د. زياد العوف - العودة إلى المدرسة...

لعلّه مِن التقاليد التربوية المَرعيّة إلى يومنا هذا - فيما أُرجّح -أنْ تكون فاتحة موضوعات " التعبير" أو " الإنشاء" في مادة اللغة العربية لطلّاب مرحلة التعليم الأساسي، وبخاصّة الحلقة الأولى منها ، هو الموضوع الذي عنونتُ به مقالي هذا.
وقد يكون الحنين إلى تلك الأيام أحد الأسباب الدّافعة إلى كتابة هذا المقال. كيف لا ؟ وقد كانت أياماً مُترَعةً بذكريات مدرستي الأولى وما تنطوي عليه من ملامح جميلة آخّاذة تتلامح فيها وجوه رفاقي الأعزاء ومعلمِيّ الأفاضل ، بل وحقيبتي المدرسية وما تشتمل عليه من كُتُبٍ مصوَّرَة وكراسات مغلّفة وأقلام ملوّنة وغير ذلك من مستلزمات اليوم المدرسيّ الطويل.
على أنّ الهمّ التربويّ هو الحافز المعرفيّ الذي يحدوني إلى تناول بعض القضايا والمسائل المتّصلة بالتعليم والمعلّمين والمتعلّمين مع انطلاق العام الدراسيّ الجديد.
التربية والتعليم مفهومان متلازمان؛ فإذا كان التعليم يُعنى بتزويد المتعلِّم بالمعارف والمعلومات والمهارات والاتّجاهات المطلوبة، فإنّ التربية تسعى إلى إعداد الفرد الاجتماعي الصالح القادر على التفاعل الإيجابيّ الخلاّق مع شتّى مفردات البيئة المحيطة به بكلّ عناصرها الطبيعية والمادية والاجتماعية بما يحقّق التكيّف الأمثل مع المحيط الخارجيّ.
إنّ المدرسة، بوصفها مؤسسة اجتماعية متخصّصة ، هي الجهة التي يعهد إليها النظام الاجتماعي بواحدة من أعظم مهامّه وأشدّها تأثيراً في بنيانه، بل وكيانه ذاته، ألا وهي إعداد الفرد الصالح للمجتمع.
وهذا لا يتأتّى بمجرّد النقل السلبي للخبرات والمعارف والمهارات، ولا بمحض الترويج لمجموعة من القيم والميول والاتّجاهات؛ إذ إنّ هذا النوع من التلقين التربويّ - إذا صحّ التعبير- لن ينجح في أحسن الأحوال، إلاّ في إعداد أنماط بشرية متشابهة تفتقر إلى القدرة على النموّ والتّطوّر الذاتي، وتفتقر، مِن ثَمّ إلى القدرة على التطوير والتنمية الاجتماعية.
في عالم دائم التغيّر والنموّ والتطوّر، كعالمنا اليوم، لا يمكن للمؤسسات التعليمية والتربوية، وعلى رأسها المدرسة، إلاّ أنْ تواكب هذه الحركة الدائبة من خلال التقويم المستمرّ والمراجعة الدورية لكلّ مقوّمات وعناصر العملية التعليمية، بدءاً بالسياسة التعليمية ذاتها والخطط والمناهج الدراسية، ومروراً بإعداد المعلمين وآليات عملهم ونظام التقويم والأنشطة التربوية، وغير ذلك ممّا له صلة من قريب أو بعيد بالعملية التربوية بمجملها.
نَعَمْ ، إنّ جوهر رسالة التعليم المتمثّل في إعداد الفرد الصالح للمجتمع ثابت لا يتغيّر، بَيْدَ أنّ المحيط الاجتماعي الذي يتمّ إعداد الفرد للتوائم معه دائم التّغيّر والتّبدّل. وهذا يقتضي استحداث وسائل وتصوّرات وآليّات تربوية جديدة تتناسب وهذا التّبدّل.
إنّ التحدّيات التي تواجه وستواجه المؤسسة التعليمية مستقبلاً إنّما هي جزء من التحدّيات التي تعترض المؤسسات الاجتماعية بأسرها، ولعلّ من أهمّها ما يلي:
١- الثورة العلمية والتكنولوجية.
٢- التّغيرات في النمو والحركة السكانية.
٣- التّوتر بين المحليّة والعولمة.
٤- التّغيرات الاجتماعية.
٥- التغيّرات الاقتصادية.
٦- التغيّرات السياسية.
٧- التغيّرات الثقافية والقيميّة. *
إنّ نظرة سريعة إلى هذه التحوّلات والمتغيّرات تُظهِر عِظم المهمّة وجسامة المسؤولية الملقاة على عاتق التربويين العرب وسواهم من المعنيين بالشأن التربويّ.
وربّما أعود إلى تفصيل القول في بعض العناصر المذكورة آنِفاً إذا أسعف الحال.
*- يُنظَر، التربويّون العرب يكتبون وثيقتهم، مدرسة المستقبل، مجلّة المعرفة، وزارة المعارف السعودية،
العدد(٦٤)، رجب ١٤٢١ للهجرة،ص .
٢٩-٣٦ .
كلّ عام وجميع المعنيين والمهتمين بالعملية التربوية والشأن التعليمي بخير وعافية.

دكتور زياد العوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى