم: حاتم السيد مصيلحي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرجع الدكتور شوقي ضيف المقامة إلى الشعر الجاهلي،حيث كانت تستعمل بمعنيين: فتارة تستعمل بمعنى مجلس القبيلة أو ناديها،على نحو مانرى عند زهير إذ يقول:
وفيهم مقامات حسان وجوهها
وأندية ينتابها القول والفعل
وتارة تستعمل بمعنى الجماعة التي يضمها هذا المجلس أو النادي على نحو مانرى عند لبيد إذ يقول:
ومقامة غُلِب الرقاب كأنهم..
جن لدى باب الحصير قيام
فالكلمة تستعمل منذ العصر الجاهلي بمعنى المجلس أو من يكونون فيه، وفي العصر الإسلامي نجد الكلمة تستعمل بمعنى المجلس يقون فيه شخص بين يدي خليفة أو غيره ويتحدث واعظا، وبذلك يدخل في معناها الحديث الذي يصاحبها، ثم تتقدم أكثر من ذلك فنجدها تستعمل بمعنى المحاضرة.. وعلى هذه الشاكلة تعفى الكلمة من معنى القيام وتصبح دالة عل حديث الشخص في المجلس سواء أكان قائما أم جالسا، وبهذا المعنى استعملها بديع الزمان في المقامة الوعظية، إذ نرى أبا الفتح الإسكندري يخطب في الناس واعظا وعظا بديعا، وراع ذلك منه عيسى بن هشام،فقال لبعض السامعين: " من هذا؟ " فقال: غريب قد طرأ لا أعرف شخصه، فاصبر عليه إلى آخر مقامته ".
وبديع الزمان هو أول من أعطى كلمة مقامة معناها الاصطلاحي بين الأدباء، إذا عبر بها عن مقاماته المعروفة، وهي جميعها تصور أحاديث تلقى في جماعات، فكلمة مقامة عنده قريبة المعنى من كلمة حديث، وهو عادة يصوغ هذا الحديث في شكل قصص قصيرة يتأنق في ألفاظها وأساليبها،ويتخذ لقصصه جميعا راويا واحدا هو عيسى بن هشام، كما يتخذ لها بطلا واحدا هو أبو الفتح الإسكندري الذي يظهر في شكل أديب شحاذ، لا يزال يروع الناس بمواقفه بينهم ومايجري على لسانه من فصاحة في أثناء مخاطباتهم.. وليس في القصة عقدة ولا حبكة، وأكبر الظن أن بديع الزمان لم يُعنَ بشئ من ذلك، فلم يكن يريد أن يؤلف قصصًا، إنما كان يريد أن يسوق أحاديث لتلاميذه تعلمهم أساليب اللغة العربية، فالمقامة أريد بها التعليم منذ أول الأمر، ولعله من أجل ذلك سماها بديع الزمان مقامة، ولم يسمها قصة ولا حكاية، فهي ليست أكثر من حديث قصير، وكل ما في الأمر أن بديع الزمان حاول أن يجعله مشوقا فأجراه في شكل قصصي.
ويري الدكتور ضيف إنه قد عُمِي على كثير من الباحثين في عصرنا، فظنوها ضربا من القصص وقارنوا بينها وبين القصة الحديثة، ووجدوا فيها نقصا كثيرا.
خصائص وصفات:
ليست المقامة إذن قصة وإنما هي حديث أدبي بليغ، وليس فيها من القصة إلا ظاهر فقط، أما هي في حقيقتها فحيلة يطرفنا بها بديع الزمان وغيره؛ لنطلع من جهة على حادثة معينة، ومن جهة ثانية على أساليب أنيقة ممتازة، بل إن الحادثة التي تحدث للبطل لا أهمية لها، إذ ليست هي الغاية، إنما الغاية التعليم والأسلوب الذي تعرض به الحادثة.
ومن هنا جاءت غلبة اللفظ على المعنى في المقامة، فالمعنى ليس شيئا مذكورا، إنما هو خيط ضئيل تنشر عليه الغاية التعليمية، ولعل ذلك ما جعل المقامة منذ ابتكرها بديع الزمان تنحو نحو بلاغة اللفظ وحب اللغة لذاتها، فالجوهرفيها ليس أساسا، وإنما الأساس العرض الخارجي والحلية اللفظية، وكان لذلك وجه من النفع، فإن الأدباء انساقوا إلى الثروة اللفظية، وأخذوا يبتكرون صورا جديدة للتعبير ولكن في حدود سطحية.
وكأنما ألجموا عقولهم وأطلقوا ألسنتهم،فلم يتجهوا بالمقامة إلى وصف حوادث النفس وحركاتها، ولا إلى الإفساح للعقل، كي يعبر عن العواطف ويحللها، وإنما اتجهوا بها إلى ناحية لفظية صرفة، إذ كان اللفظ فتنة القوم، وكان السجع كل مالفتهم من جمال في اللغة وأساليبها، وكانت ألوان البديع كل ما راعهم منها ومن أسرارها.
في الآداب العالمية:
عرفت المقامة منذ وقت مبكر في الأوساط الفارسية، فقد ألف القاضي حميد الدين أبوبكر بن عمر البلخي ثلاثا وعشرين مقامة على نسق مقامات الحريري وأتمها سنة ٥٥١هـ، وكذلك عرفت في الأوساط اليهودية والمسيحية الشرقية، فترجموها وصاغوا على مثالها باللغتين العبرية والسريانية.
أما في أوروبا فنحن نعرف أن عناصر كثيرة من القصص العربي تغلغلت هناك منذ أواخر العصر الوسيط وأثناء العصر الحديث، وخاصة ماكان موضوعه الرحلات وعجائب المخلوقات.
وفي كل يوم يُظهر الباحثون في عصرنا أن الروح العربي والشرقي على العموم وجد له منافذ وأبوابا كثيرة لا في الآثار الممتازة فحسب بل في القصص الشعبي أيضا.
ومن ثم نرى تأثير الآداب العربية على الآداب الغربية والعالمية.


المقـــــــــــــــــامة
تأليف: الدكتور شوقي ضيف
ط ٦، دار المعارف 1987م
عرض وتقديم: حاتم السيد مصيلحي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى