ياسر أنور - التفسير الزمكاني للقرآن

ظللت إلى وقت قريب أشعر بشيء من الحيرة أمام التفاسير المختلفة للقرآن الكريم، وذلك لأن أكثرها او كلها تعتبر تفاسير تستند إلى رؤى اصطلاحية لا لغوية. و ما أعنيه بالتفسير الاصطلاحي هو التفسير المستقر شرعا او عرفا والذي يعود إلى العهد النبوي ثم عهد الصحابة والتابعين. و هذا التفسير الاصطلاحي لم يكن معروفا لكفار مكة عند بدء نزول القرآن، فقد كان تعاملهم في ذلك الوقت مع القرآن تعاملا لغويا، أو بلاغيا إن صح التعبير، فمثلا عند نزول سورة الطارق، هل كان المشركون يعرفون ان المقصود بقوله تعالى : إن كل نفس لما عليها حافظ، ان هذا الحافظ هو حافظ من الملائكة، كما هو مشهور عن ابن عباس وكثير من المفسرين؟ . أتصور ان الإجابة لن تكون كما هو مذكور ومنقول في كتب التفاسير. فكيف كان المشركون إذن يتلقون المعنى اللغوي الذي هو مكمن التحدي والإعجاز؟ لكن أود أن أشير إلى أن القصد من كلامي ليس التقليل من شان المعنى الاصطلاحي، فهو عماد الدين بلا شك، لكن ما أعنيه هو تأثير التفسير الاصطلاحي بطريقة او بأخرى على التفسير الإعجازي، وقد ذهب كثير من حيرتي وانا أعيد قراءة القرآن، وتلاقيه، بطريقة مغايرة، متخيلها نفسي فيي بطحاء مكة، استمع إلى ذلك الرجل العظيم الذي يقرأ القرآن على شعراء مكة وبلغائها، فكيف إذن كانوا يفهمونه، وكيف فهموا معنى كلمة حافظ،. وكيف أحسوا بالقيمة الإعجازية للقرآن حتى شهدوا بحلاوته وتفرده؟ إن هذه المرحلة التي تمر بها الأمة تتطلب منا ان نعود بالقرآن إلى لغته الأولى، وإلى عهده المكي الأول، وهي مرحلة زمانية ومكانية تتسم ببكارة اللغة ونقاىها قبل أن تصبغ بالمعنى الاصطلاحي، فنتوقف أمام كلمة مثل كلمة حافظ في آية سورة الطارق، ونضع كل الاحتمالات الدلالية عند تلقيها لأول مرة، ثم نتابع تطور دلالات كلمة حافظ في المرحلة المدنية، بعد استقرار المعنى الاصطلاحي، ونكمل مسيرة تطورها فلن نتوقف عند مرحلة الاستقرار تلك، بل نواصل رصد تطور دلالات الكلمة بعد اتساع دوائر العلوم المختلفة وتشابكها، وهذا النوع من التفسير يمكن أن نطلق عليه باطمئنان، التفسير "الزمكاني" للقرآن، لأنه يختلف دلاليا باختلاف زمان ومكان رصده وتلقيه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى