ناصر دمج(*) - العبرة العصية على الاستخلاص، والدرس الذي لا يستفاد منه لنحي ذكرى مقتل "سامي طه"، مؤسس الحركة النقابية الفلسطينية وباعثها

لم يكن قاتل "سامي طه" شخصاً مجهولاً كما يظن البعض لغاية الآن، وهو المدعو "صبحي شاهين" من منطقة نابلس، الذي أدلى بإفادة مشفوعة بالقسم للمؤرخ الفلسطيني "عبد القادر ياسين" بتاريخ 22 آب 1959م، عندما التقاه في سجن طورة المصري، وأبلغه بأنه قام بما قام به، بتكليف مباشر من الحاج "أمين الحسيني" رحمه الله، وكان شاهين مجنداً في أحد الأجهزة المحسوبة على الهيئة العربية العليا في حيفا.
وتم ذلك بعد مشاركة "سامي طه" في مؤتمر لندن عام 1947م، ضمن الوفد الفلسطيني الذي ترأسه "جمال الحسيني"، وسطع نجمه في سماء فلسطين بعد أن عرض أمام المؤتمر التطورات المتعلقة بالنضال الفلسطيني ومعاناة العمال الفلسطينيين، وتحميله للحكومة البريطانية كامل المسؤولية عن تسهيلها لهجرة اليهود؛ وقدم الأدلة والوثائق حول ذلك، فلاقت كلمته استحساناً من مندوبي الوفود العربية، الذين وجهوا إليه الدعوات لزيارة بلادهم. (المصدر – من شهادة أبو ماهر اليماني، لمجلة الدراسات الفلسطينية حول اغتيال سامي طه، صفحة 173، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المجلد رقم 18 العدد 69 شتاء 2007م).
لهذا قرر الحاج أمين الحسيني التخلص من سامي طه، الذي بدأت زعامته المتصاعدة تشكل تهديداً ما لمكانة وشعبية الحسيني، ويندرج قرار الحسيني ضمن حالة الفزع التي كانت تسيطر على قادة المجتمع الفلسطيني التقليديين تجاه منافسيهم وخصومهم الوطنيون.
وتسبب هذا الخوف تاريخياً، بقلب أجندات العمل الوطني الفلسطيني رأساً على عقب، لأن تلك القيادات كان تفضل تصفية المنافسين الوطنيين، على ملاحقتها لسماسرة بيع الأراضي لليهود ومحاربة التمدد الاستعماري لهم.
وهذا المسلك البغيض، لم تسدعيه الضرورة السياسية زمنذاك، بقدر ما كان تجسيداً فظاً لأمراض اجتماعية وافدة من الميراث الاقطاعي والبرجوازي لأولئك القادة، لكن وجد لنفسه دفيئة سياسية نما في ظلها، وهي ذات دافعيات عشائرية وجهوية ولاحقاً فصائلية لقادة العمل الوطني الفلسطيني المتعاقبين، أي إقصاء وتهميش وتصفية المنافسين المحتملين معنوياً وجسدياً عندما يرون حاجة لذلك، ووجدنا أكثر من أثر يدل على تمسك قادة الثورة الفلسطينية المعاصرة، بهذه الطريقة من طرق القيادة والتحكم والسيطرة؛ لإخلاء الساحات من الخصوم والمنافسين.
من هو سامي طه ؟
ولد "سامي طه حمران" في قرية عرابة في محافظة جنين في عام 1911م، وتوفاه الله بتاريخ 11 أيلول 1947م، واستقر به المقام في مدينة يافا ومن ثم حيفا، وانخرط فيما بعد بالعمل النقابي ضمن "جمعية العمال العرب الفلسطينية" التي كانت تخدم عمال سكة حديد الحجاز، وأصبح اسمها فيما بعد "نادي عمال سكك الحديد الخيري"، ثم سُجّلت رسميًا كجمعية للعمال بعد موافقة الحكومة البريطانية. (المصدر - بيان نويهض الحوت، القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917م – 1948م، بيروت 1981م).
كما دافع "سامي طه" ورفاقه عن حقوق العمال الفلسطينيين، في الموانئ والمستشفيات والقطارات ومخازن السلاح وغيرها تحت الإدارة البريطانية، وبتاريخ 10 نيسان 1946م دعا إلى إضرابًا مفتوحاً للمطالبة بحقوق العمال العرب حتى رضخت حكومة الانتداب لكل مطالبها، الأمر الذي أكسبه شعبية كبيرة، قبل ذلك تعرّض للاعتقال المتكرر من قبل جيش الاحتلال الإنجليزي، بين الأعوام 1937م إلى 1938م، بسبب مناهضته للاستعمار الإنجليزي والاستيطان اليهودي. (المصدر - حسني صالح الخفش، مذكرات حول تاريخ الحركة العمالية العربية الفلسطينية، بيروت 1973م).
هذا النشاط دفع بسامي طه إلى مقدمة مسرح العمل السياسي المحلي والدولي، وتوجه ضمن الوفد الفلسطيني إلى مؤتمر لندن سنة 1947م، الذي ترأسه "جمال الحسيني"، وفي المؤتمر عرض التطورات المتعلقة بالنضال الفلسطيني، بما فيها مسؤولية الحكومة البريطانية عن تسهيل هجرة اليهود؛ وقدم الأدلة والوثائق حول ذلك، فلاقت كلمته استحساناً من مندوبي الوفود العربية، الذين وجهوا إليه الدعوات لزيارة بلادهم. (المصدر – من شهادة أبو ماهر اليماني، لمجلة الدراسات الفلسطينية حول اغتيال سامي طه، صفحة 174، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المجلد رقم 18 العدد 69 شتاء 2007م).
وهذا ما حوله من زعيماً عمالياً إلى قائداً سياسياً، وتجلت زعامته الصاعدة في المؤتمر العام الثالث لجمعية العمال العربية الفلسطينية، الذي حضره 120 مندوباً يمثلون 12000 عامل من 65 فرعًا في فلسطين، حيث ركز سامي طه في تقريره أمام الحضور على العلاقة بين كل من الحركة السياسية والحركة النقابية، وانتهى المؤتمر بتبني مجموعة اقتراحات، ومنها:
1- رفض مبدأ مشروع تقسيم فلسطين، الذي كان يناقش في دوائر الأمم المتحدة.
2- تأييد مشاريع الجامعة العربية الاقتصادية التي تهدف إلى تكوين صندوق تسهم فيه الدول العربية لشراء الأراضي في فلسطين، كي لا تباع لليهود، وتبقى باسم الجامعة العربية، ويشتغل فيها الفلاحون الفلسطينيون.
3- إقامة دولة عربية فلسطينية ديمقراطية.
4- اعتبار اليهود العرب، الذين كانوا يقطنون فلسطين حتى عام 1918م، ومن تناسل منهم مواطنين لهم كافةالحقوق، وعليهم كافة واجبات الوطن. (المصدر – من شهادة أبو ماهر اليماني، لمجلة الدراسات الفلسطينية حول اغتيال سامي طه، صفحة 174، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المجلد رقم 18 العدد 69 شتاء 2007م).
غير أن الهيئة العربية العليا هاجمت المؤتمر وقراراته وأمينه العام بشدة عبر الصحف. وبعد شهر واحد على المؤتمر اغتيل سامي طه بتاريخ 11 أيلول 1947م، فأعلن العمال الإضراب العام في فلسطين، وقامت التظاهرات الصاخبة، وأقيم له في حيفا مأتم مهيب، حضرته شخصيات وطنية ودينية ورسمية تمثل مختلف الفئات والهيئات الفلسطينية، كما شاركت فيه وفود عربية، باستثناء الهيئة العربية العليا التي لم يحضر من طرفها أي أحد. (المصدر – من شهادة أبو ماهر اليماني، لمجلة الدراسات الفلسطينية حول اغتيال سامي طه، صفحة 175، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المجلد رقم 18 العدد 69 شتاء 2007م).
لكن الهيئة نفسها طلبت من "عبد الحميد حيمور" رئيس جمعية العمال العربية الفلسطينية، إحلال السيد "يعقوب الحسيني" مكان سامي طه في الأمانة العامة، لكن قيادة الجمعية رفضت ذلك، ما اعتبر في حينه ثاني المؤشرات على تورط الهيئة ورئيسها بقتل "سامي طه".
استنتاج
يستفاد من هذا العرض، أن هناك حاجة وطنية ملحة تلزم العاملين في المجال العام، العمل على تدوين سيرهم الذاتية من تلقاء أنفسهم وهم على قيد الحياة، لأن المنافسة الشديدة وغير الشريفة بين أبناء الحركة الوطنية الفلسطينية تعرضهم لخطر التشويه الشديد، وهو ما قد يحرم العديدين منهم من تعريف أمتهم بأفضل ما لديهم، وبأفضل ما قدموه للنضال الوطني والقومي.
كما تبرز هنا الحاجة لدى النقابين والنقابيات الفلسطينيين لمباشرة مثل هذا العمل بسبب الظلم المضاعف الذي يتعرضون له من المنافسين والمتربصين بهم وبعملهم، الذي لا يقدر قيمته ولا يوزن انتاجيته إلا من عرفهم عن قرب وتلمس إنتاجيته العالية بالنسبة لقضيتنا.
اليوم تمر علينا الذكرى الخامسة والسبعون لاغتيال "سامي طه" كذكرى غريبه لرجل مجهول، وكان رحمه الله مثالاً للنزاهة وحسن السيرة وأمانة المعاملة،وكان لا يترك لخصمه فرصة للغضب، كما كان عفيفاً شريفاً نظيف اليد عاش فقيراً ومات فقيراً. وبذل جهده لخدمة قضيته وعمال وطنه، لهذا كان من المفترض أن تسرد سيرته في المناهج، وتدرس مسيرته كباعث مبكر للحركة العمالية الفلسطينية، وأباً صالحاً للكفاح النقابي العنيد.


مصادر المقالة ومراجعها
1- من شهادة أبو ماهر اليماني، لمجلة الدراسات الفلسطينية حول اغتيال سامي طه، صفحة 173، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المجلد رقم 18 العدد 69 شتاء 2007م.
2- بيان نويهض الحوت، القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917م – 1948م، بيروت 1981م.
3- حسني صالح الحفش، مذكرات حول تاريخ الحركة العمالية العربية الفلسطينية، بيروت 1973م.
4- مصدر سبق ذكره، شهادة أبو ماهر اليماني، لمجلة الدراسات الفلسطينية حول اغتيال سامي طه، صفحة 174، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المجلد رقم 18 العدد 69 شتاء 2007م.
5- المصدر السابق نفسه، شهادة أبو ماهر اليماني، لمجلة الدراسات الفلسطينية حول اغتيال سامي طه، صفحة 174، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المجلد رقم 18 العدد 69 شتاء 2007م.
6- مصدر سبق ذكره، شهادة أبو ماهر اليماني، لمجلة الدراسات الفلسطينية حول اغتيال سامي طه، صفحة 175، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، المجلد رقم 18 العدد 69 شتاء 2007م.

• كاتب وباحث فلسطيني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى